جهل استعماري أم عنصرية مكشوفة؟ ترامب يستغرب فصاحة رئيس ليبيريا بالإنجليزية لغة بلاده الرسمية (فيديو) 

في مشهد لا يخلو من الاستعلاء العنصري والتنكر للإرث الاستعماري، أثار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب موجة استنكار واسعة بعدما وجّه سؤالًا فاضحًا لرئيس ليبيريا جوزيف بواكاي خلال اجتماع رسمي بالبيت الأبيض، قائلاً: “من أين تعلمت التحدث بالإنجليزية بهذه الفصاحة؟”، متجاهلًا أن اللغة الإنجليزية هي اللغة الرسمية في ليبيريا منذ نشأتها في القرن التاسع عشر. 

السؤال الذي قد يبدو ساذجًا أو “عفويًا” في ظاهره، لم يُقرأ إلا كحلقة جديدة من سلسلة الجهل الممنهج والتعامل التحقيري مع قادة دول الجنوب العالمي، وخاصة الأفارقة، الذين كثيرًا ما يُنظر إليهم في العقل الإمبريالي الأمريكي كقُصّر لغويًا وثقافيًا وحتى سياسيًا. 

ليبيريا: ذاكرة سوداء لتاريخ أبيض منسي 

لم يكن على ترامب أن يُجهد نفسه كثيرًا لفهم كيف يتحدث رئيس ليبيريا الإنجليزية بطلاقة، فليبيريا دولة وُلدت على يد الأمريكيين أنفسهم، حين أسسها “البيض الخيّرون” ومالكو العبيد سابقًا كمستوطنة للأمريكيين السود الأحرار في مطلع القرن التاسع عشر. صاغ الليبيريون الأوائل دستورهم على نسق الاستقلال الأمريكي، وكرسوا الإنجليزية كلغة رسمية، في محاولة لاستعادة ما سُلب منهم قسرًا عبر الأطلسي. 

لكن يبدو أن ترامب، الذي يُفترض أن يرأس دولة تدّعي الريادة في “القيم الجمهورية والديمقراطية”، لم يجد ما يعلق عليه بعد كلمة بواكاي سوى “إنجليزية ممتازة!”، وكأن الفصاحة منقبة غير مألوفة على لسان رئيس إفريقي. 

سقطة دبلوماسية “محرجة” 

ردود الفعل على “السقطة الدبلوماسية” لم تتأخر. فقد كتبت النائبة الديمقراطية ياسمين كروكيت: “سؤال رئيس ليبيريا عن مكان تعلمه الإنجليزية، بينما هي لغته الرسمية، يُظهر جهلًا فجًّا. من المؤكد أن الإهانة العلنية ليست الوسيلة المناسبة لممارسة الدبلوماسية”. أما ميشيل جافين، المستشارة السابقة لأوباما، فوصفت التصريحات بـ”المحرجة”، وأشارت إلى أن الحادثة تجسد غياب الحد الأدنى من التحضير والمعرفة بالعلاقات التاريخية مع القارة الإفريقية. 

لكن في مشهد لا يقل سخرية، خرج مسعد بولوس، صهر ترامب وممثل الخارجية الأمريكية لشؤون إفريقيا، مدافعًا بقوله: “الرئيس كان يُثني على مهارات بواكاي”. كما تبنّت المتحدثة باسم البيت الأبيض، آنا كيلي، لهجة أكثر هجومًا على الإعلام، زاعمة أن “فقط الأخبار الكاذبة يمكن أن تُفسد بهذه الطريقة المؤسفة مجاملة صادقة من الرئيس”. 

العار السياسي والذاكرة الاستعمارية 

لم ير محللون هذا الحادث ليس سوى صورة مكثفة لعنصرية ممنهجة تُمارسها القوى الإمبريالية ضد شعوب الجنوب، تحت ستار المجاملات الدبلوماسية أو عبارات “المدح”. فحين يتفاجأ رئيس أمريكا من فصاحة رئيس دولة إفريقية يتحدث بلغة بلاده الرسمية، فإن ما يُقال ليس مجرد تعليق عابر، بل مرآة لصورة استعمارية لم تتغير: الأبيض مندهش من أن “الآخر” يستطيع أن يتحدث أو يتفوق أو يُحسن الظهور. 

ليست هذه زلة لسان، بل منظور سلطة يرى الآخر دومًا في موقع التلميذ، التابع، المتأخر. وهي ليست سقطة في مجاملة، بل امتداد حقيقي لنظام عالمي يتعامل مع شعوب إفريقيا لا كشركاء، بل كموضوع للدهشة أو الشك أو الرعاية، فهل كانت “مجرد مجاملة”، أم تجسيد صريح لنظرة الهيمنة العرقية؟. 

من الواضح أن “فصاحة” بواكاي لم تكن هي المفاجأة الحقيقية، بل أن الاستعمار الثقافي ما يزال حيًّا يُمارس ببدلات رسمية وتصفيق دبلوماسي. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *