“صبح الأعشى.. رحلتي في التأمل والاستغراق”.. فانتازيا روائية لكريم الجمال
“صبح الأعشى.. رحلتي في التأمل والاستغراق” عنوان رواية جديدة للكاتب والباحث المصري كريم محمد الجمال، يأتي خامساً في مجمل أعماله المتنوعة.
وتتشابه الرواية مع كتاب قديم بنفس الاسم لأبي العباس القلقشندي، وإن كانت الرواية تختلف مع كتاب القلقشندي تماماً من حيث كونها رواية وليست كتاباً، ومن حيث الموضوع فالرواية فانتازيا تاريخية وليس لها علاقة بصناعة الإنشاء.
الرواية ليست من الحجم الكبير، بل جاءت في الحجم المتوسط لتشكل وجبة فكرية وثقافية وسياسية، تتسم بالتركيز والتحقيق مع التحليق في الخيال المرتبط بالتراث العربي وتبعاته في الواقع المعاصر.
أحداث القصة تدور في مدينة الإسكندرية بشكل أساسي عن شخصية شاب متدين تربي وتعلم في بيئة وسطية تتسم بالتسامح والاعتدال وحب آل البيت والصالحين، وما يطرأ علي أفكاره من أفكار الأصولية المتشددة التي تبث الفرقة والكراهية والعنف والتشدد وتثير الطائفية والمذهبية البغيضة.
وتبدأ الأحداث من أحد المساجد الشهيرة، وبه ضريح سيدي أحمد المتيم رضي الله عنه حفيد الإمام الحسين عليه السلام، بعد التهجير من المدينة المنورة في عهد يزيد بن معاوية، بعد واقعة الحرة وكأحد الآثار المترتبة علي واقعة الطف الشهيرة واستشهاد الحسين عليه السلام وآل البيت في كربلاء.
ويدخل عامل الخيال لربط التاريخ الأليم والماضي الدامي بالحاضر المؤسف بتسلسل من عهد يزيد ثم عبد الملك بن مروان وولايته وجرائم وفظائع الحجاج بن يوسف الثقفي.
وتتوالى الأحداث باستعراض وقائع تاريخية مثل سقوط الخلافة الإسلامية في بغداد، وحريق المسجد النبوي، ثم دور مصر في عهد دولة المماليك في الانتصار علي التتار في عين جالوت واستمرار الجهاد ضد المماليك والصليبيين في عهد السلطان قلاوون وأولاده، وبناء القبة الخضراء المميزة على القبر الشريف، ثم حريق المسجد النبوي الثاني وإعادة عمارته في عهد السلطان قايتباي وانتصارات المماليك في مصر والشام علي العثمانيين في الأناضول.
وتتوالى الأحداث حتى تأسيس محمد علي باشا لدولته في مصر واستقلاله عن الدولة العثمانية وانتصاراته المبهرة في نجد والحجاز في شبه الجزيرة العربية على الدولة السعودية الأولي، و ما قام به اتباع محمد بن عبد الوهاب النجدي ودعوته الوهابية السلفية من جرائم وفظائع ضد الحجاج والمعتمرين والزوار، وكذلك انتصارات الجيش المصري في الأناضول ووصولهم حدود تركيا ، ومع ازدياد الأحداث سخونة حتي عهد عبد العزيز آل سعود واخوان من طاع الله المتشددين واستمرار جرائمهم واعتداءاتهم علي الحجاج في مصر وسوريا والعراق واليمن وأبرزها مجزرة تنومة ضد الحجاج اليمنيين، وعدوانهم علي ضريح الإمام الحسين في كربلاء ونهب وسرقة محتوياته ،وصولا لإطلاق النار علي المحمل المصري وأخيرا منع وصول كسوة الكعبة المشرفة من القاهرة بعد مساندة مصر للثورة اليمنية ضد الرجعية والاستعمار .
وتتخلل ذلك أحداث كثيرة تعكس التطورات السلبية في مصر في العقود الأخيرة، وما ترتب علي تخلي مصر عن موقعها القيادي والريادي كقوة عربية مناهضة الرجعية والاستعمار وتخبط مصر بعد دخولها الحلف الأمريكي مع دول الخليج، وازدياد تأثير التيارات السلفية المتشددة مثل داعش والقاعدة وجبهة النصرة وغيرها، ومحاولاتها لطمس الهوية العربية ونشر ثقافة العنف ضد ثقافة الاعتدال والحوار والخلاف بين المذاهب واستبداله بالسيف والدم والتكفير.
الخط العام للرواية هو رفض الاستبداد والقمع باسم الدين الذي يحدث حاليا في الخليج، وغيره وهو المؤسس على الاستبداد الاول ومخالفة السنة الشريفة والأوامر الإلهية القرآنية بالشوري والعمل بها، وليس توريثا وعنفا وقهرا مثلما حدث مع بني أمية حتي المستبدين الحاليين الذاهبين إلى التطبيع المجاني مع أعداء الأمة، وتربط الرواية بين مناخ الاستبداد والقمع والقهر وبين المشروع الغربي في المنطقة ومن أجنحته التيارات التكفيرية والمتشددة.
وتختتم الرواية فصولها بدعوة للشعوب العربية، وبالأخص الشباب ألا يسير خلف تيارات مشبوهة بدعاوي دينية باطلة وبارتباطات خارجية لا تخدم مصالح أوطانهم ، وأن يلتزموا بمشروع الوحدة الإسلامية بمختلف أبعاده واحد مرجعياته الوسطية الأزهر الشريف كجامع وجامعة ، وفي النهاية استفاق الشاب المغرر به المدفوع بفتاوي هدامة واتجاهات أصولية متشددة فكان كالأعشى لا بصرا بل بصيرة فقلبه مطموس مملوء بالكراهية ثم أشرق نور الإيمان للناس جميعا بل للكون والمخلوقات فأنار قلبه وسريرته ورأي والصبح بفؤاده في التمسك بوحدتنا وحبنا لرموز أمتنا الحقيقين من آل البيت والصالحين وكان هذا بمثابة صبح الأعشى.