الاستشارات النيابية| عون يكلف الحريري بتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة.. واستمرار الضغط الفرنسي لتنفيذ الإصلاحات.. ورهان على بايدن
انتهت الاستشارات النيابية الملزمة لاختيار رئيس جديد للحكومة اللبنانية بحصول سعد الحريري على الأكثرية المطلوبة من الأصوات التي تسمح له ببدء عملية التأليف، وكلفة الرئيس اللبناني ميشال عون بتشكيل الحكومة الجديدة.
وبعد أيام من الذكرى الأولى لموجة الاحتجاجات التي عرفت بـ “ثورة تشرين 2019″، اتجه لبنان إلى اختيار سعد الحريري، رئيساً مكلفاً لتشكيل الحكومة الجديدة، وهو الذي استقال بعد فترة وجيزة من انطلاق التظاهرات، في 17 أكتوبر، التي حملّته، والطبقة السياسية مجتمعة، مسؤولية الفساد المالي والإداري، الذي وضع البلاد في أضخم أزمة مالية بتاريخه.
وبدأت، صباح اليوم الخميس، استشارات نيابية داخل القصر الجمهوري، أفضت نتيجتها إلى تسمية الحريري، لقاء إبقاء رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، في الحكومة، وفقاً لما تتناقله مصادر لبنانية.
كما وافق الرئيس المكلف المرتقب، على منح حقيبة وزارة المالية للثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل، على أنّ يقدّم له قائمة بالأسماء الشيعة المقترحين، ويبقى عليه مهمة الاختيار فقط، علماً أنّه متمسك بحكومة تكنوقراط تجمع اخصائيين، بحسب وسائل إعلام لبنانية.
ويأتي كل ذلك، ضمن مبادرة فرنسية يشرف عليها الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي زار لبنان مرتبين بأقل من شهر، عقب انفجار مرفأ بيروت، 4 أغسطس الماضي، والذي وعد اللبنانيين حينها بمساعدتهم على تحقيق مطالبهم من خلال حكومة “المُهمة” المناطة بها مسؤولية إنقاذ البلد من أزمة الاقتصادية.
وفي هذا السياق، قال مصدر فرنسي رفيع متابع للملف اللبناني لصحيفة “نداء الوطن” انّ “فرنسا ستستمرّ في الضغط على المسؤولين اللبنانيين لتشكيل الحكومة القادرة على تنفيذ الاصلاحات، وإن باريس لن تتخلّى عن الضغط وتتراجع عن مبادرتها لإنقاذ لبنان، والحلّ الوحيد هو أن تشكّل الحكومة وتتوقف العرقلات والمماطلة لأن لبنان لم يعد يحتمل ذلك”
ويعتبر الرئيس اللبناني، ميشال عون، من المتمسكين بضرورة إنجاح المبادرة الفرنسية، إلا أنّه أعلن، بالأمس، أنّ تشكيل الحكومة تمرّ عن طريقه، وهو الحليف الأول لحزب الله، قائلاً “أنا الشريك في التكليف والتأليف”.
وقالت مصادر سياسية لصحيفة “الجمهورية” اللبنانية: “بعد التكليف ستصبح الأمور أكثر صعوبة، ويجب ألّا نَستهين بموقف رئيس الجمهورية و”التيار الوطني الحر” وحلفائه.
وأوضحت أنّ التقديرات والقراءات للمشهد الداخلي والخارجي في آن معاً، لا تؤشّر إلى ولادة سريعة للحكومة، بل أنّ هذه الولادة قد تكون مؤجّلة إلى السنة الجديد، وفي أحسن الأحوال، وتِبعاً للتطورات الدولية، وكذلك الانتخابات الرئاسية الاميركية تحديداً، يمكن أن يعايدونا بحكومة قبل عيدي الميلاد ورأس السنة.”.
من جهته، قال المحلل السياسي، سامي نادر، في حديث لمجلة “فورين بوليسي” الأميركية إنّ “استراتيجية الحريري تتمثل في استخدام الدعم الفرنسي لتشكيل مجلس الوزراء ثم انتظار نتائج الانتخابات الأميركية، إذ يعتقد أنّ فوز جو بايدن، قد يساعده في الاستحصال على خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي، إذا كان المرشح الديمقراطي أكثر ليونة مع إيران”.
في المقابل، اعتبرت الصحفية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، حنين غدار، أنّه “لا يوجد سبب يدعو بايدن للاستسلام لإيران، إذ أنّه عندما عقد الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، صفقة مع إيران كان في ولايته الثانية وكان في عجلة من أمره”.
وأضافت غدار أنّ “الإيرانيين في عجلة من أمرهم هذه المرة، ولكن بايدن ليس كذلك، وعلى إيران وحزب الله تقديم تنازلات في ظل اقتصادهما المنهار”.
وحمل الرئيس اللبناني ميشال عون في وقت سابق رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، من دون أن يسميه، مسؤولية معالجة الفساد وإطلاق ورشة الإصلاح، متهما القوى السياسية بالتسبب بالأزمة التي آلت إليها البلاد.
ويعارض التيار الوطني الحر الذي يتزعمه عون تسمية الحريري لرئاسة الحكومة، لكن غالبية نواب الطائفة السنية التي ينتمي إليها الحريري ونوابا آخرين أعلنوا أنهم سيسمونه، ولم يعلن حزب الله موقفه من تسمية الحريري، لكن المحللين السياسيين يؤكدون أنه راض بتسميته، بدليل إعلان أبرز حلفائه، حركة أمل بزعامة رئيس البرلمان نبيه بري، تأييد الحريري لرئاسة الحكومة.
وانطلقت في 17 أكتوبر 2019 مظاهرات شعبية غير مسبوقة في لبنان استمرت أشهرا، ودفعت حكومة الحريري إلى الاستقالة بعد أسابيع. وحمّل اللبنانيون في “ثورتهم” المسؤولين السياسيين الذين يحكمون لبنان منذ عقود مسؤولية التدهور الاقتصادي والمعيشي بسبب تفشي الفساد والصفقات والإهمال واستغلال النفوذ.
في 15 يناير 2020، تسلمت حكومة من اختصاصيين برئاسة حسان دياب السلطة لمدة سبعة أشهر، لكنها لم تنجح في إطلاق أي إصلاح بسبب تحكم القوى السياسية بها.
وفي أغسطس تدخل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمساعدة في حل الأزمة وزار لبنان مرة أولى ثم مرة ثانية في الأول من سبتمبر. وانتهت الزيارة الثانية بالإعلان عن مبادرة قال إن كل القوى السياسية وافقت عليها، ونصت على تشكيل حكومة تتولى الإصلاح بموجب برنامج محدد، مقابل حصولها على مساعدة مالية من المجتمع الدولي.
لكن القوى السياسية فشلت في ترجمة تعهداتها ولم ينجح السفير مصطفى أديب الذي سمي لتشكيل الحكومة بتأليفها بسب الانقسامات السياسية.
وبعد اعتذار أديب، منح ماكرون في 27 سبتمبر مهلة جديدة للقوى السياسية من “أربعة إلى ستة أسابيع” لتشكيل حكومة، متهما الطبقة السياسية بـ”خيانة جماعية”، ويبدو واضحا أن عودة الحريري إلى ترؤس الحكومة تندرج ضمن المبادرة الفرنسية.
وأعلن الحريري أخيرا أنه مرشح لرئاسة الحكومة ضمن ثوابت المبادرة الفرنسية، وقال إنه يعتزم تشكيل حكومة اختصاصيين تضع خلال ستة أشهر الإصلاحات على سكة التنفيذ.