“العفو الدولية” تطالب “الجنائية الدولية” بالتحقيق في عمليات القتل الإسرائيلية بالضفة كـ”جرائم حرب”: قوة مميتة غير مشروعة
قالت منظمة العفو الدولية إنه مع تركيز أنظار العالم على غزة، أطلقت القوات الإسرائيلية على مدى الأشهر الأربعة الماضية موجة عاتية من العنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، ونفذت عمليات قتل غير مشروع، بما في ذلك من خلال استخدام القوة المميتة بدون ضرورة أو بشكل غير متناسب أثناء الاحتجاجات والمداهمات والاعتقالات، وحرمت الجرحى من الإسعاف الطبي، داعية المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في عمليات القتل والإصابات هذه باعتبارها جرائم حرب محتملة.
وحققت المنظمة في أربع حالات بارزة استخدمت فيها القوات الإسرائيلية القوة المميتة غير المشروعة، وقعت ثلاث منها في أكتوبر الأول وواحدة في نوفمبر ، وأسفرت عن مقتل 20 فلسطينيًا بصورة غير مشروعة، من بينهم سبعة أطفال. وأجرى باحثو المنظمة مقابلات عن بعد مع 12 شخصًا، 10 منهم شهود عيان، بمن فيهم مسعفون وسكان محليون. وتحقق مختبر أدلة الأزمات التابع للمنظمة من 19 مقطع فيديو وأربع صور أثناء فحص هذه الحوادث الأربع.
كما وجدت أبحاث منظمة العفو الدولية أن القوات الإسرائيلية عرقلت تقديم المساعدة الطبية للأشخاص الذين أُصيبوا بجروح هددت حياتهم، وهاجمت أولئك الذين حاولوا مساعدة الجرحى الفلسطينيين، بمن فيهم المسعفون.
وخلال الأشهر القليلة الماضية، صعَّدت إسرائيل مداهماتها المميتة في أنحاء الضفة الغربية وتصاعدت التوترات بشكل كبير. وفي إحدى الحوادث التي وقعت مؤخرًا، داهم الجنود الإسرائيليون مستشفى متنكرين في زي طاقم طبي. وقُتل ما لا يقل عن 507 فلسطينيين في الضفة الغربية في 2023، من بينهم 81 طفلًا على الأقل، مما يجعله العام الأكثر دموية بالنسبة للفلسطينيين منذ بدء مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في تسجيل الإصابات في 2005.
وقالت إريكا جيفارا روساس، مديرة البحوث وأنشطة كسب التأييد والسياسات في منظمة العفو الدولية: “تحت غطاء القصف المتواصل والجرائم الفظيعة في غزة، أطلقت القوات الإسرائيلية العنان للقوة المميتة غير المشروعة ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، ونفذت عمليات قتل غير مشروع وأظهرت استخفافًا مروعًا بحياة الفلسطينيين. تُشكل عمليات القتل غير المشروع هذه انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي لحقوق الإنسان، وتُرتكب في ظل إفلات من العقاب في سياق إدامة نظام إسرائيل المؤسسي القائم على القمع والهيمنة المنهجيَيْن ضد الفلسطينيين”.
توفر هذه الحالات أدلة صادمة على العواقب المميتة لاستخدام إسرائيل غير المشروع للقوة ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، حيث أثبتت السلطات الإسرائيلية، بما فيها النظام القضائي الإسرائيلي، بشكل مشين، عدم استعدادها لضمان العدالة للضحايا الفلسطينيين. وفي هذا المناخ من الإفلات شبه التام من العقاب، يجب أن يتدخل نظام عدالة دولية كفء. ويجب على المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أن يحقق في عمليات القتل والإصابات هذه باعتبارها جرائم حرب محتملة تتمثل في القتل العمد والتسبب عمدًا في معاناة شديدة أو إصابات خطيرة. إنَّ الوضع في فلسطين وإسرائيل هو اختبار حاسم لشرعية المحكمة وسمعتها. ولا تملك ترف الفشل”.
منذ 7 أكتوبر، وفي مختلف أنحاء الضفة الغربية، تواصَل استخدام القوات الإسرائيلية للقوة غير المشروعة خلال عمليات إنفاذ القانون بلا هوادة، مما زرع الخوف والترهيب في أوساط مجتمعات بأكملها. كما استخُدمت هذه القوة في تفريق المسيرات والاحتجاجات التي نُظمت نصرةً لغزة والمطالبة بالإفراج عن الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين.
بين 7 أكتوبر و31 ديسمبر 2023، قُتل 299 فلسطينيًا، مما يمثل زيادة بنسبة 50٪ مقارنةً بالأشهر التسعة الأولى من العام. وُقتل ما لا يقل عن 61 فلسطينيًا آخرين، من بينهم 13 طفلًا، حتى الآن في 2024 بحلول 29 يناير/كانون الثاني، وفقًا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة.
وأرسلت منظمة العفو الدولية في 26 نوفمبر طلبات للحصول على معلومات إلى المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي وإلى قائد منطقة القدس في جهاز الشرطة الإسرائيلية بشأن الحالات الأربع التي حققت المنظمة فيها. ولم تتلقَّ المنظمة أي رد حتى وقت النشر. وتواصل منظمة العفو الدولية التحقيق في حالات أخرى من استخدام القوة المفرطة خلال عمليات إنفاذ القانون، مثل المداهمات والهجمات المتكررة في جنين وطولكرم في شمال الضفة الغربية المحتلة.
لدى إسرائيل سجل موثق جيدًا في استخدام القوة المفرطة والمميتة في كثير من الأحيان لوأد المعارضة وفرض نظام الأبارتهايد ضد الفلسطينيين المفضي إلى نمط تاريخي من عمليات القتل غير المشروع التي تُرتكب مع الإفلات من العقاب.
منذ 7 أكتوبر، صعّدت القوات الإسرائيلية مداهماتها ونفذتها بشكل شبه يومي في جميع أنحاء الضفة الغربية المحتلة فيما وصفته بعمليات التفتيش والاعتقال.
ووفقًا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، أصيب أكثر من 54٪ من أصل 4,382 من الفلسطينيين المُصابين في الضفة الغربية، بجروح خلال هذه العمليات.
وفي إحدى الحالات التي تمثل نموذجًا لهذه المداهمات، والتي حققت فيها منظمة العفو الدولية، استخدمت قوات الجيش الإسرائيلي وقوات حرس الحدود القوة المفرطة خلال مداهمة استمرت 30 ساعة لمخيم نور شمس للاجئين في طولكرم ابتداءً من 19 أكتوبر.
خلال العملية، قتلت القوات الإسرائيلية 13 فلسطينيًا، من بينهم ستة أطفال، أربعة منهم دون سن 16، واعتقلت 15 شخصًا. ونقلت تقارير إعلامية عن مصادر عسكرية إسرائيلية قولها إن ضابطًا من حرس الحدود الإسرائيلي قُتل وأصيب تسعة آخرون بعد أن ألقى فلسطينيون عبوة ناسفة عليهم.
وأبلغ السكان منظمة العفو الدولية أن الجنود الإسرائيليين اقتحموا خلال العملية أكثر من 40 منزلًا سكنيًا، ودمروا الممتلكات الشخصية، وحفروا ثقوبًا في الجدران لجعلها منصات للقناصة. وقُطعت المياه والكهرباء عن المخيم واستخدم الجنود الجرافات لتدمير الطرق العامة وشبكات الكهرباء والبنية التحتية للمياه.
وكان من بين القتلى خلال عملية المداهمة طه محاميد، 15 عامًا، الذي أردته القوات الإسرائيلية قتيلًا بالرصاص أمام منزله أثناء خروجه للتحقق مما إذا كانت القوات الإسرائيلية قد غادرت المنطقة. ولم يكن طه مسلحًا ولم يُشكل أي تهديد للجنود وقت إطلاق النار عليه، استنادًا إلى إفادات الشهود ومقاطع الفيديو التي اطلعت عليها منظمة العفو الدولية. ويظهر في مقطع فيديو صوّرته إحدى شقيقاته، وتحقق منه مختبر أدلة الأزمات التابع لمنظمة العفو الدولية، طه وهو يسير في الشارع، ويختلس النظر للتحقق من وجود جنود، ثم يسقط في الشارع خارج منزله، بعد سماع صوت ثلاث طلقات نارية.
ووثقت منظمة العفو الدولية منذ فترة طويلة عمليات القتل غير المشروع التي ترتكبها القوات الإسرائيلية وتقاطعَها مع نظام الأبارتهايد المفروض على الفلسطينيين. آن الأوان كي يحقق المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في عمليات القتل هذه، من جهة، وفي جريمة الأبارتهايد من جهة أخرى، ضمن تحقيقه بشأن الوضع في فلسطين”.