بعد مناقشته بالشيوخ.. ننشر ملاحظات دار الخدمات حول الصيغة النهائية لمشروع قانون العمل الجديد.. ودعوة لحوار حقيقي حوله
الدار: المشروع فتح الباب أمام العقد المحدد المددة وفرغ الإضراب من محتواه وفتح باب الفصل على مصراعيه من خلال نصوص قانونية
الدار تدعو البرلمان لإجراء حوار مجتمعي حقيقي حول المشروع قبل اقراره.. وأن يشارك في الحوار الممثلين الحقيقيين للعمال
صرخة من الدار: ندعو النقابات والقيادات العمالية والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني للعمل معا ليخرج المشروع محققا علاقات عمل متوازنة
كتب – أحمد سلامة
أعلنت دار الخدمات النقابية ملاحظاتها حول الصياغة النهائية لمشروع قانون العمل الجديد، وكشفت الدار عن أن لجان الطاقة والبيئة والقوى العاملة بمجلس الشيوخ ناقشت المشروع على مدى الأيام الثلاثة الماضية، وينتظر إحالته للبرلمان لتبدأ مناقشته خلال الأيام القادمة.
ودعت الدار النقابات والقيادات العمالية والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني للعمل معا ليخرج المشروع محققا علاقات عمل متوازنة وأكثر عدالة ومراعيا التغيرات في سوق العمل، ومتضمنا آليات لحل المشكلات والنزاعات التي تكشفت في ظل قصور قانون العمل السابق عن ملاحقة التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وليكون محل رضا من جميع أطراف العمل.
وطالبت دار الخدمات البرلمان المصري بضرورة إجراء حوار مجتمعي حقيقي حول مشروع القانون قبل مناقشته واقراره، وأن يشارك في هذا الحوار ممثلو العمال الحقيقيين، بدلا من أن يقتصر كما سبق على ممثلي رجال الأعمال وممثلي الحكومة “وزارة القوى العاملة” واتحاد العمال الرسمي المنفصل عن مصالح العمال وهمومهم.
وأكدت دار الخدمات على أنه حتى يكتسب مشروع قانون العمل احترامه وقوته وقابليته للتطبيق لابد من توافقه مع الاتفاقيات الدولية والدستور المصري، وتوفيره الحماية للطرف الأضعف في علاقات العمل، أي العمال سواء لحقهم في الأمان الوظيفي، أو في أجر يضمن لهم ولأسرهم حياة إنسانية ويلاحق بل يسبق معدلات الغلاء والتضخم، وفي بيئة عمل تتوافر بها شروط السلامة والصحة المهنية.
وسردت الدار عددا من الملاحظات حول الصياغة النهائية للمشروع، مشيرة إلى أنه جاء ليسير على منوال القانون الحالي والذي جاء لينزع “الأمان الوظيفي” عن العاملين وفتح الباب للعقد محدد المدة.. وشددت على انه رغم أن القانون جاء ليعترف بحق الاضراب استجابة للدستور والمواثيق الدولية إلا أن الشروط الواردة لتنظيم الاضراب ف القانون فرغت هذا الحق من محتواه وفتحت الباب لفصل العمال في حالة مخالفتهم لهذه الشروط
وأشارت الدار إلى أن واحدة من أهم مثالب قانون العمل الحالي -وربما كبرياتها- كانت نصوص المواد 104، 105، 106 وإجمالاً معالجة القانون للعقد محدد المدة.. حيث أُطلِق العنان -دون كابح- لعقود العمل المؤقتة التي قدمت الحكومة –خلال العقد الأول من القرن- المثل الأسوأ في استخدام العاملين بموجبها.. ولم تعد من حاجة إلى التحايل على القانون بعد أن نزل القانون نفسه على مقتضيات هذا التحايل”.
وشددت دار الخدمات في ملاحظاتها على “أن استخدام العامل بموجب عقد مؤقت في عمل دائم من أعمال المنشأة ليس سوى افتئات على الواقع.. والتفاف على الحقوق.. ذلك أن صاحب العمل في هذه الحال لا تتجه نيته حقًا إلى استخدام العامل لمدة محددة، وإنما يستهدف فقط الإمساك فى يده بكافة الخيوط ليكون له فصل العامل والتخلص منه متى شاء تحت مسمى انتهاء العقد محدد المدة دون أن يرتب ذلك للعامل الحقوق التى تترتب له حال فصله تعسفياً”.
وأردفت “إن القول بحق صاحب العمل فى اختيار نوع العقد الذى يناسبه ينطوى على مغالطة صريحة .. ويمكننا العودة فى هذا الشأن إلى القانون المقارن لنرى كيف تُصاغ التشريعات للحد من ظاهرة العقود المؤقتة، وكيف تنص اتفاقيات العمل الجماعية التى تتفاوض بشأنها وتتفق عليها النقابات والاتحادات النقابية العمالية (الحقيقية، والفاعلة) على تحجيم العقود المؤقتة داخل أطر من القواعد والمعايير الواضحة أو من خلال نسب محدودة من عدد العقود لا يجوز تجاوزها”.
كما أشارت الدار إلى أنه “من غير المستساغ إفراد نصوص قانونية لتنظيم إنهاء علاقة العمل من جانب صاحب العمل والعامل خلافاً للنصوص التي تنظم أحكام الفصل والاستقالة.. كما أنه من غير المقبول تبرير ذلك بالقول أن النص هنا ينظم حالات التراضي بين الطرفين.. حيث غنى عن الذكر أن حالات الرضاء لا تستدعى تنظيمها بمثل هذه القواعد والشروط والأحكام”.
وعن الأجور، قالت الدار “لعله غنىٌ عن التأكيد أن الأجور هى الشأن الأهم فى علاقة العمل .. أو أنها بالأحرى محورها.. ذلك أن عقد العمل فى جوهره هو أجر مقابل عمل.. أجر محدد لقاء عمل محدد وفقاً لشروط محددة.. فإذا قصُرت المعالجة التشريعية عن وضع الضوابط والمعايير اللازمة لتحديد الأجر.. إذا ارتبك تعريف الأجر بين صوره المتعددة .. تعذر استقرار علاقات العمل وباتت منازعاتها واقعاً يومياً”.
وأضافت “على خلاف ما نصت عليه المادة 34 من قانون العمل الحالى رقم 12 لسنة 2003- لم تنتظم آلية المجلس القومى للأجور.. بل أنها تعطلت تعطلاً شبه كامل فيما عدا استثناءات قليلة لمحاولات الانعقاد لم تنجح فى تحقيق نتائجها.. وفى ظل غياب حد أدنى “منطقي” للأجر- عام وملزم ومطبق على العاملين فى جميع القطاعات- بتنا أمام ما يمكن اعتباره فوضى الأجور.. أجر ثابت صغير القيمة وأجور متغيرة ليس لها من ضابط سوى أوضاع سوق العمل، ولا يشمل منها الأجر التأميني سوى القدر اليسير.. لتظل كل من هذه العناصر مثاراً للجدل ومحلاً لمنازعات عمل دائمة.. العمال يطالبون بزيادة الأجر التأميني “الذى تسدد عنه الاشتراكات وتحتسب المستحقات التأمينية وفقاً له” وأصحاب العمل يرفضون ويتضررون من زيادة الأعباء (حصة الاشتراكات التأمينية التى يقومون بسدادها).. طريقة احتساب العلاوة الدورية والمطالبة بالعلاوة الاجتماعية (الخاصة).. فضلاً عن عناصر الأجر المتغير وطرق احتسابها”.
واقترحت الدار أن يعمد قانون العمل الجديد مباشرةً إلى تحديد الحد الأدنى للأجر موفراً له صفتي العمومية والإلزام، على أن ينص على أن يزاد هذا الحد الأدنى سنوياً بما يعادل معدل التضخم، أو يقاربه، بينما تظل للمجلس الأعلى للأجور باقى الاختصاصات التى ينص عليها المشروع”.
وحول حق الإضراب اشادت الدار بأن المشروع تطرق للمرة الأولى إلى تعريف الإضراب باعتباره أحد مفردات علاقات العمل لكنها لفتت إلى أن النصوص المنظمة للإضراب فى مشروع القانون [200-204]:جاءت لتفرغ هذا الحق من محتواه . وأكدت الدار على أن الاستمرار فى تقييد حق الإضراب بشروط تعجيزية والتوسع فى الحظر يؤدى بنا إلى استمرار الدوران فى الدائرة المعروفة .. استحالة تطبيق القانون، وبالتالى إدارة الظهر له أو عدم احترامه .. لنجد أنفسنا أمام إضرابات تقع خارج القانون لأنها لا يمكنها الانضباط لشروطه، وتعامل انتقائى مع هذه الإضرابات يبدأ من الاعتراف بها والتفاوض مع ممثليها ومنظميها وينتهى بالحكم على بعض من يمارسون حقهم فيها بالسجن ، والأمر كله متروك لموازين القوى واعتبارات المواءمة بل وطبيعة ومزاج وثقافة الأطراف الأخرى.
ولفتت الدار إلى إن أخطر ما ورد في المشروع هو ما تنص عليه المادة 121 من مشروع القانون فى البند 8 منها من أنه يجوز فصل العامل إذا لم يراعِ الضوابط الواردة فى المواد من 200 إلى 202- الخاصة بالإضراب..حيث أنه :
إذا كنا أمام ضوابط .. مجرد ضوابط لممارسة الحق المعترف به ، والذي لا يجوز انتهاكه .. ألا يبدو تعسفاً وإجحافاً أن يترتب على مخالفتها جزاءً مغلظاً إلى هذا الحد.. الفصل .. الحرمان من فرصة العمل وكسب الرزق.
إن الحصاد المر لاستخدام هذا النص خلال السنوات الماضية هى فصل المئات من العمال والنقابيين وتشريد الآلاف من أسرهم وعائلاتهم .. ألا يستحق ذلك المراجعة ؟
وأكدت الدار في ملاحظاتها أن الإقرار بحق العمال فى الإضراب تماشياً مع الدستور، ونزولاً على الاتفاقيات الدولية الموقع عليها من الحكومة المصرية يتم النكوص عليه فعلياً بالقيود والشروط التعجيزية التى يضعها مشروع القانون على ممارسة هذا الحق وذلك على النحو التالى:
.. يحظر المشروع ممارسة الإضراب فى “المنشآت الإستراتيجية أو الحيوية التى يترتب على توقف العمل فيها الإخلال بالأمن القومى ، أو بالخدمات الأساسية التى تقدم للمواطنين.. ويصدر قرار من رئيس مجلس الوزراء بتحديد هذه المنشآت [المادة 203 من المشروع]
وكان قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1185 لسنة 2003 قد صدر تطبيقاً لنص المادة 194 من قانون العمل الحالى – المطابقة لهذه المادة- معتبراً من قبيل هذه المنشآت: منشآت الأمن القومي والإنتاج الحربي والمستشفيات والمراكز الطبية والصيدليات، و المخابز، ووسائل النقل الجماعي للركاب (النقل البرى والبحري والجوى) ووسائل نقل البضائع، ومنشآت الدفاع المدنى، ومنشآت مياه الشرب والكهرباء والغاز والصرف الصحى، ومنشآت الاتصالات، ومنشآت الموانئ والمنائر والمطارات، فضلاً عن العاملين فى المؤسسات التعليمية)!!
وأشارت الدار إلى أن تقرير لجنة الخبراء بشأن تطبيق معايير واتفاقيات منظمة العمل الدولية بشأن الحالة المصرية قد تحفظ على “تقييد حق الإضراب فى مؤسسات خدمية لا تعد أساسية وفقاً للتعريف الدقيق لهذا المصطلح”. كما رأى قسم التشريع بمجلس الدولة أنه يتعين تحديد مفهوم تلك المنشآت، أو بيان معايير تحديدها بموجب القانون، دون الاكتفاء بمجرد تحديدها بقرار يصدر من رئيس مجلس الوزراء، نظراً لمساس هذا الحكم بأصل الحق.
وأكدت الدار أن اشتراط المادة 201 من مشروعت القانون أن يقوم العمال بإخطار كل من صاحب العمل والجهة الإدارية المختصة قبل التاريخ المحدد للإضراب بعشرة أيام على الأقل وذلك بموجب كتاب مسجل وموصى عليه بعلم الوصول على أن يتضمن الإخطار فضلاً عن الأسباب الدافعة إليه وتاريخ بدايته ثم تاريخ نهايته أيضاً وهو اشتراط يعوزه المنطق السليم ..حيث أن العمال لا يضربون بصورة مسرحية أو إعلامية وإنما لحين الاستجابة لمطالبهم وهم بالتالي لا يفترض علمهم المسبق بالمدى الزمني للإضراب ..
ولفتت الدار إلى إن العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ينص فى المادة الرابعة منه على أن ” تقرر الدول الأطراف فى الاتفاقية بأنه يجوز للدولة ، فى مجال التمتع بالحقوق التى تؤمنها تمشياً مع الاتفاقية الحالية ، أن تخضع هذه الحقوق للقيود المقررة فى القانون فقط وإلى المدى الذى يتمشى مع طبيعة هذه الحقوق فقط ولغايات تقرير رفاهية العالم فى مجتمع ديمقراطى فقط”.. فهل يمكن اعتبار تقييد حق الإضراب بالإخطار المسبق عن تاريخ نهايته أمراً يتماشى مع طبيعة هذا الحق؟ ..وهل يمكن اعتبار ذلك التزاماً بالاتفاقية الدولية أم مخالفة صريحة لنصوصها؟
تَقدَم مشروع القانون خطوة على قانون العمل الحالى بحذف حظر الإضراب أثناء جميع إجراءات الوساطة والتحكيم [المادة 193 من القانون رقم 12 لسنة 2003]، وإن أبقى على حظـــــر الدعوة إلى الإضراب أو إعلانه بقصد تعديل اتفاقية عمل جماعية أثناء مدة سريانها، متجاهلاً الأحوال والظروف التى قد تطرأ وتطرح الحاجة إلى إجراء هذا التعديل .
وتبقى فى هذا الصدد ثلاث ملاحظات أساسية:
إن العمال لا يذهبون إلى الإضراب على سبيل الرفاهية أو الفانتازيا.. وإنما بدافع من مطالب ملحة عادةً ما تتعلق اشد التعلق بحياتهم وحياة عائلاتهم.. وهم بالقطع لن يعمدوا إليه إذا كان هناك سبيل إلى المفاوضة أو التسوية الودية .. لكنهم إذا لم يجدوا آذاناً صاغية أو آليات للحوار .. إذا كانوا قد فقدوا الثقة فى مثل هذه الآليات أصلاً نتيجة تعطلها الطويل ، إذا سدت أمامهم سبل المفاوضة يصبح الإضراب لا بديل له.
إن الوسيلة الوحيدة لتقليل عدد الإضرابات هى تفعيل آليات الحوار والمفاوضة الجماعية ، هى تعزيز الديمقراطية النقابية بكل ما تتضمنه من حق تكوين النقابات بحرية ، وحق المفاوضة الجماعية ، وحماية ممثلى العمال.
للاطلاع على المشروع كاملا اضغط هنا