انتخابات 2025: الغضب الشعبي يفضح الفساد ويهدد شرعية البرلمان.. إدارة سياسية أم إرادة شعبية

كتب – أحمد سلامة

تشهد الساحة السياسية المصرية واحدة من أكثر اللحظات حساسية منذ سنوات، بعد أن أثارت المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب 2025 موجة واسعة من الجدل والانتقادات والاتهامات بالتزوير، إلى جانب تدخلات رئاسية مباشرة وبيانات حزبية حادة، ما وضع العملية الانتخابية برمتها تحت مجهر الرأي العام المحلي والدولي. جاءت هذه التطورات في سياق توتر سياسي واجتماعي أعمق، يتقاطع مع ضغوط اقتصادية خانقة واحتقان شعبي متزايد، الأمر الذي جعل من الانتخابات الحالية نقطة اختبار حقيقية لمدى التزام الدولة بمبدأ صون الإرادة الشعبية.

في مواجهة هذا الجدل، خرج المستشار حازم بدوي، رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات، بتصريحات اعتُبرت الأكثر صراحة منذ تأسيس الهيئة. شدّد بدوي على أن الهيئة “لن تتردد في اتخاذ القرار الصحيح”، مضيفًا: “لو وصل الأمر إلى إلغاء الانتخابات بأكملها أو في بعض الدوائر… لن يأتي نائب تحت قبة البرلمان إلا بإرادة الناخبين”.

وأوضح بدوي أن الهيئة ليست بعيدة عمّا دار من تجاوزات، بل إنها تعمل على مراجعة كل ما ورد من شكاوى وتظلمات، مؤكداً أن “مجلس إدارتها قضاة لا يبتغون إلا مرضاة الله”. ولفت إلى أن الفحص قد يصل بالفعل إلى “إلغاء بعض الدوائر” إذا ثبت وجود مخالفات مؤثرة.

وأشار بدوي إلى واقعة الإسكندرية، التي أثارت ضجة واسعة، حيث قام أحد رؤساء اللجان الفرعية بفتح الصندوق وبدء الفرز قبل الموعد القانوني، ما دفع اللجنة العامة إلى إبطال أصوات اللجنة بالكامل. وقال بصراحة: “الهيئة ليست بمنأى عن التفاعلات التي صاحبت انتخابات مجلس النواب… ولا يمكن أن تتستر على مخالفة”.

أما المدير التنفيذي للهيئة، المستشار أحمد بنداري، فأعلن تلقّي الهيئة 88 تظلماً، وأكد أنه سيتم الإعلان عن نتائج فحصها بالتزامن مع إعلان النتيجة الرسمية، مضيفًا أن “بطلان الانتخابات في دائرة أو أكثر وارد، وسيتم تحديد موعد لاحق لإعادتها”.

وما زاد من حدة الجدل هو التدخل الرئاسي المباشر..  ففي بيان رسمي نشره الرئيس عبد الفتاح السيسي، قال: “وصلتني الأحداث التي وقعت في بعض الدوائر… وأطلب من الهيئة الموقرة التدقيق التام عند فحص هذه الأحداث… وأن تكشف بكل أمانة عن إرادة الناخبين الحقيقية، وألا تتردد في اتخاذ القرار الصحيح، سواء بالإلغاء الكامل لهذه المرحلة أو إلغائها جزئيًا”.

دعوة الرئيس لتمكين مندوب كل مرشح من الحصول على صور كشوف الفرز أكسبت البيان ثقلاً سياسيًا، ورسالة مفادها أن الدولة تراقب بقلق ما يجري.

وقد لاقى البيان ردود فعل واسعة. النائب فريدي البياضي وصفه بأنه “رسالة سياسية مهمة”، وأضاف: “البيان يضع الجميع أمام مسؤولية وطنية مباشرة لترجمة التوجيهات إلى خطوات عملية تعيد الطمأنينة للناس”.

أما محمد أنور السادات، رئيس حزب الإصلاح والتنمية، فاعتبره “قرارًا صائبًا” يعبر عن “متابعة دقيقة لما ورد من شكاوى واستغاثات”.

في المقابل، صدرت مواقف أكثر حدة من قوى المعارضة.. رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، مدحت الزاهد، قال إن الحزب يدرس المطالبة بـ“إعادة النظر في العملية الانتخابية برمتها”، معتبرًا أن الفساد لا يقتصر على الفرز فقط، بل يمتد إلى القانون الانتخابي وتقسيم الدوائر، بالإضافة إلى “تدخلات الأجهزة الأمنية واستهداف المعارضين”.

وصرّح الزاهد بأن “القانون الحالي يقوم على القوائم المطلقة، وهو نظام مُشين”، مؤكدًا أن ما يجري يمثل “صورة من صور التزييف والتزوير”، وأن استبعاد مرشحين مثل هيثم الحريري ومحمد عبد الحليم عبر قواعد مستحدثة “يفتح باب العزل السياسي”.

كما اعتبر تدخل الرئيس في توجيه الهيئة مؤشرًا على “وضع سياسي بالغ الصعوبة”، قائلاً: “اضطرت السلطة التنفيذية لتنبيه جهة تابعة للقضاء… وهو أحد مظاهر الوضع المرعب”.

في غضون ذلك، تباينت ردود الأفعال بين الأحزاب.. حزب العدل قال إن بيان الرئيس يؤكد أن “السلطة التنفيذية تقف على مسافة واحدة من الجميع”.. بينما رأى حزب العيش والحرية، على لسان مرشحه كرم عبد الحليم، أن “الأزمة الأساسية هي عدم التزام أحزاب الموالاة بقواعد العمل الانتخابي… هناك رشاوى مقنّعة وحشد ممنهج”.. أما حسام الدين علي من حزب الوعي فاعتبر البيان “تاريخيًا وغير مسبوق”.

في السياق، كشفت تقارير عن بُعد آخر للأزمة، إذ أصدرت الهيئة الوطنية تعليمات تمنع تسليم محاضر فرز مختومة للمرشحين، والاكتفاء بإبلاغهم شفهيًا بالحصر العددي، وهو ما أثار موجة تشكيك واسعة.

أحد التقارير ذكر مناطق ظهر فيها “تضخم مفاجئ” في أعداد الأصوات، مثل دائرة أبو حمص بالبحيرة، حيث قفز عدد الحضور من 87 ألفًا في محاضر اللجان الفرعية إلى 212 ألفًا في النتيجة النهائية. كما أشار التقرير إلى “إضافة أصوات وهمية” في دوائر أخرى، وإلى هندسة مسبقة للنتائج عبر تدخلات الأجهزة الأمنية.

وفي قنا، اتهم نواب اللجنة العامة بإضافة 50 ألف صوت لمرشح الجبهة الوطنية لتأكيد فوزه من الجولة الأولى، رغم عدم إدراجه ضمن المرشحين الأربعة الأوائل في النتائج الحقيقية للجان الفرعية.

الجدل الدائر لا يُعد حدثًا عابرًا، بل يحمل انعكاسات بعيدة المدى على المشهد السياسي.. فوفقًا لتحليلات سياسية، فإن انتخابات 2025 قد تكون نقطة تحول خطيرة يخشى معها من فقدان الشرعية الديمقراطية إذ أن هناك مخاوف من أن يكون البرلمان المقبل انعكاسًا لهيمنة أحزاب الموالاة، مما يحوله إلى “مطبعة تشريعات”، ويؤدي لانخفاض الإقبال في الانتخابات المقبلة.

كما يتخوف البعض من أن يكون البرلمان مساهما رئيسيا في تمرير تعديلات تمدد بقاء الرئيس لفترات أطول، وهو سيناريو حذر منه مراقبون.. أما عن الاحتجاجات المتفرقة في الفيوم والبحيرة، واعتقال مرشحين، فكلها مؤشرات على أزمة أعمق.

وما بين تدخل رئاسي غير مسبوق، وهيئة انتخابات تواجه اتهامات واسعة، وأحزاب معارضة تتحدث عن “تزوير ممنهج”، ومرشحين يعرضون أدلة على تلاعب بالأصوات—تبدو مصر أمام لحظة سياسية فارقة.

قد يجري إلغاء بعض الدوائر أو إعادة المرحلة الأولى، وهو ما قد يمتص جزءًا من الغضب.. لكن إذا ظلت الشكاوى بلا معالجة حقيقية، فإن انتخابات 2025 قد تترك أثرًا عميقًا على ثقة المواطنين في العملية السياسية لعقود قادمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *