حقوقيون وسياسيون: استراتيجية حقوق الإنسان إعلان نوايا.. والتطبيق يبدأ من الإفراج عن المحبوسين وإطلاق الحريات
الزاهد: 7 خطوات عاجلة لتحقيق هذا التوجه في مقدمتها مراجعة تشريعات الحبس الاحتياطي
المصري الديمقراطي يطالب برفع حالة الطوارئ وإنهاء الملاحقة الجنائية للمدافعين عن حقوق الإنسان ورفع الحجب عن المواقع
البرعي: إعلان الرئيس لن يكون له قيمة لو استمر الأمن في مطاردة المنظمات الحقوقية وحصار أنشطتها وترهيب منتسبيها وتشويه سمعتهم
كتب- فارس فكري
اعتبر عدد من الحقوقيون والسياسيون الاستراتيجية الوطنية التي أطلقها الرئيس السيسي السبت الماضي إعلان نوايا يجب أن ينتهي بالتطبيق، مطالبين بضرورة احترام حقوق الإنسان والبدء فورا بتطبيق خطوات لحماية حقوق الإنسان بالإفراج عن سجناء الرأي والسياسيين والحقوقيين وعدم مطاردة نشطاء حقوق الإنسان وعدم استخدام الحبس الاحتياطي لسجن أصحاي الرأي ووقف عملية تدوير المتهمين على ذمة قضايا جديدة ورفع الحب عن المواقع الإلكترونية ووقف خنق المجال العام والسياسي.
من ناحية أخرى أصدرت 6 منظمات حقوقية بيانا أكدت فيه أن الأزمة ليست في الاستراتيجية ولكن في الإرادة السياسية لاحترام حقوق الإنسان، وهو نفس المعنى الذي أكد عليه المحامي جمال عيد رئيس الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، مؤكدا أن الأزمة تتمثل في العصف بدولة القانون وغياب الإرادة السياسية.
وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد أطلق السبت الماضي الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، من العاصمة الإدارية.
وقال السيسى إن مصر ترحب دوما بتعدد الآراء بل واختلافها ما دامت تراعي حريات الآخرين، وتهدف من خلال نقد بناء وتشاركي إلى تحقيق ما هو أفضل لصالح مصر وشعبها.
وأكد السيسي أن الرؤية المصرية لحقوق الإنسان تستند إلى أعلى عدد من المبادئ الأساسية أبرزها أن كافة الحقوق والحريات مرتبطة ومتكاملة، وأن ثمة ارتباطا وثيقا بين الديمقراطية وحقوق الإنسان مع أهمية تحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات وبين حق الفرد والمجتمع وضرورة مكافحة الفساد لضمان التمتع بالحقوق والحريات.
وأضاف: كما أن الالتزام بصون الحقوق والحريات وتعزيز احترامها يتحقق من خلال التشريعات والسياسات العامة من جانب، ومن خلال ما تقوم به مختلف المؤسسات والأليات الوطنية من انفاذ لتلك التشريعات والسياسات من جانب أخر، وهى الجوانب التي اهتمت الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان على مراعاتها جميعا”.
وقال مدحت الزاهد، رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، تعليقا على الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، إن التحالف يدعم كل توجه يستهدف حماية حقوق الإنسان وتعزيز الحريات العامة.
وشدد رئيس حزب التحالف على أن مثل هذا التوجه يستدعي خطوات عاجلة فى مقدمتها، ما يلي:
١- مراجعة التشريعات الخاصة بالحبس الاحتياطي وتحديد سقفه بـ٦ أشهر على الأكثر، لأن الأصل فى المتهم البراءة وإطالة مدة الحبس الاحتياطي يحوله إلى اعتقال مقنع، كما أن ضرورات الحبس الاحتياطي تنتفى من الأصل فى قضايا الرأى فالمتهم يعتز بمواقفه والشهود عليه رجال الأمن ولا مجال للعبث بالأدلة والتاثير على الشهود.
٢- مراجعة الأوضاع الخاصة بالتدابير الاحترازية ووضع المعارضين السلميين على قوائم الإرهاب.
٣- إخلاء سبيل المتهمين على ذمة هذه القضايا وإسقاط تهم مشاركة جماعة إرهابية أهدافها وحفظ هذه القضايا. ويرحب التحالف بكل خطوة أو إجراء تم فى هذا السياق.
٤- إتاحة حق التعبير للأحزاب ومنظمات المجتمع المدني فى أجهزة الاعلام المملوكة للدولة ورفع الحظر عن المواقع المحجوبة وتأكيد دور أجهزة الإعلام في حرية تداول الآراء والمعلومات بحيادية ومهنية ونزاهة.
٥- العمل المستمر على تحقيق استقلال القضاء.
٦- تعزيز فرص التنافسية فى النظام السياسى بالتخلى عن نظام القوائم المطلقة وتوفير المناخ المناسب لتمثيل القوى المجتمعية المختلفة فى كل أشكال التمثيل النيابى والنقابى وعدم تدخل الدولة لصالح أى طرف.
٧- تحقيق تكامل الحقوق وترابط الحقوق والواجبات بالانحياز لمبدأ الإتاحة فى الخدمات وحقوق المشاركة وترابط قضايا العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية فى حزمة توجهات استراتيجية تجسد المطالب التى عبر عنها الشعب فى ثورة يناير ٢٠١١ وانتصرت لها ديباجة الدستور.
ووصف المحامي الحقوقي نجاد البرعي، إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان بأنها “إعلان نوايا” تحتاج إلى التنفيذ على أرض الواقع للانتقال من مرحلة النوايا إلى مرحلة الأفعال.
وقال البرعي، عبر حسابه على “فيسبوك”: “لا أظن أن كل من دافعوا عن الاستراتيجية أو هاجموها أعطوا لأنفسهم الوقت لقراءتها بشكل ولو متعجل، تقع الاستراتيجية في قرابة ١٦٠ صفحة، وهي أول عمل متكامل يصدر في مصر، بعد حوار مجتمعي استمر على الأقل عامين، تغطي الاستراتيجية الوطنية، كل ما يمكن أن يتصوره المهتمون بالمجال من موضوعات.
وأضاف: “على الرغم من مشاركتي في بعض جلسات الحوار المجتمعي حول الاستراتيجية، وكانت لدي معلومات وافية عن الشكل النهائي لها؛ إلا أنني كنت حريصا على القراءة، وأستطيع أن أقول أنها كافية ووافية، ولو استطاعت الحكومة إنجاز ٧٥% منها سوف تنقل مصر خطوات إلى الأمام لم نتصورها ولم نحلم بها، على أنني أحب أن أوضح عددا من الأمور.
وأوضح البرعي أن الاستراتيجية هي مجرد “إعلان نوايا” من الحكومة، بأنها قررت أن تنفذ ما جاء في الدستور وما تنص عليه المعاهدات الدولية التي وقعت عليها بشأن حقوق الإنسان بوجوهها المختلفة، بالتالي يتعين النظر إليها في هذا الإطار ويبقي التنفيذ هو المحك الرئيسي الذي به يعرف الناس أن إرادة الدولة في إنفاذ المعاهدات الدولية والدستور انتقلت من مرحلة النوايا إلى مرحلة الأفعال.
ولفت إلى أن الاستراتيجية عندما بدأت بالحقوق المدنية والسياسية كان ذلك إشارة من الدولة لا تخطئها العين الواعية بأن هناك إقرار بأهمية تلك الحقوق وأسبقيتها، واعتبارها البنية الأساسية التي تساعد على تمتع المواطنين بكل الحقوق الإنسانية المتعارف عليها والمنصوص عليها في الدستور والمعاهدات الدولية.
وأشار إلى أن الكيانات الأهلية المهتمة بحقوق الإنسان على تعددها وتنوعها مطالبة اليوم بأن تبدأ بشكل جاد مناقشة دورها في المساعدة على تنفيذ الاستراتيجية ومراقبة طريقة تنفيذ سلطات الدولة المختلفه لها، وتابع: “أظن أن هذا هو الوقت المناسب لبدء بناء تحالفات أهلية وطنية من أجل القيام بذلك”.
وشدد البرعي على أن معركة انتزاع حقوق الإنسان ليست معركة سهلة، وليست طريق صاعد في خط مستقيم، ولكنه طريق طويل متعرج مملوء بالحفر والعوائق، لكن أي تقدم في هذا الطريق يستحق الفرح والتهليل والتشجيع مهما بدا الأمر وكأنه تحرك بطيء إلى الأمام، فالتحرك إلى الأمام ولو كان شكليا أو بطيئا خير ألف مرة من الرجوع إلى الخلف.
ونوه المحامي الحقوقي إلى أن الاستراتيجية لم تأت نتيجة رغبة صادقة من الدولة فحسب، لكنها ثمرة كفاح ومفاوضات ومناقشات أدارتها – مع الحكومة ومع الفواعل السياسية الداخلية والدولية – الحركة المصرية لحقوق الإنسان بأطيافها المتعددة، وهي حركة لها تاريخ طويل في التعامل الإيجابي البناء مع الحكومات المتعاقبة في مصر؛ مهما تصور البعض أنها متشددة لا ترغب في الحوار ولا تجيد فن التفاوض.
وواصل: “أهنئ الشعب المصري بالاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وأشكر وبشده السفير أحمد إيهاب جمال الدين، وكل شباب وباحثي اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان بوزارة الخارجية المصرية على الجهد الكبير الذي بذلوه، وأشكر أيضا الرئيس عبدالفتاح السيسي على إعلانه ٢٠٢٢ عاما للمجتمع المدني، وأذكر الجميع بأن هذا الإعلان معناه أن الأنشطة التي كانت دائما محل خلاف بين بعض مؤسسات المجتمع المدني وأجهزة في الدولة لم تعد اليوم كذلك، لأن أعلان الرئيس لن تكون له قيمة لو استمرت أجهزة الأمن في مطاردة المنظمات الحقوقية وحصار أنشطتها وترهيب منتسبيها وتشويه سمعتهم.
واستكمل: “أهدي هذه الاستراتيجية والجهد الذي بذل لإصدارها إلى أخي وصديقي المرحوم الدكتور حافظ أبو سعدة، الذي نفذ فيه قضاء الله قبل أن يري هذا اليوم الذي سعي من أجله طويلا”.
من ناحيته قال الحزب المصرى الديمقراطي الاجتماعي إنه استقبل بكل اهتمام وترحيب، إعلان الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التى أعدتها اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان.
وأكد الحزب في بيان له، اليوم الاثنين، أن الخطوة الأولى التي يطالب بالبدء بها والبناء عليها، يجب أن تشمل، الإفراج عن السجناء السياسيين المحبوسين احتياطياً أو المحكوم عليهم بسبب نشاطهم السياسي السلمي، وإنهاء الحبس الاحتياطى المطول ومفتوح المدة ووقف “تدوير” السجناء السياسيين كمتهمين فى عدة قضايا لإبقائهم فى السجون، رفع حالة الطوارىء المفروضة منذ 2017 بالمخالفة للدستور وبالذات بعد تراجع خطر الاٍرهاب على نحو ملحوظ، وإنهاء الملاحقة الجنائية للمدافعين عن حقوق الإنسان وإغلاق القضية 173 لسنة 2011 ضد منظمات المجتمع المدني، رفع الحجب عن مواقع الإنترنت والصحف الرقمية المحجوبة بالمخالفة للقانون وبدون حكم قضائي.
وتابع الحزب، أنه يثمن أي اهتمام من قبل الحكومة بهذا الملف، ويثمن التزام الحكومة أمام مواطنيها قبل أن يكون أمام العالم المتحضر، بالعمل على هذا الملف وتطويره واستكمال نواقصه.
وأضاف: فى البداية نود أن نوضح أننا كنا نفضل أن تُشكَّل اللجنة التى تضع مثل هذه الاستراتيجية من المجلس القومي لحقوق الإنسان، والجمعيات الأهلية العاملة فى هذا المجال، والشخصيات الحقوقية المعروفة على الصعيدين القومى والدولى. وذلك بدلاً من إسناد الأمر للجنة من وزراة الخارجية مما أكد الانطباع بأن الأمر المطلوب هو مخاطبة الدوائر الغربية التى وجهت انتقادات للحكومة المصرية فى الفترة الأخيرة بسبب أوضاع حقوق الإنسان فى مصر.
وقال الحزب في بيانه: من ناحية أخرى كنا نتمنى أن تكون مسودة هذه الاستراتيجية موضع حوار مجتمعى واسع تشارك فيه الأحزاب السياسية بالإضافة إلى الجمعيات الأهلية وكافة المهتمين بهذا الملف الهام.
وتابع: الاستراتيجية ترتكز على الضمانات الواردة فى دستور مصر فى مجال حماية وتعزيز واحترام حقوق الإنسان، وعلى الالتزامات الدولية والإقليمية لمصر والواردة فى الاتفاقات والعقود والمواثيق التى وقعت عليها مصر بشكل أساسي، حيث حددت أربعة محاور تعمل الدولة على تطويرها خلال السنوات من 2021 إلى 2026 . الأول الحقوق المدنية والسياسية، والثاني محور الحقوق الإقتصادية والثقافية، والمحور الثالث حقوق المرأة والطفل والأشخاص ذوى الإعاقة والشباب وكبار السن، والمحور الرابع التثقيف وبناء القدرات فى مجال حقوق الإنسان.
وأضاف أن كل محور منها ينطوي على مجموعة من النقاط التى تعكس نصوص الدستور والاتفاقيات والعهود التى وقعت عليها مصر، وكلها تحمل غايات سامية واهدافاً نبيلة وهي مبادىء وتوجهات لا خلاف عليها، ولكن المشكلة ليست ولم تكن أبداً فى الصياغات النبيلة والوعود الرائعة، بل كانت ولا تزال فى تطبيق تلك النصوص والالتزام بها.
وقال المصري الديمقراطي: إننا نقدر تماماً ما يمكن أن يعتبر نوايا من قبل الحكومة من أجل تطوير وجه الحقوق على أرض مصر، وندرك أن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لا تقل أهمية عن الحقوق المدنية والسياسية، ولسنا مدعين إذا قلنا أن الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية على الصعيد العالمي هى التى أدخلت تلك الحقوق فى الدساتير والمواثيق الدولية بعد الحرب العالمية الثانية، وخلافنا مع الحكومة والنظام يتعلق أولاً بـالحريات الديمقراطية.
وأشار إلى أنه يتضمن ذلك عدة أمور أهمها التضييق في مجال الحريات السياسية دون مقتضى، والقبض على المعارضين السياسيين وحبسهم لمدد طويلة دون اتهامات جدية، ودون مبرر، ويتعلق ثانياً بالخلاف مع الحكومة بخصوص الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لعدة أسباب، أهمها عدم التزامها بالنسب المقررة دستورياً للتعليم والصحة. وهو ما يتناقض بشكل صارخ مع القول بأن الحكومه تهتم بهذا الملف.
وتابع البيان: لقد لمسنا حرص الرئيس على الإشارة إلى جانب من الحقوق المدنية والاجتماعية لبعض فئات المجتمع، ونحن نؤيده فيها، على أننا نطلب منه أن يوجه أجهزة الدولة إلى أهمية فتح المجال السياسى، وإلى تصفية مواقف المحبوسين على ذمة قضايا سياسية بأسرع وقت، وإلى تعديل قواعد الحبس الاحتياطى للعودة منها إلى سالف عهدها وأصلها فى القانون كإجراء استثنائي تستلزمه ضرورة التحقيق.
وأضاف: حزبنا يفهم من إطلاق هذه الاستراتيجية فى احتفال كبير حضره رئيس الجمهورية أن ما ورد بها – وهو كثير – تمثل التزاماً على عاتق الحكومة والنظام بتحقيق ما ورد بها خلال سنواتها الخمس، ويأمل أن يجرى تحقيقها على أرض الواقع، وألا تظل حبراً على ورق، وأن تتحول إلى مجموعة من الخطوات، ووفقاً لجدول زمني معلن ومحدد وملزم للسنوات الخمس القادمة.
وقال جمال عيد مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان إن الأزمة ليست في الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان ولكن في الإرادة السياسية لاحترام حقوق الإنسان، أطالب فقط بتطبيق القانون والدستور ففيه ما يكفل الحقوق، ويجب أن يتوقف النظام استغلال الحبس الاحتياطي لحبس الآلاف من أصحاب الرأي والسياسيين، وأن يتوقف أيضا عن تدوير المتهمين على ذمة قضايا أخرى.
وتابع إن 95% من الانتهاكات يرتكبها النظام ويجب أن يتوقف عنها فورا إذا كانت هناك إرادة لاحترام حقوق الإنسان، مشيرا إلى أن الجميع يعلم الظروف الاقتصادية للبلد ولهذا إذا كان هناك ضرورة لرصف شارع سوف نساعد لكن ما يمنع النظام من تطبيق القانون، نريد أن يتوقف فقط عن الانتهاك.
وأصدرت 6 منظمات حقوقية بينها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان تعليقا على إطلاق الاستراتيجية قالت فيه إن احترام حقوق الإنسان في دولة مثل مصر، حيثما تنتهك مؤسسات وأجهزة الدولة يوميًا أبسط مبادئ حقوق الإنسان في الحياة والحق في سلامة الجسد والحصول على العدل والإنصاف، يتطلب في المقام الأول احترام رئيس الجمهورية لروح ونص الدستور الذي أقسم يمين الولاء له، والذي تضمن موادًا –لو التزم الرئيس بها– سوف توفر قدرًا معقولًا من ضمانات حقوق الإنسان. كما يتطلب أيضًا احترام الرئيس لالتزامات مصر الدولية بمقتضى اتفاقيات حقوق الإنسان، والتوصيات التي قبلتها مصر في الاستعراض الدولي الشامل لملفها الحقوقي بالأمم المتحدة في دورته الثالثة في 2019.
وأضاف البيان: أن المنظمات الحقوقية الموقعة على هذا البيان تعتقد أن الأزمة الأساسية في كارثة حقوق الإنسان بمصر لا تتعلق بغياب استراتيجية وطنية تخيلية الطابع «لغسيل السمعة وتبييض الوجه»، بل تتمثل في العصف بدولة القانون، وغياب الإرادة السياسية لرئاسة الجمهورية لاحترام حقوق الإنسان. فالسيد رئيس الجمهورية عبَّر بنفسه، في أكثر من مناسبة، عن عدم احترامه لحقوق الإنسان بمفهومها العالمي الوارد في المواثيق الدولية المصدقة عليها مصر؛ بدعوى نقص الثقافة والوعي لدى المصريين مقارنةً بالمواطنين الأوربيين. فضلًا عن دفاعه عن تطبيق عقوبة الإعدام بشكل موسع، الأمر الذي جعل مصر مؤخرًا ثالث أكثر دول العالم تنفيذًا لأحكام الإعدام، بمعدل بلغ في 2020 أكثر من 100 حالة، وما يقارب 80 حالة على مدار النصف الأول من العام الجاري.
وتضيف المنظمات أنه على مدار السنوات الست الماضية، تم تقويض كافة مؤسسات الدولة –خاصةً المؤسستين القضائية والتشريعية– وإضعافها لصالح السلطة التنفيذية متمثلةً في رئيس الجمهورية، الأمر الذي أدى لغياب أي توازن بين السلطات، وجعل سلطات الرئيس والأجهزة الأمنية مطلقة ودون رقابة من أي مؤسسات أخرى، بما في ذلك البرلمان والقضاء والإعلام والأحزاب السياسية والنقابات المهنية والعمالية، فضلًا عن التضييق والخنق المتواصل للمنظمات الحقوقية المستقلة.
فعلى سبيل المثال؛ لم تعد مشكلة الحبس الاحتياطي المطول في مصر مقتصرةً فقط على التشريع، أو عدم الالتزام بالحد الأقصى لمدته، بل تعمقت المشكلة فيما بات يعرف بتدوير المحبوسين احتياطيًا على ذمة قضايا جديدة قبل أو بعد انقضاء المدة القصوى للحبس الاحتياطي، اعتمادًا على اتهامات هزلية بتمويل الإرهاب ونشر أخبار كاذبة أثناء فترة سجنهم. ومؤخرًا أصبح إحالة المحبوسين احتياطيًا للمحاكم الجنائية، تمهيدًا لإصدار أحكام بالسجن بحقهم، نمطًا جديدًا فرضته الأجهزة الأمنية تعسفيًا بإرادتها المنفردة في عدد من القضايا، مثل قضية الأمل، ومثلما حدث مؤخرًا مع الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح رئيس حزب مصر القوية ونائبه محمد القصاص، أو مع الزميلات والزملاء بالتنسيقية المصرية لحقوق الإنسان على سبيل المثال لا الحصر.
إن تلك الانتهاكات وغيرها من جرائم حقوق الإنسان المرتكبة يوميًا في مصر ليست بسبب غياب استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان، ولكنها في المقام الأول بسبب غياب الإرادة السياسية لاحترام هذه الحقوق ودولة القانون، وإطلاق يد الأجهزة الأمنية في العصف بهما دون رقيب أو حسيب.
المنظمات الموقعة:
مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
الجبهة المصرية لحقوق الإنسان
المنبر المصري لحقوق الإنسان
كوميتي فور جستس
مبادرة الحرية
سيناء لحقوق الإنسان