من بدر إلى أشرف.. ثماني سنوات من الصحافة العالقة خلف القضبان: الحرية للصحفيين

يقبع 22 صحفيا خلف القضبان غالبيتهم رهن الحبس الاحتياطي، بسبب عملهم الصحفي وآرائهم وسط مطالبات لا تتوقف بالإفراج عنهم وإصدار قانون لمنع العقوبات السالبة للحرية في قضايا النشر.

ويعد الصحفي بدر محمد بدر، أقدم السجناء من الصحفيين، حيث يقبع خلف القضبان منذ مارس من العام 2017. 

ولم يبدأ حبس الصحفيين في مصر مع حبس بدر، لكنه علامة فارقة في المشهد بقضائه نحو ثمانية سنوات ونصف السنة خلف القضبان دون محاكمة. ولم تتوقف بعده الأسماء عن التتابع، عامًا بعد عام، حتى وصلنا في يوليو 2024 إلى رسام الكاريكاتير أشرف عمر، أحدث الداخلين إلى الزنازين. 

وبين بدر وأشرف يمتد خط زمني لسبع سنوات، يضم صحفيين من أجيال مختلفة واتجاهات متباينة، من الصحافة الورقية التقليدية إلى المنصات الرقمية والسوشيال ميديا. ورغم هذا التنوع، ظل القاسم المشترك بينهم هو القيود، والتهم المتشابهة، والحبس الاحتياطي الذي لا ينتهي.

في هذا التقرير لا نقدم توثيقا لعدد الصحفيين المحبوسين خلال السنوات الثمان الماضية، ولكن نحاول رصد معاناة الصحفيين مع الحبس، والسنوات الضائعة خلف القضبان، ورسم صورة للحاضر.

الشاهد الأقدم!

في 30 مارس 2017 جرى توقيف الصحفي بدر محمد بدر، الذي يعد الآن أقدم صحفي في السجن من بين 22 صحفيا خلف القضبان. وجوده المستمر خلف القضبان طوال هذه السنوات جعله شاهدا حيا على دخول أجيال متتالية من الصحفيين إلى السجون، دون أن يُكتب له الخروج.

وهنا يجب الإشارة مجددا إلى أن بدر، البالغ من العمر 67 عاما، وإذ يمثل بداية حكاية الصحفيين المحبوسين حاليا، فإنه ليس بداية مسار استهداف الصحافة في مصر. ففي العام نفسه الذي جرى فيه توقيفه، كانت البلاد تُصنَّف بالفعل كـ”واحدة من أكبر سجون العالم للصحفيين”، وفق لجنة حماية الصحفيين (CPJ)، حيث وثّقت وجود ما لا يقل عن 20 صحفيًا خلف القضبان بسبب عملهم، لتحتل مصر آنذاك موقعا بين أكبر ثلاث دول في العالم من حيث عدد الصحفيين المحبوسين.

وكانت منظمة “مراسلون بلا حدود” تضع مصر في العام 2018 في المرتبة 161 من بين 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة.

الجيل الجديد!

وبعد 14 شهرا من القبض على بدر، وبالتحديد في 31 مايو من العام 2018، جرى توقيف الصحفي محمد سعيد فهمي، 40 عاما، وهو من جيل يميل إلى العمل في المواقع الإلكترونية وليس الصحف الورقية كما هو الحال بالنسبة لجيل بدر الذي نشأ وتربى على الصحافة المطبوعة.

وبالطبع خلال تلك الفترة ما بين القبض على بدر وفهمي شهدت القبض على العديد من الصحفيين حتى أن عدد السجناء من الصحفيين في العام 2018 وصل إلى 25 صحفيا، لكن جرى إطلاق سراحهم لاحقا؛ ليكون بذلك  فهمي هو ثاني أقدم الصحفيين المحبوسين في مصر.

وقد استمر استهداف الصحفيين والصحفيات على اختلاف أعمارهم وخلفياتهم، سواء كانوا يعملون في المؤسسات القومية أو المستقلة أو عبر منصاتهم الخاصة، بل وحتى طال الاستهداف عددا من الزملاء يكتبون آراءً شخصية عبر حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي.

المدونون أيضا!

في العام 2019، جرى القبض على المدون محمد إبراهيم، الشهير بـ”أكسجين” الذي كان يجمع مواد إعلامية ويعلق عليها عبر مدونته وقناته على يوتيوب “أكسجين مصر”، والتي كان شعارها “نحن نحمل الحقيقة إليك، ونسعى لإثبات الحقائق المجردة لأن هذا ما تقتضيه أمانة الكلمة”.

وفي اليوم التالي من القبض على أكسجين، جرى القبض –  في 22 سبتمبر 2019 – على صحفي شاب آخر هو الصحفي عبدالله سمير مبارك، 33 عاما، والذي كان يعمل معدا ومراسلا تلفزيونيا.

مراسل “أسوشيتد برس” أيضا

لاحقا، طال الاستهداف مراسل وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية، مصطفى الخطيب، الذي تم القبض عليه في 12 أكتوبر 2019، وظل مختفيا إلى أن ظهر بعد يومين أمام نيابة أمن الدولة التي حققت معه في القضية 488 لسنة 2019 حصر أمن دولة. ولا زال خلف القضبان رهن الحبس الاحتياطي.

وجاءت واقعة توقيف الخطيب على خلفية تقرير نشره في “أسوشيتد برس” عن مغادرة طلاب من جامعة إدنبره البريطانية، مصر، بعد إنهائهم فترة التبادل الجامعي الخاصة بهم مع الجامعة الأمريكية في القاهرة، في منتصف المدة، عقب تعرض طالبين للإيقاف من قبل أجهزة الأمن المصرية.

العاملون في الخارج

ولم يسلم الصحفيون العاملون في الخارج، العائدين لقضاء إجازاتهم في مصر من حملات الاستهداف، حيث جرى على سبيل المثال  لا الحصر في 8 نوفمبر 2019 القبض على المصور الصحفي مصطفى سعد أثناء عودته من الدوحة إلى مطار القاهرة، حيث يعمل “سينور كاميرا مان” في شبكة الجزيرة الإخبارية القطرية، إلى جانب أنه مصور للعديد من الأفلام التسجيلية والتي عرضت على قنوات مثل ناشيونال جيوغرافيك وعضو نقابة المهن السينمائية.

أسماء لم تخرج بعد

واستمرت عجلة القبض على الصحفيين في الدوران ولم ينجو منها إلى الآن كل من الزملاء أحمد سبيع، كريم إبراهيم، مدحت رمضان، حسين على أحمد، حمدي مختار، توفيق غانم، أحمد خالد الطوخي، أحمد أبو زيد الطنوبي، دنيا سمير، محمد أبو المعاطي، محمود سعد دياب، كريم الشاعر، ياسر أبو العلا، رمضان جويدة، خالد ممدوح محمد إبراهيم، وأخير رسام الكاريكاتير أشرف عمر. 

الأحدث خلف القضبان

ويعد رسام الكاريكاتير أشرف عمر، الذي جرى القبض عليه فجر يوم 22 يوليو 2024، أحدث الصحفيين المحبوسين حاليا. وقد تم توقيفه بعد نشره بعض الرسومات الساخرة في موقع المنصة حيث يعمل، منها ما تناول أزمة انقطاع الكهرباء وتشغيل المونوريل في ظل قلة الموارد.

أخيرا، يجب الإشارة إلى أن الأسماء التي وردت في هذا التقرير تعكس حصرا الصحفيين الذين جرى توقيفهم خلال السنوات الماضية وما زالوا خلف القضبان حتى الآن. وهناك آخرون تعرضوا للتوقيف ثم أُطلق سراحهم، لم نتطرق إليهم لأن الهدف هنا ليس التوثيق العددي، بل تقديم صورة عن الحاضر واستمرار الأزمة. 

وعلى امتداد هذه السنوات ظل عدد الصحفيين السجناء في مصر كافياً ليضعها باستمرار بين أكبر سجون العالم للصحفيين، بحسب المؤشرات الدولية. وبرغم اختلاف أعمار هؤلاء الصحفيين وخلفياتهم وانتماءاتهم، من الصحافة الورقية التقليدية إلى المنصات الرقمية ووسائل التواصل، بقي القاسم المشترك بينهم جميعاً هو الحرمان من الحرية بسبب الكلمة.

وتحتل مصر المركز 170 في تصنيف مؤشر حرية الصحافة لعام 2025، الذي تصدره منظمة “مراسلون بلا حدود” ويقيم حالة حرية الصحافة في 180 دولة ومنطقة سنوياً، وهو نفس ترتيب العام الماضي، لتستمر مصر بذلك في موقعها بين الدول “الأسوأ عالمياً” بسبب القمع والتضييق الحكومي على تغطية الأحداث والأزمات. وفي عام 2024، كان لدى مصر سادس أكبر عدد من الصحفيين السجناء على مستوى العالم، بحسب لجنة حماية الصحفيين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *