عام العدوان المفتوح: إسرائيل تحصي غاراتها خلال 2025 وتوسّع استيطانها وتُغرق فلسطين والمنطقة بالدمار

وكالات

في مشهد يجمع بين التفاخر العسكري والتكريس السياسي للاحتلال، كشفت إسرائيل مع نهاية عام 2025 عن حصيلة غير مسبوقة من عملياتها العسكرية في فلسطين ودول المنطقة، بالتوازي مع تسجيل أرقام قياسية في التوسع الاستيطاني بالضفة الغربية المحتلة، في مسار يعكس بوضوح أن الحرب لم تكن حدثا طارئا، بل أداة مركزية لإعادة رسم الوقائع بالقوة على الأرض.

الجيش الإسرائيلي أعلن في تقريره السنوي أنه نفذ خلال عام 2025 نحو 20 ألفا و900 غارة جوية و430 عملية عسكرية، استهدفت قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا وإيران واليمن، في ما وصفه مراقبون بأنه تصعيد غير مسبوق في تاريخ الصراع، ليس فقط من حيث الحجم، بل من حيث الجغرافيا واتساع دائرة النار. هذه الأرقام، التي قدّمها الجيش بلغة إحصائية باردة، تخفي وراءها مئات القتلى وآلاف الجرحى ودمارا واسعا طال مدنا ومناطق سكنية وبنى تحتية مدنية، في تجاهل شبه كامل للقانون الدولي ولحياة المدنيين.

في قطاع غزة، الذي يتعرض لحرب إبادة منذ 8 أكتوبر 2023 واستمرت عامين متواصلين، قال الجيش إنه استهدف أكثر من 19 ألفا و500 هدف ودمر قرابة 14 ألف بنية تحتية، في إطار عدوان شمل أحياء سكنية مكتظة ومستشفيات ومدارس ومرافق حيوية. 

وبينما حاول الجيش تبرير هذه العمليات، تؤكد المعطيات الفلسطينية أن غزة تعرضت لقصف منهجي خلّف أكثر من 71 ألف شهيد و171 ألف جريح، إضافة إلى نزوح جماعي واسع، في واحدة من أكثر الحروب دموية في القرن الحالي. 

المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أشار إلى أن إسرائيل أسقطت خلال عامي الإبادة أكثر من 200 ألف طن من المتفجرات، بينها ذخائر محرمة دوليا، ما يعكس طبيعة الحرب القائمة على التدمير الشامل لا على “الاستهداف الدقيق” كما تزعم تل أبيب.

وفي الضفة الغربية، لم تكن الأمور أقل دموية، إذ أعلن الجيش قتله 230 فلسطينيا واعتقال 7400 آخرين خلال عام واحد، في حين تفيد تقارير فلسطينية رسمية بأن عدد القتلى، بفعل عمليات الجيش واعتداءات المستوطنين، تجاوز 1100 شهيد، مع إصابة نحو 11 ألفا واعتقال أكثر من 21 ألف فلسطيني وتهجير عشرات الآلاف. 

هذه الأرقام تأتي في سياق اقتحامات يومية للمدن والقرى، وهدم منازل وممتلكات بذريعة “العقاب”، ما يحوّل الضفة إلى ساحة مفتوحة للعنف المنظم.

وبالتوازي مع ذلك، لم تكتفِ إسرائيل بإدارة حرب ميدانية، بل سرعت مشروعها الاستيطاني، إذ أفادت حركة “السلام الآن” الإسرائيلية بأن السلطات صادقت خلال عام 2025 على بناء 28 ألفا و163 وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية، وهو رقم قياسي غير مسبوق، فيما تناقش خططا إضافية لبناء أكثر من ألف وحدة أخرى. 

اللافت أن من بين هذه الخطط إعادة تأسيس مستوطنة “صانور” التي أُخليت عام 2005 ضمن خطة فك الارتباط، بعد أن عدّلت الحكومة الحالية القوانين لرفع الحظر عن الوجود الاستيطاني في شمال الضفة، في خطوة تمثل عودة مباشرة للاستيطان إلى مناطق ذات كثافة سكانية فلسطينية عالية، حيث لم يكن هناك وجود استيطاني سابق.

هذا التوسع، الذي يشمل أيضا مئات الوحدات في مستوطنات معروفة بتطرفها مثل “يتسهار”، يجري في ظل وجود نحو 750 ألف مستوطن في الضفة، بينهم ربع مليون في القدس الشرقية، ويرافقه تصاعد اعتداءات المستوطنين اليومية بحق الفلسطينيين، في مسعى واضح لفرض تهجير قسري وتغيير ديمغرافي دائم.. وبذلك، تتحول الحرب العسكرية إلى غطاء سياسي وأمني لضم الضفة الغربية فعليا، حتى قبل أي إعلان رسمي.

وعلى الجبهات الإقليمية، أعلن الجيش الإسرائيلي مسؤوليته عن قتل مئات الأشخاص في لبنان، وضرب مئات المواقع، في عدوان تقول بيروت إنه أودى بحياة أكثر من 4 آلاف شخص منذ 2023، ولا يزال مستمرا عبر خروقات يومية لاتفاق وقف إطلاق النار واحتلال تلال ومناطق لبنانية. كما تباهى الجيش بضرب 1500 هدف في إيران خلال حرب استمرت 12 يوما بدعم أمريكي، وبشن عشرات الغارات على اليمن، بذريعة الرد على هجمات الحوثيين المرتبطة بالحرب على غزة، ما أدى إلى دمار واسع في صنعاء ومناطق أخرى.

مجمل هذه الوقائع يرسم صورة لعام لم يكن فيه السلاح مجرد وسيلة “دفاع”، بل أداة مركزية لفرض مشروع سياسي قائم على الإبادة في غزة، والقمع في الضفة، والتوسع الاستيطاني، وتوسيع دائرة الصراع إقليميا. 

وبينما تواصل إسرائيل عرض أرقامها العسكرية بوصفها “إنجازا”، يبقى السؤال الأخلاقي والقانوني معلقا: إلى متى سيظل هذا العدوان، بكل أبعاده العسكرية والاستيطانية، يُقابل بالصمت الدولي، فيما تُقوّض بشكل ممنهج أي إمكانية لسلام عادل أو قيام دولة فلسطينية؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *