رائد سلامة يكتب: أَرقْ.. (إبداعات)
أطفأ الإضاءة الجانبية ثم وضع رأسه علي الوسادة بعدما انتهى من قراءة بعض صفحات رواية ساذجة طَلَبًا لنومٍ لم يعد يأتيه بسهولة، أغمَضَ عينيه، صُورُ أحداث اليوم لم تبرح مخيلته، دُخانٌ امتزج ببخار البحر العجوز كقمة “عيش الغراب”، أطلالٌ كَعمائرِ سَدْوم وعمورة بلا أعمدةً من مِلح، ورودٌ احترقَت، أرواحٌ ارتَقَت مُجتَمِعَةً، شَعَرَ بسخونة الأحمر القَاني تُحيطُه، تسري بين أصابع يديه والقدمين، تغمر وسادته، انقَطَعَ نَفَسَهُ، كاد أن يختَنِق إلى أن اشتم رائحة حريقٍ ملأت رئتيه فإرتَد إلي صدره هواءٌ مُثقَلٌ برائحة الموت.
كان طبيبه ينصحه بالإستلقاء إلى جانب جسده الأيسر إتقاءًا لمتاعب إرتجاعٍ بالمرئ، سَمع دقات قلبه تَخفُق في انتظام كَدُف، شَعَر بها تَدفَعُ كل جسده إلي الأعلي ثم تهوى به مرة وراء مرة. قَرَرَ ألا يُكمِلَ جُرعةَ العَذابِ اليومية المُعتادة التي وصلت ذُراها في تلك الليلة، نَظَرَ إلى زوجته التي سبقته بساعات إلى عالم الأحلامِ والكَوابيس، رَبَتَ علي كَتِفِها بِرفقٍ ثم توجه صوب الحَمَّام، خلع ملابسه وألقى بنفسه تحت دفقات الماء الساخن التي كانت تضرب كتفيه كَحَباتِ مَطرٍ من حَصَىً مُوجِعٍ وحَارقٍ كَحِمَمِ الرابع من “آب اللهَّاب”، جَفَفَ جَسده ثم ارتدى ملابسه، كوبًا من الماء البارد صَبَ لِنفسه من زجاجة بلاستيكية ثم تجرعه مع حَبةِ مُهدئٍ وتوجه إلى غرفة مكتبه، أشعل سِيجَارهُ النيكاراجواياني المتواضع، أدار إسطوانة كونشيرتو “النهر الأصفر”، أغمَضَ عينيه ثانيةً، شَرَدَ، زَادَهُ عُنفوان حوار البيانو مع باقي آلات الأوركسترا تَنَبُهًا، “عَجيبٌ أمر ثورة الصين الثقافية”، هكذا تحدث في نفسه، فَتَحَ نَافِذتَه مُتَوَسِلًا قليلًا من هواءِ الفَجر الشَحيح ثم جلس إلي كُرسِيه ليكتبُ لَكم ما تقرأونه الآن.