وفاة النوبي حافظ السر.. صاحب ترنيمة هزيمة إسرائيل: الصول مقاتل أحمد إدريس.. لروحك الشجاعة السلام
كتب- فارس فكري
« أوشريا.. ساع آوي ».. كأنها ترنيمة بطولة، أو تعاويذ أخرجت المارد المصري لينتصر.. « أوشريا.. ساع آوي» معناها أضرب .. الساعة 2 باللغة النوبية المصرية، وأشهر كلمات في شفرات حيرت العدو الصهيوني في حرب أكتوبر المجيدة وكانت إحدى أسباب هزيمته، ولأنهما من لغة غير مكتوبة يتحدث بها النوبيون فقد نجحت خطة الصول أحمد إدريس فيما فشل فيه آخرين.
عن عمر ناهز 85 عاما توفى اليوم الثلاثاء الصول أحمد إدريس صاحب فكرة شفرة حرب أكتوبر الذي استعان به الرئيس السادات في نقل تعليمات الحرب بين الوحدات بعد أن استطاع العدو فك شفرات عديدة.
الصول أحمد محمد أحمد إدريس، ابن النوبة ولد بقرية توماس وعافية بمحافظة أسوان، وشهد عدة حروب، فقد تطوع «إدريس» بالقوات المسلحة عام 1954، وحضر حرب العدوان الثلاثي، وظل في صحراء سيناء منذ عام 1957 حتى حرب اليمن، وبعدها شارك في حرب 1967، وكان له الفضل في فكرة استخدام اللغة النوبية كشفرة في انتصار حرب أكتوبر 1973.
كيف بدأت الحكاية؟
أثناء خدمته بالجيش في أوائل السبعينيات، كانت فكرة تشفير الاتصالات اللاسلكية بين الوحدات والقيادة العامة تشغل عقل الجيش المصري، في وقت نجح العدو الصهيوني بالتصنت عليها وفك شفراتها في أحيان كثيرة، ليقترح إدريس على قادته فكرة استخدام اللغة النوبية في التواصل، وكانت ترتكز على وضع جندي نوبي على جهاز الإرسال والاستقبال في كل وحدة عسكرية، بينما يتبادل الجنود الكلمات السرية النوبية.
وعبقرية الفكرة جعلت الرئيس السادات يطلب مقابلة الصول إدريس، فاللغة النوبية لم تشملها قواميس العالم، فهي لغة محادثة يتحدث بها النوبيون في مصر فقط ولم تكتب هذه اللغة، ولهذا حيرت العدو ولم يستطيع فك شفراتها.
في تصريحات صحفية سابقة يقول الصول أحمد إدريس: «قلت لقادتي إن اللغة النوبية تنقسم إلى قسمين بين أهلها وهم (لهجة نوبة الكنوز)، و(لهجة نوبة الفديكا)».
ويعود أصل «الكنزية» إلى اللهجة «الدنقلاوية» نسبة إلى دنقلة في السودان، بينما يعود أصل «الفديكا» إلى اللهجة «المحسية»، التي كان يتحدث بها سكان شمال السودان.
وأضاف: «أبلغ قادتي الفكرة لرئيس الأركان الذي بدوره عرضها على الرئيس أنور السادات ووافق على الفور وفوجئت باستدعاء الرئيس الراحل لي».
وقال: «وصلت لمقر أمني لمقابلة الرئيس السادات وانتظرت الرئيس بمكتبة حتى ينتهي من اجتماعه مع القادة، وعندما رأيته كنت أرتجف نظراً لأنها كانت المرة الأولى التي أري بها رئيسا لمصر، وعندما قابلني وشعر بما ينتابني من خوف وقلق اتجه نحوي ووضع يده على كتفي ثم جلس على مكتبة وتبسم لي وقال لي: فكرتك ممتازة.. لكن كيف ننفذها؟ فقلت له لابد من جنود يتحدثون النوبية وهؤلاء موجودون في النوبة وعليه أن يستعين بأبناء النوبة القديمة وليس بنوبيي 1964، وهم الذين نزحوا بعد البدء في بناء السد العالي لأنهم لا يجيدون اللغة، وأضفت قائلاً هم متوفرون بقوات حرس الحدود، فابتسم السادات قائلاً: بالفعل فقد كنت قائد إشارة بقوات حرس الحدود وأعرف أنهم كانوا جنوداً بهذا السلاح».
وأضاف «إدريس» أنه بعد عودته إلى مقر خدمته العسكرية كان عدد المجندين 35 فرداً، وعلم أنه تم الاتفاق على استخدام النوبية، كشفرة وأنهم قرروا الاستعانة بالمجندين النوبيين والذين بلغ عددهم حوالي 70 مجنداً من حرس الحدود لإرسال واستقبال الشفرات، وتم تدريب الجميع، وذهبوا جميعاً وقتها خلف الخطوط لتبليغ الرسائل بداية من عام 1971 وحتى حرب 1973«.
حافظ السر
“استخدام اللغة النوبية ده سر لو طلع هحاكمك”، هكذا أخبر السادات الصول أحمد إدريس، ويطلب منه عدم إفشاء السر بعيدًا عن قائد الجيش، قائد الأركان، قائد اللواء، حتى أنه نبه عليه بأن لا يخبر زوجته وأشقائه وزملائه، قبل أن يكافئه بمبلغ 100 جنيهًا، مضيفا أن هذه الشفرة استمرت متداولة حتى عام 1994 وكانت تستخدم في البيانات السرية بين القيادات.
وقال: «لقد كانت كلمة (أوشريا) هي الكلمة الأشهر في قاموس الشفرات النوبية بحرب أكتوبر، ومعناها العربي (اضرب)، وجملة (ساع آوي) تعني (الساعة الثانية)،بتلقي كل الوحدات كلمة (أوشريا)، وكلمة (ساع آوي).. بدأت ساعة الصفر لينطلق الجميع كل في تخصصه يقهرون المستحيل ويحققون الانتصار الذي تحتفل مصر والعرب بذاكراه من كل عام.