د. إسماعيل مقلد: المجتمع الدولي لن يتحرك خطوة واحدة لإدارة ملف السد الاثيوبي.. وعلينا البحث عن طريق آخر نتحرك فيه
كتب: عبد الرحمن بدر
قال الدكتور إسماعيل صبري مقلد، أستاذ العلوم السياسية: “أتعجب بشدة من أن يأتي مسئولون رسميون كبار ليطالبوا المجتمع الدولي بتحمل مسئولياته بشان إيجاد حل لأزمة السد الإثيوبي بعد أن خرجت هذه الأزمة من جدول أعمال مجلس الأمن، ولم تعد مطروحة على قائمة اهتماماته وأولوياته لعدم اقنناعه بأنها تشكل تهديدا حقيقيا للسلم والأمن الدوليين على النحو الوارد في ميثاق الأمم المتحدة ويستدعي تدخل المجلس فيه بالاجراءات والتداببر والقرارات المنصوص عليها في الميثاق”.
وتابع مقلد في تدوينة له: “السؤال الذي تثيره تلك المناشدات الرسمية التي بدأت تتردد هنا في مصر بصورة خاصة وتطالب المجتمع الدولي بضرورة التدخل لحل أزمة هذا السد بعد أن فشلت كل الجهود التفاوضية في حلها، هو: من هو هذا المجتمع الدولي الذي يملك صلاحية التدخل الفوري للحيلولة دون انزلاق الموقف الراهن نحو مزيد من التصعيد والتوتر والتدهور، والاضطلاع بالدور المطلوب منه كبديل لمجلس الأمن في إدارة ملف أزمة هذا السد من أجل إيجاد حل سلمي توافقي مقبول لها؟ وإذا كان الأعضاء الخمسة الكبار الدائمون الذين يحركون العالم كله”.
وأضاف أستاذ العلوم السياسية:”يدفعون به وراءهم في أي اتجاه يشاءون، ويمسكون في أيديهم بمفاتيح كافة الصراعات والأزمات الإقليمية والدولية ويعرفون أدق تفاصيلها وخباياها وحاضرين في كل دهاليزها وكواليسها، قد نفضوا أيديهم من هذا الملف، وتهربوا من دورهم فيه علي نحو ما كشفت عنه مواقفهم الاخيرة في مجلس الأمن، واوكلوا أمره إلى الاتحاد الإفريقي الذي وصل بالأزمة لنهاية طريق مسدود بتجميده لدوره فيها وابتعاده عنها وحذفها من قائمة اولوياته كتهديد محتمل للسلم والامن في افريقيا، وتوقفه عن بذل المزيد من الجهود الدبلَوماسية للدفع بهذا النزاع الإفريقي على طريق التسوية والحل، فهل سينجح هذا الكائن الَوهمي المسمى بالمجتمع الدولي في تحقيق ما فشل فيه كل هؤلاء علي الرغم مما يتمتعون به من صلاحيات واسعة وما أوكلته اليهم المواثيق الدولية من أدوار ومسئوليات كبيرة في كل ما يتعلق بحفظ السلم والأمن الدوليين؟”.
وقال مقلد: “المجتمع الدولي الذي يعلق عليه هؤلاء المسئولون الكبار املا كبيرا في حل ازمة السد الاثيوبي، قد تكون له اهتماماته ببعض القضايا الدولية كقضايا البيئة من احتباس حراري وتغيرات مناخ وذوبان وانصهار جبال جليدية وتلوث وتدهور واختلال توازن ودمار بيئي وتصحر وجفاف ونضوب موارد طبيعية واقتصادية، وكذلك بانتهاكات حقوق الإنسان، وبالفقر والاوبئة العالمية كجائحة كورونا غيرها ، وبالهجرات الدولية غير المشروعة والإرهاب الدولي، وبمشكلات اللاجئين العابرين للحدود القومية للدول، وبغير ذلك من المشكلات والأزمات الإنسانية الضاغطة والملحة والتي تحتاج الي تعاون اامجتمع الدولي كله لحلها والتغلب على تداعياتها ، لكنه لا يبدي اهتماما أو انشغالا بمشكلة سد مائي يقام على نهر دولي مشترك هنا أو هناك.. وهي مشكلة يعتبرها فنية بالأساس ولا تعني احدا غير أصحابها المباشرين وحدهم ممن يقع على عاتقهم مسؤولية إدارتها وحلها بأنفسهم لأنفسهم بعيدا عن تدخل المجتمع الدولي فيها.. ..فهذه ليست ولا يمكن أن تكون أولوية دولية متقدمة تستحق الانشغال بها أو إضاعة وقت المجتمع الدولي فيها”.
وتابع: “ومن ثم وترتيبا على كل ما سبق من تحفظات وملاحظات، فإن الاحتمال الأرجح هو أن المجتمع الدولي لن يتحرك خطوة واحدة لإدارة ملف السد الاثيوبي خلافا لما يتوقعه هؤلاء المسئولون الكبار لا لسبب إلا لأن هذا المجتمع الدولي غائب تماما من صورة الحل ولا دور له فيه مهما طال انتظارنا له، والتجارب الدولية السابقة في كافة مواقف الصراع والازمات التي حدتت وتحدث في العالم تشهد وتنطق بذلك وتدعمه ، فهذا الدور غائب تماما ولا تاثير له على الاطلاق، واستمرار تعليق الأمل على المجتمع الدولي في ايجاد حل مقبول لهذه الأزمة التي ضاقت حلقاتها وتعقدت، يعني استمرار الدوران في نفس الدائرة المفرغة بلا نهاية او نتيجة ايجابية من اي نوع، وهذا هو ما يجب علينا أن نقتنع به لأنفسنا حتى لا نظل نجري وراء سراب خادع لا علاقة له بهذه الازمة التي غرقنا في دوامتها، واستعصي علينا حلها والخروج منها بنتيجة مرضية رغم اننا اصحابها وادري الناس بها واقربهم اليها”.
وواصل: “واجبنا نحو انفسنا يقتضي منا أن نبحث عن طريق آخر نتحرك فيه غير طريق المجتمع الدولي، طريق نجد فيه الحل المنشود لمشكلتنا مع هذا السد الاثيوبي الملعون، واقصد الحل الذي يحفظ لنا حقنا الذي لا ينازع في الحياة، أو بالأحرى حقنا في الوجود والبقاء… وهو حق إنساني أساسي لا خلاف عليه تحميه وتؤكد على شرعيته كافة المواثيق والقوانين والأعراف الدولية”.
يذكر أنه منذ العام 2011 تتفاوض دول المصب للوصول إلى اتّفاق حول ملء وتشغيل السد الذي تعده أديس أبابا ليكون أكبر مصدر لتوليد الطاقة الكهرومائية في إفريقيا بقدرة تصل إلى 6500 ميغاوات، دون التوصل إلى توافق.
وفي مارس 2015 وقع قادة الدول الثلاث في الخرطوم اتفاق إعلان مبادئ، إلا أن الخلافات استمرت، واستعرت مع بدء إثيوبيا هذا الشهر عملية الملء الثانية لخزان السد.
ففي حين ترى إثيوبيا أن السد ضروري لتحقيق التنمية الاقتصادية في البلاد، تعتبره مصر تهديداً لها ولحصتها المائية، لاسيما أن نهر النيل يؤمن نحو 97% من مياه الري والشرب في البلاد، فيما تعتبره الخرطوم خطرا على سدودها أيضا.
وبالأمس وصف مجلس النواب موقف إثيوبيا بشأن سد النهضة بـ”المتعنت وغير المبرر”، مؤكدا رفض مصر المساس بحقوقها المائية.
وأشار رئيس المجلس حنفي جبالي خلال كلمته أمام جلسة عامة للبرلمان، إلى أن مصر “ترفض تعنت إثيوبيا جملة وتفصيلا لتأثيره السلبي على أمنها المائي”، وأضاف أن القاهرة “لن تدخر جهدا للدفاع عن حقوقها المائية والحفاظ عليها”.
وشدد على أن “مصر لا تعتدي، بل تدافع عن حق شعبها”.
وقال جبالي: “التوصل لاتفاق عادل لقضية سد النهضة يمنع انزلاق المنطقة نحو الصراع. نعلن وقوفنا جميعا خلف القيادة السياسية ودعمنا لحماية حقوق الشعب التاريخية في مياه النيل شريان الحياة”.
وأوضح “نثق في تجاوز التحدي الذي نواجهه بقوة”، معتبرا أن “التطورات الأخيرة تؤكد عدالة الموقف المصري وسعيه لحماية الحقوق المائية ورفض المساس بها”.