حاسس بغربة.. حياة المعتقلين السياسيين بعد الخروج من السجن.. وللظلم أثمان أخرى: محاولات انتحار وخوف ومنع من العمل
أزمات 3 معتقلين أفرج عنهم.. السجن موجود معانا وفى تفكيرينا .. وأحدهم بنام بهدوم الخروج علشان مياخدونيش بالملابس الداخلية.
دراسة عن أوضاع المعتقلين بعد الخروج من السجن: اغتراب نفسي واجتماعي وعدم قبول الآخر وعدوانية وانطواء
كتب- إسلام عز الدين
قبل ثلاث سنوات، نال أمير عادل، وهو اسم مستعار لناشط سياسي في العقد الرابع من العمر حريته، لكنه لم يعد كما كان سابقا، حيث يرى أنه بات في سجن آخر أقسى من الأول.
«الحياة ملهاش لازمة.. كل حاجه مقرفة وحاسس بغربة»، هكذا قال أمير، الذي أوضح في تصريحات لـ«درب» أنه لا يستطيع الحديث في السياسية كما كان يفعل قبل سجنه، ولهذا «حاسس بغربة، مش قادر اتكلم».
تكشف دراسة نفسية حول ” أوضاع المعتقلين السياسيين ما بعد السجن ” عن أن مدة السجن تترك العديد من الآثار على نفسية المعتقل، وتؤكد الدراسة التي أجريت عام 2016 ، أن مدة وظروف الاعتقال تلعب آثارها على السجين، على مستويات عدة:
1- المستوى الجسدي: الآثار الصحية الناجمة عن التعذيب والتي قد تصبح بمثابة أمراض مزمنة ملازمة للشخص المعني.
2- المستوى الاجتماعي: مشكلات التوافق مع المحيط الاجتماعي، وعدم التوازن بسبب الانقطاع عن الاختلاط بأنماط ونماذج مغايرة.
3- المستوى النفسي: الآثار الناجمة عن العنف النفسي، الذي يؤثر على الصحة النفسية، كفقدان التوازن النفسي وصعوبة تجاوز مرحلة السجن، ومن مظاهرها الاغتراب النفسي والاجتماعي، عدم قبول الآخر، العدوانية، الانطواء، الخ.
وتؤكد الدراسة أن تعرض السجين السياسي إلى كل تلك الممارسات يؤدي إلى عدة تغيّرات تطال شخصيته على كافة الأصعدة تبعا لقسوة وطول التجربة ومنها:
– طبيعة شخصية حادة وغير متكيَفة للفرد.
– نمط من عدم الثبات النفسي عاطفياً.
– إعاقة قدرة الفرد على التفكير والحكم على الواقع.
– اضطرابات وقلق مزمن وتهيج واستنفار مستمرين.
– عنف ومشاجرات وردود فعل صاخبة عاطفية ونفسية مقارنةً مع الحدث.
الحياة كلها واقفة
تعرض أمير عادل للسجن مرتين في ظل حكم الرئيس السيسي؛ مرة بتهمة التظاهر بدون ترخيص، والثانية بدعوى الانضمام لجماعة محظورة.
في المرة الأخيرة حاول أمير الانتحار لكنه لم ينجح، «كل اللي معايا كانوا إسلاميين، فبالنسبة لهم أنا كافر، فده كان عامل ضغط نفسي رهيب».
وأشار أمير إلى أنه رغم محاولاته العديدة للتأقلم مع الحياة بعد السجن إلا أنه غير قادر على ذلك، خاصة أنه بلا عمل.. «مانعيني أعمل فيش فمش عارف اشتغل ولا أعمل أي حاجه، فالحياة كلها واقفة».
آخر كلمات أمير لـ«درب» كانت: «بنام بهدومي عشان لو الناس دول جوم خدوني مايخدونيش بهدومي الداخلية»
سيف على رقبتي
لم يكن حال شادي غيث (اسم مستعار) بعد الخروج من السجن مختلفا كثيرا، حيث يؤكد شعوره باغتراب وعدم القدرة على التأقلم مع العالم الخارجي والذي يؤدى إلى اليأس في بعض الأحيان.
وأشار شادي، وهو في العقد الرابع من العمر أيضا، إلى أن ما زاد من شعوره بالغربة هو أن «بعض الأصدقاء بدأ يقترب بحذر والبعض الآخر يبتعد»، ما جعله يشعر بأن المعتقل السياسي أصبح «عاله» على أصدقائه سواء السياسيين أو غير السياسيين».
وأكد شادي أن هناك من حاول المساندة والمساعدة قدر إمكانياته لكن «البعض الآخر كان سيف على رقبتي من النصائح واللوم وادعاء الفضيلة»، مضيفا أن كثير من الناس دعوه لترك العمل السياسي لكنه رفض ذلك وازداد تعلقه بالقضية وإيمانه بأنه على صواب في كثير من مطالبه.
واعترف شادي الذي كان في السجن بدعوى الانضمام إلى جماعة أسست على خلاف القانون ونشر أخبار كاذبة، أنه فكر في الانتحار بسبب شعوره بالقهر والظلم، فضلا عن شعوره الدائم بالتقصير في حق أصدقائه من المعتقلين السياسيين سواء بالتضامن الكتابي أو الدعم المالي لهم ولذويهم.
مشكلة إندماج
وتؤكد الدراسة النفسية أن ” بنية العلاقات في مجتمعنا تسهم، سلباً وإيجاباً، في تكريس أو تجاوز مشكلة علاقة السجين مع محيطه المجتمعي، والتخفيف من الآثار النفسية المحتملة والمتوقعة؛ بل لها الدور الأساس في تجاوز أزمات ما بعد الخروج من السجن”، وتتابع الدراسة “يعاني السجين الخارج من المعتقل من إشكالية اندماج، تبدو سياسات السجن وآليات عملها هي المسئولة عنها بالدرجة الأولى. ففي السجن يتشكل مجتمع صغير وضيق، غير ذاك المجتمع الخارجي. تحكم هذا المجتمع ثقافة، بالمعنى الحقيقي، ومعايير تتمركز حول الشعور بالظلم والغبن والعنف، وتتشكل قواعد رئيسة وخطوط عامة داخل السجن، من المحتمل إيجاد صعوبة كبيرة في تجاوزها بعد الخروج. لاسيما في ظل جهود كبيرة عانى منها السجناء في التأقلم والتكيّف مع وضعهم داخل السجن، وبهذا فإن السجين يجد نفسه مضطراً إلى إعادة إنتاج وخلق آليات تمكّنه من التعاطي مع العالم الخارجي، لأن هذه المشكلة هي مشكلته، حسب القيم والمعايير المجتمعية. وهي، بالتأكيد، جهود مضاعفة بالمقارنة مع الفرد الذي لم يعان من تجربة السجن والانعزال عن المجتمع”.
محاولة انتحار
«أنا لسه خارج من محاولة انتحار من أسبوعين بالظبط»، يقولها سمير صالح، وهو شاب في العقد الثالث من العمر سُجن قبل نحو عامين، يؤكد لـ«درب» أنه لم يتجاوزها.. «هي دايما موجوده برضو لاني واثق ان دي اخرتها بس امتي يومها أو مكانها مش عارف».
ورغم أنه بات لا يحب المشاركة في أي عمل سياسي، إلا أن سمير في ذات الوقت «متأثر ومربوط» بكل أصدقائه الذين في السجون، مؤكدا أنه لا يستطيع الخروج من السجن حيث يعيش داخله، كما أنه يشعر بأن هناك جزء كبير مفقود بينه وبين الناس في التعامل لأن السجن موجود في كل كلامه.
ويقول سمير في ختام تصريحاته لدرب «السجن موجود معايا فى دماغي وفى تفكيري فى كل لحظة بعيشها برا، إزاى بتعدي على أصحابي، وعلى كل شخص أنا قابلته في السجن يوما ما وأنا دلوقتي حر، وهو لسه محبوس في زنزانه منهم شباب صغير كتير واخدين أحكام كبيره ومش مكانهم السجن كل ده مش بيفارقني فى اي لحظه انا بعيشها».
كانت منظمة «العفو الدولية» قد كشفت في تقرير حول أوضاع المعتقلين السياسيين في مصر، نشرته في شهر أغسطس الماضي أن«السلطات المصرية تحرم أعدادًا كبيرة من المعتقلين السياسيين -منذ سنوات- من الاتصال بأفراد عائلاتهم أو محاميهم».
وأكدت «العفو الدولية» أن السلطات في مصر تقوم بفرض «قيود تمييزية»؛ بهدف معاقبة المعتقلين على معتقداتهم السياسية أو لممارستهم السلمية لحقوقهم.
وقدرت منظمات حقوقية مصرية عدد المعتقلين السياسيين بعشرات الآلاف بينهم الآلاف من معتقلي الرأي مشيرة إلى أن الآلاف يقبعون في السجون لفترات طويلة بتهم مكررة بينها نشر أخبار كاذبة والانتماء لجماعة غير محظورة، وغالبا ما يتم الإفراج عنهم بعد فترات طويلة دون محاكمة، فيما توسعت السلطات في تدوير أعداد كبيرة من المعتقلين في قضايا جديدة بعد انتهاء فترة حبسهم الاحتياطي، ليبقى السجين فترات طويلة بالسجن قبل أن يخرج ليواجه الحياة محملا بآلام التجربة دون ذنب جناه.