“أزمة السويداء تفجّر المشهد السوري”: إعدامات ميدانية ونزوح جماعي وغارات إسرائيلية” 

تشهد محافظة السويداء جنوب سوريا تطورات ميدانية متسارعة وغير مسبوقة، إثر اقتحام واسع النطاق نفذته قوات الأمن والجيش السوري للمدينة، رافقته اتهامات بارتكاب انتهاكات جسيمة بحق المدنيين، من بينها إعدامات ميدانية وتخريب ونهب واسع للممتلكات، في وقتٍ تزامنت فيه العملية مع غارات جوية إسرائيلية عنيفة استهدفت مواقع سورية في المنطقة. 

وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بمقتل ما لا يقل عن 19 مدنياً من أبناء الطائفة الدرزية، قال إنهم أعدموا ميدانياً على يد عناصر من وزارتي الدفاع والداخلية السورية، بينهم 12 شخصاً داخل مضافة آل رضوان في مدينة السويداء، وأربعة آخرون، بينهم امرأة، في مضافة آل مظلومة في قرية الثعلة. ووثق المرصد أيضاً مقتل ثلاثة أشقاء برفقة والدتهم قرب دوار الباشا شمال المدينة، بإطلاق نار مباشر من دورية أمنية، على مرأى من والدتهم. 

وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مصوّرة صادمة تُظهر جثث مدنيين داخل منازل مدمّرة، وصور لمشايخ دروز ملقاة أرضاً، في مشهدٍ وصفته وكالة فرانس برس بأنه يحمل طابع “التنكيل”. 

تصعيد أمني وموجة نزوح جماعي 

أعلنت وزارة الدفاع السورية بدء دخول الجيش مدينة السويداء الثلاثاء، بالتزامن مع إعلان وقف لإطلاق النار بعد اتفاق مع وجهاء محليين، إلا أن الميدان شهد تصعيداً حاداً، وفرضت القوات حظراً للتجول في مختلف أحياء المدينة. 

وأفادت وكالة سانا الرسمية بأن الهدف من العملية هو “ضبط الأوضاع وحماية الأهالي”، مشددة على أن تجاوزات الأفراد ستُقابل بـ”إجراءات قانونية صارمة”. وأكدت الرئاسة السورية في بيان لها أن أي انتهاك من الجهات المدنية أو العسكرية مرفوض، معلنة تكليف الجهات المختصة بمحاسبة المسؤولين عن أي تجاوز. 

مع ذلك، نقلت منصة السويداء 24 عن مصادر محلية وقوع انتهاكات واسعة النطاق، شملت تخريباً لمنازل المدنيين وسرقة ممتلكاتهم، وإضرام النيران في عدد من المنازل والمتاجر، بينها متجر خمور، وسط اتهامات لعناصر الأمن بارتكاب هذه الأفعال، مدعومة بمقاطع مصوّرة بثها شهود عيان. 

تطورت الأحداث إلى نزوح جماعي واسع لسكان المدينة نحو القرى والمناطق الريفية المجاورة، في ظل انعدام الشعور بالأمان وانتشار القوات المسلحة في الشوارع، بحسب تقارير حقوقية وناشطين محليين. 

موقف درزي منقسم و”جيش التوحيد” يدخل المعادلة 

في تطور لافت، رحّب الشيخ الدرزي البارز حكمت الهجري بداية بدخول القوات الحكومية، قبل أن يعود ويصف ما يجري بـ”الحملة البربرية”، داعياً في بيان مصور إلى التصدي لها بكل الوسائل. من جانبه، أعلن السياسي الدرزي اللبناني وئام وهاب عن “انطلاق جيش التوحيد”، ودعا أبناء الطائفة الدرزية إلى تنظيم “مقاومة مستقلة”. 

عدوان إسرائيلي على الخط: غارات على مواقع سورية في السويداء 

بالتزامن مع هذه الأحداث، نفذ طيران العدوان الإسرائيلي سلسلة من الغارات الجوية على مواقع للقوات الحكومية السورية في محيط السويداء وريف درعا، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى بحسب المرصد السوري. 

 وقال المتحدث باسم جيش العدوان، أفيخاي أدرعي، إن القصف استهدف آليات عسكرية كانت تتحرك نحو السويداء، بينها دبابات وناقلات جند، مؤكداً أن العمليات جاءت بتوجيه سياسي مباشر “لمنع تهديدات ضد الدروز”. 

 من جهتها، أدانت دمشق الهجوم بشدة، واعتبرته “انتهاكاً سافراً للسيادة السورية وخروجاً على القانون الدولي”، مؤكدة في بيان لوزارة الخارجية على “حقها المشروع في الدفاع عن أرضها وشعبها”، ومشددة على التزامها بحماية جميع المواطنين “وفي مقدمتهم أبناء الطائفة الدرزية”. 

خلفية النزاع: تصاعد التوترات بين الدروز والبدو 

وكانت الاشتباكات قد اندلعت الأحد بين مسلحين دروز وآخرين من البدو، في نزاع أعاد إلى الواجهة الاحتقانات الطائفية والاجتماعية المزمنة في المحافظة، ما أدى إلى سقوط أكثر من 100 قتيل خلال أيام، حسبما أفادت مصادر محلية. 

ويأتي هذا التصعيد في لحظة سياسية حرجة، مع تسلم الرئيس الانتقالي أحمد الشرع السلطة بعد إطاحة بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول، في محاولة لإعادة هيكلة المشهد الأمني والسياسي في البلاد وسط اضطرابات متزايدة. 

وبحسب إحصائية للمرصد السوري، فإن العدوان الإسرائيلي استهدف الأراضي السورية 64 مرة منذ بداية العام الحالي، منها 55 غارة جوية و10 ضربات برية، ألحقت أضراراً جسيمة بمراكز عسكرية ومستودعات ذخيرة ومواقع عسكرية. 

وبين هذا وذاك، تقف السويداء اليوم على حافة انفجار أوسع، بين مطرقة الغارات الإسرائيلية وسندان العمليات الأمنية الداخلية، وسط انقسام داخلي درزي ومخاوف متزايدة من تفاقم الوضع الإنساني، في منطقة لطالما كانت تُعرف بهدوئها النسبي خلال سنوات الحرب السورية الطويلة. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *