6 أعوام على رحيل «رئيس جمهورية الغلابة».. أبو العز الحريري المناضل اليساري المدافع عن حقوق العمال والبسطاء والثوار (بروفايل)
عبد الرحمن بدر
«كان وسيظل جبلًا شامخًا، شموخ العزة والشرف والكرامة، شموخ النضال والكفاح وكلمة الحق فى وجه كل سلطان جائر»، هكذا وصف النائب هيثم الحريري، والده أبو العز الحريري في الذكرى السادسة لرحيله.
«أضع نفسي في المرتبة الثانية بعد المصلحة العامة» بهذه الكلمات حدد الراحل أبو العز الحريري نهجه في الحياة فعاش حياته مشغولاً بالهم العام، عاش بالناس ولهم فصاروا يهتفون خلفه للعيش والحرية والكرامة الإنسانية، لم يرهبه السجن والتنكيل، ومضى يصدح بكلمة الحق في وجه كل سلطان جائر، حدد مكانه دائمًا على يسار الأنظمة فابتعد عن أصحاب السلطة، وظل قريبًا من نبض الناس وأحلامهم.
مرت 6 سنوات على وفاة المناضل اليساري الكبير والذي رحل بعد صراع مع المرض عن 68 عامًا، لكن سيرته مازالت باقية بما قدم من نضال عبر عدة عقود.
في مقال للراحل قبل شهور من ثورة 25 يناير في جريدة الدستور يقول الحريري المولود في 2 يونيو 1946، والذي شارك في الثورة من يومها الأول: «إحنا خايبين ومش نافعين، الحكومة مش واثقة في نفسها ولا في الشعب. بنقول إن كل ما هو عام فاشل ولازم نسلم البلد للقطاع الخاص. خاصة الأجنبي. لأن في إيده الشفاء والصلاح والفلاح. مع إننا كنا ماشيين كويس. بننتج ونعمر ولما حصل خلل في الإدارة العامة للوطن والجيش في 1967 وأصلحناه. حاربنا وعبرنا ثم توقفنا في كل شيء. ومشوا بأستيكة علي كل عوامل الانتصار طوال 40 سنة. واستبعدوا العملة الوطنية الجيدة لصالح العملة الرديئة. عملوا انفتاح سداح مداح. ومكنوا النهابين وركبوا علي القطاع العام الإنتاجي والخدمي والمصرفي. إدارات فاسدة ومفسدة. ووظفوه سياسيا في الاتجاه المعاكس للمصالح العامة واستولوا علي أرباحه وأجبروه علي تسعير اجتماعي. يبيع بنفس قيمة التكلفة دون أرباح أو بأقل منها أو بأرباح هزيلة».
عارض الحريري الرئيس الراحل أنور السادات، والمخلوع حسني مبارك، والمجلس العسكري عقب ثورة 25 يناير، وكذلك المعزول محمد مرسي.
يقول هيثم عن والده: «أكثر من أربعون عاما من النضال دفاعًا عن مصر والمصريين، دفاعا عن كل الحالمين والساعيين للعدل والحرية والديمقراطية والدولة المدنية والكرامة الإنسانية، مجرد ذكر اسمه يكفي لكى يترحم عليه كل المصريين مسلمين ومسيحيين عمال وفلاحين بسطاء وفقراء ومتعلمين ومثقفين معارضين وموالين».
طرد الحريري من عمله عام 1975 بسبب نشاطه السياسي، دخل سباق الانتخابات البرلمانية عام 1976 بالإسكندرية، عن دائرة كرموز على مقعد العمال وفاز بالمقعد، وفي 1977 سحب البرلمان منه الحصانة، بسبب مشاركته في احتجاجات عمالية، لكنه نجح في العودة للبرلمان مرة أخرى عامي 2000 و2011.
اعتُقل الحريري 9 مرات في عهد السادات بسبب مشاركته في المظاهرات، لعل أبرزها بعد اتفاقية «كامب ديفيد» مع العدو الإسرائيلي عام 1979، حيث بدأ الحريري حملة شعبية لرفض الاتفاقية، ووصفها بأنها «خيانة»، كما حشد الآلاف في مظاهرات ترفض الاتفاقية.
خاض الراحل في 2009 سباق رئاسة حزب التجمع ضد رفعت السعيد، وبعد خسارته للانتخابات تم إسقاط عضويته في الحزب، شارك بعد ثورة 25 يناير في تأسيس «حزب التحالف الشعبي الاشتراكي» مع عدد من رموز اليسار.
يؤكد هيثم أن والده علمه المواجهة وعدم الانسحاب من ميدان المعركة، والقتال حتى آخر نفس.
ويضيف: «علمنى أن خدمة كل المصريين والدفاع عن بلدي شرف وفخر لا يضاهيه جاه ولا سلطان ولا منصب ولا مال، رايته دائما محاربا صلبا وشرسا لا يلين إلا للحق، منحاز دائما للشعب، لم يتخلى عن المواطنين ولم يبتعد عنهم، دائما وسطهم مدافعا عنهم وعن حقوقهم».
وفي 2012 خاض الحريري سباق انتخابات رئاسة الجمهورية في أول انتخابات رئاسية عقب ثورة «25 يناير»، ورغم أنه لم يفز بنسبة تصويت عالية إلا أنه احتفظ بلقب «رئيس جمهورية الغلابة».
عارض الحريري سياسات «الإخوان» بشدة في برلمان 2011، وأصرَّ على أن البرلمان «كيان غير شرعي بسبب قيامه على أساس باطل»، قبل أن تقضي المحكمة الدستورية بحله بعد ذلك، كان «الحريري» صوت العمال والبسطاء والثوار تحت قبة مجلس الشعب .
وهاجم الحريري المجلس العسكري الذي كان يحكم في ذلك الوقت، وقال إن «مكان المشير حسين طنطاوي هو السجن بجوار مبارك»، واتخذ مواقف مساندة للثوار في جميع المظاهرات التي شاركوا فيها عقب «25 يناير».
عارض الراحل مرسي منذ بداية حكمة، وقال إن «جماعة الإخوان المسلمين، تتعامل مع الشعب المصرى بمنطق البقاء للأقوى، ومسؤولة عن حالة العنف التى تشهدها البلاد، من خلال اللجوء لمبدأ سلاح «مطواة قرن الغزال»، ووصف فترة حكم المعزول قائلا: نحن أمام «حالة اغتصاب دولة».
بعد عزل مرسي أقام الحريري دعوى قضائية طالب فيها بحل حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، وتصفية أمواله، تعرض لأزمة صحية لعدة شهور وتكفلت القوات المسلحة بتكاليف علاجه، وغادرنا منذ عام بعد حياة مليئة بالمعارضة والسجون والهتاف للعدل والحرية والكرامة الإنسانية.
«هاجمته كثير من الضباع ولكنه كان أبدا لا ينكسر ولا ينحنى إلا لله عز وجل، سيظل الشعب المصري العظيم قادرا على التميز بين الطيب والخبيث»، بهذه الكلمات اختتم هيثم الحريري حديثه عن والده في ذكرى رحيله، لكن المؤكد أن أمثال أبو العز الحريري يعيشون طويلا في ذاكرة وضمير الشعوب بما قدموه من نضال دفاعًا عن الحق في حياة كريمة للجميع.