العراق وسيطا.. تفاصيل الدبلوماسية السرية بين السعودية وإيران: مفاوضات لفك الاشتباك ونهاية حرب اليمن
الفايننشيال تايمز: بعد خمس سنوات من القطيعة بغداد تستضيف وفدين سعودي وإيراني رفيعي المستوى
تصريحات بن سلمان من خامنئي أسوأ من هتلر ولا تفاهم مع إيران.. إلى إيران دولة جارة ونطمح أن يكون لدينا علاقة مميزة معها
بن سلمان : الحوثي في الأخير يمني ولديه نزعة عروبية نتمنى أن تظهر بشكل أكبر وأن يجلس على طاولة المفاوضات
إيران تبدي ارتياحاً ورغبة في التواصل المباشر مع السعودية.. والعراق يسعى للارتقاء لمستوى الوساطة الإقليمية
كتبت – ريهام الحكيم
يشهد الشرق الأوسط تطوراً كبيراً في السياسات الإقليمية في الفترة الأخيرة، فالموقف السعودي الذي كان منذ أعوام غارقاً في الإشتباكات في اليمن وسوريا، تحول الان إلى فك الإشتباك واللجوء إلى التهدئة مع عدداً من القوى الإقليمية كإيران وتركيا.
أثناء زيارته إلى العراق، أجرى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لقاءات مع عدداً من المسؤولين في بغداد، وهى الزيارة التي تأتي وسط حديث دولي بشأن تفاوض سعودي إيراني غير معلن على الأراضي العراقية.
ويدفع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بقوة بإتجاه تولي العراق مهمة ادارة حوار يحسن من حالة الصراع في المنطقة ويضمن التهدئة الشاملة، وهو ما تحتاجه جميع الأطراف المتصارعة خاصة في ضوء التراجع الإقتصادي الذي تمر به المنطقة وتغير الخريطة الجيوسياسية للعدد من القوى الفاعلة فيها.
وسائل اعلام عراقية تحدثت عن ارتياح إيراني لتحول العراق وتوليه دوراً في الحوار السعودي الإيراني. وهو التوجه الجديد للخارجية الإيرانية المتزامن مع عودة المفاوضات لإحياء الاتفاق النووي الإيراني وهو ليس الأخير الذي ستقدم علية طهران.
وبمرور خمس سنوات من القطيعة بين الجارتين إيران والسعودية، تستضيف أرض بغداد وفدين سعودي وإيراني رفيعي المستوى، وهو اللقاء الذي لم يعلن عنه حتى كشفت صحيفة الفينانشال تايمز البريطانية ،بعد مرور عشرة أيام فقط من زيارة الكاظمي إلى الرياض، وهو الخبر الذي تم نفيه في البداية من الجانب السعودي.
إيران والسعودية كلا منهما يتهم الأخر بالإسهام في زعزعة استقرار المنطقة، عن طريق دعمهم لأطراف تتباين تواجهتها في عدداً من الدول العربية وخاصة في اليمن وسوريا والعراق.
أما الكاظمي والذي يخطو نحو تحركات إقليمية لمشروع استراتيجي إقليمي، يطمح فيه العراق لآفاق تحالفات جديدة مع السعودية والاردن ومصر، وهى التحالفات المدعومة من الولايات المتحدة. انعكاسات تلك التحركات تقلق الجانب الإيراني الذي هيمن على قرار العراق السياسي لسنوات عديدة عقب سقوط النظام البعثي عام 2003.
بن سلمان يطمح بعلاقات مميزة مع إيران
صرح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على قناة فضائية سعودية بمناسبة مرور الذكرى الخامسة لإطلاق “رؤية 2030” السعودية أن “إيران دولة جارة، وكل ما نطمح له أن يكون لدينا علاقة مميزة معها، لا نريد لها أن تكون في وضع صعب بل في وضع مزدهر، لكن مشكلتنا في تصرفاتها السلبية في برنامجها النووي أو برنامجها الصاروخي أو الجماعات المسلحة التي تنشرها في المنطقة، نعمل مع شركائنا في المنطقة والعالم لإيجاد حل لهذه المشكلات ولا يوجد دولة في العالم تقبل أن يكون هناك ميليشيات على حدودها “.
وهى تصريحات مناقضة لتصريحات سابقة لولي العهد السعودي في 2018 ، ابان تولي ترامب الادارة الأمريكية، والتي هاجم فيها إيران ووصف المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي بأنه “أسوء من هتلر” واستبعد في ذاك الوقت أى تفاهم مع الدولة الإيرانية والتي وصفها بـ” الدولة القائمة على الأيدولوجية المتطرفة”.
اليوم يتحدث بن سلمان عن علاقات طيبة مع إيران، وهو ما يضع أمل كبير لتخفيف حدة التوتر بينهما وهو ما سوف ينعكس بالخير على خفض حدة الصرعات التي يدفع ثمنها شعوب المنطقة وعلى رأسهم الشعب اليمني.
وتحدث بن سلمان عن الملف اليمني أن “الحوثي في الأخير يمني ولديه نزعة عروبية نتمنى أن تظهر فيه بشكل أكبر، ونتمنى أن يجلس على طاولة المفاوضات للوصول لحلول تكفل حقوق الجميع”.
نفت السعودية وجود أى ضغوط من قبل الإدارة الأمريكية، وتقف ثلاث إشكاليات رئيسية تمثل عائقاً في العلاقات السعودية الإيرانية وهى: برنامج إيران النووي، الصواريخ البالستية، ودعم إيران لعدداً من الميليشيات في اليمن والعراق وسوريا.
إيران تبدي ارتياحاً ورغبة في التواصل المباشر مع السعودية
تتلخص الأسباب التي تدفع إيران لإنتهاج سياسة التهدئة مع السعودية بالتزامن مع تغير الإدارة الأمريكية ووصول الحزب الديمقراطي والذي ينتهج سياسة تختلف جوهرياً عن الإدارة السابقة للحزب الجمهوري والرئيس السابق دونالد ترامب.
الادارة الامريكية الجديدة ترغب في إنهاء الحرب في اليمن على العكس من سابقتها، ملف الحرب في اليمن يدمي الإقتصاد السعودي واليمني. بالإضافة إلى الوضع الإقتصادي الصعب الذي تمر به إيران بسبب العقوبات الأمريكية هو ما يدفع إيران لتسوية هذا الملف بالتزامن مع محادثات التفاوض على البرنامج النووي.
وفي الداخل الإيراني، تستعد البلاد لإنتخابات رئاسية جديدة في يونيو القادم، وسط صراعات واضحة بين الأجنحة الأمنية وهو ما يضعف الفرص لتغيير شامل لنهج إيران في سياساتها الإقليمية.
ويعد تجذر “عسكرة النظام” في إيران منذ عام 1980، وسيطرة المؤسسة العسكرية والأمنية على الدبلوماسية الإيرانية تسببت في تغليّب البعد الأمني على العمل الدبلوماسي في الثورة والدولة.
سياسة إيران الإقليمية: التمدد وامتلاك أوراق قوة
الهيمنة الإيرانية على القرار السياسي في العراق، وعلاقتها مع حزب الله في لبنان، والقواعد العسكرية والفصائل في سوريا، تعد أوراق ضغط رئيسية تستخدمها إيران في تفاوضها مع القوى الغربية.
ولكن من الممكن أن تترك إيران ملف اليمن وتساهم في إنهاء الحرب وهو ما يتشارك مع رغبة أمريكية سعودية.
اذن، ملف اليمن سيشكل نقطة لتحول العلاقة بين القوتيين الإقليميتين. وليس السعودية وإيران فحسب، بل تعمل مصر وتركيا ايضا على انهاء بعض الملفات الخلافية لان الادارة الأمريكية الجديدة ليست مهتمة بالمنطقة كسابقتها. وأصبح على القوى الإقليمية في المنطقة أن تعتمد على أنفسها في حسم الخلافات والصراعات.
ولعل الإنفتاح السعودي يساعد معسكر الإعتدال الإيراني بتحقيق خطوات على الأرض تسهم في الانتخابات الإيرانية المرتقبة يونيو 2021.
العراق … الارتقاء لمستوى الوساطة الإقليمية
العراق هو الممر الرئيسي للمشروع الجيوسياسي الإيراني نحو البحر الأحمر والبحر المتوسط، وهو موصل إيران بموانئ سوريا ونقل الأسلحة والتواصل مع حزب الله في لبنان.
ويُنظر للقاءات السعودية الإيرانية الأميركية في العراق، بأنها تتيح فرصة إلى حد ما لرئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي إمكانية الضغط على طهران في ما يتعلق بأذرعها في العراق.
فإيران دائما ما تقدم نفسها بإعتبارها القادر على وقف النزعات الأهلية في العراق.
وتتباين آراء المراقبين في شأن دور العراق كوسيط للتسوية بين الأطراف الإقليمية، إذ يرى طيف منهم أن هذا الدور سيمكن بغداد من فرض شروطها على طهران، أما آخرون فيعتقدون أن العراق لن يكون مؤثراً، بل متأثراً بمسار تلك المفاوضات.
الكاظمي الذي عمد، طيلة عام من تولية رئاسة الوزراء في العراق، إلى تجفيف المصادر المالية للفصائل المسلحة الولائية وضبط الحدود مع إيران. وهو يقف الان في موقف قوى بعد تقوية علاقاته الخارجية وإقالة خصومه في الأجهزة الأمنية.
وفي صراعه مع الفصائل المسلحة الموالية لإيران، اتجه الكاظمي مباشراً إلى القوى المؤثرة في تلك الفصائل برسائل للمرشد الأعلى علي خامنئي تحمل معنى الغضب والضيق من تصرفات تلك الفصائل وتحديها لقوى الدولة في شوارع بغداد ومحافظات اخرى. تلك الفصائل الولائية التي تفسر سلوكها على أساس ديني والتبعية للمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية
وعلى الصعيد الإقليمي، يعد حراك رئيس الحكومة العراقية في عدد من الدول الخليجية ومحاولة تحفيز مشروع “المشرق الجديد” بين العراق ومصر والأردن، أبرز العوامل التي دفعت طهران إلى التعجيل في خوض مفاوضات واسعة مع أطراف عربية.
ولكن احتمال التنازل الإيراني عن الأذرع المسلحة في العراق ضعيف، فالعلاقة التي ربطت إيران بتلك الفصائل بعد عام 2014 اثناء الحرب على “داعش” في العراق، أخذت شكلاً رسمياً بعد طلب من حكومة بغداد بإستقدام مستشاريين عسكريين إيرانيين اثناء الحرب.
وفي تقرير صحيفة العرب اللندنية، والذي تحدث عن صراعات على النفوذ بين الحرس الثوري وجهاز المخابرات الإيراني “إطلاعات” المحسوب على التيار الإصلاحي داخل إيران، إلى أذرع إيران من الميليشيات الولائية في العراق بعد أن ذكرت قيادات في تحالف “الفتح” الذي يرأسه هادي العامري رئيس منظمة “بدر” أن غضباً يسود أوساط الحرس الثوري من تنسيق بين قيس الخزعلي زعيم ميليشيا “عصائب أهل الحق” و جهاز المخابرات الإيراني.
وعلى الرغم من أن هذا النوع من الصراع عادة ما يرتبط بالشخصيات الإيرانية الرفيعة المستوى، خصوصاً تلك المقربة من دوائر الرئيس الإيراني حسن روحاني وفريقه الإصلاحي، إلا أن تدخل جهاز المخابرات الإيراني في الملف العراقي، الذي يعد ملفا خاصا بـ”فيلق القدس” التابع للحرس الثوري، جعل الصراع يبرز كخلاف بين “الأدوات” من الميليشيات العراقية.
ذكر التقرير ايضا أن أعراض غياب قاسم سليماني، القائد السابق لفيلق بدر، الذي كان يمسك بملف الميليشيات بقوة، وغياب أبومهدي المهندس الذي أوكلت إليه مهمة التنسيق بين الفصائل العراقية المختلفة، وأن “إطلاعات” المحسوبة على الرئيس الإيراني حسن روحاني وجدت فرصة في تراخي قبضة قيادة “فيلق القدس” عن الميليشيات، وبدأت اتصالاتها الخاصة مع الميليشيات.