مجلة التحالف| التعليم الفني في مصر مشكلات وحلول: الطريق إلى التنمية الاقتصادية والصناعية
بقلم / حسين إبراهيم حسن
يمكننا القول إن التعليم الفني هو المسلك لخلق جيل من الفنيين المهرة اللازمين لرفع كفاءة الإنتاج في مختلف الحرف التي يحتاجها سوق العمل، وبالتالي الناتج القومي والتنمية الاقتصادية والصناعية ككل. وقد عانى التعليم الفني من التدهور لعقود، فقد أصبح خريج المدارس الفنية غير مؤهل وغير كفء ليواكب متغيرات سوق العمل الحالية، وغير قادر على المنافسة خارجيًا.
وهناك العديد من الأسباب التي أسهمت في تدهور التعليم الفني في مصر، ومن أهمها:
أسباب تعليمية وفنية
عدم الربط بين المناهج التعليمية وما يتطلبه سوق العمل من تخصصات وإمكانيات فنية. وعدم قناعة ورضا أصحاب المصالح بالمناهج التعليمية، خاصة في ظل غياب الدور الرقابي على المناهج التعليمية والزامية تطويرها، نتيجة عدم وجود آلية تربط التخصصات والمناهج في التعليم الفني والتوزيع الجغرافي والنوعي للصناعات، واحتياجات سوق العمل.
** عجز الطالب عن إخراج ما لديه من مواهب وقدرات خلاقة، إن وجدت، بسبب ضعف الإمكانيات والمعامل والتمويل المتاح للمدارس الفنية.
** سياسات القبول المفتوحة بأغلب المدارس الفنية، أدت إلى عدم القدرة على تحديد أعداد وجودة الطلاب المستجدين، على عكس الثانوية العامة والتي تفرض حد أدنى للقبول، حتى أصبحت المدارس الفنية في النهاية هي الملجأ الوحيد للطلاب الأقل مجموعًا في المرحلة الإعدادية، للحصول على مؤهل متوسط، تحت مبدأ “ادخل صنايع وأهي شهادة وخلاص”.
** قلة المدارس الفنية مما أدى إلى ارتفاع كثافة الطلاب بالفصول وقلة جودة وكفاءة التعليم. هذا إلى جانب تدهور البنية التحتية لمعظم المدارس، مما يعيق توفير بيئة جاذبة للطلاب.
أسباب اقتصادية وتشريعية
** ضعف الميزانية المخصصة للتعليم بوجه عام وهو ما يلقي بظلاله على مخصصات التعليم الفني. والتي تحتاج إلى مخصصات مالية مضاعفة للتجهيز والتطوير، فهي تحتاج إلى تجهيز الورش والمعامل بالمعدات والمواد الخام بما يكفي كافة الطلاب إلى جانب الفصول.
** سوء إدارة المخصصات المالية للتعليم الفني فغالبًا ما توجه هذه المخصصات لتأسيس وتأثيث مدارس التعليم الفني، دون الاهتمام بتطوير المعامل الفنية التي من شأنها رفع جودة مخرجات التعليم (الفنيين).
** قلة وهزالة رواتب المدرسين ومخصصاتهم المالية واصرار الحكومة على تثبيت رواتبهم عند اساسي راتب عام 2015 في سابقة لم تحدث من قبل على مر العصور .
وهذا سبب رئيسي في جعل البعض منهم يلجئون الي الضغط على الطلبة للخضوع لمقصلة الدروس الخصوصية وهو أمر شديد الخطورة من الناحية التعليمية والأدبية أيضا حيث ان المدرس الذي يقوم باعطاء دروس خصوصية يتحول من صاحب رسالة الي صاحب سلعة يؤديها لمن يدفع ثمنها .
ومن لا يقوم باعطاء دروس خصوصية يتجه الي العمل الاضافي بعد فترة العمل الرسمية من اجل أن يلبي احتياجاته اسرته مما يضطره الي بذل جهد مضاعف يفوق طاقته وبالتالي فهذا يؤثر على أداؤه لمهام عمله الرئيسية في المدرسة وبين تلاميذه مما ينعكس بالضرورة على المستوى التحصيلي للطلاب ومستوى الكفاءة المهنية المطلوب ان يصلوا اليها بنهاية كل عام دراسي .
أسباب اجتماعية
لعل من أبرز المشكلات التي تواجه التعليم الفني من الناحية الاجتماعية،
** النظرة الدونية للتعليم الفني، فيطلق عليه البعض لفظ “دبلون” كنوع من التهكم.
** ازدواجية التعامل الإعلامي فغالبًا ما يتم التنظير بأهمية التعليم الفني ودوره في التنمية الاقتصادية لعدد من الدول المتقدمة، في حين ينصب جُل الاهتمام والجدال بما يسمى “مارثون” الثانوية العامة، وتهمل كل أنواع التعليم الثانوي الأخرى وكأن لا وجود لها.
** فقدان الطالب الثقة في قيمة التعليم وخوفه على مستقبله، لإحساسه بالإحباط من ضعف إمكانياته وعدم تناسبها مع سوق العمل، خاصة بعد رؤية الطابور الطويل من البطالة للخريجين السابقين له.
خطوات من أجل التطوير
لا يمكن أن نغفل سعي الدولة المصرية بخطوات جادة نحو تطوير منظومة التعليم ككل، والتعليم الفني على وجه الخصوص، والعمل على مواكبة المناهج والكوادر البشرية من الخريجين لمتطلبات العصر.
وكان نتاج هذا السعي :
استحداث منظومة المناهج القائمة الجدارات في التعليم الفني
ووفقًا لنظام الجدارات يدرس طلاب التعليم الفني خلال السنوات الثلاث مقرراتهم الدراسية العملية والعلمية داخل الورش والمعامل والفصول في صورة مجموعة من الوحدات المنفصلة كل عام مقسمة على فصلين دراسيين، حيث يدرس الطلاب المواد الثقافية (جدارات أساسية) وتعد كل مادة وحدة بذاتها إضافة إلى مواد التخصصات (جدارات فنية) عبارة عن برامج تتضمن وحدات منفصلة محددة.
على مدار العام الدراسي، يعكف طلاب التعليم الفني على الدراسة النظرية والدراسة العملية في الورش والمشاغل والمعامل والحقول التابعة لمدارس التعليم الفني وفقًا لتخصصاتهم، ويقوم الطلاب بجمع أدلة تعلمهم خلال العام من صور وفيديوهات وأدلة مادية على أنشطة تعلمهم بما يعزز ويقوي ملف إنجازهم الدراسي وبما يؤهلهم لتحقيق الجدارات اللازمة للتخرج، ويعزز مكانتهم في الالتحاق بالجامعات.
مزايا نظام المناهج القائمة على الجدارات
هى منظومة جيدة بالفعل اذ ان الطالب يتم تدريبه عبر كمية كبيرة من التمارين يتم توزيع درجات الاتقان فيها على مدار العام ولا يمكن ان يتجاوز الطالب اى وحدة من الوحدات خلال العام الا اذا كان جديرا فعلا فيها ويتم عمل تقييمات مستمرة في كل وحدة من الوحدات مما يجعل الطالب في حالة تركيز مستمر تجعل درجة تركيزه عالية جدا ومهتم فعلا لاتقان ما يتم دراسته وتدريبه عليه ويتم ايضا عمل دليل مهاري ودليل علمي ويتم تصوير الطلاب اثناء اداء كل مهارة من المهارات داخل كل وحدة من الوحدات ويتم حفظ كل هذه الأدلة داخل ملف خاص بكل طالب يستمر معه طوال مدة بقاؤه في المدرسة وحتى تخرجه.
ابرز مشاكل نظام الجدارات
** عدم توافر الخامات المطلوبة لتنفيذ المناهج الجديدة والتي تحتوي على مادة علمية غزيرة يمكن ان يستفيد منها الطالب استفادة جيدة جدا شريطة توافر الخامات والمعدات اللازمة للتنفيذ .
** الكمية الضخمة من أوراق الاستمارات والمرفقات التي يجب على كل مدرس ان يقوم بكتابتها لكل طالب على حدى على مدار العام الدراسي مما يعوق عمله الاصلي وهو التدريب والتدريس للطالب .
** عدم تحديث الماكينات الموجودة في بعض الورش والمعامل حيث توجد ماكينات تعود لأكثر من أربعين عاما ويتم التحديث على فترات متباعدة تصل الي خمس او ست سنوات بين كل فترة تجديد واخرى .
** قلة خبرة المعلمين بالمناهج الجديدة يجعل هناك اشكاليات كثيرة تحدث وبطء في العملية التعليمية.
** عدم وجود كتب مطبوعة للمناهج الدراسية لمنظومة الجدارات وجميع المناهج تأتي في صورة ملفات بصيغة (بي دي اف) يتم نشرها وتداولها عبر جروبات الواتس اب . ويتم طباعتها بمعرفة الطلاب والمعلمين .
واخيرا نؤكد : إن منظومة المناهج القائمة على الجدارات جيدة بالفعل ويمكن أن تؤتي ثمارها في تخريج طالب جدير بدرجة كبيرة في التخصص الذي ينتمي اليه شريطة تلافي كل السلبيات السابق ذكرها .
🛑 “تنويه: ينشر موقع درب الإخباري ملفات ومقالات العدد الخامس من مجلة التحالف”