المتناقض| حسين يعقوب ضد حسين يعقوب: يُفتي وينفي عن نفسه الفتوى.. يطالب بالشريعة ويؤكد أنها مُطبقة.. مع السلفيين وليس منهم
( 1 )
“أول مرة أشوف أسد، الله أكبر عليك”، مُتباهيًا يقول محمد حسين يعقوب -في إحدى خطبه التي انتشرت بكثافة مع بداية الألفية- إن أحد مُريديه وصفه بذلك حين رآه يهبط من على سُلم الطائرة بلحيته الكثيفة وجلبابه الأبيض الزاهي يمشي مرفوع الرأس لا يخشى في الله لومة لائم.
وبغض النظر عن صحة الواقعة التي رواها يعقوب أو عدم صحتها، فإن قطاعا كبيرا من تابعيه، الذين اعتبروه لسنوات أحد أبرز الدعاة -وربما أحد أبرز العلماء في نظرهم- قد رأوه كذلك، أسد من أسود الدعوة إلى الله.
لكن محمد حسين يعقوب فاجئ الجميع وتبرأ من الفهم الخاطئ لخُطبه التي غزت الأسواق، وأكد أنه خريج معلمين ولا علاقة له بالفتوى ولا شأن له بالسياسة ، مُنكرًا ما يجمعه بـ”السلفية” شكلا ومضمونًا.. ليهدم أركان وثوابت العلاقة التي كانت قائمة وعلى أساسها رأى جمهوره أنه.. أسد.
لم يقتصر الأمر على ذلك، وإنما امتد على لسان يعقوب ليؤكد أنه لا يُفتي في الدين مُطلقا، وربما لذلك كتب النحات أحمد الفيكي ردًا عليه عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي، “الكذاب محمد حسين يعقوب اللي بيقول أنه مبيفتيش في الدين أنا كلمته سنة ٢٠٠٥ وأنا في الثانوية العامة لما بقيت سلفي على ايده هو وحسان والحويني والمصري وأخدت منه فتوى بتحريم النحت”.
“أبويا كان نحات وبفضل الشيخ يعقوب وأفكاره السودا وبفضل فتوى تانيه لمصطفى العدوي في التليفون اقتنعت أن فلوس أبويا حرام وأن عيشتنا حرام”، هكذا أضاف.
النحات الشاب تراجع عن نظرته لـ”يعقوب”، فهل تراجع أيضًا من وصفه بـ”الأسد”؟
( 2 )
“إحنا بالشريعة دي هنوصل القمر ونوصل المريخ”، في أحد المقاطع عبر قناة الرحمة التي كانت تبث عبر القمر الصناعي “نايل سات”، استنكر محمد حسين يعقوب على البعض عدم جديتهم في المطالبة بتطبيق الشريعة الحقة.
“لمّا أطبق الشريعة وأحمي ناسي وأحمي شبابي ونسائي من الفجور والفسق ويبقوا مع الله، الله يوفقهم”.. صراحة وضمنًا يردد محمد حسين يعقوب على آذان مستمعية المفتوحة على كلامه ما يقطع بأن الشريعة غير مُطبقة، وأن عدم تطبيقها هو سبب نكبة الأمة وابتلائها، وأنه بتطبيقها ستستقر الأمور ويسود الإسلام وينتصر المسلمين.
لكن يعقوب الذي زج بمستمعيه ليلا ونهارًا إلى أتون معركة نفسية سببها الرئيسي شعورهم بالذنب من التقصير في حق شريعة الله، تبرأ منهم بين ليلة وضحاها.
فخلال شهادته في قضية “داعش إمبابة”، وحينما سأله القاضي : ما رأيك في آراء الجماعات الإرهابية بأن مصر لا تطبق الشريعة الإسلامية؟ رد “الشيخ” هذا كلام خطأ شكلًا ومضمونًا.
يعقوب الأمس، غير يعقوب اليوم.. يعقوب الذي كان يناشد متابعيه من طرف خفي بالجهاد من أجل الشريعة، أنكر اليوم أن تكون الشريعة غير مُطبقة.. فأي يعقوب نصدق؟!
( 3 )
“لا شاف علماء ولا قرأ كُتب، كله بدماغه”.. بهذا اتهم محمد حسين يعقوب، سيد قطب أحد أبرز مُنظري الإخوان، وهو الأمر الذي شكل صدمة للبعض ممن يرون في قطب عالمٌ وداعية يُحتذى ويقتدى به، وهم الذين ربما كانوا يعتقدون أن يعقوب لن يتخلى عنه بمثل هذه السهولة، لكنه اتهمه صراحة بـ”الجهل”.
في رده على سؤال “ماذا تعرف عن جماعة الإخوان المسلمين؟ وما رأيك في أيديولوجية سيد قطب عن الشريعة الإسلامية؟” أجاب يعقوب “ماليين الدنيا، والشيخ حسن البنا بدايته ساعة إسقاط الخلافة الإسلامية، عمل الجماعة لتنبيه الناس والبحث للوصول إلى الحُكم، ولا يجوز اتباع شخص إلا النبى ولا اتباع جماعة إلا جماعة النبي”.
ولم يتوقف يعقوب وإنما استكمل “سيد قطب له قصة، فهو رجل أديب وشاعر ثم سافر أمريكا ثم أراد الالتزام بالدين.. فيه ناس لما تيجي تلتزم بتعجب بعقلها، فدخل الدين من سكة الأدب، وتلقفه بعض الإخوان المسلمين.. وأكتر حياته لما التزم كان في السجن وأنه لا شاف علماء ولا قرأ كتب (كله بدماغه) ولم يتفقه في علوم الدين ولم يتعلم على يد شيخ، فسيد قطب كان يقول هذه الآية رشيقة”.
لكن ما اتهم به يعقوب، سيد قطب، ربما ارتد عليه.. فالرجل اعترف بنفسه -خلال الجلسة- بأنه حاصل على “دبلوم مُعلمين”، حتى أنه ذهب إلى أبعد من ذلك حين قال إنه لا يخاطب إلا “العوام”.. وقد يكون السبب في ذلك حسب ما بين السطور أنه هو نفسه “قليل العلم”، فمن المنطقي إذن أن يخاطب قليلي العلم الذين عرفتهم كتب التراث بأنهم “العوام”.
العلم، هو ما دفع الكاتب الصحفي عبدالعظيم حماد إلى التعليق قائلا “لو كان عندنا تعليم بجد فيه تنمية لمهارات الإدراك والبحث و التفكير وذلك بالمناظرات بين التلاميذ والطلاب والصحافة المدرسية والخطابة والرحلات الثقافية والعلمية والكشافة والمعامل والاختراع والمنافسات الثقافية والعلمية فرديا وجماعيا، ولو كان عندنا أحزاب وجماعات سياسية وندوات تتحاور فيها كل الآراء وتبحث فيها كل الأفكار ويكتسب منها الشباب المعرفة النظرية والتدريب الميداني، ولو كان عندنا عندنا إعلام وصحافة وسينما ومسرح تقدم انتاجا معرفيا وجماليا.. لو كان عندنا ذلك أو بعضه هل كان يمكن أن يتبعك يا شيخ يعقوب وأمثالك ملايين من أبنائنا ؟”.
ويختتم حماد بسؤال.. هل كان يمكن أن يصدقوا اختراعك (التقية) لتعريف جديد لفئة العباد مقابل فئة العلماء وكأن العلماء ليسوا عبادا؟
( 4 )
“لست منهم”، قد يكون ذلك هو مُلخص رد الشيخ محمد حسين يعقوب على سؤال حول علاقته بـ”السلفية” والسلفيين.. أنكر الرجل ذلك تمامًا، تبرأ من كل ما يجمعه بذلك التيار وتلك الجماعة وأفكارها.
خلال رده قال يعقوب “أنا لا أنتسب إلى حزب أو جماعة، أحب كلام الله ورسوله، أمّا عن السلفي فقد يكون متحزبا ولهم منهجهم وفكرهم ولست منهم وأنا داعية إلى عبادة الله”.
ربما ينافي ذلك ما يراه الجميع في يعقوب، فالرجل لم يتوانى عن تعزيز الفكر السلفي حتى مع أبسط القضايا التي كان يناقشها في برامجه.. لذا فقد أعاد رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو للشيخ وهو يتحدث عن “الشنطة الدهبي والشراب البيج” كمصدر للفتنة والتحرش.. وخلاله يؤكد يعقوب أن السيدة “قد تكون منتقبة وتشتكي أنها تُعاكس، آه، لأن كحل عنيكي باين فيطلع فتنة، لأن شرابك بيج وجلبابك قصير شوية فيطلع فتنة، لأن شنطتك دهبي فيها أحمر، لأنك مش لابسة جوانتي، احذري”.. أعاد رواد مواقع التواصل نشر المقطع وتساءلوا.. إن لم تكن تلك سلفية فماذا تكون السلفية؟!.
في مقطع عبر يوتيوب منشور منذ عشر سنوات يقول محمد حسين يعقوب “المسلم الذي يريد النجاة، ميغيّرش كلامه، المسلم اللي عايز ينجو ويذهب إلى الجنة ميغيرش كلامه أبدا، ميغيرش كلامه جوا وبرا”.. لكن مرور سنوات طويلة على هذا المقطع قد تكون دفعت يعقوب إلى النسيان، أو البحث عن طرق أخرى لـ”النجاة”.
الباحث الإسلامي أحمد عبده ماهر، وجه سؤاله للسلفين خلال تعليقه على شهادة يعقوب “إذا كان الشيخ السلفي محمد حسين يعقوب لم يستطيع أن ينطق ولا أن يقول أمام رئيس المحكمة بما تصيحون به في وجوهنا بأعلى أصواتكم أن قتل المرتد وهدم الكنائس والأضرحة من الإسلام.. فكيف تقولونها في وجه رب العالمين بلا وجل؟.. ألا تعلمون بأن الله معكم أينما كنتم… وأنه ما ينطق أحدكم من قول إلا ولديه رقيب عتيد؟.. ألم توقنوا بأنكم محاسبون على تشويهكم للإسلام دين الرحمن في عقول الشباب؟!”.
( 5 )
“كان السلف الصالح يقولون لأصحاب البِدع (بيننا وبينهم الجنائز)، النهاردة في زماننا بيقولوا بينا وبينكم الصناديق، وقالت الصناديق للدين نعم”.. هكذا كان يُعبر محمد حسين يعقوب عن رؤيته للعملية الانتخابية، حين تنتخب “التيار” فأنت تقول للدين نعم، وبالضرورة فإن رفضك يعني أنك تقول للدين “لا”.. بهذه البساطة.
مد الخط على استقامته يفضي حتمًا إلى أبعد من ذلك، فاستخدام الدين من أجل الوصول إلى السلطة يعني إقامة أركان “دولة دينية” وصولا إلى دولة الخلافة، وبالتالي فإن كل من يرفض تلك الأركان هو كاره للدين بالكلية.
في إحدى مقاطعه المنتشرة على يوتيوب، يقول يعقوب “إن بُغض الإخوان امتد إلى بُغض الدين، كراهية الدين، رفض الدين، إنها حرب على الدين”، كان ذلك في عام 2013، لكن في 2021 يتخلى “الشيخ” عن كل ما ذهب إليه في تناقض غريب.
خلال الجلسة التي انقعدت بالأمس، أكد يعقوب أنه لا وجود لدولة الخلافة وأن مصر تقيم الشريعة وأنه لا تبعية لرجل إلا لرسول الله -في إشارة لسيد قطب- وأن رؤساء الجمهوريات هم أولياء أمور المسلمين، وأن الجهاد ليس ما فُهم عن بعض المشايخ وإنما هو الإكثار من وجود الصالحين لكى لا تهلك الأمة.
عن ذلك التناقض يُعلق المحامي أحمد فوزي قائلا “محمد حسين يعقوب في شهادته عمل زى كل شيوخ السلفية، أنا ولا حاجة و كل حاجة، علشان كده هما في منطقة تخلى السلطة، المؤسسات الدينية الرسمية زي الأزهر، الإخوان المسلمين، كوادر الجماعات الإسلامية الراديكالية بتتعامل معها و تقبلها لأنها مريحة الكل و مش بتتعب حد، الخلافة حلوة بس مينفعش نعملها بعد الرسول بس هي حلوة و لازم تحقق، أنا مش بفتي أنا عبد من عباد الله الصالحين اللي خد عني فتوى أنا مالي، مقدرش أقول الجماعات الارهابية حلوة و لا وحشة بس مينفعش نخرج عن الحاكم، كل حاجة و عكسها فيفضل عند أطراف كتير حلو مش حيزعل حد و عنده مساحة احترام عند ناس كتير مجتمعات تعبانة و مش واخدة قرار تقدم الجديد في أي حاجة، مبسوطة كدة، فحيفضل العلاقة بين الشيوخ و السلطة و المواطن الطيب كدة”.
هل حقًا ستظل العلاقة بين الشيوخ والسلطة والمواطن على ما هي عليه؟