قراءة في قضية “فتيات تيك توك”.. مسار ترصد انتهاكات القضية وتطالب بوقف العمل بقانون تقنية المعلومات والافراج عن المتهمين
“مسار” تطالب بتعديل اختصاصات وحدة الرصد والتحليل بالنيابة العامة وتوقفها عن متابعة محتويات مواقع التواصل
مسار: محاولة فرض وصاية على سلوكيات الأفراد بدعوى حماية الأخلاق ليس جديدًا على البيئة القانونية المصرية
تعريف المحكمة الاقتصادية لـ”القيم الأسرية” زاد الأمر غموضا.. والسلطات سنت قانون “تقنية المعلومات” لوضع قيود على التعبير الرقمي
كتب – أحمد سلامة
أصدرت مؤسسة “مسار” قراءة في الحكم القضائي الصادر مؤخرًا في قضية “فتيات تيك توك”، مشيرة إلى أن الساحات القضائية شهدت منذ شهر أبريل 2020 ازديادًا ملحوظًا في استخدام نصوص قانون مُكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، وبشكل أكثر تحديدًا الاتهام بـ“الاعتداء على القيم والمبادئ الأُسرية“، المنصوص عليه في المادة 25 من القانون، مطالبة بالإفراج عن المتهمين في قضية “فتيات تيك توك” والقضايا المشابهة ووقف العمل بنصوص قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، خاصة نص المادة 25، بالإضافة إلى تعديل اختصاصات وحدة الرصد والتحليل بالنيابة العامة لتتوقف فورًا عن متابعة محتويات مواقع التواصل الاجتماعي وملاحقة مستخدمي الإنترنت بسبب المحتويات التي ينشرونها أو يتفاعلون معها.
ولفتت المؤسسة في قراءتها إلى أن عددًا من المحامين والمواطنين تقدموا ببلاغات وشكاوى إلى النيابة العامة تتهم الفتيات بنشر الفسق والفجور ونشر محتويات مُخلة بالآداب العامة عن طريق الإنترنت، وبناء على هذه البلاغات، وبعد صدور أمر عن النيابة العامة، قامت الشرطة المصرية بالقبض على عددٍ من الفتيات والسيدات وأحالتهن إلى النيابة العامة، حيث تم توجيه الاتهام إلى تسع فتيات وسيدات على الأقل بالاعتداء على قيم ومبادئ الأسرة المصرية، وصدر عدد من الأحكام الابتدائية بالحبس والغرامة في حق بعضهن، بالإضافة إلى توجيه اتهامات بالاشتراك في ارتكاب الجريمة، عن طريق الاتفاق والمساعدة، إلى القائمين على إدارة الصفحات الشخصية لهؤلاء الفتيات، ومسئولي إدارة بعض التطبيقات التي تقوم بنشر المقاطع المرئية محل الاتهامات المنسوبة إليهن.
وتابعت المؤسسة “أصدرت النيابة العامة عددًا من البيانات الإعلامية تفيد بضلوع عدد من الفتيات بنشر صور ومقاطع مرئية عبر بعض تطبيقات التواصل الاجتماعي، مثل (تيك توك) و(لايكي) و(إنستجرام)، تتضمن محتويات غنائية وراقصة خادشة (للحياء العام)، وتهدد (قيم ومعايير الأسر المصرية)“.. معتبرة أن هذه الملاحقات القضائية تشكل انتهاكًا صارخًا لحرية التعبير وحرية استخدام الإنترنت.
ونوهت بأن النيابة العامة حذرت من تبعات نشر هذه المحتويات على معايير الآداب العامة السائدة في المجتمع، مطالبة الأسر بفرض رقابة على استخدام أبنائهم الإنترنت.. وهو ما شكّل فاتحة لعدد من الملاحقات القضائية لعدد من مستخدمات ومستخدمي هذه المنصات.
ونبهت المؤسسة إلى أن هذه هي المرة الأولى التي تتدخل السلطات القضائية أو سلطات إنفاذ القانون في سلوك الأفراد بدعوى حماية الآداب العامة، إلا أن الجديد في قضية “فتيات تيك توك” أن السلطات لم تعتمد بشكل رئيسي على قانون العقوبات لمحاكمة هؤلاء الفتيات باتهامات الإخلال بالآداب العامة، بل اعتمدت على قانون مُكافحة جرائم تقنية المعلومات الصادر عام 2018 لتقييد استخدام الأفراد للفضاء الرقمي في التعبير عن آرائهم وفرض سلطة الدولة على التعبير السياسي والفني والديني والترفيهي عبر الإنترنت.
وحملت قضية “فتيات تيك توك” رقم 1047 لسنة 2020 جنح مالية المحكمة الاقتصادية بالقاهرة، وقيدت برقم 246 لسنة 2020 جنح مُستأنف القاهرة الاقتصادية، وقد ضمت القضية كلًّا من” مودة الأدهم” والتي تبلغ من العمر 22 سنة، و“حنين حسام“، طالبة بكلية الآثار، وتبلغ من العُمر 20 سنة، بصفتهما فاعلتين أصليتين، أما المُتهمون المُشاركون، فهم محمد عبد الحميد ويعمل مدير تطبيق “لايكي” بالشرق الأوسط، ويبلغ من العمر 31 سنة، والمُتهم الرابع محمد علاء الدين ويعمل مسؤول قاعدة البيانات والبث المباشر بتطبيق “لايكي” ويبلغ من العمر 25 سنة، والمُتهم أحمد سامح عطية خليفة ويعمل مسؤول إدارة صفحة المُتهمة مودة الأدهم ويبلغ من العُمر21 سنة.
واستكملت المؤسسة “وبالرغم من أن النيابة لم تأخذ الخطوة الأولى في هذه الملاحقات، فإن هذه البلاغات جاءت منسجمة مع وظيفة وحدة الرصد والتحليل التي ترصد محتوى منصات التواصل الاجتماعي لأسباب سياسية أو دينية أو أخلاقية. هذا النوع من التقاضي الذي يفرض وصاية على سلوكيات الأفراد بدعوى حماية الأخلاق ليس جديدًا على البيئة القانونية المصرية، فالعديد من النشطاء السياسيين والمدونين خضعوا للمحاكمة الجنائية بسبب بلاغات شبيهة وجهت اتهامات إليهم بإهانة السلطات أو ازدراء الأديان.. إلا أن البلاغات الخاصة بقضية فتيات تيك توك اقترنت بحملات على الإنترنت استهدفت سمعة هؤلاء الفتيات وتحريض الرأي العام عليهن، وهو ما قُوبل بوجود توجه وإرادة سياسية لدى النيابة العامة بالتركيز في هذا النوع من القضايا التي تدَّعي حماية الآداب العامة، وذلك بعد أن ظل تركيز النيابة خلال السنوات الخمس الأخيرة منصبًّا بشكل رئيسي على استهداف المحتويات الرقمية المعارِضة للسلطة من الناحية السياسية”.
وأردفت المؤسسة أنه كان هناك إحالة متعجلة إلى المحاكمة والتفاف على إخلاء سبيل إحدى الفتيات، موضحة ” لم يكن هناك طريق واضح لسير التحقيقات منذ البداية في قضية فتيات تيك توك، وهو ما انعكس على أوراق التحقيقات والتقارير الفنية المحالة إلى المحكمة، حيث عجلت النيابة بإحالة المُتهمات والمتهمين إلى المحاكمة قبل اكتمال التقارير الفنية التي طلبتها النيابة العامة من جهات الخبرة المختصة بفحص المحتويات الرقمية، بل إنها لم تُنهِ التحقيق في جريمة الاتجار بالبشر الموجهة إلى حنين حسام، فأحالت النيابة المتهمات إلى المحاكمة بناء على المقاطع المرئية المنشورة على حساباتهن الشخصية فقط،، وجاء قرار النيابة العامة بإحالة حنين حسام ومودة الأدهم للمحاكمة بعد صدور قرار من قاضي المعارضات بمحكمة شمال القاهرة بقبول استئناف الأولى على قرار حبسها احتياطيًّا، وإخلاء سبيلها بكفالة مالية قدرها عشرة آلاف جنيه مصري، إلا أن النيابة أصدرت قرارًا جديدًا بحبس حنين حسام بدعوى ظهور أدلة جديدة لتلتف على قرار إخلاء سبيلها وتبقيها قيد الحبس الاحتياطي”.
وحول مفهوم “القيم الأسرية”، تقول المؤسسة “جاءت مسؤولية المحكمة الاقتصادية -بحكم اختصاصها بنظر القضية- بتطبيق نص المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات في ضوء عدم وجود تطبيقات سابقة للنص، وهو ما جعل المحكمة أمام وظيفة إلزامية تخرج عن حدود اختصاصها، حيث أصبح لزامًا عليها وضع تفسير لمفهوم الاعتداء على القيم والمبادئ الأسرية، وتعريف واضح يُمكن من خلاله بيان أركان هذه الجريمة والصور التي تتحقق بها”.
وأضافت “بالفعل حاولت المحكمة تعريف الجريمة من خلال توضيح الركن المادي حيث رأت المحكمة أنه يتمثل في (استخدام تقنية المعلومات أو الشبكات المعلوماتية أو شبكة الإنترنت لبث أو إرسال أو مخاطبة الأفراد على نحوٍ يهدم الترابط الأسري، أو يقلل من شأن العمل الإيجابي من أجل الأسرة أو الحث على التنافر بين أفرادها، أو النيل من الضوابط والمبادئ التي تحكمها)“.
وأشارت المؤسسة إلى أن هذا التعريف زاد الأمر غموضًا، حيث خلطت المحكمة بين جريمة الاعتداء على المبادئ والقيم الأسرية وبين الوسيلة التي تستخدم في ممارسة هذا الفعل، بل إن المحكمة قد حاولت الربط بين فعل استخدام الإنترنت وبين النتيجة المُترتبة على هذا الاستخدام دون ذكر علاقة سببية واضحة بينهما، ودون بيان لطبيعة الفعل المُجرَّم، فالترابط الأسري والتنافر بين أفراد الأسرة الواحدة هي عبارات لا تختلف كثيرًا عن مبادئ القيم الأسرية، وهي ألفاظ عامة، غير مُحددة ونسبية، غير أنها مُنقطعة الصلة بالوقائع التي تنظرها المحكمة، وكان على المحكمة إثبات أنه نتيجة لنشر المحتويات محل القضية حدث تنافر بين أفراد الأسرة، ثم كان عليها تقديم الدلائل على حدوث هذا التنافر بالفعل كنتيجة لاستخدام الإنترنت.
واختتمت المؤسسة قراءاتها بالقول “يتضح من استعراض الجوانب المختلفة للحكم الصادر عن محكمة القاهرة الاقتصادية (دائرة الجنح) في الدعوى رقم 1047 لسنة 2020 أن السلطات المصرية قد سنت قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات لوضع قيود على التعبير الرقمي بدعوى حماية النظام العام والآداب العامة، دون أن يكون هناك تعريف واضح لهذه المفاهيم الغامضة، كما تبين المحاكمة أن السلطات تميل إلى استهداف صانعي المحتويات الرقمية التي تلقى رواجًا على الإنترنت وتثير الجدال المجتمعي، وبدلًا من أن تأخذ موقفًا حياديًّا منه، تتدخل السلطات بشكل شعبوي محاولة تحويل هذا الجدال إلى حملات تحريضية ضد النساء ووصمهن باتهامات تنال من سمعتهن بدعوى حماية المعايير الأخلاقية في المجتمع.
كما تبين نصوص قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات وأوراق قضية “فتيات تيك توك”، حسب المؤسسة، تركيز السلطات في استهداف المحتويات التي يتم نشرها عبر المنصات واسعة الانتشار بين مستخدمي الإنترنت مثل “تيك توك“، وإن كانت وقائع هذه القضية تركز في الاتهامات بمخالفة معايير الآداب العامة، فإن تأثيرها الردعي سوف يمتد إلى كافة أنواع المحتويات الأخرى التي يمكن نشرها عبر المنصات ذاتها، مثل المحتويات السياسية والدينية.
للاطلاع على النص الكامل: هنا
مقال وتحليل قانونى أكثر من رائع ..