حنان فكري تكتب عن مركب “النادر” وأخواتها والأطفال المهاجرين: الصيادون المسيحيون.. ضحايا حلم الهجرة
حكاية “النادر” حكاية متكررة، انه مركب خرج في رحلة صيد إلى جزيرة مالطا في 24 سبتمبر الماضي، غادر المياه الاقليمية المصرية، وعبر البحر المتوسط، وعلى متنه 17 صياداً مصرياً، جميعهم مسيحيون من قرية «برج مغيزل» بمحافظة كفرالشيخ، وصولاً إلى ليبيا، حيث يفر الشباب من مصر الآمنة إلى ليبيا التى شهدت أراضيها مذبحة لـ 21 شهيدا مصريا مسيحيا منذ ست سنوات، بل وتملأها القوات الأجنبية والمرتزقة، فلماذا يعبرون إليها؟ إنه الحلم الأوروبي، وليبيا محطة العبور لايطاليا واليونان.
تم اتهام الصيادين بـ«اختراق المياه الإقليمية». وهو ما يعني انهم عبروا الى مناطق في مياه البحار تحت السيادة الليبية، وبينما يؤكد أهلية الصيادين انهم سافروا وغادروا مصر بعقود عمل شرعية. احتجزت السلطات الليبية طاقم المركب، وأودعتهم سجن بني غازي، بحجة اختراق المياه الاقليمية، ولا توجد تفاصيل اكثر من ذلك، و– حتى الآن- لا شبهة دينية في الاحتجاز. فتاريخ الاحتجاز الرهائن للمصريين المسيحيين في ليبيا يدفع الخوف في الصدور، فضلا عن تاريخ الاحتجاز بالاتهام بالتبشير ايضاً لذلك اول ما تتوجه اليه الشكوك هو الشبهات الدينية.
وبينما تتكاثر الاخبار حول متغيبي قرية مغازل ظهرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي استغاثات اخرى أطلقتها أسر المحتجزين حول شرعية عقود العمل التي غادروا مصر، بها. وتفيد الاستغاثة بتغيب ١٧ مصريا من قرية الجزازرة – مركز المراغة بسوهاج وهو ما لا يتطابق مع اخبار متغيبي كفر الشيخ المحتاجين في ليبيا ايضا.
وتم نشر اسمائهم كالتالى :
١- عاصم عبده غبريال
٢- جورج ناصر رياض
٣- موريس ملاك متياس
٤- وائل سمير شوقى
٥- هانى زكى شكرالله
٦- هيثم نظير ملاك
٧- جرجس نظير ملاك
٨- ثابت جاد حنا
٩- بخيت ملاك متياس
١٠- عدلى اسعد عطية
١١- ميخائيل نظير ملاك
١٢- رومانى مسعود فهيم
١٣- كريم ابو الغيط
١٤- عماد نصرى قلدى
١٥- دانيال صابر لمعى
١٦- حزقيال صابر لمعى
١٧- سمير صابر
وسواء كانت نفس المجموعة محل الاستغاثة او مجموعة جديدة وسواء كانت هجرة غير شرعية او بعقود عمل في الداخل الليبي الممزق أمنياً، النتيجة واحدة، وهي أن محاولات العبور للجانب الآخر من المتوسط، لا تتوقف رغم ارتفاع نسبة المخاطرة، بل انه في الشهور الأخيرة كان بينهم عشرات الاطفال في كل مرة، ففي يوليو الماضي صرحت البعثة الدبلوماسية المصرية في طرابلس، بأنه تم ترحيل 140 مواطنا مصريا، بينهم 17 طفلاً أقل من 18 عاما، تبين أن 76 منهم هجرة غير شرعية، وفي سبتمبر سلمت السلطات الليبية، لمصر 53 شابا ايضاً، ووفقاً للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية فإن »الهجرة غير الشرعية للأطفال القصر«.تتركز في محافظات الفيوم والدقهلية والشرقية، والمنيا، وهناك 71% من الشباب المصري يحاولون الهجرة غير الشرعية.
ويتساءل البعض كيف يخرج الأطفال في هجرة عبر البحر؟ لا تتعجبوا، فأهليتهم ايضا لديهم الحلم الاوروبي، فالأهالي يعتمدون على القانون الإيطالي، حيث يتخذ الاطفال مسارهم إلى ليبيا ومنها إلى ايطاليا، وفي الأخيرة يمنع القانون ترحيل الأطفال دون الثمانية عشر عامًا،من الذين لجأوا إلى ايطاليا، ويتركهم يعيشون هناك ليحصلوا على التعليم والإقامة ثم الجنسية.
وحينما ادركت ذلك اللجنة الوطنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية، اعلنت على لسان رئيستها السفيرة نائلة جبر: “سنت السلطات تشريعًا يعطي الولاية إلى المركز القومي للطفولة إذا سافر الطفل بشكل غير شرعي، ليكون من حق السلطات استعادة الأطفال” لكن لم تقل لنا اللجنة ولا من سنوا هذا التشريع، ماذا فعلوا لهذه الاسر وما وفروه لهم من كرامة وسد عوز لتمنعهم من الدفع بفلذات اكبادهم إلى الموت غرقاً أو الاحتجاز قسراً، أو التنكيل على يد القراصنة والارهابيين؟
القصة ليست قصة 17 صيادا مصريا مسيحيا فقط ولكنها قصة مستقبل وطن، تفضل براعمه الموت غرقا عن التفتح في تربتها الأصلية.
أهالي وأطفال يُداعبهم الحلم الأوروبي، تُغريهم المياه المفتوحة بين شواطئنا وتلك التي في اليونان وايطاليا، يلقون بارواحهم في مغامرة الموت بحثاً عن الحياة، فتتصيدهم شباك سماسرة التهجير غير الشرعي، تتلاقى المطامع، الطامعون في حياة افضل، مع اولئك الطامعين في جني المال حتى لو كان المقابل أرواح البشر، يسلمونهم لمراكب متهالكة، يعلمونهم استخدام البوصلة ثم يجبرونهم على السباحة بعيدا عن أعين خفر السواحل وصولاً للبر، يموت من يموت، وينجو من له نصيب من النجاة، حاملاً عاهة نفسية لا تفارقه طالما عاش. فكروا أولا في الدافع ثم عاقبوهم.