استبعاد الحريري وعبد الحليم.. معركة التحالف الشعبي ضد الإقصاء الانتخابي: “الأصوات الحقيقية تخيف السلطة”

كتب – أحمد سلامة

جاء قرار استبعاد هيثم الحريري ومحمد عبد الحليم من كشوف المرشحين لانتخابات مجلس النواب 2025، ليثير حالة من الاستياء داخل أروقة السياسة.


فالقرار الذي بدا في ظاهره إداريًا، كان في جوهره، كما وصفه قياديون في الحزب، “سياسي بامتياز”، يعيد إلى الواجهة سؤالًا قديمًا لم يُجب عليه أحد بعد: هل في مصر انتخابات فعلًا، أم مجرد عملية انتقائية تُقصي كل صوت يختلف أو يعارض؟


منذ اللحظة الأولى، لم يتعامل حزب التحالف الشعبي مع الواقعة باعتبارها خطأً عارضًا، بل بوصفها “جزءًا من سياق عام لإغلاق المجال السياسي”، وإعادة إنتاج برلمان يخلو من الأصوات المستقلة والمعارضة.


في بيانات وتصريحات متتالية، خرجت قيادات الحزب لتعلن أن ما جرى “ليس مجرد استبعاد لأشخاص، بل رسالة إلى كل من يفكر في أن يقول لا”.


ولم يكن استبعاد مرشحي التحالف الشعبي الاشتراكي هو الحادث الوحيد الذي أثار الجدل في الأيام الأخيرة، فالقائمة المبدئية للمرشحين شهدت أيضًا استبعاد محمد أبو الديار، المدير السابق لحملة المرشح الرئاسي أحمد طنطاوي، من كشوف المرشحين بدائرته.


القرار جاء –كما في حالات التحالف الشعبي– دون إبداء أسباب واضحة أو مبررات قانونية معلنة، ما اعتبره مراقبون استمرارًا في نهج إقصاء الأصوات المحسوبة على التيار الديمقراطي المعارض، خصوصًا تلك التي كان لها مواقف مناوئة لقرارات السلطة أو التي ارتبطت بتجربة طنطاوي الرئاسية، التي واجهت بدورها تضييقًا واسعًا في مراحلها المختلفة.


ويرى متابعون أن تكرار هذه الحالات في أكثر من محافظة يشير إلى اتجاه ممنهج لتجفيف المجال العام وإقصاء كل ما هو خارج الاصطفاف الرسمي، تمهيدًا لتشكيل برلمان بلا معارضة حقيقية، على غرار برلمانات الصوت الواحد التي عرفتها مصر في مراحل سابقة.

في تصريحات لـ “درب”، قال مدحت الزاهد، رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، إن استبعاد مرشحي الحزب في الإسكندرية والمنصورة يشي بأجندة واضحة للبرلمان القادم، هدفها تهيئة الأجواء لتعديلات دستورية جديدة تمدد فترة الرئاسة وتقلص وجود المعارضين.
وأضاف الزاهد أن الحزب يدفع ثمن مواقفه منذ حملة الانتخابات الرئاسية السابقة حين رفع شعار “مدتين كفاية”، ورفضه علنًا التعديلات الدستورية التي مددت دورة ومدة الرئاسة.
وأوضح أن النائب السابق هيثم الحريري كان من الأصوات القليلة داخل البرلمان التي صوتت ضد تلك التعديلات، ضمن كتلة “25-30”، التي – بحسب وصفه – “جرى تطهير البرلمان منها تباعًا ترسيخًا للاستبداد”.
وأكد رئيس الحزب أن هذه الاستبعادات “ليست إلا امتدادًا لنهج ممنهج لإقصاء القوى الديمقراطية” من أي تمثيل داخل المؤسسات التشريعية، مضيفًا: “نحن أمام برلمان يُصنع بالتعيين، لا بالاختيار الشعبي، وتُدار عملياته الانتخابية بإرادة أمنية، لا بإرادة سياسية”.
وتابع الزاهد أن الحزب بصدد “عقد اجتماع طارئ للمكتب السياسي واللجنة المركزية” لبحث الموقف واتخاذ الإجراءات القانونية والسياسية اللازمة، مشيرًا إلى أن “المرشحين بدآ بالفعل في إجراءات الطعن أمام مجلس الدولة”، وأن الحزب “لن يقف مكتوف الأيدي أمام هذا الإقصاء”.
ومن الأسكندرية، لم يتأخر رد الحزب هناك.. ففي بيان حمل نبرة غضب واضحة، أعرب حزب التحالف الشعبي الاشتراكي بالإسكندرية عن “دهشته واستيائه الشديد” من استبعاد اسم هيثم الحريري من الكشوف الأولية لمرشحي دائرة محرم بك وكرموز ومينا البصل واللبان، دون إبداء أي أسباب قانونية.
وأكد البيان أن القرار يمثل “مساسًا بمبدأ تكافؤ الفرص وبالحق الدستوري في الترشح”، ويثير “تساؤلات مشروعة حول معايير النزاهة والشفافية في العملية الانتخابية”.
وأعلن الحزب دعمه الكامل للحريري في كل الخطوات القانونية التي سيتخذها، بدءًا من تقديم الطعن أمام مجلس الدولة صباح السبت 18 أكتوبر، دفاعًا عن حقه وحق جماهير دائرته “في اختيار ممثلهم الحقيقي والمعبر عنهم”.
وختم البيان بالتأكيد على أن “محاولات إقصاء الأصوات المعارضة والمستقلة لن تثنينا عن مواصلة النضال الديمقراطي السلمي من أجل العدالة والحرية والكرامة لكل المصريين. عاش نضال الشعب المصري”.

من جانبه، قال هيثم الحريري، النائب السابق وعضو المكتب السياسي للحزب، إن قرار استبعاده من كشوف المرشحين جاء “دون أي أسباب معلنة”، وإنه فوجئ بالقرار أثناء مراجعة الكشوف الأولية في دائرته.
وأوضح أنه سيتقدم بطعن رسمي أمام مجلس الدولة في التاسعة صباح السبت، بصحبة عدد من المحامين والحقوقيين، من بينهم خالد علي، ومالك عدلي، ووليد موسى، ومحمد حسن.
وقال الحريري: “القرار بلا سند من القانون، ومفيش حاجة ناقصة من أوراق الترشح، فالموقف غامض وغير مبرر”.. مؤكدًا أن الحملة الانتخابية مستمرة رغم الاستبعاد، موضحًا أن الفريق الميداني ينفذ جولات يومية في مختلف مناطق الدائرة، وأن المعركة مستمرة حتى اللحظة الأخيرة.
وأضاف الحريري أن الموقف “زاده شعبية وتأثيرًا”، مشيرًا إلى أن تفاعل المواطنين ودعمهم خلال الأيام الأخيرة “أثبت أن الناس تعرف من يقف إلى جوارهم ويدافع عنهم”، مؤكدًا ثقته في أن الطعن سيعيده إلى السباق الانتخابي.
وختم حديثه قائلاً: “بدأنا حملتنا من شهرين ولم نواجه أي معوقات حتى الأمس، ونتمنى أن يكون ما حدث خطأ إداريًّا يمكن تداركه، لا إقصاءً متعمدًا. المنافسة الحقيقية هي ما يمنح الشرعية للعملية السياسية، أما الإقصاء فلا يصنع إلا اليأس”.
أما محمد عبد الحليم، مرشح حزب التحالف الشعبي الاشتراكي عن دائرة المنصورة في انتخابات مجلس النواب، فقد قال إنه فوجئ بقرار استبعاده من كشوف المرشحين، مشيرًا إلى أنه عرف بالأمر عن طريق الصدفة، دون أن يتلقى أي إخطار رسمي من الجهات المختصة.
وأوضح عبد الحليم، في تصريحات خاصة لموقع درب، أن المستشار القانوني للحملة سيتقدم غدًا السبت بطعن أمام مجلس الدولة، وذلك أولًا لمعرفة أسباب استبعاده، وثانيًا من أجل العودة إلى السباق الانتخابي، مؤكدًا أن ما حدث معه يثير الدهشة والريبة حول معايير الشفافية والعدالة في العملية الانتخابية.
وأضاف مرشح حزب التحالف أن الاستبعاد يبدو وكأنه نوع من الترصد، ليس له شخصيًا فقط، بل ترصد بالأصوات المعارضة والمستقلة ككل، التي تسعى إلى تقديم بدائل وسياسات مختلفة عن النهج الرسمي.
وأكد عبد الحليم أن مشاركته في الانتخابات كانت في إطار موقف الحزب الداعي إلى المنافسة الديمقراطية السلمية، مشددًا على أن إقصاء المرشحين المعارضين لا يخدم الوطن ولا الحياة السياسية، بل يضعف ثقة المواطنين في جدوى العملية الانتخابية نفسها.
وختم عبد الحليم تصريحاته بالتأكيد على أنه سيواصل كل الإجراءات القانونية لاستعادة حقه في الترشح، مضيفًا أن الأمل ما زال قائمًا في أن تنتصر العدالة وتُحترم إرادة الناخبين.

أما الدكتور زهدي الشامي، رئيس مجلس أمناء الحزب ومرشحه للانتخابات البرلمانية، فقد أكد في تصريحاته لـ “درب” أن الحزب “لن يتراجع عن معركته الديمقراطية”، مشيرًا إلى أن ما جرى “لن يوقف الحملة، بل سيدفعنا للعمل بقوة أكبر”.
وقال الشامي: “بدأت الحملة الانتخابية فعليًا، وأنا حاليًا في الجزء الريفي من الدائرة ألتقي المواطنين، ولدينا ندوة موسعة قريبًا يشرف عليها علاء الخيام، رئيس حزب الدستور الأسبق. سنواصل المعركة بالتأكيد، وهيثم ومحمد مستمرون في تقديم الطعون، وسنرى هل هناك أسباب حقيقية أم لا”.
وأضاف الشامي أن “الاستبعادات ليست جديدة”، مستشهدًا بتجربة النائب ضياء الدين داوود الذي استُبعد في الانتخابات الماضية ثم عاد أقوى وفاز بالمقعد، مؤكدًا أن الحزب سيتصدى قانونيًا وسياسيًا لكل محاولات الإقصاء.
واستكمل الشامي: “من المبكر أن نصدر أحكامًا نهائية، لكننا سنتصدى لهذه الاستبعادات بكل قوة.. ما يحدث الآن دافع لنا للعمل أكثر، لأن من الواضح أن الأصوات الحقيقية تخيف السلطة”.
وإذا كان الشامي قد أكد أن ما حدث هو دافع أكبر للعمل له ولحملته ولحزبه، فهذا تمامًا هو ما ذهبت إليه حملة المرشح محمد عبدالحليم في المنصورة التي أكدت أن صوت الناس هو الرهان الحقيقي وأنها ستواصل الطريق.
فقد أصدرت حملة المرشح البرلماني محمد عبد الحليم، مرشح التحالف الشعبي بدائرة بندر المنصورة، بيانًا عبّرت فيه عن “الدهشة من قرار الاستبعاد من القوائم المبدئية دون أسباب واضحة”، مؤكدة تمسكها بالمسار القانوني والطعن أمام المحكمة المختصة.
وقالت الحملة إن قرار الاستبعاد “يثير الجدل ويطرح علامات استفهام حول معايير الشفافية”، لكنها شددت على أن الإيمان بقيم الديمقراطية والتغيير السلمي هو الدافع للاستمرار في المعركة.
وجاء في البيان: “لقد خضنا هذه التجربة سعيًا للتعبير عن آمال الناس في حياة كريمة وعدالة اجتماعية، وهي قيم لم ولن نتخلى عنها مهما كانت التحديات. نعتذر لأهالينا عن تأجيل اللقاءات الجماهيرية لحين انتهاء الإجراءات القانونية، ونؤكد أننا باقون على العهد”.
وأضافت الحملة: “صوت الناس وإرادتهم هما الرهان الحقيقي، وقضيتنا ستظل دائمًا الدفاع عن حق المصريين في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية”.
وفي تعليق اعتُبر من أبرز المواقف التضامنية، كتب الدكتور أحمد السيد النجار، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام الأسبق، تدوينة قال فيها إن استبعاد مرشحي المعارضة يعيد إلى الأذهان ممارسات الأنظمة السابقة.
وقال النجار إن السادات حين واجه معارضة في البرلمان لمعاهدة التسوية مع الكيان الصهيوني *حلّ البرلمان وأجرى انتخابات جديدة استبعد فيها المعارضين، كما فعل نظام مبارك عام 2010 عندما حاول “تأميم البرلمان وقتل السياسة”، وكانت النتيجة انفجار يناير 2011.
وأضاف النجار: “لا تعيدوا إنتاج أفعال نظام مبارك من خلال استبعاد مرشحي المعارضة مثل النائب الرائع هيثم الحريري ومحمد عبد الحليم. مصر أكبر من ذلك وتستحق انتخابات حرة ونزيهة ومفتوحة لكل المعارضين السلميين”.
وختم بالقول: “آمل أن ينصف القضاء أصحاب الحق ويحمي الدولة من أفعال من يتملكهم هوس الاستحواذ”.

ويرى مراقبون أن قرارات استبعاد مرشحي التحالف الشعبي تأتي ضمن مناخ انتخابي مغلق ومحكوم أمنيًا أكثر مما هو سياسي، حيث تقلصت مساحات المنافسة الحقيقية، وغابت الضمانات الدستورية التي تكفل تكافؤ الفرص.
فمنذ انتخابات 2020، تتزايد مؤشرات التضييق على القوى المدنية والديمقراطية، سواء عبر حرمانها من الترخيص، أو بالتضييق على مرشحيها، أو باستبعادهم إداريًا بذريعة “نقص الأوراق” أو “عدم استيفاء الشروط”، دون شفافية أو تبرير.
ويرى آخرون أن استبعاد أصوات مثل هيثم الحريري ومحمد عبد الحليم وأبو الديار لا يرتبط فقط بالمنافسة على المقاعد، بل بوجود تيار ديمقراطي صغير لكنه “مستقل وصعب الاحتواء”، وهو ما تعتبره السلطة خطرًا سياسيًا أكبر من المعارضة التقليدية.
ورغم الإقصاء، تؤكد كل تصريحات قيادات التحالف الشعبي أن الحزب “لن ينسحب من المعركة”.. فمدحت الزاهد يتحدث عن “دفاع قانوني وسياسي حتى النهاية”، وهيثم الحريري يواصل لقاءاته الجماهيرية في الإسكندرية رغم غياب اسمه عن الكشوف، ومحمد عبد الحليم يجهز طعنه في مجلس الدولة، بينما يجوب زهدي الشامي قري الدلتا لشرح موقف الحزب وأسباب معركته.
في بياناته وخطابه العام، لا يقدم الحزب نفسه كـ“ضحية”، بل كـ“صوت مستمر في وجه الإقصاء”، فشعاره في الحملة – “عيش، حرية، عدالة اجتماعية” – لم يتغير، رغم كل ما يواجهه من تضييق، كما لم يتخلّ عن رهانه على العمل السلمي والديمقراطي.
مهما تكن نتائج الطعون، تبدو معركة التحالف الشعبي وأصوات المعارضة الديمقراطية أبعد من مجرد سباق انتخابي.. فالقضية، كما يقول أعضاؤه، هي الدفاع عن الحق في الترشح، والحق في الاختيار، والحق في السياسة ذاتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *