في عيدهم.. المركز المصري: أزمات الأجور والفصل التعسفي والتضخم أخطار تهدد الحياة الكريمة لعمال وعاملات مصر
وجه المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية التحية لعمال وعاملات مصر ونقابييها، تزامنا مع الاحتفال بعيدهم اليوم الأربعاء الأول من مايو 2024، تقديرا لنضالاتهم نحو نيل حقوقهم، في الوقت الذي ما يزالون يواجهون كثيرا من التحديات بشأن أوضاع العمل، في ظل ظروف اقتصادية غاية في الصعوبة، تعيق طريقهم نحو أجر عادل وحياة كريمة وشروط عمل منصفة.
وأكد المركز المصري، في بيان له، أنه بينما يخوضون عمال وعاملات مصر معركة بناء الوطن تروسا لعجلة إنتاجه، يجدون أنفسهم في معارك نقابية وقضائية للحصول على حقوقهم المشروعة ووقف الممارسات التعسفية ضدهم في مختلف مواقعهم.
ويأتي الاحتفال بعيد العمال في مصر هذا العام وسط تحديات كبيرة تخوضها الطبقة العاملة، في غمرة أزمة اقتصادية متصاعدة وانخفاضات متوالية في قيمة العملة المحلية، قادت إلى موجات تضخمية كارثية ضاعفت الأسعار وضربت القيمة الفعلية للأجور وقوتها الشرائية، وامتدت تأثيراتها إلى تهديد حياة الأسر ذات الدخل المنخفض، وبالتالي تهديد استقرار المجتمع بشكل عام.
وأوضح المركز في الوقت الذي ما يزال العاملون والعاملات يخوضون نضالات المطالبة بحقوقهم المشروعة في حد أدنى للأجور، كللت بقرار من وزارة العمل بشأن آليات تنفيذ قرار المجلس القومي للأجور الصادر بزيادة الحد الأدنى لأجور عمال القطاع الخاص إلى 6000 جنيه بدًلا من 3500 جنيه، أسوة بالقطاع الحكومي وقطاع الأعمال العام، ما يزال أصحاب الأعمال يواصلون التحايل على هذه القرارات بتقديم طلبات لاستثنائهم من تطبيقها، بدعاوى “تعرض منشآتهم لظروف اقتصادية يتعذر معها الوفاء بالتنفيذ.
وأكد أنه بالإضافة إلى أزمات الأجور، يواجه العاملون والعاملات من أصحاب المعاشات أزمات متماثلة مع عدم تناسب معاشاتهم مع الزيادات المتصاعدة في نسب التضخم، وتخلي الحكومة عن مسؤولياتها بشأن الدعم الاجتماعي، بنيما لا يجد العاملون في القطاع غير المنتظم – وهم الفئة الأكبر من قطاع العاملين في مصر – أنفسهم يحصلون على أي حقوق تذكر، في ظل عدم الاعتراف الرسمي بهم، بينما أزراقهم وأرزاق أسرهم، بل وحياتهم ذاته معرضة للخطر في أي لحظة.
وأشار البيان إلى أنه مع كل محاولة للعمال للمطالبة بحقوقهم المشروعة في تحسين أوضاعهم المهنية يأتي الرد بموجة تنكيل أكثر شدة وعنفا، ورسالة أكثر وضوحا وحدة من أصحاب الأعمال، فيكون أول الردود على مطالباتهم تهديدهم بالنقل والخصم من المرتبات وصولا إلى الفصل التعسفي، وهو ما حدث في كثير من المنشآت، منها على سبيل المثال لا الحصر، عمال “غزل المحلة”، و”يونيفرسال” وعاملات مصنع الحناوي للدخان، في الوقت الذي تتحايل إدارات هذه المنشآت لعدم تنفيذ أحكام قضائية بعودتهم إلى العمل.
ولفت المركز إلى أن الإحصائيات أشارت إلى تضاؤل حجم الاحتجاجات العمالية في 2023 عن الأعوام السابقة رغم تزايد مبررات اشتعالها، إلا أن اقتصاصها من سياقها قد يبدو مضللا بعض الشيء، خاصة مع التطرق للأسباب الحقيقية وراء هذا التراجع وعلى رأسها، تدهور الأوضاع الاقتصادية وتزايد أعباء الأسر بالإضافة إلى موجات التنكيل بالفصل والتسريح والتهديد بالحبس، بينما يعد الحصول على تصريح قانوني بتنظيم إضراب في مصر أشبه بمهمة مستحيلة، ولا يدفع في اتجاهه إلا الممثلون الحقيقيون للعمال في انتخابات تمثلهم.
وشدد المركز المصري على أن معركة الحد الأدنى للأجور التي ناضل من أجلها العمال على مدار سنوات أوقعت في طريقها كثيرا من ضحايا الدفاع عن حقوقهم المشروعة، وعلى رأسهم القيادات والناشطون النقابيون، الذين واجهوا ممارسات التنكيل والفصل التعسفي وغيرها، وصولا إلى الحبس، على غرار عاملي شركة غزل المحلة وائل محمد أبو زويد، ومحمد محمود طلبة، اللذين ما يزالان قيد الحبس الاحتياطي، على ذمة القضية 717 لسنة 2024، بتهمة “الانضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة”، على خلفية اشتراكهما في إضراب عن العمل في 22 فبراير الماضي، للمطالبة بتطبيق الحد الأدنى للأجور على شركات قطاع الأعمال العام، وهو القرار الذي صدرت توجيهات حكومية بتفعيله لاحقا، إلا أن العاملين ما يزالان في الحبس على أثر مطالبات تطبيقه.
ومع بدء تطبيق سياسة سعر الصرف المرن، تراجعت قيمة العملة الوطنية لتفقد حوالي 50% من قيمتها، وتشهد البلاد بالتوازي مع ذلك موجة من ارتفاع الأسعار، ما يقتضي وجود تدخلات تشريعية عدة – بالإضافة إلى إجراءات أخرى – لتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي لحماية الفئات الضعيفة، أو الفئات المعرضة للمصير ذاته، وعلى رأسها العمال المفصولون.
على أثر ذلك، أصدر المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ورقة سياسات تحت عنوان ” قضاء التعويض العمالي في ظل أزمة التضخم”، تتضمن حلولا تشريعية مقترحة لإشكاليات قضايا التعويضات العمالية، في ظل أزمة التضخم وهبوط سعر العملة المحلية.
وتابع أنه تحت تأثير تطبيق سياسة سعر الصرف المرن فإن العملة معرضة لفقد جزء أو أجزاء من قيمتها تؤثر على القوة الشرائية لهذا المبلغ وعلى قيمته الفعلية، فإذا كان التعويض المقضي به للعامل في ظل سعر صرف يساوي فيه الدولار 15 جنيها مصريا، فإن تنفيذ هذا الحكم بالمبلغ ذاته عقب انتهاء مراحل التقاضي وإتمام الإجراءات اللازمة لتنفيذ الحكم الآن يعني فقدان هذا المبلغ 50% من قيمته أو قوته الشرائية، وبالتالي فإن هذا الوضع يشكل انتقاصا من حقوق العامل في التعويض، وتحويل مسألة التعويض لمسألة شكلية، في ظل ضعف مبالغ التعويض بها في الغالب الأعم من القضايا العمالية الناتج عن تدني هياكل الأجور في قطاعات واسعة من القطاع الخاص.
الانتخابات النقابات العمالية الأخيرة لدورة “2022- 2024” أيضا كان لها دور واضح في تصفية حقوق العمال وكتم أصواتهم من المنبع، إذ تم حرمان عدد كبير من المرشحين في الانتخابات من حقهم في الترشح بالتهديد والترويع والاستبعاد، بحسب دار الخدمات النقابية والعمالية، ما ترك عموم عمال وعاملات مصر دون ممثلين وممثلات حقيقيين قادرين على التفاوض بأسمائهم.
على سبيل المثال، تتعرض نقابة العاملين بأندية هيئة قناة السويس للاستهداف المتكرر والتنكيل، حيث تجد نفسها مضطرة لمواجهة إيقاف نشاطها من وزارة العمل، ما يعرقل قدرتها على تنفيذ التزاماتها المالية تجاه أعضائها، ويتذرع مجلس إدارة النادي في قراره عدم إرسال الاشتراكات المستقطعة من الرواتب إلى النقابة، إلى زعم أنها غير ممثلة للعمال وأنها بلا مجلس إدارة منتخب، على الرغم من عقدها جمعية عمومية شرعية وتشكيل مجلس تسيير أعمال، وفقا للقانون.
ويرى المركز المصري أن القرار من شأنه أن ينطوي على تبعات خطيرة، حيث يهدف إلى تعطيل عمل النقابة بشكل ينتهك القانون والدستور، ويحرم أعضاءها من حقوقهم في المفاوضة الجماعية وتمثيلهم وجمع الاشتراكات وغيرها من الأدوار الأساسية، مؤكدا أن هذه الهجمات تعد انتهاكًا صارخًا لحقوق العمال ولتمثيلهم الشرعي من خلال نقاباتهم.