العنب هل هو خطر على الأمن؟.. تقرير للشبكة العربية يرصد شهادات أهالي المحبوسين عن التعنت في إدخال الأطعمة لذويهم
الشبكة تنتقد انعدام منطقية إجراءات السجون: الإدارة بمنأى عن العقاب والنيابة تصمن على رسالة بث الخوف
ليلى سويف: خيروني بين دخول المانجو أو العنب لعلاء عبدالفتاح.. والكمون والزعتر والمناديل المبللة ممنوع
إكرام يوسف: رفضوا توست مرضى السكر لزيادة العليمي وكانوا عايزين يرجعوا البطاطس المحمرة
راندا شعث: فتشوا طعام شقيقي رامي وأعادوا الموز والمانجو والعنب.. وزوجة وليد شوقي: منعوا عنه البلح في رمضان
كتب- محمود هاشم:
نشرت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان شهادات عدد من أسر بعض سجناء الرأي، بشأن منع سلطات السجون إدخال أطعمة لذويهم، من بينها أنواع من الفواكه والخضروات وغيرها، بالمخالفة للقانون والدستور، واصفة هذه الإجراءات بأنها حالة غير قانونية من العقاب الجماعي التي تستدعي تدخل النائب العام.
وأوضحت الشبكة أن لدينا شهادات كثيرة من أهالي معتقلين عن رفض إدارة السجن لإدخال الفاكهة، والأدوية، والكتب، كما ترفض الإدارة إدخال “دجاجة كاملة” وتكتفي بنصف دجاجة! ولم تشرح السلطات السبب حتى الآن، فضلا شكاوى العديد من السجناء أنهم محرومين من التريض، أو الاتصال التليفوني، أو إدخال الكتب، وحتى الرعاية الطبية الجادة.
وأضافت: “لم نورد جميع الشهادات؟ لأن الأهالي خائفون، هذا الخوف المبرر من قبل الأهالي، يأتي من انعدام منطقية الإجراءات التي تتخذها إدارة السجن، وشعور هذه الادارة أنها بمنأى عن العقاب، في غياب لدور النيابة العامة ، التي تصمت على رسالة بث الخوف”.
اعتقل من عائلة المحامي الحقوقي الراحل سيف الإسلام حمد، ابنه علاء عبد الفتاح، ثم اعتقلت أخته الصغرى سناء سيف، وتم حبسهما احتياطيا، بشكل أسوأ من الاعتقال.
ففي أثناء محاولة الدكتورة ليلى سويف، والدة علاء ، الاطمئنان عليه وإدخال الزيارة له، عقب القبض عليه للمرة الثانية في 2019، بعد قضائه 5 سنوات في السجن، كتبت: “رجعت من طرة خدوا مني الجواب لكن ما أدونيش جواب، حاستنى لما أشوف اللي حيحصل الأسبوع الجاي قبل ما أبدأ أتخانق تاني، غير كده خدوا أغلب الحاجات مع بعض البلاهات زي أنهم لأول مرة يرفضوا يدخلوا المناديل المبللة، ورفضوا يدخلوا الكمون والزعتر بس دي مش أول مرة تحصل، وأخيرا قرروا أنه مينفعش أدخل نوعين فاكهة فلازم اختار المانجة ولا العنب؟ عموما ده منطقي شوية عن المرة اللي فاتت لما طلبوا مني أختار أدخل زيت الزيتون ولا العسل”.
وعلقت الشبكة قائلة: “بحثنا في الدستور المصري الصادر في عام 2014 بموافقة ما يزيد عن 98% من المشاركين في الاستفتاء ، فلم نجد ما يمنع دخول العنب أو المانجو للسجناء، كما بحثنا في قانون السجون سواء رقم 396 لسنة 1956 ، او القانون رقم 106 لسنة 2015 ، فلم نجد ما يمنع من ذوي المحبوس احتياطي أو السجين من ادخال العنب أو المانجو له”.
وأضافت: “قد يكون الدستور الذي صدر في 2014 وكذلك قانون السجون الذي صدر في 1956 وتعديلاته التي صدرت 2015، غير مواكبين للمخاطر التي يتعرض لها الأمن القومي من وجود العنب أو المانجو في السجون، لذلك يمكن تجاوز منع العنب والمانجو من الدخول للسجناء، الأمن القومي يستحق تضحيات بسيطة”.
واستدركت: “لكن الشكاوي تزايدت من منع مأكولات وأطعمة أخرى، الكمون، الزعتر، القلقاس، الملوخية، البامية، والبطاطا، الأمر إذا لا يتعلق – غالبا – بالأمن القومي، بل بأسباب أخرى”.
المحامي والبرلماني السابق زياد العليمي، أيضا قيد الحبس الاحتياطي في القضية المعروفة إعلاميا بـ”معتقلي الأمل”، منذ صيف 2019، حيث تم اتهامه بالانضمام إلى ما أسمتها السلطات “خلية الأمل”، حيث كان يرغب كمواطن ومحام وبرلماني سابق في خوض الانتخابات النيابية، فما كان من السلطات إلا أن ألقت عليه القبض مع مجموعة كبيرة، واتهمتهم بدعم الإرهاب، ويعاني زياد العليمي من أمراض الضغط والسكر ومن ضعف جهازه المناعي، وكثيرا ما تتعنت السلطات في إدخال الأدوية.
في 3 سبتمبر 2019، كتبت والدة زياد، الصحفية إكرام يوسف: “كالعادة سخافات تفتيش الأكل، رفضوا يدخلوا المرة دي توست مرضى السكر خالص، كل مرة بيرفضوا وبعدين بعد شوية مراضاة بيدخلوا جزء ويرجعوا، كنت جنب الأكل واخدة كيوي وتفاح عشان ما يبقاش فيه حجة الفاكهة أم بذرة”.
ولم توضح السلطات المصرية على الاطلاق خطورة الفاكهة ذات البذور ، حيث كتبت إكرام في 29 أغسطس: “التفتيش كالعادة ملوش منطق ولا معيار، النهاردة كانوا عايزين يرجعوا البطاطس المحمرة – ماحدش يسألني ليه؟ – وقالولي إن الفاكهة اللي ببذرة لازم أشيل منها البذرة الاول قبل ما أجيبها، كنت جايبة خوخ وبرقوق، وقلت له إني من أول الموسم بجيب خوخ وبرقوق لأنها فاكهة قليلة السكر وتنفع زياد، قال لي إنه حيفوتها النهاردة، لكن حيدخل نص الكمية فقط، اللي هي أصلا كيلو ونص خوخ وزيهم برقوق عشان يكفوا 3 أشخاص في زنزانة واحدة، وأرجع بالنص التاني، وبرضه رجع نص العيش التوست بتاع مرضى السكر”.
واستطردت: “قلت لزياد أني جايبة المروحة من أكتر من شهر ووالدة حسام مؤنس دايخة بيها عشان تدخلها وجابت كل الورق اللي عايزينه ولسة مستنيين فرج ربنا، وأني حاجيب لهم تلاجة صغيرة بدل الأكل اللي بيبوظ منهم! فقال لي استني لما يدخلوا المروحة الأول!! وقال للضابط “أنا بقالي شهر مش راضي أقول لأهلي أن الدوا بيبوظ من الحر، والحبوب بتفرول وبتندي!!”، يعني زياد اللي عنده ٦ أمراض أبسطها الضغط والسكر، بقاله شهر بياخد علاج مالوش مفعول، حسبنا الله ونعم الوكيل، اللهم عدلك وانتقامك”.
توضح الشبكة أنه “حفاظا على الأمن القومي والأمن العام والسلم الاجتماعي، تضطر إكرام يوسف في كل زيارة، أن تختار فاكهة خالية من البذور، وإذا ما، لا قدر الله، سولت لها نفسها أن تشتري لابنها فاكهة ببذور، فإنها تقضي الليل كله في تنقيتها من البذور، فأمن مصر فوق كل شيء”، ومع ذلك، كتبت إكرام في أغسطس 2020: “دخلوا الأكل وماخدوش الفاكهة، مع اني مقطعاها ومافيش بذر ورفضوا معظم أكل الناس بحجة ان السجن مقلوب وفيه تفتيش، مفيش جوابات”.
في أغسطس 2019، ألقي القبض على السياسي الفلسطيني رامي شعث، وواجه نفس الاتهامات الجاهزة التي توجه لكل المعتقلين السياسيين: التعاون مع جماعة محظورة، وإشاعة أخبار كاذبة، بالطبع لم يعلن عن ماهية هذه الجماعة المحظورة أو تلك الاخبار الكاذبة التي يزعمون أنه نشرها.
وفي أغسطس من العام التالي، نشرت صفحة الحرية لرامي شعث رسالة من اخته المصورة الصحفية راندا شعث بعد زيارتها الأسبوعية للسجن، قالت فيها: “بوابات السجن عادةً بتفتح الساعة ١٠ الصبح. والنهاردة بالرغم من الحر والرطوبة ما فتحوش البوابة لحد الساعة ١١، لما جه دوري، كان في ضابط جديد هو اللي مسؤول”.
وأضافت: “الموظفين فتشوا الأكل اللي كنت جايباه ورفضوا يدخلوا الفواكة اللي معايا، كنت جايباله موز ومانجو وعنب، ورفضوا برضه ويدخلوا الكيكة اللي كنت عملاها ورجعولي الكتاب اللي كنت جايباهوله”.
وتابعت راندا: “أخدوا الفراخ المشوية والخضار المطبوخ والصابح، وأخدوا كمان السجاير، استأذنتهم يدخلوا الفاكهة بس هم ما رضيوش. من ورا دموعي اللي فجأة بدأت تسيل سألتهم على الجواب اللي كانوا وعدوني به المرة اللي فاتت، بس خلفوا بوعدهم ومكانش في جواب، بقالي ٥ شهور مشفتش أخويا عشان إحنا محرومين من الزيارات، بس حتى مفيش تجاوب مع أبسط متطلباتنا، جواب بسيط من رامي يطمنا”.
وترى الشبكة العربية أن ما ترويه راندا أمر يثير التساؤل، “فالكيكة مؤكد ليس بها بذر، حتى وإن كانت كيكة بالتمر، فنحن عادة ما نخلي التمر في حال ما إذا حشونا به الكيك!”.
وتقول طبيب الأسنان الدكتور وليد شوقي، المحبوس احتياطيا منذ أكتوبر 2018، ومتهم على ذمة القضية رقم 621 لسنة 2018، في رسالة طويلة نشرتها في موقع “درب”: “لا يوجد أي وسيلة تواصل مع وليد منذ تفشي كورونا، حينما أطلب خطاب يكون الرد «طيب ماشي المرة الجاية» إدخال الطعام بعد ظهور كورونا في مصر أصبح «بالعافية» و«الأدوية بالعافية» منعوا المانجة وفي رمضان منعوا البلح.
أما كمال البلشي، شقيق رئيس تحرير موقع “درب” خالد البلشي، تم توقيفه في سبتمبر 2020 أثناء سيرة في وسط المدينة، وبعد تركه تدارك الضابط الذي استوقفه أن شقيق البلشي، فأعيد القبض عليه وتم الزج به في القضية رقم 880 لسنة 2020، المعروفة بقضية أحداث 20 سبتمبر 2020، وتم اتهامه بالتظاهر، ونشر أخبار كاذبة، والانضمام لجماعة محظورة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، استنادا لمحضر تحريات لا يعدو أن يكون محض أقوال مرسلة دون دليل، ويتم ترحيله إلى سجن طرة.
فطبقا لخالد البلشي في البداية كان هناك تعتنت في إدخال بعض المأكولات، ولكن ذلك تغير مع الوقت، وهو ما وثقه تدوينة له في نوفمبر 2020، حيث كتب: “منعوا كل أنواع الخضروات، منعوا نوعا من الفاكهة وهو الجوافة، وسمحوا بنوع آخر هو التفاح، رغم أنهم سمحوا به لشخص آخر، وسمحوا بإدخال طقم واحد من الملابس، رغم أن كمال محبوس منذ شهرين، منعوا كل أنواع الجبن الرومي والاسطنبولي والفيتا وكذلك اللانشون، منعوا كذلك المخبوزات الجافة كالفايش أو بالعجوة، وأعادوا الصابون السائل وكذلك منعوا المطهر والمناديل الورقية رغم كورونا”.
وأضاف: “كنا حريصين على الإعداد لها قبلها بفترة طويلة، استغرقنا خلالها أنا وشقيقي عبدالستار في السؤال عن الممنوع والمسموح وما يجب أن أحمله وما لا يجب، جهزنا الملابس المطلوبة وزيارة من الخضار (طماطم وخيار وفلفل وليمون ) كيلو من كل نوع، والفواكه (تفاح وجوافة)، وجبن رومي واسطنبولي وعسل ولحم وأرز وأدوات نظافة ومطهر لزوم كورونا ومناديل ورقية، كلها تم رفضها باستثناء اللحم والتفاح والليمون، وطقم ملابس كامل، وجزء من أدوات النضافة، وتمت إعادة المطهر والمناديل وحتى كروكس أبيض أوصانا به بعض من سبقونا تم اعادته، ما بندخلش إلا شبشب بصباع”.
وتنص المادة 16 من قانون السجون رقم 396 لسنة 1956 على أنه يجوز للمحبوسين احتياطيا استحضار ما يلزمهم من الغذاء من خارج السجن أو شراؤه من السجن بالثمن المحدد له فإن لم يرغبوا فى ذلك أو لم يستطيعوا صرف لهم الغذاء المقرر.
وأكدت الشبكة العربية أن هذه المادة لم يتم تعديلها، ولم يترك القانون لمدير السجن أو ضباطه مساحة أو فرصة للتغول عليها، وهذا معناه أن المحبوس احتياطي له حق ” دون قيود” في استجلاب اي اطعمه من الخارج، والطعام هو الطعام أيا كان.
وعلى الرغم من هذا الحق الذي ينص عليها القانون، تتعسف السلطة التنفيذية في تنفيذها بحجة الحفاظ على الأمن القومي، والأمن العام، حتى بلغ الأمر التعسف في إدخال الأدوية أو الفاكهة أو الكتب أو الملابس، حتى أصبح يتندر الأهالي قائلين إن “البطيخ خطر على الأمن القومي”.
وعلى الرغم من وضوح نص القانون بحق المحبوس احتياطيا في جلب أي طعام من الخارج، حاولت الشبكة استنتاج اسباب قيام إدارات السجون بمنع بعض الأطعمة من الدخول للمحبوسين احتياطيا ، فوجدنا 3 أسباب وصفتها بـ”المنطقية”.
السبب الأول – الخطورة على الأمن القومي:
هل تمثل بعض الأطعمة خطرا على الأمن القومي؟ بالطبع لم تعلن وزارة الداخلية التي تتبعها ادارة السجون ذلك ، لكن تكرار الجملة التي تصاحب المنع (إدارة السجن رفضت) ! تلك العبارة المفتاحية التي تستهل بها كل أم، أو أخت، أو أب، أو ابن، حديثهم فور عودتهم من زيارة ذويهم في الحبس الاحتياطي عن رفض إدارة السجن إدخال أشياء غير مفهومة، وربما تبدو مضحكة في بعض الأحيان، لكنهم لا يعلنون ! ومن المضحك أو المثير للسخرية أن يكون العنب أو المانجو أو الزعتر أو القلقاس خطرا على الأمن العام.
السبب الثاني- الربح من التجارة مع السجناء:
الاستثمار والربح عبر السجناء، فالكانتين أو متاجر السجون أصبحت تبيع السلع للسجناء، وكما يذكر بعض السجناء السابقين، بأسعار أغلى من مثيلاتها في الخارج، لكن هذا معناه أن الداخلية تتربح عبر معاناة السجناء وتهتم وتسعى للربح على حساب حرياتهم ، فضلا عن أن متاجر السجن أو الكانتين لا يضم العديد من السلع التي يجلبها ذوي السجناء من الخارج.
السبب الثالث – التنكيل بالمحبوسين احتياطيا :
تميل الشبكة العربية لهذا السبب، لاسيما مع غياب أسباب أخرى، فضلا عن اتساقه مع الممارسات البوليسية التي استشرت في مواجهة ليس المحبوسين احتياطيا فقط أو السجناء السياسيين، بل في مواجهة كل منتقد أو معارض.