يوم الصحفي المصري| حينما ثار أبناء المهنة ضد “قانون مبارك لاغتيال الصحافة”.. تحية واجبة لابطال معركة استقلال المهنة
تحل، اليوم الجمعة، الذكرى 27 للاحتفال بيوم الصحفي المصري، وهو اليوم الذى اختارته الجمعية العمومية للصحفيين عام 1995 ليكون عيدًا سنويًا لحرية الصحافة، حينما انتفض فيه الصحفيون ضد القانون رقم (93) لسنة 1995، المعروف ب”قانون اغتيال الصحافة” في مواجهة امتدت لأكثر من عام.
في 20 مايو 1995، اقترحت الحكومة على مجلس الشعب، القانون رقم 93 لعام 1995، لتنظيم الصحافة، وأقره مجلس الشعب في جلسة مسائية عقدها في الثامنة من مساء 27 مايو 1995، الجلسة استغرقت 5 ساعات وكانت مقررتها د. فوزية عبدالستار رئيس اللجنة التشريعية وقتها، ولم يحضرها عدد كبير من نواب الحزب الوطني، لكن الحضور كان كافياً لتمرير القانون.
الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، وافق على الثانون في الليلة نفسها، ونُشر في الجريدة الرسمية، في صباح اليوم التالي، وبررت الحكومة حينها سرعة إصداره، بدعوى «وجود تهديد للديمقراطية من تمتع حرية الرأي والتعبير بآفاق لم تبلغها من قبل، وضعف العقوبات الواردة في قانون العقوبات، وحماية الحياة الخاصة وعدم المساس بحرمتها، وعدم دستورية تمييز أفراد هذه الفئة من الصحفيين والكتاب عن غيرهم من المواطنين الذين يعبرون عن آرائهم بغير طريق الصحافة بينما مراكزهم القانونية واحدة”.
واضافت أن “هذا التميز يتعارض مع نص المادة 40 من الدستور التي تقرر المساواة بين المواطنين، وكان أن صدر القانون 93 لسنة 1995”.
وأضيف القانون إلى ترسانة أخرى من القوانين المقيدة لحرية الصحافة، التي تفرض عليها قيوداً تشريعية خانقة تجعل الصحفيين يعملون وعلي رقابهم السيف، ويكبر في داخلهم رقيب ذاتي مدمر يحد من شجاعتهم وقدرتهم على كشف الفساد والخراب المتزايد، ومن المعروف أن قانون اغتيال حرية الصحافة كان قد صدر بعد أن بلغت الحملة علي الفساد بواسطة الصحف ذروة غير مسبوقة بثت الرعب في قلوب الفاسدين المتنفذين والمستفيدين منهم، من أفراد الحاشية، بحسب الكاتبة الكبيرة فريدة النقاش، في مقالها الصادر في فبراير 2006، بعنوان “تأديب الصحفيين”.
وضع القانون مجموعة من القيود على العمل الصحفي في مصر؛ حيث تضمن تغليظ العقوبات في جرائم النشر، وإلغاء ضمانة عدم الحبس الاحتياطي للصحفيين في هذه الجرائم، كما لم يُعرض على نقابة الصحفيين، أو المجلس الأعلى للصحافة، أو حتى مجلس الشورى.
في المادة 188، نص القانون على أن “يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه كل من نشر بإحدى الطرق المتقدم ذكرها أخبارا أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة أو دعايات مثيرة أو أوراقا مصطنعة أو مزورة أو منسوبة كذبا إلى الغير، إذا كان من شأن ذلك تكدير السلم العام أو إثارة الفزع بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة أو ازدراء مؤسسات الدولة أو القائمين عليها”.
وتكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن خمس سنوات وغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه، إذا وقع النشر المشار إليه في الفقرة السابقة بقصد الإضرار بالاقتصاد القومي للبلاد أو بمصلحة قومية لها أو نشأ عنه هذا الإضرار”.
ووفقا المادة 302 (فقرة ثانية) فإن “الطعن في أعمال موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة لا يدخل تحت حكم الفقرة السابقة إذا حصل بسلامة نية وكان لا يتعدى أعمال الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة، وبشرط أن يثبت مرتكب الجريمة حقيقة كل فعل أسنده إليه، ولا يغنى عن ذلك اعتقاده صحة هذا الفعل”.
كما نصبت المادة 303 من القانون على أن “يعاقب على القذف بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسة عشر ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، فإذا وقع في حق موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة، وكان ذلك بسبب أداء الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة كانت العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنوات وغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه أو بإحدى العقوبتين”.
وعقب نشر القانون فى الجريدة الرسمية، قرر أعضاء مجلس نقابة الصحفيين عقد اجتماع طارئ يوم 29 مايو سنة 1995 والدعوة لعقد جمعية عمومية طارئة فى 10 يونيو ، سبقها المؤتمر العام الأول للصحفيين، والذى عقد فى 1 يونيو وحضره أكثر من مرات الزملاء من جميع التوجهات.
ثورة الصحفيين ضد القانون لم تتوقف عند هذا الحد، حيث دخلوا في اعتصام يوم 6 يونيو 1995 استمر لمدة 5 ساعات بمقر النقابة، في أكبر حركة احتجاجية شهدتها نقابة الصحفيين في ذلك الوقت؛ كما غطوا جدران النقابة بالرايات السوداء، واحتجب عدد من الصحف، وقرر عدد آخر الاعتصام بكامل محرريه في حديقة النقابة.
ونشر الصحفيون حينها، قائمة سوداء بأسماء النواب، الذين تزعموا تمرير القانون، كما أقاموا جنازة رمزية، شيعوا فيها حرية الصحافة.
وظلت الجمعية العمومية للصحفيين فى حالة انعقاد دائم برئاسة النقيب إبراهيم نافع لتنفيذ قراراتها المتتالية سواء كانت تنظيم اعتصامات أو احتجاباً للصحف حتى حققت هدفها الرئيسى بإسقاط القانون.
واستمرت هذه الانتقادات والتنديدات، لمدة عام، حتى انتصرت الجماعة الصحفية، بعد نقاش واسع النطاق، بإصدار قانون جديد للصحافة، وهو القانون رقم 96 لعام 1996، وهو قانون الصحافة المعمول به حاليًا.
تشكلت لجنة صحفية قانونية ضمت المحامي الكبير أحمد نبيل الهلالي، والمستشار سعيد الجمل، والدكتور محمد نور فرحات، والكاتب الكبير حسين عبدالرازق، والكاتب الكبير مجدى مهنا، والكاتب الصحفي والقيادي النقابي رجائي الميرغني، في إعداد مشروع قانون الصحافة.
يقول الميرغني، في كتابه “الصحفيون في مواجهة القانون 93”: «غضبة الصحفيين تلاقت مع رفض كل النخبة هذا القانون، وتضامن الهيئات السياسية والمدنية مع تحرك النقابة».
اهتم مبارك وقتها بمقابلة الصحفيين مرتين، يحكي الميرغني عن المقابلة الأولي التي تمت في بداية الأزمة بترتيب من صفوت الشريف وزير الإعلام وقتها: كانت محاولة لاحتواء الإثارة التي ترتبت على هذا التشريع، الرئيس وقتها طرح مجموعة من التصورات للخروج من هذه الأزمة، منها تجميد إحالة الصحفيين للحبس مؤقتاً، وتشكيل لجنة لإعداد قانون جديد، وعرض القانون مثار الجدل علي المحكمة الدستورية العليا للنظر في مدي دستوريته، اعتبر الصحفيون أن هذه الحلول تعد تراجعاً أمام غضبتهم، ورغم أن أعضاء مجلس النقابة رأوا أن هذا العرض غير واف، إلا أنهم اتفقوا علي العمل في هذا الإطار، واستغل المجلس شهور الصيف وهي إجازة برلمانية للعمل المكثف، صاغوا مشروع قانون وعقدوا 9 جلسات للجمعية العمومية وأعدوا للمؤتمر العام الثالث الذي عقد في سبتمبر
الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل، قال في كلمة للجمعية العمومية، إن الأسلوب الذي اتبع في تصميم هذا القانون وإعداده وإقراره هو في رأيي أسوأ من كل ما احتوته مواده من نصوص، ذلك أن روح القانون لا تقبل منطق الخلسة والانقضاض، وإنما تقبل منطق إطالة النظر والحوار ـ والقانون بالدرجة الأولى روح، وإذا نزعت الروح من أي حياة فما هو باقٍ بعدها لا يصلح لغير التراب”.
وأضاف: “روح القانون أهم من كل نصوصه، حتى إن استقام قصد النصوص وحسنت مراميها. وأشهد آسفاً أن وقائع إعداد القانون كانت أقرب إلى أجواء ارتكاب جريمة منها إلى أجواء تشريع عقاب”.
وأوضح هيكلأن هذا القانون يعكس أزمة سلطة شاخت في مواقعها، وهي تشعر بأن الحوادث تتجاوزها، ثم لا تستطيع في الوقت نفسه أن ترى ضرورات التغيير، وهنا لا يكون الحل بمعاودة المراجعة والتقييم، ولكن بتشديد القيود وتحصين الحدود، وكأن حركة التفكير والحوار والتغيير تستحق أن توضع في قفص”.
وشدد على أن النصوص المترهلة والصياغات المطاطة التي لا تعكس تربصاً لإيذاء بقدر ما تعكس لهفة التطويق وحصار مخاطر لا يعرف الخائفون منها أن أمرها هين، فما يسمى بالتجاوزات الصحافية ليس بحقائق الأمور غير بثور ظاهرة على سطح جسم يحتاج نظراً بالفكر وفحصاً بالنظر وكشفاً بالعلم حتى نصل إلى سياسات للتنمية الاجتماعية والاستثمار في البشر، والوعي بالهوية والمصير يجعل هذا الشعب قادراً على الإمساك باللحظة التاريخية التي يتحول فيها العالم من قرن إلى قرن”.
ولفت أيضًا إلى “النصوص المترهلة سيئة السمعة والسيرة في القانون، والعبارات المطاطة كأنها بالونات منفوخة تشارف على الانفجار ـ تعكس بالدرجة الأولى حالة انفصام يصعب معها التقاء الأمل مع الإرادة فيما هو أكبر من حرية الصحافة وأخطر، ففي أجواء هذا الترهل المطاط أصبحنا حكومة وأهالي بلا عقد اجتماعي، وناطحات سحاب وعشوائيات بلا صلة أو تواصل، بل إن صعيد مصر وهو جزء منها ـ لكي لا ننسى ـ تحوّل في إعلامنا إلى عدد من الشهداء وعدد من القتلى وكلهم مضرج بدمه، وهذه قصة كل يوم في جزء عزيز من أرض مصر”.
وعن دور الميرغني في صياغة القانون الجديد، قال نقيب الصحفيين الأسبق يحيى قلاش: ” تجلى الأداء النقابي لرجائي الميرغني في تلك المعركة، إذ شارك بحسن إدارته وتنظيمه الجيد للأمور، ومن يقرأ أدبيات هذه المعركة سيرى بعينيه بصمات الميرغني في كل ما كتب، كان مثالا للنقابي وليس النقابنجي الذي يطنطن بلا أي فعل حقيقي.
يأتي الاحتفال بيوم الصحفي المصري، بينما يقبع العديد من الزملاء في السجون لدفاعهم عن المهنة وحريتها، بينما يتواصل التضييق على الصحف بالتهديد والحجب وغيرها من الممارسات، فضلا عن القوانين المقيدة للحريات، وهو ما يزال الزملاء يواصلون النضال من أجل مواجهته، ويدفعون في سبيل ذلك أثمانا غالية.