عمر الراضي أحدث الضحايا.. السلطات المغربية تواصل سياسة تشويه الصحفيين بـ”الاتهامات الجنسية” ومزاعم التخابر
محمود هاشم
زادت حدة حملات الاستهداف الأمنية والقضائية بالمغرب ضد الصحفيين، بسبب انتقاداتهم الوضع الداخلي وكتاباتهم عن الأوضاع الاقتصادية والحقوقية، وتشابه معظمهم في التهم الموجهة لهم في إطار ملاحقتهم، وأبرزها الاتهامات الجنسية، فضلا عن الاتهامات بالتخابر والعمالة للخارج، وسط إدانات مستمرة لنهج النظام في استخدام هذه الاتهامات ذريعة لاصطياد أصحاب الآراء الحرة، وآخرهم الصحفي والناشط الحقوقي عمر الراضي.
في 29 يوليو الماضي، قرر القضاء المغربي ملاحقة عمر الراضي في قضية “مس بسلامة الدولة” والتخابر مع “عملاء دولة أجنبية”، بالإضافة إلى قضية ثانية تتعلق باغتصاب، وفق ما أفاد بيان للنيابة العامة.
واستجوبت الشرطة الراضي عدة مرات منذ أواخر يونيو، لتقرر النيابة العامة بناء على ذلك التحقيق معه “حول الاشتباه في تلقيه أموالاً من جهات أجنبية بهدف المس بسلامة الدولة الداخلية ومباشرة اتصالات مع عملاء دولة أجنبية بغاية الإضرار بالوضع الديبلوماسي للمغرب”. ولم يحدد بيان النيابة العامة الدولة المعنية.
ووجهت للراضي (34 عاماً) تهمة أخرى هي “الاشتباه في ارتكابه لجنايتي هتك عرض بالعنف والاغتصاب”، بناء على شكاية لإحدى المواطنات، بحسب ما أضاف البيان، وحددت أولى جلسات استنطاقه تفصيلياً في 22 سبتمبر القادم.
وأعلن التحقيق مع الراضي في القضية الأولى، بعد صدور تقرير لمنظمة العفو الدولية اتّهم السلطات المغربية بالتجسّس على هاتف الصحفي المغربي المعروف بمواقفه النقدية، وهو ما نفته الرباط بشدّة، مطالبةً المنظمة بنشر أدلتها.
وأكد الصحفي المغربي في وقت سابق أن التحقيق معه في قضية التخابر مع جهات أجنبية “له علاقة مباشرة بتقرير (منظمة العفو الدولية) حول التجسّس على هاتفه المحمول”، مديناً حملة تشهير ضده.
وأعرب عن “اندهاشه وذهوله الكبيرين” لما وصفه بـ”التهمة السخيفة”، وأضاف: “لم أكن أبداً في خدمة أي قوة أجنبية، ولن أكون ما دمت على قيد الحياة”.
وقال، في بيان: “لن يصدق الرأي العام أن تحريك هذه الشكاية الكيدية ضدي في هذا الوقت بالذات مجرد صدفة بريئة، أو ملف منفصل عن التحرشات القضائية التي أتعرض لها”.
وأوضح أنّ الواقعة موضوع الشكوى تتعلق “بعلاقة رضائية”، مؤكداً “الذنب الوحيد الذي ارتكبته في هذه النازلة/الكمين هو ممارستي لحريتي الفردية غير مبال بالمخاطر المحدقة بي”. وأضاف “تعرضت لكمين معد بعناية وإحكام منذ أشهر”.
وحكم على الراضي في مارس بالسجن 4 أشهر مع وقف التنفيذ بتهمة “المسّ بالقضاء” على خلفية تدوينة على تويتر، في محاكمة أثارت انتقادات واسعة.
الملاحقة مستمرة.. والتهمة “مكشوفة”
وشارك الراضي بدور كبير إعلاميا في الحراك الشعبي الذي عرف بـ«حركة 20 فبراير»، كما اشتهر بنشاطه الملحوظ في حراك الريف الأمازيغي في 2016، على خلفية مقتل بائع السمك محسن فكري، في مدينة الحسيمة.
وكانت السلطات المغربية اعتقلت أيضا الصّحفي سليمان الريسوني رئيس تحرير يومية “أخبار اليوم” المستقلة، يوم 22 مايو الماضي، حيث واجه على غرار زميلين له من نفس الجريدة هما توفيق بوعشرين وهاجر الريسوني (ابنة شقيق سليمان)، تعرّضا للملاحقة منذ سنتين، تهما تتعلق بـ “الجنس”.
ومع ازدياد إحكام أجهزة المخابرات قبضتها على الحياة العامة، يتهم حقوقيون السّلطات المغربية باستعمال القضاء المتحكّم فيه و“إعلام التشهير” من أجل إخراس آخر الأصوات الحرة، بحسب الصحفي المغربي اللاجيء في فرنسا هشام المنصوري، في مقاله «استراتيجية الاستهداف الجنسي للصحفيين» على موقع «أوريان 21»، الذي يديره آلان جريش.
تضامن محلي ودولي.. أوقفوا قمع النشطاء والصحفيين
ودان أكثر من 400 فنان مغربي في بيان، أمس، “قمع” النشطاء والصحفيين المستقلين و”التشهير” بهم معربين عن قلقهم من “التهديد المستمر” بالسجن، في سياق ملاحقات قضائية مثيرة للجدل استهدفت صحافيين ونشطاء في الفترة الأخيرة.
وقال البيان “النشطاء والصحافة المستقلة يتعرضون للهجوم والاعتداءات التعسفية في الفضاءات العمومية، باتهامات غير ثابتة”.
وأورد البيان عدة قضايا لوحق فيها نشطاء وصحافيون آخرها ملاحقة عمر الراضي في قضيتي تجسس واغتصاب، معتبرا أنه “يتعرض لأشكال التحرش من البوليس والتشهير، لتحقيقه في السياسات الاقتصادية”.
واعتبر البيان أن “إعلام التشهير ينصب نفسه كامتداد مباشر للتأطير البوليسي والقمعي للمغاربة”، مضيفا “يتم تصوير المناضلين رغما عنهم وتضرب نزاهتهم عرض الحائط”.
وأدانت منظمات حقوقية دولية، إقدام السلطات المغربية على اعتقال الراضي، ووصفت الاتهامات الموجهة ضده بأنها “تحرش قضائي غير مقبول”.
وأبدت الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان والمنظمة العالمية لمكافحة التعذيب، انتقادهما الكبير لهذا القرار التعسفي الذي يندرج حسبهما في سياق المضايقات القضائية المتواصلة للسلطات المغربية ضد الراضي.
وأكدت المنظمتان الحقوقيتان أن الراضي خضع لأربع متابعات قضائية منذ شهر ديسمبر 2019، ما جعلهما تصفانه بـ “ضحية مؤامرة” اتخذتها السلطات المغربية ذريعة لاعتقاله منذ نهاية الشهر الماضي بسجن مدينة الدار البيضاء في انتظار محاكمته يوم 22 سبتمبر القادم.
وأشارت المنظمتان إلى أن توقيت توجيه تهمة “الاغتصاب” جاء متزامنا مع عدة دعاوى قضائية مماثلة رفعت ضد حقوقيين وصحفيين مغربيين معارضين للنظام المغربي بعد مضايقات وتهديدات متواصلة لثنيهم عن مواصلة كتاباتهم وتصريحاتهم المنتقدة لطريقة تسيير الشأن الداخلي في المغرب.
وأضافت المنظمتان الحقوقيتان الدوليتان أن السلطات المغربية واصلت تحاملها ضد الصحفي عمر الراضي المعتقل منذ عدة أشهر ضمن خطة لإسكاته، وهو ما جعلها تلجأ إلى توجيه تهمة الاغتصاب في محاولة لتشويه صورته وإيجاد المبررات القانونية لاعتقاله.
وقالت منظّمة العفو الدولية إنّ لديها “بواعث قلق بالغ” من أنّ التّهم الجديدة ما هي إلا “تهم ملفّقة، تهدف مضايقة عمر الراضي، والتشهير بسمعته وإسكات صوته”.
وأوضحت أن السلطات المغربية لها سجل في توجيه تهم الجرائم الجنسية كوسيلة تكتيكية لمقاضاة الصحفيين والنشطاء في مجال حقوق الإنسان، لافتة إلى أن المضايقة المستمرّة للراضي “تؤكد التهديدات التي يواجهها النشطاء والصحفيون في المغرب بسبب الكشف عن انتهاكات حقوق الإنسان”.
ولفتت إلى أن إيداع الراضي رهن الاعتقال الاحتياطيّ جاء “بعد أسابيع من المضايقات التي تعرض لها على أيدي السلطات المغربية”، قبل أن يتهمه المدعي العام للمحكمة الابتدائية في الدار البيضاء بالمس بالأمن الوطني والاغتصاب، في 29 يوليو، عقب نشر المنظمة تقريراً، في 22 يونيو الماضي، يكشف عن كيفية استهداف الحكومة المغربية لهاتفه ببرمجيات تجسس تابعة لمجموعة “إن إس أو”.
وتابعت أن السلطات المغربية استهدفت الراضي بشكل ممنهج بسبب عمله كصحافي ونشاطه، حيث إنه منتقد صريح لسجل الحكومة في مجال حقوق الإنسان، وأبلغ عن الفساد، وكذلك عن الروابط بين المصالح التجارية والسياسية في المغرب، وحُكِم عليه، في 17 مارس الماضي، بالسجن لمدة 4 أشهر مع وقف التنفيذ بسبب تغريدة نشرها في أبريل 2019 ينتقد فيها “المحاكمة الجائرة لمجموعة من النشطاء”.