إسراء عبدالفتاح.. أن تدفع ثمن “الشجاعة” في السجن والمحاكمة وعربة الترحيلات
كتب- محمود هاشم:
“الأولة إسراء، سبحانه من أسرى ورجعه سالم، والتانية إسراء، كتر البعاد حسرة وأنت أكيد عالم، والتالتة إسراء، بجملة مختصرة طمعان ورامي حمولي على المولى، مش على الضباط ولا حتى على الدولة”.
شمعة سنة جديدة لن تتمكن الصحفية والناشطة المدافعة عن حقوق الإنسان إسراء عبدالفتاح من إطفائها مع أسرتها وأحبائها، حيث تقبع خلف القضبان في الحبس الاحتياطي منذ 19 شهرا، قضت أمس عيد ميلادها الثاني بعيدة عن أسرتها وأصدقائها، بينما تحصد جائزة تلو أخرى يفسد الحبس عليها فرحة الاحتفال بها، وآخرها فوزها بجائزة الشجاعة التي تقدمها الحركة العالمية من أجل الديمقراطية.
جائزة الشجاعة.. تكريم مستحق
الجائزة التي تم الإعلان عنها مساء الخميس الماضي، تمنح “من أجل تكريم الصحفيين والعاملين في الإعلام في الشرق الأوسط على شجاعتهم ودفاعهم عن حرية الصحافة في العالم رغم المخاطر التي تحدد حياتهم وحريتهم”، وإسراء واحدة منهم.
وتسلم منسق اللجنة الدولية لحماية الصحفيين شريف منصور، الجائزة نيابة عن إسراء، في حفل في العاصمة الأمريكية واشنطن، مطالبا الجميع بدعمها، والدعوة للإفراج عنها، بعد قضائها أكثر من عام ونصف من الحبس الاحتياطي في القضية 488 لسنة 2019 أمن دولة.
“قبل أن تبهر العالم بدورها في ثورة يناير ومساهمتها في إسقاط الرئيس المخلوع حسني مبارك، كانت قد أبهرت المصريين بدورها في إضراب 6 أبريل، الذي كانت واحدة من أصحاب الدعوات له، وساهمت بدور كبير فيه لدعم الحركة العمالية والاجتماعية، تعرضت من أجل مطالبتها بحقوق المعتقلين والشعب المصري عموما، للقبض 3 مرات، في 2008 و2011 والمرة الأخيرة منذ 2019، وإنها كانت سباقة للدفاع عن الناس جميعا”، هذا ما قاله منصور عن إسراء خلال كلمته في حفل التكريم.
وتحدث منصور عن الانتهاكات التي تعرضت لها إسراء أثناء وبعد القبض عليها، وقال “إنه رغم تقدمها للنيابة بطلبات للتحقيق في الانتهاكات التي تعرضت لها، فإنه لم يتم التحقيق في هذه الوقائع منذ أكثر من عام ونصف”.
المعاناة في السجن والمحكمة وعربة الترحيلات
تزامنا مع منح إسراء الجائزة، كتبت شقيقتها شيماء عن تفاصيل زيارتها الأخيرة لإسراء قبل يوم من التكريم، قائلة: “الواحد مش عارف يفرح ولا يحزن بصراحة من القهرة اللي شوفتها فى عنيها إمبارح، كانت نفسيا منهارة جدا، واصلة لمرحلة من الاكتئاب غير عادية فاقدة الأمل، قالت لى خلاص متجيش تانى كفاية عليكى بهدلة، كده كده منعوا كمان أننا نسيب لها فلوس تصرف منها، ولازم نروح البريد نحولها عن طريق حوالة، والبريد بقى لهم يومين السيستم واقع ومش عارفة ليه التعنت ده بجد “.
وأضافت: “يوم الثلاثاء السابق كانت جلسة إسراء ومجموعة من البنات تركوهم فى عربات الترحيلات ساعات، والجو حر نار من غير ميه ولا فيها حتى شباك يتنفسوا منه، والعربية حديد مش قادرين حتى يقعدوا فيها، واقفين هيموتوا من الحر والعطش، لو كانوا سابوهم ساعة كمان كانوا فطسوا وماتوا”.
وتابعت: “إسراء قالت الكلام ده للقاضي، وقالت ده إحنا لو كنا بهايم كنتوا فتحتوا تشوفونا عايشين ولا موتنا، وطلبت من القاضى أنها متنزلش جلسات تاني، وحرام البهدلة دي، أو يكون ليهم سيارات نقل آدمية على الأقل”، مستكملة: “اليأس كان متمكن منها والعجز متمكن مني ومن كل اللى حواليها، والله كفاية تعبنا مش كفاية عليها سنة و٩ شهور، لله الأمر من قبل ومن بعد”.
انتظار وأحلام مؤجلة
الصحفية سولافة مجدي، كتبت لصديقتها وزميلتها خارج السجن وداخله في عيد ميلادها أمس، أمس، قائلة: “أول مرة شافتني كان ثالث يوم من دخولي السجن، عمري ما هقدر انسى نظرة عينيها وكأن الكون كله وقف حوالينا اللحظة دي من الرعب اللي شوفتها في ملامحها”.
تضيف سولافة في منشور لها: “أول مرة تقابلنا في عربية الترحيلات وقدرنا نحضن بعض، فضلت تصرخ وتبكي وانهارت، وحاولنا نهدي بعض وأنها مسألة وقت قليل ونرجع لحياتنا وحضن حبايبنا من تاني”.
كانت إسراء تحادث سولافة، في ذلك الوقت قائلة: “أنا لما بحضنك بحس أني بحضن الدنيا فيكي”، وتقول سولافة: “كان كلامنا عن أحلامنا وحبنا للبلد دي، وهنعمل ايه لما نخرج من السجن ونروح نجيب كوخ على البحر، ونعيش سوا ونعوض بعض وننسى اللي إحنا فيه وإزاي نعوض صلاح (محمد صلاح) وحسام (حسام الصياد)”.
وتستكمل: “روقا بتكبر وبتحلى وبتزداد محبة وغلاوة ومثابرة وطيابة في عيون كل اللي يعرفها، روقا تستحق تكون وسطنا دلوقتي، وتستحق تكون جنب بلدها في كل الأوقات”.
الصحفية يارا صالح، هنأت هي الأخرى صديقتها إسراء في عيد ميلادها، قائلة: “وحشتينا يا روقة ووحشتنا ضحكتك، لو تعرفي الناس بتحبك قد إيه، لو تعرفي الكلام الجميل اللي بيتقال عليكي من اللي يعرفك كويس واللي يعرفك خفيف واللي ما يعرفكيش، يا جدعة يا جبارة الخواطر”
وتضيف: “كل يوم بيعدي بتزيد فيه محبتك واحترامك في قلوبنا، ربنا يهونها عليكي ويقويكي، جبل يا حبيبتي واستحملتي اللي ماحدش يستحمله، مستنيينك هتروحي مننا فين”.
قصة الاعتقال.. معاناة وتعذيب وإضراب عن الطعام
قصة إسراء مع الاعتقال، بدأت مساء 12 أكتوبر 2019 عندما كانت تقل سيارتها بصحبة صديقها محمد صلاح، عندما استوقفتها سيارة تابعة للأمن وقامت بخطفها من منتصف الشارع واقتيادها لجهة غير معلومة.
ألقت قوات الأمن القبض في البداية على محمد صلاح أثناء وجوده معها، لكن أطلقت سراحه واحتفظوا بإسراء، قبل أن يتم القبض على صلاح والمصورة سولافة مجدي والمصور حسام الصياد أصدقاء إسراء لاحقا وحبسهم في 26 نوفمبر 2019.
ظهرت إسراء في اليوم التالي بمقر نيابة أمن الدولة العليا بالتجمع الخامس، وعلى جسدها آثار ضرب وتعذيب، حتى اتهمت ضباط بالأمن الوطني في أقوالها بضربها وتعذيبها لسحب الاعترافات ومعرفة الرقم السري الخاص بهاتفها.
وتروي صفحة “الحرية لإسراء” تفاصيل تعذيبها، وتقول “تعرضت للضرب والخنق والتعليق لرفضها فتح هاتفها أثناء تواجدها بأحد مقرات الأمن الوطني، حيث طلب منها أحد الضباط إعلامه بكلمة سر هاتفها، وعندما رفضت بدأوا في تهديدها، وانتهى الأمر بضربها ضربا شديدا من خلال مخبرين مفتولي العضلات”.
وأضافت: “عاد الضابط إلى الغرفة، ورفضت إعلامه بكلمة السر، فأجبرها على خلع سترتها الرياضية وبدأ بخنقها لدرجة الموت، وأخبرها بأن حياتها مقابل كلمة السر، ما دفعها لإخباره بها”.
وأكملت الصفحة: “لم يتوقف التعذيب، بل ظلت معلقة لمدة 8 ساعات تقريبا، تم استجوابها فيها أثناء التفتيش في هاتفها وتطبيقات التواصل، وسؤالها عن علاقتها بأشخاص من الذين تتواصل معهم”.
وفي ذلك اليوم أمام النيابة أعلنت إسراء دخولها في إضراب عن الطعام لحين التحقيق مع الضابط المتهم بتعذيبها وسماع أقوالها كمجني عليها، ولكن تراجعت عن الإضراب بعد أسابيع بسبب سوء حالتها الصحية.
وأدرجت نيابة أمن الدولة إسراء متهمة على ذمة القضية رقم 488 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا، مع عدد كبير من الصحفيين والسياسيين والمحامين والمدافعين عن حقوق الإنسان.
وتواجه إسراء على هذه القضية، اتهامات ببث ونشر وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة، إساءة استخدام وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، مشاركة جماعة إرهابية مع العلم والترويج لأغراضها.
ظلت إسراء رهن الحبس الاحتياطي على ذمة القضية المعروفة إعلاميا باسم “فخ اصطياد المعارضين”، حتى فوجئت ذات يوم بترحيلها من محبسها إلى نيابة أمن الدولة العليا، كانت على موعد مع التدوير في قضية جديدة.
وفي 31 أغسطس الماضي، قال المحامي الحقوقي نبيه الجنادي، إن إسراء عبد الفتاح والمحامي الحقوقي محمد الباقر، وصلا إلى نيابة أمن الدولة العليا، اليوم الاثنين، للتحقيق معهما في قضية جديدة.
وخلال هذه المدة، نهاية شهر أغسطس وبداية شهر سبتمبر، جرى اتهام عدد من المعتقلين على ذمة القضية رقم 488 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا، على ذمة قضية جديدة تحمل رقم 855 لسنة 2020 حصر أمن دولة. ومن بين الذين تم اتهامهم في القضية الجديدة، المحامية ماهينور المصري، الصحفية سولافة مجدي، المحامي عمرو إمام، والناشط السياسي محمد صلاح وأخيرا رضوى محمد.
وقال الجنادي “إسراء دافعت عن نفسها بشكل رائع وأثبتت أنها ليس لها علاقة بأي جماعة إرهابية أو إنها شاركت في أي اتفاق، وأنها محبوسة احتياطيًا وغير مسموح لها بالتريض مع أي شخص”.
وأضاف “إسراء كانت بتوصل رسالة لوالدتها وأهلها إنها مش مرعوبة وإنها ثابتة وقوية، وأنها مش علي راسها بطحة عشان تترعب”.
بعثت إسراء برسالة من داخل محبسها، في أثناء فترة تعليق الزيارات، بسبب إجراءات فيروس كورونا، حملت جانبا كبيرا من الألم الذي تتعرض له.
وقالت: “أنا زهقت ويئست وفقدت الأمل في خروجي قريبا، مش عارفة أخرج امتى، وأقصى طموحاتي الجلسات ترجع عشان أقدر أشوف ناس تانية غير اللي بشوفها كل يوم”.
أمل الخروج.. طال الانتظار
بينما تتجه أنظار العالم إلى الصحفيين الشجعان الذين يعملون على نشر الحرية ودعمها، تواجه إسراء في حبسها بعد أكثر من عام ونصف حبس اتهامات ببث ونشر أخبار كاذبة، ومشاركة جماعة إرهابية، وإساءة استخدام وسائل التواصل.
في 27 مايو الماضي، تقدم مكتب المحامي الحقوقي أحمد راغب بطلب للمستشار النائب العام لإخلاء سبيل الصحفية إسراء عبد الفتاح والمحبوسة احتياطياً منذ أكتوبر من عام 2019 لتجاوزها المدة القصوى للحبس الاحتياطي والمقدرة ب18 شهراً وفقاً لقانون الإجراءات.
وأكد الطلب المقدم أن الفقرة الرابعة من المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية حددت المدد القصوى للحبس الاحتياطي التي لا يجوز تجاوزها في مرحلة التحقيق الابتدائي وسائر مراحل الدعوى الجنائية ستة أشهر في الجنح وثمانية عشر شهراً في الجنايات، وسنتين إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة هي السجن المؤبد أو الإعدام.
وذكر الطلب الموجه إلى النائب العام أنه بتطبيق تلك الشروط على وضع الصحفية إسراء عبد الفتاح أحمد فإن الاتهامات الموجهه لها تمثل –في أقصي تقدير– جنايات لا تصل العقوبة المقررة لها إلى السجن المؤبد أو الإعدام ومن ثم فإن أقصى مدة للحبس الاحتياطي –وفقا للفقرة الرابعة من المادة 143 إجراءات– تكون ثمانية عشر شهراً فقط وهي المدة التى تجاوزتها، ومن ثم فقد تقدمنا بطلب للسيد المستشار النائب العام.
كما دعا البرلمان الأوروبي في ديسمبر من العام الماضي السلطات المصرية الإفراج الفوري وغير المشروط عن الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان في مصر ومن بينهم الصحفية إسراء عبدالفتاح.
وفي ديسمبر الماضي أيضا، منحت بلدية باريس المواطنة الفخرية لكل من علاء عبد الفتاح وباتريك جورج، وسولافة مجدي وإسراء عبدالفتاح، وطالبت بإخلاء سبيلهم.
وقال مجلس بلدية باريس إن هذا التكريم، هو محاولة لمشاركة السجناء المصريين معاركهم وسجونهم.
“مفيش أي جديد مع الأسف، بالعكس كله بيزداد سوءا، العدد في العنبر بيزيد سجينات يوم عن التاني، ومع الحر والزحمة مبقوش مستحملين”، تكشف شيماء عن الفتاح ل”درب”، عن جوانب معاناة شقيقتها داخل محبسها.
وتضيف: “من يوم ما بلغها فوزها بالجايزة وهي مقهورة من الوجع والحبس، غيابها ما بيخليش لأي مناسبة عيد ميلاد ولا عبد ليه أي طعم، ربنا يفرجها عليها وعلى كل مظلوم قريب يا رب الأيام المفترجة الحالية”.
تمني شيماء نفسها بسماع نبأ بإخلاء سبيل شقيقتها في أقرب وقت، أو ورود اسمها في قوائم إفراج مرتقبة، وتضيف: “إسراء متأثرة نفسيا بسبب طول مدة حبسها، كان عندها أمل تخرج قريب، لكن للأسف محصلش”.
وتستكمل: “أتمنى أنها تكون معانا قريب جدا، هي متستاهلش كده أبدا، ولا كل اللي حبوا البلد دي بجد، كنت أتمنى تبقى برة وتفرح بجايزتها”.