بروفة جنرال لأزمة مياه النيل: سدود تركيا الكبير وآلاعيب ايران وكارثة جفاف دجلة والفرات في العراق و سوريا
التصحر وفقدان عشرات الأنهار وإنخفاض الورادات المائية إلى 50% هل يفجر حرب مياه في الشمال العربي
مشروع جاب يتيح لتركيا التحكم بـ80% من مياه النهرين.. ويحجز 43% من مياه دجلة و40% من الفرات الداخلة للعراق
كتبت – ريهام الحكيم
**تشير بعض الدراسات أنه بحلول عام 2025، سوف يعاني نصف سكان العالم من نقص في المياه بسبب زيادة الطلب، وبحلول عام 2050، ستكون هناك زيادة في سكان العالم بمقدار 50 %، ما سيرفع الطلب على المياه وسيُضطر العالم بالتالي إلى تقليل مساحة الأراضي الزراعية.
**كارثة بيئية تتمثّل في نقص جودة المياه في نهرَي دجلة والفرات نتيجة انخفاض نسبة الماء، وكذلك فقدان الكثير من المزارعين لعملهم بسبب قلّة مصادر المياه
ربما يرسم المشروع التركي جاب GAP/ “جنوب شرق الأناضول” وتصرفات إيران المائية، بروفة لبعض المخاطر التي تتهدد نهر النيل ويرسم سيناريو لجانب من رب المياه التي تهدد المنطقة وان اختلفت التفاصيل.
المشروع التركي يتضمن إنشاء 22 سدا منها 14 على نهر الفرات و8على نهر دجلة، اضافة إلى مجموعة من المشروعات الاروائية والخزانات والأنفاق والقنوات و19محطة كهرومائية ، أهمها على نهر الفرات سد اتاتورك وقره قايا وقرقميش واديمان وغازى عينتا وعلى نهر دجلة مشروع سدود قرال قزى وباطمان وإليسو. بالإنتهاء من مشروع جاب، ستتمكن تركيا من التحكم بنحو80% من مياه نهرى الفرات ودجلة حيث سيحجز المشروع 43% من مياه دجلة الداخلة إلى العراق و40% من مياه نهر الفرات.
*أعلنت وزارة الموارد المائية العراقية عن خفض الجانب التركي لمناسيب نهري دجلة والفرات إلى نصف ما كانت عليه و قال وزير الموارد المائية العراقي مهدي رشيد الحمداني، إن الواردات الآتية من تركيا لنهري دجلة والفرات انخفضت بمقدار 50 %. كما أكد الوزير أن “الجانب الإيراني قام بتحويل مجرى بعض الروافد إلى داخل إيران، منها نهر سيروان، وبعض من مياه رافد ديالى (شرق)
في عام 2006، وضع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان حجر الأساس لأكبر مشروع في تركيا، وثالث اكبر مشروع من نوعه في العالم والذي يعد من أكبر السدود التركية ضمن مشروع الجاب GAP ، والذي يتضمن 22 سداً في مناطق جنوب شرق الاناضول جيث ينبع نهري دجلة والفرات.
وفي الاول من يونيو 2018، أعلنت تركيا بدء عملية ملء خان السد ومنذ ذلك الحين بدءت تتكشف ملامح الكارثة على ارض العراق. فنهر دجلة ينبع من جبال طوروس / مرتفعات جنوب شرق هضبة الأناضول في بحيرة وان الواقعة في قرية أليسو التركية ، ليتدفق جنوبا إلى العراق مرورا بسوريا، ويلتقي مع نهر الفرات عند شط العرب. ويبلغ طول نهر دجلة 1850 كيلو متراً، وله عدّة روافد/ أنهار، أهمها نهر ديالى ونهر الزاب الكبير والزاب الصغير. وتصب خمسة روافد فيه بعد دخوله الأراضي العراقية وهي الخابور والزاب الكبير والزاب الصغير والعظيم وديالى، وهذه الروافد تجلب إلى النهر ثلثَي مياهه، أما الثلث الآخر، فيأتي من تركيا.
عملية ملء السد لحين الوصول إلى مناسيب توليد الطاقة ستتسبب في قلة الإيرادات المائية تجاة الأراضي العراقية بالإضاف إلى العامل المناخي وقلة تساقط الامطار، وهو ما يهدد نهر دجلة بالإختفاء.
سد أليسو التركي وهو مشروع لتوليد الطاقة الكهرومائية، وشرعت تركيا ببنائه عام 2006، على نهر دجلة بالقرب من قرية إليسو، على طول حدود محافظتي ماردين وشرناق في تركيا. وانتهت منه وافتتحته في فبراير 2018، وبدأت بملء خزانه المائي في أوائل يونيومن نفس العام. يصل إجمالي القدرة الاسمية لسد أليسو للطاقة الكهرمائية 1200 ميجاوات، الأمر الذي يجعله رابع أكبر سد في البلد من حيث قدرته على إنتاج الطاقة.
أثار مشروع السد غضباً دولياً لتسببه بإنخفاص مستوى المياه المتدفقة إلى سوريا وإيران والعراق إلى جانب تأثر أكثر من 50 ألفاً من سكان المناطق المحيطة بمنطقة السد في قرية إليسو وغيرها من القرى المحيطة التي ستغرق كلياً تحت مياه السد. بالإضافة لرحيل نحو 80 ألف شخص عن 199 قرية في المنطقة.
عدداً من المدن العراقية ايضا قد تضررت من هذا السد، وهي: الموصل والسليمانية وبغداد والعمارة ومناطق البصرة في الجنوب. بالإضافة إلى المناطق الزراعية المحيطة بنهر دجلة في أقصى شمالي سوريا.
وليست السدود التركية فحسب، لكن نهر دجلة يعاني ايضاً من شحّ وارداته المائية بسبب قطع طهران الروافد التي يتغذى عليها بعد تحويل مسارها داخل الأراضي الإيرانية. حيث انخفض منسوب مياه الروافد الوافدة من إيران، لنهر ديالى ونهر سيروان، ما أثر في الطاقة التخزينية لسدَّي حمرين ودربندخان وهو ما سوف يتسبب في عدم القدرة على تأمين مياه الشرب لمحافظة ديالى – غرب العراق – بالكامل بسبب قلة المياه، كما قطعت إيران نهر الكارون الذي يغذي شط العرب.
وقالت حكومة إقليم كردستان العراق إن إيران ” غيرت مجرى نهر الكارون بالكامل وأقامت ثلاثة سدود كبيرة على نهر الكرخة بعدما كان هذان النهران يمثلان مصدرين رئيسين لمياه الإقليم والعراق ككل”. وعمدت إيران تغيير مجرى 43 رافدا من أصل 45 التي كانت تتدفق إلى العراق وتصب في نهر دجلة، وهذا عجل من جفاف نهر دجلة في مناطق شمال بغداد وكردستان.
نهر الفرات شريان الحياة لسوريا والعراق
ينبع نهر”الفرات” من تركيا ويعبر الأراضي السورية عند مدينة جرابلس بريف حلب، يمر النهر في محافظة الرقة وبعدها محافظة دير الزور ثم يخرج من الأراضي السورية عند مدينة البوكمال ليدخل العراق عند مدينة القائم في محافظة الأنبارغرب العراق. بعد ذلك يدخل النهر في محافظتي بابل وكربلاء ثم إلى النجف والديوانية فالمثنى ثم ذي قار ليدخل بعدها منطقة الأهوار جنوب العراق، وفي الجنوب يتحد معه نهر دجلة فيشكلان شط العرب الذي تجري مياهه مسافة 120 كيلومترا جنوبا لتصب في الخليج.
وتواجه سوريا أزمة مياه أكثر حدة من العراق وتركيا، المرصد السوري لحقوق الإنسان ،مقره بريطانيا ، تحدث عن وقوع كارثة بيئية تهدد الأمن الغذائي في الجزيرة السورية، إضافة إلى كارثة إنسانية تهدد نحو مليونين ونصف المليون من السكان المستفيدين من نهر الفرات في مناطق متفرقة كالرقة والحسكة ودير الزور وكوباني. وصرح المرصد الشهر الماضي، إن منسوب نهر الفرات انخفض بمعدل خمسة أمتار لأول مرة في التاريخ بسبب حجب الجانب التركي لمياه النهر بحيث بات لا يتجاوز تدفقه 200 متر مكعب في الثانية، وهو ما يشكل انتهاكاً صارخاً للاتفاقية الموقعة بين سوريا وتركيا عام 1987؛ حيث التزمت تركيا بإطلاق 500 متر مكعب في الثانية على الأقل يتقاسمها العراق وسوريا.
بالإضافة إلى تساقط محطات ضخ المياه وتوليد الطاقة على مجراه نهر الفرات، معلنة خروجها عن الخدمة واحدة تلو الأخرى. ووسط نداءات أهلية من مزارعين سوريين مطالبيين بالتحرك الدولي لفكّ احتباس نهر الفرات، ألقت كل من الإدارة الذاتية الكردية شمال شرقي سوريا ودمشق باللائمة لنضوب “فراتهم” على عاتق الجانب التركي.
ولعل الإضطرابات الداخلية لكل من سوريا والعراق ، بالإضافة لعدم استخدام الأدوات المتحققة لدى الدولتيين لإجبار كل من تركيا وإيران لتغيير سياساتهما في ما يتعلق بالمياه، هو ما يحفز تركيا على التجاوز على حصص كلا من العراق وسوريا، وشجع إيران في انتهاج سياسة قطع الأنهار.
وفي الحالة العراقية، وفي ظل عدم وجود سيطرة حقيقية لدى الحكومة العراقية على كثير من الأمور المتعلقة بسياسة الدولة، التي باتت تدار في كثير من الأحيان من قبل الأطراف الموازية للسلطة التنفيذية. فكلاً من تركيا وإيران تستفيدان من تبادل تجاري بعشرات المليارات من الدولارات مع العراق، تأخذ المنتجات الزراعية فيه حيزاً كبيراً، ولكن لم يكن من الحكومة الحالية أو حتى الحكومات المتعاقبة في ما بعد 2003 من إستغلال تلك الملفات في الضغط على تلك الدول لتغيير سياستها أو حتى مجرد التعامل مع هذا الملف كقضية استراتيجية والإكتفاء بالطلب والترجي.
وعلى الجانب السوري، أعلنت أنقرة أنها ملتزمة مع سوريا بتوريد 500 متر مكعب في الثانية بحسب اتفاقية عام 1987، علماً أن دمشق وقعت بعد سنتين اتفاقاً مع بغداد ينص على منح العراق حصة قدرها 58 % من مياه الفرات مقابل 42 % لسوريا من أجمالي الكمية التي تردها من تركيا.
الاتفاق السوري- العراقي صمد هذا الاتفاق على أرض الواقع حتى عام 2012 عندما فقدت حكومة الأسد السيطرة على شمال شرق البلاد حيث أصبح انقطاع المياه على الضفة السورية من نهر الفرات أكثر تواترا.
والوقائع الميدانية والتحولات السياسية إبان عام 2011 تركت تأثيراتها، ودفعت إلى استخدام ورقة المياه للمساومة والضغط، بخاصة مع تنامي النفوذ الكردي في المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، ويرجح عودة تركيا إلى توفير المعدل السنوي المعتاد، بعد ملء حوض سد أتاتورك.
في سوريا، تحدث حمدان العبد نائب الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي في الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا والذي أنتقد صمت حكومتي بغداد ودمشق في ظل ما ترسمه تركيا من خرائط جغرافية جديدة تستهدف خلالها الشرق الأوسط والقوقاز، وأشار في حديثه لوكالة أنباء “هاوار” المحلية إلى أن أنقرة بعد احتلالها مناطق سورية كعفرين وتل أبيض ورأس العين “بدأت الحرب المائية تجاه أهالي الحسكة عبر إيقاف محطة علوك التي تغذي المحافظة وريفها بشكل كامل”. وصرح محافظ الرقة عبد الرزاق خليفة ما وصفه بتخفيض أنقرة في الآونة الأخيرة للوارد المائي من نهر الفرات من 500 إلى 200 متر مكعب في الثانية.
وفي العراق ، تحدث وزير الموارد المائية العراقي مهدي رشيد بأن إيرادات نهرَي دجلة والفرات الواردة من تركيا انخفضت بنسبة 50 %، وتراجعت إيرادات روافد سد دربندخان من إيران إلى صفر %، وسد دوكان / شمال العراق إلى نحو 70 %
إيران، والتي دخلت الملف المياة بعد عام 2003، بسقوط النظام البعثي في العراق ، وعمدت لتغيير مسار عشرات الأنهر مساراتها أو قطعتها.
قطعت إيران أكثر من 45 نهراً ورافداً تصب في العراق، مثل نهر الكارون الذي كان يمثل الموجة العذبة إلى شط العرب، ونهر الكرخة ونهر سيروان، التي باتت منقطعة بشكل تام وهو ما نتج عنه تراجع كبير في القطاع الزراعي للبلاد.
وادى استحواذ تركيا وإيران على الحصص العراق المائية إلى تزايد نسب التصحر و تقويض النهوض بالواقع الزراعي في العراق.