مدحت الزاهد يكتب: رؤية أخرى للبناء على الأرض الزراعية.. وملاحظات على خطاب الرئيس
أتفهم غضب الرئيس من البناء على الأراضى الزراعية ولكن لى خلافات مع المعالجة أوجزها فى :
1- ضرورة الإنتباه للأدوار النوعية للجيش والشرطة والمجالس المحلية وكل أشكال الرقابة الشعبية والرسمية وخلط الأدوار يضعف كل هذه المؤسسات، يضعف الجيش باستنزافه فى تجاذبات الصراعات الأهلية ومنازعات الجهات الإدارية والأفراد فى قرى ونجوع مصر، ويضعف ثقة المواطنين فيه بقدر التلويح به كفزاعة فى القضايا الداخلية وهو فى الأصل المؤسسة الأكبر والأهم فى التمتع بحب وثقة المواطنين كدرع للدفاع عن الوطن، لا تستنزفه تجاذبات الخلافات السياسية والنزاعات الأهلية ومنافسة المشاريع والأسواق، ليبقى فى أجواء حاضنة لدوره الوطنى المقدر فى حماية الحدود وحماية مصر برا ونهرا وبحرا وجوا وهى مهام تكتب له الحضور والدفء فى وجدان كل مصرى بصرف النظر عن فكره او ديانته أو ميوله فهو ملك للشعب كما عبر ببلاغة الدستور ومن هنا كان الحرص على ألا تتعرض هذه العلاقة لشرخ، وتحقيق هذه المعادلة وترجمتها أن الناس تحب الجيش ولا تخشاه، تدعمه وتفخر به ونعتز بقوته بقدر ما يستقوى على أعداءها، لا عليها فهو درعها وعقيدته القتالية حماية الشعب ورصيده ثقته وقوته فى ثقة الناس وحب الناس .
وفى أوقات كثيرة عصيبة مارست القوات المسلحة هذا الدور وتفهمته القيادة السياسية حتى أن المشير الجمسى اشترط أن تتراجع الحكومة عن قرارات رفع الأسعار التى فجرت غضبة الشعب فى يناير ٧٧ قبل أن ينزل الجيش وهو ما حدث بالفعل، فكان حضوره محاطا برضا شعبى عام وزادت مكانته.
2- ويضعف هذا الشرطة أيضا فمهمتها حفظ الأمن الداخلى ومواجهة المخالفات فى حدود القانون وباستخدام أدواته ومعالجة نواقضها للوفاء بدورها الذى حدده القانون والتنبيه إلى ضرورة معالجة النواقص الحكومية والمجتمعية التى تنتج المخالفات، كما أنها الأدرى بالأحزاب فى القرى والنجوع وبالمؤسسات الحكومية المعنية بهذه الأمور، وفى كل الأحوال نحن أمام ظاهرة مرتبطة بسياسات التنمية وبانحرافات حكومية ومجتمعية ولا يجوز أن ننظر إليها كظاهرة أو كخالفة أمنية، لكن الأمن يبقى المسؤول عن تطبيق أحكام القانون.. ويبقى ضروريا التأكيد على أن الجيش للحدود والأمن للاحياء والقرى والنجوع وخلط الأدوار يضعف الجيش والشرطة معا.
3- كما أن المعالجة بقبضة الأجهزة لا تلفت إلى خطورة الدور الغائب للمجالس المحلية المغيبة منذ أكثر من عقد ومعها دورها الافتراضي فى تحقيق التنمية والحفاظ على الحزام الأخضر واقتراح حلول للتوسع السكانى فى حيز عمران محدود.
4- كما أن الاقتصار على استخدام المنطق العقابي لمعالجة مخالفة يتجاهل أن ظاهرة البناء على الأرض الزراعية وثيق الارتباط بنواقص فى مفهوم التنمية الريفية وتحديث الريف والتوسع العمراني فى الظهير الصحراوى لامتصاص الزيادة السكنية ينقل الكتلة الاسمنتية كمدارس وجامعات ومستشفيات ومؤسسات حكومية إلى الامتداد الصحراوى.. ومن هذا المنظور سوف ندرك أن الحكومات المتعاقبة ومؤسساتها وأجهزتها هى الجانى الأكبر فى البناء على الأرض الزراعية.. وكان د. رشدى سعيد يتألم وهو يرى المشاريع العبثية كتوشكى وهى تنطلق تحت شعار تخضير الصحراء، فيصرخ : لا تقل تخضير الصحراء بل قل تعمير الصحراء .. ويقدم أمثلة كبناء جامعة أسيوط على أجود ٥ آلاف فدان من الأراضى الزراعية الخضراء وأمامها مساحات صفراء على البر الآخر وتابعت بعدها المرافق وعمليات اغتصاب الخضرة فى كل المحافظات .
وبينما تتحول المساحة الخضراء إلى كتلة اسمنتية تذهب الى الصحراء لزراعتها فى زفة الوادى الجديد والحضارة الجديدة التى شارك فيها مبارك والجنزورى .. والفكرة الصحيحة كانت بسيطة وهى استخدام المياه الجوفية ومياه النهر فى بناء مدن بها صناعات مرتبطة بموارد البيئة وعلى الأخص الصناعات التعدينية مع جامعات ومدارس ومرافق وبيوت تمتص الزيادة السكانية فى مشروعات تنموية وما حدث أن الدلتا كانت تتحول إلى كتلة اسمنتية بننما نحاول تخضير الصحراء .. ومنذ فترة مبكرة طالبت رموز بارزة فى المدرسة العلمية الوطنية المصرية بتحويل الدلتا إلى محمية طبيعية واستعادة مساحات منها للزراعة بنقل مصانع ومرافق إلى مدن المحيط الصحراوى .
5- واخيرا فقد ساعد على هذا العدوان مافيا الفساد التى تنتفع من شيوع المخالفات، ونحن نعرف كيف تحولت مشاريع استصلاح الأراضى على الطرق الصحراوية إلى منتجعات سياحية واسطبلات خيل ومشاريع استثمارية لا علاقة لها بالزراعة ونعرف من هم سكان هذه المنتجعات وقد ساند هذه الظاهرة غياب أشكال الرقابة وتشكل المجالس النيابية من المولاة من أصحاب المصالح التى ترتبط باوثق العلاقات مع أصحاب العصبيات ورجال الأعمال واغنياء الريف وبيروقراطية الحكومة.