خسائر بالجُملة في اقتصاد إسرائيل.. خبراء: تراجع “الشيكل” وهروب الاستثمارات وتوقف السياحة.. وآثار مدمرة لتجنيد المستهلكين والعمال
صحيفة “كالكاليست” الاقتصادية العبرية: أرقام وزارة المالية تؤكد أن تكلفة الحرب في غزة ستيصل إلى 200 مليار شيكل (51 مليار دولار)
صحيفة “ذا ماركر”:كل شهر حرب سيؤدي إلى خسائر في الناتج المحلي وهو ما يستتبعه “ركود في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي”
د. زهدي الشامي: تخارج الاستثمارات عامةً وفي قطاع التكنولوجيا خصوصا عملية مستمرة منذ وصول حكومة اليمين العنصري بقيادة نتنياهو وتزايدت بسبب طوفان الأقصى
إلهامي الميرغني: طوفان الأقصى شكلت تعميقا للأزمة الاقتصادية في إسرائيل واحتياجها للمزيد من الديون والمساعدات رغم الجسر الجوي الأمريكي
كتب – أحمد سلامة
خسائر بالجُملة تعرض لها اقتصاد الاحتلال الصهيوني خلال الفترة الماضية، منذ بدء عملية “طوفان الأقصى” والتي وافقت السابع من أكتوبر الماضي، فالاحتلال الذي تعرضت عاصمته “تل أبيب” للقصف أكثر من مرة خلال الشهر الماضي عانى من تراجع الأنشطة السياحية وهروب رؤوس الأموال والمستثمرين إضافة إلى حالة من الشلل شبه الكامل بعد استدعاء قوات الاحتياط التي تمثل الأيدي العاملة في المجتمع.. فهل تكون الخسائر الاقتصادية المتلاحقة سببًا في إنهاء الحرب على غزة، خاصة في ظل تمديد الهدنة وهو ما قد يُرجح التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار؟
طرحت “درب” السؤال على الخبير الاقتصادي الدكتور زهدي الشامي، الذي قال إن “الإقتصاد الإسرائيلي تعرض بدون شك لخسارة كبيرة للغاية بسبب حربه العدوانية على الشعب الفلسطيني في غزة”.. مضيفا “يصعب في الواقع حصر كل هذه الخسائر، إلا أن بعض جوانبها واضح تماما”.
ويشير الشامي إلى تقرير شبه رسمي يفيد بأن التكلفة اليومية المباشرة للحرب تبلغ ٢٧٠ مليون دولار، أي أن التكلفة المباشرة حتى الآن تقترب من ١٣.٥ مليار دولار.
ويستكمل الخبير الاقتصادي “وقد أفادت مصادر مالية بأن إسرائيل اضطرت لاقتراض مبالغ مالية كبيرة من الخارج وصلت إلى ٦ مليار دولار بسعر فائدة مرتفع”.
ويوضح “من المعلوم أن خوض حرب ممتدة والمخاوف من المواجهة على عدة جبهات تطلب استدعاء جنود الاحتياطي الذين يعتمد عليهم الجيش الإسرائيلى لحد كبير، ويقدر عددهم بنحو ٣٠٠ الف جندى يمثلون نسبة كبيرة من قوة العمل، ولايتحمل الاقتصاد الإسرائيلي العمل بدونهم لفترة طويلة. وبالإضافة لذلك يتضرر الإقتصاد الإسرائيلي من هروب أعداد كبيرة من العاملين الأجانب وخاصة من الدول الآسيوية،ظ ناهيك عن العاملين الفلسطينيين، وكل ذلك يضغط على سوق العمل عموما وفي الزراعة خصوصا”.
ويسترسل “وبالإضافة لذلك فمن المعلوم أن تخارج الاستثمارات الأجنبية عموما وفي قطاع التكنولوجيا المتقدمة خصوصا الذي يعتمد عليه الاقتصاد الاسرائيلى كثيرا، هى عملية موجودة فعلا منذ تشكيل حكومة اليمين العنصري المتطرف بقيادة نتياهو والتي تضم سموتريتش وبن غفير، وسعيها للانقلاب على سلطة دولة الكيان بمشروعها لاخضاع القضاء. وقد شهد هذا الاتجاه بالضرورة تصاعدا بسبب الحرب يمثل خسارة اقتصادية واضحة وارتبط به تخفيض للتصنييف الإئتماني لإسرائيل”.
صحيفة “كالكاليست” الاقتصادية العبرية، نقلت أرقامًا أوليّة لوزارة المالية تؤكد أن تكلفة الحرب التي تخوضها إسرائيل أمام حركة حماس في قطاع غزة ستبلغ ما يصل إلى 200 مليار شيكل (51 مليار دولار). وأوضحت الصحيفة أن تقدير التكاليف، التي تعادل 10 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل خاصة اذا استمرت الحرب لعدة أشهر.
كما تشير توقعات وزارة المالية إلى أن خسارة الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي في العام الجاري تصل إلى 1.4 بالمائة، بحسب صحيفة “ذا ماركر” الاقتصادية، وقالت الصحيفة إن ذلك يعني أن “كل شهر حرب قد يؤدي إلى خسارة الناتج المحلي الإجمالي بنحو 9 مليارات شيكل (2.4 مليار دولار)”، مشيرة إلى أن ذلك سيؤدي إلى “ركود في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي”.
ورجّح بنك “جي بي مورجان تشيس” الأمريكي أن ينكمش الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 11% على أساس سنوي في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الحالي، مع تصاعد الحرب على قطاع غزة. كما تراجع الشيكل الإسرائيلي في بداية التعاملات الأسبوعية إلى أدنى مستوى أمام الدولار منذ عام 2012، وفق البيانات التاريخية لبنك إسرائيل.
كذلك نشر موقع “بلومبرج” الأمريكي تقريرًا يؤكد أن هناك انخفاضاً في الاحتياطات الأجنبية لـ”إسرائيل” بأكثر من 7 مليارات دولار منذ شهر. وفي وقت سابق، تحدث تقرير في موقع “فايننشال تايمز” البريطاني، عن فداحة الخسائر التي يلحقها العدوان على غزة منذ 7 أكتوبر الماضي باقتصاد الاحتلال الإسرائيلي. وأوضح التقرير أنّ الطلب انخفض بشكل عام في “إسرائيل”، وأغلقت بعض الشركات أبوابها، ولا سيما بعد أن تمّ تجنيد المستهلكين والعمال في احتياط جيش الاحتلال.
وتراجعت قيمة الشيكل الإسرائيلي أمام الدولار بواقع 2% من 3.7 شيكل إلى 3.9 شيكل إضافة إلى اضطرار إسرائيل لسحب 30 مليار من الاحتياطي لدعم الشيكل.
الباحث الاقتصادي، إلهامي الميرغني، يرى أنه بعد مرور أكثر من 46 يوماً من انطلاق عملية طوفان الاقصي وبعيداً عن الخسائر العسكرية في الأفراد والمعدات من المهم التركيز على الخسائر الاقتصادية الإسرائيلية.
ويشير الميرغني إلى أنه تم استدعاء 350 ألف من قوات الاحتياط ( 8% من قوة العمل) منذ بدء العمليات، مضيفًا أن “البنك المركزي الإسرائيلي كان قد أعلن أن خسائر نقص العمالة يكلف إسرائيل 600 مليون دولار أسبوعياً. أي أنه منذ بدء العمليات تكبدت اسرائيل خسائر تعبئة القوى العاملة التي وصلت الي 4.2 مليار دولار( 16.4 مليار شكيل ). إضافة إلى تعطل العديد من المصانع وتخفيض ساعات التشغيل نتيجة غياب العمالة وتقلص السوق”.
ويضيف الميرغني أن “الأضرار التي وقعت في 24 مستوطنة من مستوطنات غلاف غزة تقدر بنحو 10 مليارات شيكل، وأن هناك 5 مليارات شيكل تكلفة الأضرار الناتجة من قصف الصواريخ في سائر أنحاء إسرائيل، وملياري شيكل ميزانية تتعلق بالمستوطنات. ( 17 مليار شيكل خسائر المستوطنات بما يعادل 4.5 مليار دولار)”.
وينبه إلى أنه “توجد أضرار على فئات تجارية معينة في كافة المناطق بالبلاد، حيث تأثرت مجالات الترفيه والمطاعم والمقاهي والمناسبات والحفلات والطيران المدني بشدة بسبب الحرب، كما تأثرت صناعة السياحة، باستثناء العديد من الفنادق التي تم إيواء السكان الذين تم إجلاؤهم بها”.
وأردف الباحث الاقتصادي “ومن نتائج الحرب أيضاً زيادة الديون الإسرائيلية التي كانت تحسنت في 2022 ، وكانت شركة (CEIC Data) المختصة في تحليل اقتصادات دول العالم، قدّرت ديون إسرائيل بـ294.7 مليار دولار في ديسمبر 2022، مقارنةً بـ335.7 مليار دولار في عام 2021، وهو أعلى مستوى لها على الإطلاق. وبذلك تعود إسرائيل للإستدانة لتغطية خسائر طوفان الاقصي”.
وحول سوق العمل، يقول الميرغني “في الفترة من السابع من أكتوبر إلى الأحد 19 نوفمبر، تقدم 128 ألف شخص بطلب للحصول على إعانات ومخصصات البطالة من مؤسسة التأمين الوطني، وتم وضع 96 ألف منهم في إجازة قسرية عن العمل بدون الحصول على راتب أو مخصصات بطالة. وبالمقارنة، هناك عادة نحو 20 ألف طلب جديد للحصول على إعانات ومخصصات البطالة شهريا في المعدل، 59% منهم تتراوح أعمارهم بين 20 و40 عاما، و39% تتراوح أعمارهم بين 41 و67 عاما. ووفقا لبيانات مكتب العمل التابع لمؤسسة التأمين الوطني الإسرائيلي، تمت إضافة حوالي 70 ألف شخص إلى قائمة العاطلين عن العمل الشهر الماضي، وهذا العدد بمثابة 3 أضعاف ما كان عليه نفس الشهر من العام الماضي، حيث تم إرسال 60% من المتقدمين الجدد للحصول على مخصصات البطالة إلى إجازة بدون راتب”.
ويتابع “كما أظهر مسح إسرائيلي تراجعًا حادًا في عائدات نحو نصف الشركات الإسرائيلية خلال العدوان الإسرائيلي على غزة. وذكر المكتب المركزي للإحصاء في إسرائيل في تقريره أنّ أكثر القطاعات تضررًا هي الإنشاءات والخدمات الغذائية، إذ أشار إلى أن أكثر من 70% ممن شملهم المسح أنّ الإيرادات انخفضت بأكثر من 70%. وأضاف المسح الذي شمل 1680 شركة وجرى في الفترة من 24 إلى 26 أكتوبر إلى أنّ الشركات الصغيرة هي الأكثر تضررًا”.
وينبه الميرغني بالقول “كذلك غادر أكثر من 230 ألف يهودي إسرائيل منذ عملية “طوفان الأقصى”، ويتوقع ارتفاع أعداد المغادرين مع استمرار الحرب على قطاع غزة، وتصاعد التوتر على الجبهة الشمالية مع لبنان، والمواجهات المتواصلة في الضفة الغربية المحتلة. وكشف النقاب عن هذه الإحصاءات في الأسبوع الرابع للحرب على غزة، وذلك من خلال تقرير لصحيفة “دى ماركر”، الذي يستعرض لأول مرة ظاهرة الهجرة من إسرائيل في ظل الحرب والتوتر الأمني، من خلال توثيق إفادات لعائلات اختارت الهجرة من البلاد خوفا وهربا من التوتر الأمني. ليعكس ذلك مدي هشاشة التركيب السكاني لدولة الاحتلال”.
وحول تأثير ذلك على سير المعركة في غزة، يقول الميرغني “شكلت معركة طوفان الأقصي تعميقا للأزمة الاقتصادية في إسرائيل واحتياجها للمزيد من الديون والمساعدات ورغم الجسر الجوي وتدفق المساعدات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلا أن اسرائيل لم تعتد على الحروب طويلة الأمد منذ تأسيسها، وكانت تعتمد دائما علي الحروب الخاطفة لأيام أو لأسابيع وهو ما يؤدي لضربات كبرى لاقتصاد الكيان بخلاف الخسائر في الأفراد والمعدات والاستنزاف المستمر للاقتصاد لو استمرت المعارك”.