46 عامًا على انتفاضة الخبز.. ذكرى احتجاجات الغلاء التي خرجت لرفض ارتفاع الأسعار يومي 18 و19 يناير: كيلو اللحمة بقى بجنيه
نائب رئيس الوزراء أعلن رفع الدعم عن سلع الأساسية ورفع أسعار الخبز والسكر والشاى والأرز والزيت فخرجت المظاهرات الغاضبة
الانتفاضة بدأت بعدد من التجمعات عمالية كبيرة وهتفت “ياساكنين القصور الفقرا عايشين في قبور”.. والجيش فرض حظر تجوال
كتبت- ليلى فريد
تمر اليوم الذكرى الـ46 على انتفاضة الخبز عام 1977 والتي اندلعت يومي 18 و19 يناير، احتجاجًا على غلاء الأسعار، في هذه المناسبة نستعيد تفاصيل ما جرى في هذه الفترة.
ففي يوم 17 يناير 1977 أعلن نائب رئيس الوزراء للشئون المالية والاقتصادية الدكتور عبدالمنعم القيسوني، في بيان له أمام مجلس الشعب، مجموعة من القرارات الاقتصادية منها رفع الدعم عن مجموعة من السلع الأساسية، وبذلك رفع أسعار الخبز والسكر والشاى والأرز والزيت والبنزين و25 سلعة أخرى من السلع الهامة في حياة المواطن البسيط.
وقوبلت هذه التصريحات بموجة غضب عارمة، حيث بدأت الانتفاضة بعدد من التجمعات العمالية الكبيرة في منطقة حلوان بالقاهرة في شركة مصر حلوان للغزل والنسيج والمصانع الحربية وفى مصانع الغزل والنسيج في شبرا الخيمة وعمال شركة الترسانة البحرية في منطقة المكس بالإسكندرية.
وبدأ العمال يتجمعون ويعلنون رفضهم للقرارات الاقتصادية وخرجوا إلى الشوارع في مظاهرات حاشدة تهتف ضد الجوع والفقر وبسقوط الحكومة والنظام رافعة شعارات منها:
“ياساكنين القصور الفقرا عايشين في قبور”، و”ياحاكمنا في عابدين فين الحق وفين الدين”، و”سيد مرعى يا سيد بيه كيلو اللحمة بقى بجنيه”، و”عبد الناصر ياما قال خلوا بالكم م العمال”، “هو بيلبس آخر موضة وإحنا بنسكن عشرة ف أوضة”، “لا اله الا الله السادات عدو الله”.
انتقلت المظاهرات للجامعات وانضم الطلاب للعمال ومعهم الموظفين والكثير من فئات الشعب المصري في الشوارع والميادين القاهرة والمحافظات يهتفون ضد النظام والقرارات الاقتصادية.
ونزل إلى الشارع عناصر اليسار بكافة أطيافه رافعين شعارات الحركة الطلابية، واستمرت هذه المظاهرات حتى وقت متأخر من الليل مع عنف شديد من قوات الأمن، وتم القبض على مئات المتظاهرين وعشرات النشطاء اليساريين، ونزل الجيش المصري لقمع المظاهرات وأعلنت حالة الطورايء وحظر التجول من السادسة مساءا حتي السادسة صباحا، وكان هذا أول نزول للقوات المسلحة، واحتحاك بالشارع المصري بعد حرب أكتوبر.
جاء المظاهرات الكبيرة بعد الانفتاح الذي بشر به السادات وتبناه هو التوجه نحو الغرب، والانتقال إلى الرأسمالية والاقتصاد الحُرّ، وتخفيف قبضة الدولة على الشؤون الاقتصادية والإنتاجية.
كان هذا الانفتاح انقلابًا على “الاشتراكية” التي انتهجها سلفه جمال عبد الناصر (1918- 1970) منذ قيام ثورة يوليو 1952، حيث كان للدولة الدور الأكبر في إدارة الاقتصاد والهيمنة على عناصر الإنتاج وأدواته بـ”قصد” تحقيق العدالة الاجتماعية، وتذويب الفوارق بين الطبقات.
وجاء مردود هذه السياسات متمثلا في الثراء الفاحش لفئة أو طبقة محدودة، دون أي عوائد تُذكر لهذا الانفتاح على العامة، وانتشرت بسرعة الصور المعبرة عن زيادة الفوارق في بداية ظهور تعددية أنواع التعليم، والخدمة الصحية الخاصة، ومظاهر كثيرة للبذخ. وبالجملة كان الانفتاح بداية لتدهور معيشي، طال الكثيرين، وراح يتسع حتى يومنا هذا بشكل غير مسبوق.
هذا الانفتاح جرى وصفه وإشهاره بأنه “سداح مداح”، والتوصيف للكاتب الصحفي الراحل أحمد بهاء الدين.
رافق تلك التغيرات التي أحدثها الانفتاح، إصرارُ السادات على التسلط وتأكيد النموذج الأبوي لنظام حكمه، بترديده الدائم لفكرة أنه رب العائلة وكبيرها، وغيرها على شاكلة أخلاق القرية وعيب وما إلى ذلك من مفردات كان يستعملها وكأنه عمدة من الزمن القديم يدير بلدة صغيرة في الريف.
تزامن هذا كله مع التضييق على اليساريين، وفتح الباب واسعا للجماعات الإسلامية، لتنشط في المدارس والجامعات والنقابات، ضمن مسعى السادات لضرب أنصار سلفه عبد الناصر.
واشتهرت الانتفاضة التي خرجت لرفض الغلاء لاحقا باسم “ثورة الخبز”، إلى أن هدأت الأمور بتراجع السادات مبكرا عن قرارات رفع الأسعار وإعادتها إلى ما كانت عليه قبل الزيادات.
وأحدثت هذه الانتفاضة جرحا نفسيا غائرا لدى “السادات”، وراح يصفها على الدوام بأنها “انتفاضة حرامية”، وظل مُصرًّا على هذه التسمية، حتى نهاية حكمه باغتياله في 6 أكتوبر عام 1981.
ورغم إلقاء قوات الشرطة على العشرات في الأحداث إلا أن القاضي الشجاع حكيم منير صليب حكم ببراءة ١٧٦ متهم في انتفاضة الخبز، ملقيًا باللوم على النظام السياسي، ومؤكدًا أن تلك الأحداث كان سببها المباشر والوحيد هو إصدار القرارات الاقتصادية برفع الأسعار.