شهادات ونصائح معتقلي رأي سابقين لتجاوز محنة الحبس وآلامه.. التكيف والمقاومة والأمل تأشيرات الخروج من أسوار الزنزانة

تقرير للشبكة العربية عن حكايات وتجارب سجناء الرأي في 3 عصور مع الحبس وكيف قاوموا آلامه وتشبثوا بالأمل

نائل حسن: أصدقاء الزنزانة السند الحقيقي.. متفكرش في الناس برة السور.. هتخرج متقلقش مسألة وقت

حسن حسين: تعامل كأنك ستمضي ما تبقى من عمرك في هذا المكان وتوقع أن تخرج غدا.. التأقلم مع الظروف المحيطة ضريبة النضال

حسام العربي: لسانك حصانك و”الدخلة” اختبار لدرجة خطورتك.. لا تعلن الإضراب إلا في حالة الخطر الحقيقي

أحمد سعيد: أخبروني أنني لن أرى الشارع مرة أخرى.. ولحظة قرار العفو بكى من سيبقى وبكى من سيخرج

أحمد قناوي: لا تلوم المحامين على تجديد الحبس.. ولا تفكر كثيرا إلا في ما يمنح بهجة حتى لو مصطنعة

محمد النجدي: حاول بيتك ميبقاش فيه حاجة يتلككوا عليها.. انتق لأوراقك الخاصة مكانا لا يستطيعون الوصول إليه

يوسف شعبان: استوعب الوضع الجديد واستفد من القليل المتاح.. الوضع مؤقت وإن طال

محمود السقا: الأمل تأشيرة الخروج.. حافظ على كل ذرة من عقلك وبدنك .. لا تتبرع بإجابات ليست في محلها أثناء التحقيق

عبدالمنعم محمود: مخاوف السجين على أسرته أسوأ من العزل والتعذيب.. ورعايتها خبر إيجابي يخفف ما يشعر به من قهر

نجلاء عبدالجواد: أبلغ المقربين في أسرع وقت حال القبض عليك.. دور المحامين والمتضامين معك يفرق كثيرا في صالحك

ياسمين سعيد: في لحظة بتحس كأنك ميت وبتتحاسب ومينفعش حد يبقي معاك.. التجربة صعبة لأي حر.. بس بتقوي وبتؤكد أن إحنا صح

محسن بنهسي: اعتبر نفسك في ميدان عبد المنعم رياض أثناء الثورة وشايف النيل.. هتعدي وهتخرج وكلنا هنخرج

كتب – محمود هاشم

نشرت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان شهادات ونصائح من سجناء رأي سابقين، بشأن أوضاع السجن داخل مصر، وكيفية تجاوز محنة الحبس المحتملة.

وشملت الشهادات سجناء خلال حكم الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، وسجناء رأي لنظام الحكم الحالي، شملوا رجالا ونساء، شبابا وكهول، في أقسام شرطة سجون رسمية وسرية.

نائل حسن: الخروج مسألة وقت

نائل حسن، المحبوس منذ 20 أبريل 2017 إلى 26 أبريل 2018، في القضية 3020 إداري الرمل أول، قضى خلالها شهرين في حجز قسم الرمل و10 أشهر في سجن برج العرب بالإسكندرية، نصح المحبوسين بعدم إقامة علاقة مع السجانين من أي نوع، والتعامل معهم بالطريقة الرسمية، مع قضاء فترة الحبس في القراءة أو تعلم مهارات جديدة أو في الرياضة، واعتبار “أصدقاء الزنزانة” السند الحقيقي طوال هذه الفترة.

وأضاف: “متفكرش في الناس اللى برة السور، أكيد هم حالهم أفضل من حالك، وأكتر حاجة مضايقاهم وجودك فى المكان ده وأنت مظلوم، أهم حاجة تفضل فاكرها أن مهما الباطل طال فالحق حينتصر، يعنى هتخرج متقلقش، مسألة وقت، بلاش تفكر فى الخساير اللي بتتكبدها أثناء أو بعد فترة السجن، لأن فوزك بحريتك لا يقدر بمال.

حسن حسين: “التكيف” الكلمة السحرية لمرور الأيام دون إحباط

حسن حسين، المحبوس منذ حتى سبتمبر 2018، في القضية 482 لسنة 2018، في سجن عنبر الزراعة بطرة، نصح أيضا بالتعامل بذكاء وليس قوة في أثناء التحقيقات رغم قسوتها، لتخفيف التبعات التي قد تترتب عليها.

يقول حسين: “عندما انتقلت إلى عنبر زراعة طرة منتقلا بعد عدة أيام من إيراد سجن تحقيقات طرة، فوجئت بتواجدي في عنبر مع 80 سجينا جنائيا، وهنا كان لابد من التعامل معهم باعتبارهم زملاء وأصدقاء وربما إخوة، ما سهل لي مشاكل الحياة في السجن، بدءا من تناول الطعام وتنظيف الملابس حتى فض الخلافات بينهم”.

وأضاف: “القاعدة الأهم التي أعتقد أنه لابد الالتزام بها هى أن السجن ليس ساحة للنضال السياسي،مما يوفر على سجين الرأي كثير من تعنت إدارة السجن، ويضمن له قدرا من الحماية والتعاطف والاحترام بين سجانيه، الذين يتعاملون معه باعتباره مثقفا وصاحب رأى وكرامة، وفي نفس الوقت لا يسبب لهم أي متاعب، ولا يثير أي مشاكل، لدرجة أنهم قد يلجأون له لحل بعض مشاكل السجناء الآخرين، وهذا ما حدث لي تحديدا”.

وتابع: “لابد أن يتأقلم السجين السياسي مع الظروف المحيطة به، ولا يتذمر منها، ويعتبر تحملها جزء من الثمن الذي يدفعه راضيا مرضيا عن نضاله السياسي والوطني والإنساني، الفكرة الأساسية التي يجب أن تسيطر على السجين أن تلك فترة مؤقتة، وأنه سيغادر السجن يوما ما، وأن كل يوم يمر عليه هو اليوم الأخير، وأن صباح الغد هو يومه الأول في السجن”.

التكيف – كما يرى حسين – هو الكلمة السحرية التي تسمح بمرور الوقت والأيام والأسابيع والشهور دون أى إحساس بالإحباط، تعامل كأنك ستمضي ما تبقى من عمرك في هذا المكان، وتوقع أن تخرج غدا.

حسام العربي: ساعد نفسك.. أنت تحت الاختبار

“المسجون غلب المجنون، ولو حبست المسجون في بلاعة يطلع بسيجارة وولاعة “، مثل يتردد كثيرا على ألسنة المحبوسين، وهو ما ينصح باستغلاله حسام العربي، المحبوس منذ يناير 2017 إلى أبريل 2018، من معتقلي دار السلام، قضى منها 4 شهور مختفيا قسريا بعد إخلاء سبيله.

“لازم تساعد نفسك بأي طريقة لأنك مش عارف هتقعد قد إيه في السجن، لازم يكون لسانك حصانك، كل معاملاتك مع الناس باحترام ومودة حتى مع المساجين الجنائيين، البداية هتكون مؤلمة حسب السجن اللي هتكون فيه، فيه حاجة اسمها الدخلة، ودي بتبقي عبارة ضرب،  متقلقش منها هما بس بيختبروك أنت ممكن تعمل أيه ودرجة خطورتك، هتشتم ولا هتمد إيدك ولا هتسكت وتعيش عجينة، بعد كدة هتحلق شعرك إجباري”، يقول العربي.

ويستطرد: “هتدخل حاجة اسمها الإيراد، وده مكان فيه مساجين تبع الأمن، كل كلمة هتقولها هتتنقل بالحرف الواحد وهتفضل في الاختبار دا حوالي عشرة أيام إلى 15 يوما، هتتسكن على حسب كلامك ومعاملاتك مع الناس دي سواء بقى أنت شديد الخطورة أم لا”.

٣ أرغفة وبعض من الفول و٥٠ جراما من اللحوم، وبيضة وربع، وغيرها، هو كل ما يحصل عليه المسجون من طعام يسمى “الجراية”، وحال تسليم الـ3 أرغفة للمخبر هنا يعلم بقرار السجين الإضراب عن الطعام، ويتم نقله إلى التأديب، لذا ينصح العربي بعدم إعلان قرار الإضراب عن الطعام إلا في حالة الخطر الحقيقي.

أحمد سعيد: كن سعيدا بالخروج ولا تنس رفاقك

أما أحمد سعيد، الذي قضى فترتي حبس في سجن 15 مايو نهاية 2015، وسجن شديد الحراسة 2 بطره 2016، رأى أن السبيل الأبرز للتغلب على أيام الحبس هو مقاومة الشعور ذاته، ويقول: “هناك ليال لا يمكن أن ننساها مهما حاولنا، أنتم تعرفون هذا بالتأكيد. إحدى الليالي التي لا يمكن لي أن أنساها كانت ليلة خروجي من شديد الحراسة 2 بعد عام لم يتوقفوا خلاله أن يخبروني أنني لن أرى الشارع مرة أخرى، لم أنم تلك الليلة كغيرها من الليال، لكن ما جعلها ليلة لا تنسى هو اللحظة التي كانوا ينادون فيها الأسماء التي ستخرج في العفو، كان كل منا يتمنى داخله أن يكون هو الناجي، أما أنا فكنت قد أخبرت بالفعل قبلها بدقائق أنني سأخرج فكان الشعور الذي يملأني بالفعل هو من سأترك خلفي، في تلك الليلة بكى من سيبقى وبكى من سيخرج، قال لي زميلي الجنائي- السياسي الذي سيبقى: اوعى تنسانا. وربما يكون ذلك هو السبب”.

أحمد قناوي: التجارب تحدد درجة الثقة في زملاء السجن

المحامي أحمد قناوي، الذي كان محبوسا في سجن أبو زعبل وسجن سوهاج عام 1989، نصح بمحاولة التعامل بهدوء شديد سواء مع أفراد الحبس أو الزملاء، وتجنب الدخول مع المحبوسين في جدل، خاصة في القضايا المعقدة، مع مراعاة الكرم في حالة الزيارات وما يأتي للمسجون من الخارج، وعدم لوم المحامين حال تكرار تجديد الحبس، وعدم الحديث في تفاصيل مع زملاء السجن المجتمعين بالصدفة إلا قبل اكتساب الثقة وهي لا تأتي إلا بعد تجارب، وعدم التفكير كثيرا إلا في ما يمنح بهجة حتى لو مصطنعة.

محمد النجدي: متعلقات منزلك أحراز محتملة.. انتبه

محمد إبراهيم أحمد النجدى، الذي قضى أيضا فترة حبس من مارس حتى نهاية مايو 2016 في قسم شرطة طلخا، وأخرى من مارس حتى يوليو 2020 في قسم أول المنصورة، يقول: “أى شخص من الوارد اعتقاله يجب أن يبقى بيته منظما طول الوقت، ينتقي لأوراقه الخاصة أو الشخصية مكانا لا يستطيعون الوصول إليه، مع عدم ترك الهواتف ملقاة في أي مكان، حتى لا يتم أخذها كأحراز”.

ويضيف: “حاول بيتك ميبقاش فيه حاجة يتلككوا عليها، رغم أنى عندى مكتبة شخصية بها 5800 كتاب، بعضهم من الممكن أن يرقى في نظرهم لدرجة الحرز”، واستدرك: “لكن في السجن طبعا قراءة القرآن هى الشئ الوحيد المتاح، أو الكتاب الوحيد المسموح به، إلا إذا كان الشخص محبوسا في سجن عمومي، فهذه ستكون فرصة جيدة للاطلاع على مكتبة السجن”.

يوسف شعبان: تجارب الآخرين عون عند التجربة الإجبارية

أما الصحفي يوسف شعبان، المحبوس لمدة سنة و3 أشهر في سجن برج العرب بالإسكندرية، بين عامي 2015 و2016، يؤكد أنه من الصعب القول إن هناك خطوات ثابتة أو رد فعل معين يصلح لكل الأشخاص، عند تعاملهم مع تجربة السجن، أو حتى الأيام الأولى منه، ومع ذلك فمن المفيد التعرف على تجارب بعضنا البعض، لعلها تكون عونا عند التجربة التي تبدو إجبارية.

وأضاف: “أعتقد أن الخطوة الأولى هي مزيج بين ما يمكن أن تتدرب عليه قبل التجربة في أيامك العادية، وبين رد فعل فجائي لتجربة غير متوقعة، وتعتمد على قدرتك على البقاء هادئا، وإتاحة الفرصة لعقلك لاستيعاب الوضع الجديد، والتعامل الجيد مع غياب المعلومات ومحاولة الاستفادة من القليل المتاح، وبالطبع الاقتناع التام بأن ذلك الوضع مؤقت وإن طال لنهاية العمر، وأن مواجهة النظم المستبدة ليست مستحيلة ولكنها ليست سهلة”.

محمود السقا: السفر خارج جدران الزنزانة أكبر صفعة للسجان

ويوضح الصحفي محمود السقا، الذي قضى فترتي حبس في سجن الجيزة المركزي في 2015، وسجن مزرعة طرة في 2016، أن المتوفي يشعر قبلها بفترة زمنية أنه سيفارق الحياة، وهكذا المعتقل السياسي يشعر دائماً أنه مفارق الحرية ثمناً لمواقفه ومبادئه وكأنه يرد دين لم يقترضه وفي ميعاد لم يحدده.

ويشير إلى أن تجربة السجن مريرة وقاسية جداً، ربما تكون العقوبة الأكثر قسوة في الوجود، لكن أكبر صفعة قد يعطيها المسجون للسجان هو أن يسافر خارج هذه الجدران ويفكر في كل شيء بالخارج دون محاولة إرهاق نفسه بتحمل عبء من بالخارج، لأنه ما باليد حيلة، والسفر عبر الخيال والتخطيط والتفكير لما بعد السجن والمستقبل الآتي لا محالة.

وشدد السقا على أن الأمل هو الخطوة الأولي للخروج من هذه المحنة، وبالفعل هو تأشيرة الخروج من العالم السفلي للحياة مرة آخري، والشيء الأهم أن يبقي المسجون على كل ذرة من عقله وبدنه، ويحافظ عليهما دائماً كي يتحمل قسوة ومرارة التجربة.

وواصل: “قبل كل شيء يجب أن يعي الشخص من البداية ما هو قادم عليه منذ التحقيق معه في النيابة، فهذه أهم خطوة، فلا اجتهاد ولا تبرع بإجابات ليس في محلها، أو التطوع في إعطاء تفاصيل ليس لها قيمة سوي أن يورط الشخص نفسه في مشاكل هو في غني عنها، فالإجابة تكون كافية على قدر السؤال، ولا تحفز تجاه النيابة فالجميع يعلم كيف تؤخذ قراراتهم، لكن التحفز ضدهم يجلب مزيداً من المشاكل.

السقا دعا أيضا إلى محاولة تدوين التجربة، فربما يكون هذا التدوين مشروع للكتابة فيما بعد، وليس بالشرط أن يكون التدوين بشكل كتابي فيكفي التدوين في الذاكرة إذ ربما يستفيد من هذا التدوين أشخاص آخرون.

وتبقي تجربة كل سجين رأي هي تجربة مهمة وملهمة لكيفية إعادة بناء الإنسان من خلال المحن والتجارب وكيف يستطيع فرد تحويل تجربة السجن إلى طاقة وحب، ليس هذا فقط بل أيضاً التفكير في طموحه وأهدافه في الحياة فيما بعد وأن ينجح في مستقبله بعد الخروج نجاح يبهر الجميع وأن يكون دائماً التفكير الأهم في الخروج من سور اليأس والإحباط.

عبدالمنعم محمود: رعاية أسرة السجين أفضل سبل التضامن

أصعب شيء يمر على السجين خلافا لكل المظالم المباشرة التي يتعرض لها داخل محبسه سواء عزله انفراديا أو حتى تعذيبه جسديا، هو مشاعره ومخاوفه على أسرته، خاصة لو كان عائل الأسرة، ومن أفضل سبل التضامن مع السجناء هي رعاية الأسر ماليا واجتماعيا ونفسيا، فعندما تصله أخبارا إيجابية عن أسرته ستخفف كثيرا من حالة القهر التي يشعر بها، وفقا لتأكيد الصحفي والسجين السابق في سجن مزرعة طرة في بين عامي 2003 و2006، عبدالمنعم محمود.

نجلاء عبدالجواد: الرضوخ لـ”القوانين الفاسدة” في السجن يعني إطالة مدة الحبس

تشير باحثة الدكتوراه نجلاء عبدالجواد، التي تعرضت للحبس في معسكر الأمن المركزي بالجبل الأحمر، وقسم عابدين وسجن القناطر إلى أنه “في كل مكان احتجاز لها كان من الممكن أن تطول المدة، لكن عدم الرضوخ والتفاعل والتأقلم يساعدون على إنهائها، أو على رغبة المسؤولين عن السجون في إنهاء الأمر سريعا”.

وواصلت: “في حالات القبض يجب أن تسأل عن إذن النيابة حتى تجبر الضابط المسئول عن اعتقالك أن يتكبد عناء إخراج بطاقة الهوية الخاص به، كما يجب الاحتفاظ بالصور والملفات الشخصية على هاتف آخر أو على بطاقة ذاكرة منفصلة، لأن الهاتف هو أول ما يطلب منك، مع الاحتفاظ بالأجهزة اللوحية في مكان غير ظاهر، والاكتفاء بهاتف عادي يقدم فور الطلب”.

أما في حالات البنات والسيدات، نصحت نجلاء بالإصرار على أن ينتظر “زوار الليل” خارج المنزل حتى ترتدى ملابسها، لكنها في الوقت ذاته لفتت إلى أنها بعد عرضها على النيابة ندمت على تغيير ملابسها ولم تذهب بالبيجامة لإثبات أنها مقبوض عليها من المنزل وليس من الشارع كما هو مدون في المحضر.

نصائح أخرى قدمتها نجلاء من بينها إرسال رسالة سريعة لأحد المقربين تفيد بما يحدث، إذا توفر هاتف آخر، مع عدم التعايش فترة الاختفاء القسري لتقليل مدته قدر الإمكان، والإجابة بشكل مقتضب وقت التحقيق سواء مع ضابط أمن الدولة أو وكيل نيابة أمن الدولة.

كما شددت على أهمية عدم التعايش مع ما وصفتها بـ”القوانين والممارسات الفاسدة”، كرشاوى أفراد الشرطة وغيرهم للحصول على أي خدمات، لافتة إلى أن الرضوخ لها يعني إطالة مدة الحبس، ورفض التأقلم بعدم الاندماج والانعزال والإصرار على أن مكانك بالخارج، يعني أنك أصبحت عبئا ورقما مؤثرا يجب الخلاص منه، جايز يكون بالخروج وجايز يكون بالعقاب، المهم متكونش رقم منسي ضمن أرقام كتير.

واستكملت: “دور المحامين والمتضامين معاك بجد بيفرق كتير، لحظة رؤية المحامي بعد اختفاء طويل وانقطاع عن أحبابك ملوش وصف، ولا أي كلام يقدر يعبر عنه”.

ياسمين سعيد: الآثار النفسية تظهر بعد الخروج

وتقول الصحفية ياسمين سعيد، التي تعرضت للاختفاء ثم الحبس في يوليو 2020، إن أسئلة كثيرة تدور في عقل أي معتقل من اللحظة الأولى من القبض عليه حتى عرضه على النياية.

وتضيف: “أضربت عن الطعام منذ أول يوم لمدة 5 أيام، وتعبت جدا صحيا لدرجة أنني كنت أقع أثناء التحقيق، تعرضت لضغط نفسي رهيب منذ أول لحظة، صوت تكة مفتاح الأوضة اللي محبوسة فيها يرعب، وأنا مش عارفة اللي وراه هيعمل لي إيه، قاعدة في مكان مش عارفة هخرج منه ولا لا”.

وتواصل: “في لحظة بتحس كأنك ميت وبتتحاسب ومينفعش حد يبقي معاك، تجربة صعبة لأي حر، صوتهم بيخوف إحساس ميتوصفش، الأوضة اللي محبوسة فيها بتخوف، وأنت متراقب بكاميرا حتى وأنت نايم”.

جلسة التجديد الثانية لياسمين لا تنسى، حيث جلست منذ السابعة صباحا حتى السابعة مساء في غرفة في المحكمة بطور متر مربع – زي التربة بالظبط – بها شباك بحجم كف اليد، وجرد، وتضم جميع النساء المرحلات، في وضع غير آدمي ومهين جدا، الكلابش في أيدي معتقلي الرأي، كسرة عربية الترحيلات، كسرة تعذيب وموت بالبطئ”.

واستطردت: “انهرت نفسيا اليوم ده، واترحلت على القسم مع تجار المخدرات والدعارة والنصب والسرقة، وبعدها عملت استئناف في اليوم 14، وخرجت بكفالة 5 آلاف جنيه.

وتابعت: “بعدها خرجت كارهة الدنيا والناس من الظلم والقهر اللي اتعرضت له، لأن الآثار النفسية بتظهر بعد الخروج، واحدة شهاداتها لدرجة دكتوراه عمرها ما هتعرف تشتغل لأني باختصار عندي قضية سياسية، لكن لما خرجت وشوفت الدنيا مقلوبة عشاني، بدأت أحس أن تضحيتي مكنتش ببلاش، عارفة أنها تجربة صعبة، بس بتقوي وبتؤكد أن إحنا صح”.

محسن بهنسي: كن قويا ولا تظهر خوفك

المحامي الحقوقي محسن بهنسي، الذي تعرض للسجن في سجن طرة تحقيق، منذ مارس إلى سبتمبر 2020، يقول: “بعد اختطافي تم نقلي إلى مقر أمن الدولة بالمعصرة بعد تغمية عيني بقماشة والصعود بي عدد من الأدوار، ثم دخولي حجرة الضابط  لاستجوابي “أنت بتصلى، أنت ليه بدافع عن الناس المتهمة بالإرهاب، وأنت مالك بالمحامين المحبوسين في قضايا إرهاب، أنت مين ومين أهلك، أنت ليه بتكتب على الفيس، وشاغل بالك ليه بانتخابات المحامين”.

بعد نقله للنيابة والتحقيق وقرار حبسه، تم نقل بهنسي إلى سجن تحقيق طرة، وأدخله المخبر زنزانة يطلق عليها “الإيراد”، مع محبوسين احتياطيا آخرين أعمارهم من 18 إلى 40 سنة، ويحكي المحامي الحقوقي: “هنا أدركت أنه لابد أن أكون قويا، ولا يمكن أن أظهر خوفي، أو يرى أحدهم دموعي”.

ويضيف: “اكتشفت أن السجائر بتحل كل شيء، لما زميلي طلع علبة السجائر ماركة LM الحمراء، وأعطاها للشاويش سمح لى بالتريض والتخفى بعيدا عن الزنزانة، كنت ببكي بس مفيش حد يشوفني، حط البطانية على راسك أو أدخل الحمام وابك زي ما أنت عايز وهتعدي وهتخرج وكلنا هنخرج”.

ويستكمل: “الراديو والجرائد خلاني أشغل نفسي بجملة المشاهدات دي وتخزينها في عقلي، خلاف تدعيم الأصدقاء بكتب وروايات مترجمة ومحلية فقرأت كمية روايات، وأنا لم أقرأ قبلها بحوالي 20 سنة، فكانت القراءة والرواية الصديق الأول لي، نصيحة اعتبر نفسك في ميدان عبد المنعم رياض أثناء الثورة وشايف النيل”.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *