خط أنابيب “إيلات/ عسقلان”| أسسه الاحتلال سرا مع إيران وأعاده “التطبيع الإماراتي” للحياة.. ومصر تنفي تأثر قناة السويس بإنشائه
الشركة يرأسها ضابط سابق في البحرية الإسرائيلية.. وتخطط للاستحواذ على 12 إلى 17% من أعمال النفط في قناة السويس
مجلس الوزراء: تكلفتنا أقل من أية مسارات برية.. وحققنا ثاني أعلى حمولة سنوية صافية في تاريخ القناة رغم أزمة كورونا
العمل على المشروع الإسرائيلي بدأ عقب قرار عبدالناصر تقييد المرور في القناة بعد العدوان الثلاثي لضمان إمدادات الطاقة للأراضي المحتلة وأوروبا
شراكة إيرانية في المشروع بنسبة 50% في عهد الشاه بهلوي.. وتل أبيب رفضت دفع 1.1 مليار دولار تعويضات لطهران كحصة من الأرباح بعد قطع العلاقات بين الطرفين
كتب- محمود هاشم:
عاد خط أنابيب “إيلات عسقلان، الذي أعلنت شركة الأنابيب الإسرائيلية EAPC، بموجبه التوصل لاتفاق لنقل النفط من الإمارات إلى أوروبا ، على خلفية توقيع اتفاق تطبيع مع الدولة الخليجية، إلى الواجهة مجددا، بعد الحديث بشأن تأثر إيرادات قناة السويس بإنشائه، وهو ما نفته الحكومة في بيان رسمي، بينما تطرقت تقارير إلى تداعياته على خريطة النقل في المنطقة.
ويوفر الأنبوب الذي تم بناؤه عام 1968، أول منفذ بري لتجارة النفط يصل بين البحر الأحمر وخليج العقبة من جهة، والبحر المتوسط من الجهة الأخرى، ويصل طوله إلى 254 كيلومترا وقطره 42 إنشا.
كما تصل طاقته التصديرية إلى 1.2 مليون برميل يوميا، وتم تجهيزه بمضخات عكسية، تسمح بنقل النفط بين ميناءي إيلات وعسقلان في الاتجاهين، ويضم ميناء عسقلان خزانات للنفط بسعة 2.3 مليون برميل، ويستقبل ناقلات النفط بحد أقصى للحمولة الصافية يبلغ 300 ألف طن، أما ميناء إيلات فتصل سعة خزاناته إلى 1.4 مليون برميل، ويستقبل الناقلات بحولة 500 ألف طن.
وحسب “رويترز”، تتراوح قيمة الاتفاق بين شركة الأنابيب الإسرائيلية وشركة MED-RED Land Bridge في أبوظبي بين 700 و800 مليون دولار، وهو رقم يبقى ضئيلا قياسا بحجم الصادرات النفطية الإماراتية، خصوصا أن الإمارات توجه معظم صادراتها إلى آسيا، إلا أنه يعد منفذا جديدا لتجارة النفط عبر خليج العقبة لأسواق النفط العالمية.
ونفت الحكومة احتمال تأثر إيرادات قناة السويس بالعملة الأجنبية، بإنشاء طرق برية تجارية منافسة لها، وتواصل المركز الإعلامي لمجلس الوزراء بالتواصل مع هيئة قناة السويس، التي نفت تلك الأنباء، مُؤكدةً أن مسار القناة سيظل المسار الأقصر والأكثر أمناً للربط بين الشرق والغرب.
وأوضحت الهيئة أن حاويات النقل البحري عبر القناة تتمكن من نقل كميات أكبر من البضائع، وبتكلفة أقل من أية مسارات برية، مُشيرةً إلى أن حركة الملاحة بالقناة تسير وفق المعدلات الطبيعية.
وبحسب البيان الحكومي، بلغت حصيلة الإيرادات المحققة خلال عام 2020، نحو 5.61 مليار دولار، كما سجلت القناة عبور 18829 سفينة بإجمالي حمولات صافية قدرها 1.17 مليار طن خلال عام 2020، وهى ثاني أعلى حمولة سنوية صافية في تاريخ القناة، رغم أزمة فيروس كورونا.
وتابعت الهيئة أن إيرادات قناة السويس تتميز بتنوع مصادرها وفقاً لتنوع فئات السفن المارة عبرها فتمثل إيرادات سفن الحاويات حوالي 50%، فيما تمثل نسبة سفن الصب الجاف نحو 17%، ونسبة إيرادات الغاز الطبيعي المُسال نحو 5%، وحاملات السيارات نحو 4%، والمشتقات البترولية والكيماويات بأنواعها نحو 12%، فيما تمثل إيرادات البترول الخام 6,4%، و5,6% إيرادات لأنواع سفن أخرى.
لكن، وفقا لما نشرته مجلة “فورين بوليسي” في سبتمبر الماضي، قد يحقق خط أنابيب النفط الصحراوي، الذي كان الاحتلال الإسرائيلي يعمل به كمشروعٍ مُشترَك سرّي مع إيران، استفادة رئيسية من اتفاق التطبيع مع الإمارات، مع إلغاء أبو ظبي المقاطعة العربية التي استمرت 8 عقود مع دولة الاحتلال، قبل أن تتبعها دول عربية أخرى، حيث من المتوقع أن تلعب تل أبيب على إثره دوراً أكبر بكثير في تجارة الطاقة في المنطقة، وسياسات البترول، والاستثمارات الكبرى في مجال النفط.
بدأ الأمر بخطّ أنابيب غير مُستخدَم لكنه استراتيجي للغاية، ويقول المديرون الإسرائيليون لشركة “خط أنابيب أوروبا آسيا” EAPC، إن الأنبوب الذي يبلغ طوله 158 ميلاً من البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط يُوفّر بديلاً أرخص من قناة السويس، وخياراً لربط شبكة خط الأنابيب العربي الذي ينقل النفط والغاز ليس فقط بالمنطقة، لكن بالموانئ البحرية التي تُزوّد العالم.
وفي 25 أبريل 2016، تم تعيين إرز هلفون، مساعد وزير المالية موشيه كحلون، ليصبح رئيس الشركة، ليحل محل جنرال الاحتياط يوسي پلد، الذي كان قبلها يعمل مستشاراً لرئيس الوزراء الصهيونية أرييل شارون وكان يده اليمنى أثناء الانسحاب الأحادي من غزة 2005، ثم عمل بعدها المدير التنفيذي في وزارة استيعاب المهاجرين ضمن حكومة الاحتلال.
وقال إيزيك ليفي، الرئيس التنفيذي الحالي لشركة خط الأنابيب، وهو قبطان متقاعد في البحرية الإسرائيلية، لموقع “فورين بوليسي”، إن الخط، الذي يربط ميناء إيلات جنوب الأراضي المحتلة بمحطة الناقلات في عسقلان على ساحل البحر الأبيض المتوسط، يُمكن أن يزيل ويسرق حصة كبيرة من شحنات النفط التي تتدفق عبر قناة السويس.
وقبل حوالي 64 عاماً عندما تم بناؤه، كان خط أنابيب إيلات-عسقلان بمثابة مشروع ضخم يهدف إلى ضمان إمدادات الطاقة للأراضي المحتلة وأوروبا في أعقاب أزمة قناة السويس في عام 1956.
وفرض الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قيوداً على الشحن عبر القناة، في أعقاب العدوان الثلاثي، ولعبت الجهود اللاحقة التي بذلتها مصر لإغلاق الممر المائي الاصطناعي البالغ طوله 120 ميلاً دوراً أيضاً في الحروب العربية الصهيونية في العامين 1967 و1973.
وجاء معظم النفط المتدفق عبر خط الأنابيب من إيران، التي كانت تربطها علاقات وثيقة، وإن كانت سرية، مع الاحتلال الإسرائيلي لعقود في عهد الشاه محمد رضا بهلوي.
وفي العام 1968، سجّلت الحكومتان الإسرائيلية والإيرانية ما كان يُسمى آنذاك شركة “خط أنابيب إيلات/ عسقلان” كمشروع مشترك بنسبة متساوية لإدارة تصدير النفط الخام الإيراني عبر الأراضي المحتلة، وما بعدها من طريق الناقلات إلى أوروبا، عبر شركتين تملكان فيها حصتين متساويتين، هما شركة “خط الأنابيب عبر إسرائيل لنقل النفط الإيراني إلى البحر المتوسط”، وشركة ترانس آسياتيك للنفط (TAO)، المسجلة في پنما، وتدار من تل أبيب، وتملك أسطولاً من ناقلات النفط لشحن وتسويق النفط الإيراني في أوروبا، وكانت تعمل كشركة فرعية من شركة “خط الأنابيب عبر إسرائيل”.
وتم الكثير من تدفق النفط المُبكِر بوساطة تاجر السلع الملياردير مارك ريتش، الذي وُجِّهت إليه لاحقاً اتهامات في الولايات المتحدة لمواصلته التجارة مع إيران بعد الثورة الإسلامية في العام 1979، عندما تم إعلانها دولة معادية.
وحصل ريتش على عفو عام في 2001 من الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، الذي قال إنه تأثر جزئياً بمناشدات القادة الإسرائيليين ورؤساء المخابرات. وقال داعمو التاجر المارق، بمَن فيهم رئيسا الوزراء الإسرائيليان في وقت سابق شمعون بيريز وإيهود باراك، إنه أنقذ الكيان المحتل مراراً من محاولات تدميره، لذا لم يُدان قط، توفي في عام 2013.
وفي عام 2015 أمرت محكمة سويسرية سلطة الاحتلال الإسرائيلي بدفع تعويضات لإيران بنحو 1.1 مليار دولار كحصة من الأرباح من الملكية المشتركة لخط الأنابيب منذ قطع الخصمين العلاقات في العام 1979، لكنها رفضت الدفع.
وبينما تمّ بناء خط الأنابيب الرئيس للشركة البالغ قطره 42 بوصة لنقل النفط الإيراني شمالاً إلى البحر الأبيض المتوسط، فإنه يقوم الآن بمعظم أعماله في الاتجاه المُعاكس، حيث يُمكنه ضخ النفط الذي تم تفريغه في عسقلان من السفن المُرسَلة من مُنتجين مثل أذربيجان وكازاخستان إلى ناقلات في خليج العقبة لنقلها إلى الصين أو كوريا الجنوبية أو أي مكان آخر في آسيا.
كما يعمل بالتوازي مع خط الأنابيب الخام أنبوب آخر قطره 16 بوصة يحمل المنتجات البترولية مثل البنزين والديزل، وتجني الشركة أيضا أموالا من تشغيل صهاريج التخزين في محطات الشحن الخاصة بها.
وأوضح التقرير أن الميزة الذي يتمتع بها خط الأنابيب على قناة السويس هي قدرة المحطات في عسقلان وإيلات على استيعاب الناقلات العملاقة الضخمة التي تُهيمن على شحن النفط اليوم، لكنها أكبر من أن تتناسب مع القناة.
ويمكن للسفن المعروفة في مجال النفط الخام باسم “VLCCs”، أو ناقلات النفط الخام الضخمة جداً، نقل ما يصل إلى مليوني برميل من النفط. من ناحية أخرى، فإن قناة السويس التي يبلغ عمرها 150 عاماً، هي فقط عميقة وواسعة بما يكفي للتعامل مع ما يسمى بسفن “سويز ماكس” (Suezmax)، مع نصف سعة ناقلة النفط العملاقة فقط. وبالتالي، يتعيّن على تجار النفط استئجار سفينتين عبر القناة مقابل كل سفينة يرسلونها عبر إسرائيل، مع رسوم باتجاه واحد عبر السويس تصل إلى 300 – 400 ألف دولار، وهو ما تتطلع الشركة الإسرائيلية لاستغلاله عن طريق تقديم خصومات كبيرة.
في 16 سبتمبر 2020، نشرت مجلة “جلوبس” العبرية أن سلطات الاحتلال بصدد أن تطلب من الإمارات إقناع المملكة العربية السعودية أن تسمح للشركة بمد خطوط أنابيب من إيلات إلى مصفاة النفط في ينبع، إما براً (عبر الأردن) أو بحراً، لنقل النفط ومشتقاته.
وعقد مسؤولون إسرائيليون عقدت عدة لقاءات بين شخصيات رفيعة المستوى في وزارتي الخارجية والدفاع مع رئيس الشركة إرز كلفون والرئيس التنفيذي إتسك لڤي، لمناقشة تفاصيل الاقتراح.
وبحسب “فورين بوليسي”، كانت أعمال الشركة أحد الأسرار الإسرائيلية التي تخضع لحراسة مشددة، وحتى اليوم، لا تصدر أي بيانات مالية، ويكشف رئيسها التنفيذي عن أن من بين عملائها عددا من “أكبر الشركات في العالم”.
وأوضح التقرير أن المعلومات القليلة المعروفة علناً لم تظهر إلّا نتيجة المعارك القانونية التي أعقبت الانفجار في خط الأنابيب في عام 2014، الذي تسبب في أسوأ كارثة بيئية في الأراضي المحتلة ، ما أدّى إلى تسرّب أكثر من 1.3 مليون غالون من النفط الخام إلى محمية عين إيفرونا الطبيعية الصحراوية.
وإذا كانت الدفاتر المحاسبية للشركة الإسرائيلية غير شفافة، فإن المدى الذي يذهب إليه عملاؤها لإخفاء هوياتهم من خلال عمليات تسجيل متعددة وأساليب أخرى لإخفاء الشركات مثير للاهتمام.
وكانت المقاطعة التي فرضتها السعودية والإمارات وجيرانهما المنتجين للنفط – في وقت سابق- تعني أن الناقلات التي تعترف بالرسو في الأراضي المحتلة سيتم منعها من عمليات التحميل المستقبلية في الخليج العربي، ما يؤدي إلى تدمير أعمالها بشكل فعال، لكن الطرق التي يمكن للسفن أن تحجب أنشطتها بشكل عام تشمل إيقاف تشغيل أجهزة الإرسال والاستقبال وإعادة الطلاء وتغيير العَلَم وإعادة التسجيل وتزوير سجلات الإرساء.
قال ليفي، وهو قبطان متقاعد في البحرية الإسرائيلية، إن السرية المطلوبة جعلت مسار خط الأنابيب باهظ التكلفة بالنسبة إلى معظم الشحنات: “كان على العديد من السفن التي جاءت إلى إيلات وعسقلان القيام بهذه العمليات حتى لا تتم مقاطعتها في ميناء أو آخر. إذا كانت السفينة تخشى إدراجها في القائمة السوداء ومقاطعتها، فسيتم تسعير ذلك، كل هذا يكلفنا مالاً، لذا من الطبيعي أن يرتفع سعر النقل”.
لكن مع “تآكل المقاطعة العربية”، بدأت الشركة الإسرائيلية التقليل من مخاوفها بشأن سرية العملاء، واتجهت نحو حصد مكاسب التطبيع، حيث يقول ليفي: “السعر سينخفض بشكل كبير، بعدها يصبح الأمر مُجدياً اقتصادياً وأكثر فائدة، بمجرّد إزالة الحواجز السياسية لاستخدامنا كمركز لإعادة الشحن”.
الرئيس التنفيذي للشركة الإسرائيلية يستهدف استحواذ خط الأنابيب على ما بين 12 و17% من أعمال النفط في قناة السويس، وترى “فورين بوليسي” أن مصر ستكون الخاسر الأكبر في الصفقة، حيث ستشهد اختلاس أعمالها، وستكون لديها سيطرة أقل على الأسعار الآن مع وجود منافسة، إلا أنه حتى مع تكوين صداقات جديدة في الخليج، تحتاج الشركة الإسرائيلية إلى توَخّي الحذر بشأن التأثير على أحد أهم في مصادر الدخل لمصر، وهو ما لن يقبله المصريون بالتأكيد.
الحجة الأبرز، التي يروجها الإسرائيليون للدول العربية للموافقة على المشروع بل ودعمه والمشاركة فيه، هي أنه سيقلل من الاعتماد على ما يصفها ب”الطرق البحرية المحفوفة بالمخاطر” حول مضيق هرمز، حيث تكون اليمن عرضة لهجمات من إيران، من ثم القراصنة بالقرب من مدخل البحر الأحمر، حيث تتجه معظم صادرات النفط الخليجية شرقاً إلى الهند والصين واليابان وبقية دول آسيا، مع إغرائها بتعزيز صادراتها إلى أوروبا وأمريكا.
لكن خطرا آخر يبرز من المشروع الإسرائيلي – الذي من شأنه أن يقطع الآمال بشأن إقامة دولة فلسطينية مستقلة، واستبدالها بما يسمى “السلام الاقتصادي” مع الدول العربية المهرولة نحو اتفاقيات التطبيع – وهو تأثيرها على الأمن القومي العربي، حيث يضع الاتفاق موارد المنطقة، فضلا عن خطوط النقل والمواصلات تحت سيطرة سلطات الاحتلال، بما يمنحها النفوذ السياسي والاقتصادي الذي يأمله لوضع قدميها فى خريطة المنطقة.