“العيش والحرية” يدين الانقلاب العسكري بالسودان: يستهدف تصفية آخر مكاسب الثورات العربية
الحزب: نحيي نضال الشعب ضد الثورة المضادة.. والمعركة تستدعي تغييرًا في الرؤية والقيادة
وجود سودان ديمقراطي ضرورة للحفاظ على الحد الأدنى من معاش ورفاهية الشعب المصري.. والدليل ملف سد النهضة
أدان حزب العيش والحرية (تحت التأسيس) الانقلاب العسكري في السودان، مؤكدا أنه يستهدف تصفية آخر مكسب صريح حققته جماهير منطقتنا العربية المستغلة والمنهوبة في مسار ثورتها المستمرة طوال عقد كامل من الزمان.
وأضاف الحزب، في بيان له اليوم الثلاثاء: “نحيي نضال الشعب السوداني البطل والذي مازال يلهمنا ويعلمنا في مواجهة أشرس انقضاض لمعسكر قوى الثورة المضادة على أمانه ومعاشه وحريته”.
وأوضح أن جماهير الشعب السوداني لم تكن لتفلت من هذه المواجهة مع معسكر الثورة المضادة أبدًا، وأنها حققت في هذه المواجهة انتصارات مهمة منذ الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في أبريل ٢٠١٩؛ كالحيلولة دون استئثار العسكريين بأمر إدارة المرحلة الانتقالية، وتحقيق خطوات مهمة على طريق التنظيم المدني الديمقراطي لجماهير السودان سواء في اتحادات المهنيين والعمال أو لجان المقاومة في الأحياء، وإنجاز عدد من اتفاقيات السلام التي أنهت عقود من الحرب التي أشعل فتيلها نظام عمر البشير العسكري- الإسلامي.
واستدرك: “لكن كل ذلك لم يكن كافيًا لهزيمة معسكر الثورة المضادة، فالتنظيم الذاتي للجماهير، وإنهاء الحرب الأهلية، دون قيادة شعبية جديدة من رحم هذه المنظمات، ودون بديل واضح للتنمية وإدارة الثروة يقضي على مسببات التفاوت بين الطبقات والأقاليم والجهات، أوكل مهمة التمثيل السياسي للثورة لعدد من القوى السياسية التقليدية، كحزب الأمة العتيد، أو قوى ناشئة من الطبقة المتوسطة يغلب عليها الهوى الليبرالي العام وتفتقر لسند شعبي وازن”.
وتابع: “انتهى الأمر بهذه القيادة ممثلة في أحزاب الحرية والتغيير لاتباع نفس الوصايا الصادرة من الحكومات الغربية ومؤسسات التمويل الدولية، التي تُقدم كطريق وحيد للتحول الديمقراطي، وعلى رأس هذه الوصايا الاقتراض الخارجي بضمان صورة الثورات الوردية، مع ما يقتضيه ذلك من شروط متعسفة تضغط النفقات العامة وتقلص من ميزانية أنظمة الحماية والرفاه الاجتماعية، والرهان على أن السلام الداخلي سينعش بصورة سحرية حركة السوق الداخلية ويجذب الاستثمار الخارجي، وتكفلت الأزمة الاقتصادية الممتدة على مدار العامين الماضيين بتبيان مدى قصور هذه الرؤية والتفاوت البالغ ما بين طابعها المحافظ وطموح غالبية السودانيين”.
وأكد الحزب أن الإحباط الناتج عن هذه السياسات سمح لبقايا نظام البشير في الأجهزة الأمنية، والمغامرين العسكريين الجدد، والكتل الاجتماعية الرجعية التي هالها أفق الثورة الديمقراطي المدني، أن تتلاقى مرة أخرى وتبلور موقعها كتحالف قوي قادر على المناورة داخليًا، وبناء التحالفات خارجيًا.
واعتبر “العيش والحرية” أن هذه الكتلة وجدت حليفها الطبيعي في إسرائيل وعدد من نخب الخليج المتنافسة وقدمته كمخرج وحيد للأزمة الاقتصادية، ثم رأينا النفخ في نار التوترات العرقية بالرغم من اتفاقات السلام، خصوصًا في دارفور، ثم محاولة شق صفوف القيادة السياسية للمعسكر الديمقراطي، أي قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين، عبر اختراع ظهير سياسي منافس ينتحل نفس الاسم، ثم اللجوء لسياسة التجويع الصريحة للشعب عبر إغلاق ميناء بورتسودان وكامل شرق السودان على مدى شهرين تقريبًا بالتحالف مع بعض القوى المحلية، كل ذلك حرث الأرض للانقلاب الصريح الذي جرت وقائعه بالأمس.
وشدد على أنه لم يكن متوقعًا أن تستخرج جماهير السودان الثائرة بديلًا جاهزًا من قبعتها، بعد عقود طويلة من تخريب الحياة المدنية للسودانيين، لكن الثورات كما أنها أعياد المقهورين فهي مدرستهم الوحيدة كذلك وعليهم استخلاص الدروس من عثراتها حتى يخوضوا معاركها المستقبلية بدرجة أعلى من الوعي والتنظيم.
ولفت إلى أن أولى هذه الدروس أن المقاومة البطولية الحالية في احتياج إلى قيادة سياسية جديدة تضع صوب أعينها ضرورة إبداع بديل اجتماعي صريح لسياسات الإفقار والتهميش والتمييز التي طبقت على أنفاس السودانيين عقودًا طوال، وأن هذا البديل هو الوحيد الكفيل بمد نطاق المقاومة ليصل لجميع مناطق السودان المهمشة التي تُركت مفتوحة لدعاية معسكر الثورة المضادة، وهذه القيادة الجديدة الشابة الخارجة من رحم مقاومة الأحياء والشوارع هي الكفيلة بترميم صورة الثوار في عيون السودانيين بعد أن تلطخت بصراعات الأحزاب التقليدية.
وأردف “العيش والحرية”: “في مصر، فنحن لا يسعنا إلا إعلان التضامن الكامل مع مقاومة الشعب السوداني، والضغط بكافة السبل للحيلولة دون التورط الرسمي في دعم هذا الانقلاب الدموي”.
ونوه إلى أن “تطورات الثورة السودانية قد أثبتت بما لا يدع مجالًا للشك، أن سودانًا ديمقراطيًا خاليًا من التمييز، هو ضرورة لتحقيق شعار مصر المدنية الديمقراطية الاجتماعية، بل هو ضرورة للحفاظ على الحد الأدنى من معاش ورفاهية الشعب المصري، فبدون الحكومة الديمقراطية في السودان ما كنا لنرى هذا التحول الاستراتيجي في موقف السودان من ملف سدّ النهضة، فحكومة تضع نصب أعينها مصلحة الغالبية العظمى – مهما كانت درجة تخبطها أو محدودية رؤيتها – لا يمكن أن تقامر بشريان حياته كما فعل نظام البشير وكما قد يفعل الثنائي المرتزق برهان وحميدتي”.
واستكمل: “السودانيون مهمة صعبة، ولكنها ليست مستحيلة والهزيمة ليست قدرًا. والشعب السوداني يعرف طريقه، بل هو من اختط لنا الطريق بثورته العظيمة في ديسمبر ٢٠١٨، فكما علّمنا سابقًا نوقن أنه سيستمر في إلهامنا مهما كانت نتائج هذه الجولة”.