في الذكرى 75 لتفجير أول قنبلة ذرية.. العالم بين ماضي هيروشيما المؤلم وواقع “بيروت” المأساوي (حكايات الناجين من الموت)
كتب – أحمد سلامة
في هيروشيما اليابانية قُرعت الأجراس، صباحا، في الذكرى الخامسة والسبعين لأول قصف بقنبلة ذرية في العالم.. بحضور رئيس الوزراء شينزو آبي تجمع العشرات من الناجين وذويهم فقط في متنزه السلام بوسط هيروشيما من أجل الصلاة للضحايا، إذ تم تقييد الدخول إلى المتنزه في ظل إجراءات مشددة لمكافحة فيروس “كورونا”.
في الساعة الثامنة والربع من صباح يوم السادس من أغسطس عام 1945، ألقت طائرة حربية أمريكية من طراز بي-29، قنبلة أطلق عليها اسم “ليتيل بوي” (الصبي الصغير) وأوشكت أن تمحو المدينة من على الخرائط، لتقتل 140 ألفا من سكانها الذين قدر عددهم بنحو 350 ألف نسمة، بينما لقي آلاف آخرون حتفهم لاحقا بسبب الإصابات أو الأمراض المرتبطة بالإشعاع.
“دمرت قنبلة ذرية واحدة مدينتنا. كانت الشائعات في ذلك الوقت تقول إن شيئا لن ينمو هنا لمدة 75 عاما. لكن هيروشيما تعافت، وأصبحت رمزاً للسلام”.. هكذا قال رئيس بلدة هيروشيما، كازومي ماتسوي.
وبينما يتذكر العالم ماضيًا مؤلما وقع في “هيروشيما”، يعيش واقعًا قد لا يقل ألمًا في “بيروت”، العاصمة اللبنانية التي شهدت الثلاثاء الماضي انفجارا كبيرًا في المرفأ دفع البعض إلى تشبيه ضخامة التأثير بما حدث قبل 75 عامًا في المدينة اليابانية.
موقع الانفجار اللبناني بات في نظر البعض أشبه بما خلفته القنبلة الأمريكية في اليابان، وأعمق أثرًا من هجمات سبتمبر بالولايات المتحدة.. يقول محافظ بيروت، مروان عبود، واصفا موقع الانفجار “الموقع شبيه بموقع هيروشيما وناجازاكي”، بينما قال باسل محفوظ، الخبير في الشؤون السياسية، إن “الانفجار الحالي، يمكن مقارنته من حيث الحجم والعواقب بهجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية في نيويورك، والتي صاحبتها صدمة هائلة وحالة ذعر”.
صحيفة “ديلي ميل” البريطانية، شبّهت الحادث اللبناني بالقنبلة النووية ونقلت عن خبراء مختصون في جامعة «شيفيلد» في المملكة المتحدة قولهم إن “قوة الانفجار الهائل الذي هز مرفأ العاصمة اللبنانية بيروت يُقدر بنحو عشر القوة المتفجرة للقنبلة الذرية التي ألقتها الولايات المتحدة على مدينة هيروشيما اليابانية خلال الحرب العالمية الثانية، والتي كانت أكبر انفجار شهدته البشرية على مر التاريخ”.
انفجار مرفأ بيروت تسبب في تدمير كافة المنشأت داخل المرفأ، ووصل قطر الانفجار إلى مسافة 8 كيلومترات، تصاعد عمود دخان من منطقة الميناء أعقبه انفجار هائل نجم عنه دخان أبيض وكتلة نار في السماء وسمع دوي الانفجار على مئات الكيلومترات.
وشهدت الأحياء المتاخمة للمرفأ عدة خسائر وانهارت البنايات والأسقف وتحطم زجاج النوافذ، السيارات هي الأخرى لم تسلم من قوة الإنفجار حيث أدت موجات الانضغاط وارتداداتها إلى انقلاب بعض المركبات وإنحراف أخرى. قال خبراء في المتفجرات إن قوة إنفجار مرفأ بيروت يعادل هزة أرضية بـ 4.5 درجات على سلم ريختر.
في انفجار هيروشيما دُمرت كل البنايات في دائرة محيطها 1.6 كم حيث أرسل الإنفجار موجات انضغاطية عنيفة بسرعة تقارب سرعة الصوت، أما في بيروت فقد أعلن محافظ المدينة أن نصف بيروت تضرر أو تدمر، مضيفًا “الانفجار الضخم الذي ضرب مرفأ المدينة تسبب في أن ما بين 250 ألف شخص و 300 ألف شخص باتوا من غير منازل لأن بيوتهم أصبحت غير صالحة للسكن”.
عن طبيعة الانفجار وقطره وامتداد موجته، قال العميد الركن المتقاعد بالجيش اللبناني يعرب صخر، فور وقوع الحادث إنه “لا يقل عن 7 إلى 8 كيلومترات، ما يدل على أنه حصل فوق الأرض أو ضمن مستودع يحتوي على مواد شديدة الانفجار”.. بينما لفت عدد من الخبراء إلى أن البحر المتوسط قلل كثيرًا من الموجة الارتدادية للانفجار.
المصورة الصحافية البريطانية، لي كارين ستو، أجرت حوارًا مع سيدة يابانية تُدعى “تيروكو”، كانت تبلغ من العمل 15 عامًا عندما نجت من القنبلة الذرية في هيروشيما وبالسنة الثانية في مدرسة التمريض في مستشفى هيروشيما للصليب الأحمر.
تقول تيروكو: “لم أذهب إلى الجحيم، لذا لا أعرف كيف يبدو، لكن الجحيم ربما مثل ما مررنا به. يجب ألا يُسمح بتكرار ذلك مرة أخرى”.
وتتابع “هناك أناس يبذلون جهوداً قوية لإلغاء الأسلحة النووية. أعتقد أن الخطوة الأولى هي جعل قادة الحكومات المحلية يتخذون إجراءات. وبعد ذلك، يجب أن نتواصل مع قادة الحكومة الوطنية والعالم أجمع”.
وإذا كانت “تيروكو” اليابانية قد تحدثت عن حظر الأسلحة النووية، فإن النشطاء اللبنانيين في المقابل تحدثوا عن “حظر الإهمال” الذي تسبب في حادث المرفأ.
عبر مواقع التواصل الاجتماعي طالب اللبنانيون باستقالة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والحكومة، وذلك من خلال وسم (#استقيلوا) الذي كان من ضمن قائمة الأكثر انتشارا، متهمين القائمين على الدولة بالتقصير.. بينما سار البعض إلى أبعد من ذلك من خلال وسم (#الاعدام_لبدري_ضاهر) حيث طالبوا بإعدام المدير العام للجمارك بدري ضاهر، واتهموه بالمسؤولية عن الانفجار الذي هز بيروت.
ما ذهب إليه رواد مواقع التواصل الاجتماعي، ذهبت إليه عدد من الصحف اللبنانية التي رصدت الحادث الأليم، حيث عنونت صحيفة “الأخبار” صدر صفحتها الأولى بمانشيت “الانهيار الكبير”، بينما عنونت صحيفة “النهار” في المانشيت الرئيسي لعددها الصادر صبيحة الحادث “الدولة الفاشلة تطلق النار على نفسها.. الفاجعة”.
بينما كانت عروس تحتفل بزفافها في أحد شوارع وسط بيروت، سقطت بشكل مفاجىء على الأرض إثر الانفجار، قبل أن تضطر للهرب فزعا.. نجت “تيروكو” من الموت المحقق في اليابان، وكذلك نجت “عروس بيروت” في لبنان.
قبل ثلاثة أسابيع وصلت إسراء السبلاني (29 عاماً) إلى بيروت استعدادا لحفل زفافها، وفي يوم الانفجار وقفت في فستانها الأبيض مبتسمة أمام المصور لتسجيل الفيديو الذي سيحفظ لها ذكرياتها.. لكن، فجأة اهتز كل شيء.
تقول إسراء لـ«رويترز» إنها كانت تستعد ليوم الزفاف منذ أسبوعين وكانت السعادة تغمرها.. غير أنها تضيف “الانفجار الذي وقع خلال التصوير لا توجد كلمات تفسره، شعور بالصدمة والتساؤلات تدور في رأسي عما حدث وعما إذا كانت سأموت”.
وتضيف “سرت بعد الحادث في المنطقة.. كان المشهد محزناً للغاية ولا يمكن وصف الدمار أو صوت الانفجار.. مازلت في حالة صدمة.. لم يسبق لي أن سمعت دوياً يشبه صوت الانفجار”.
من عرض البحر، تمكنت فرق الإنقاذ اللبناني، من انتشال شاب لبناني عقب 30 ساعة من الانفجار، بينما أكد ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي أن الشاب يدعى أمين الزاهد، وأنه لازال على قيد الحياة ولكن حالته خطرة.
الناشطون أشاروا إلى أن بعض المتواجدين قرب الموقع قذفهم الانفجار نحو البحر، إضافة إلى أولئك الذين كانوا في المراكب لحظة وقوع الانفجار، مما دفع العشرات من أقارب المفقودين إلى التجمع عند الطوق المحيط بميناء بيروت لمحاولة الحصول على معلومات عن ذويهم.
بعض النشطاء تساءلوا في تدويناتهم عن الذكريات الأليمة التي ستعلق بذاكرة الشاب الذي أطاح به الانفجار إلى البحر وتأثير ذلك عليه.. ليأتي الرد على تساؤلهم من خلال الياباني “ميتشيجي شيمانو” الذي يقول “ما يلبث جسدي أن يرتعد بمجرد التفكير في الأمر إلى الآن”.
يضيف شيمانو في شهادته على وقائع قنبلة هيروشيما ” “كنت لا أزال طالبًا في الصف الثانوي آنذاك، أعمل في مصنع للمطاط يعمل به كثير من الطلاب. كان ذلك في الثامنة صباحًا عندما انتهينا من طابور العمل الصباحي حيث وقع انفجار ناري مصاحبًا له وميض متوهج تنعدم الرؤية بسببه، بعدها وجدت نفسي ملقى في الطابق السفلي للمصنع.. وبعدما استعدت وعيي، شعرت بألم شديد حيث وجدت رأسي داميًا ومصابًا مسافة 4 سم تقريبًا”.
لا شك أن تأثير تفجير هيروشيما مازال يؤذي الذاكرة الإنسانية، لكنه وفي ذكراه الخامسة والسبعين ضم إلى جانبه -وربما في التوقيت ذاته- انفجارًا آخر يعمق جراح البشرية لكنه قادم هذه المرة من بيروت.