وجه آخر للأزمة.. الغلاء يأكل بطون أطفال “سوء التمثيل الغذائي”.. والأهالي يصرخون: مش عارفين نوفر أكل لعيالنا عشان يعيشوا!
أهالي لـ”درب”: تكلفة الأكل اللازم والمناسب للمصابين بسوء التمثيل الغذائي مكلفة شهريا لأنه طعام بعينه خالي من مواد موجودة بالفعل في كل طعام
تناول الأغذية العادية قد يؤدي إلى أزمات صحية كبيرة قد تنتهي إلى الوفاة.. ومناشدات لتدخل الحكومة لتوفير المزيد من الطعام وتخفيض قيمة التحاليل
أب لطفلة: مش عارف أجيب لها طلباتها.. راتبي 3 ألاف جنيه وطعامها أصبح بعد التعويم 2000 جنيه.. وأب لطلفين: محتاجين 10 ألاف جنيه شهريا
كتب- إيمان عوف
فيما يعاني المصريون من ارتفاع أسعار السلع الأساسية وتراجع سعر الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية، وانخفاض ملحوظ في مستوى معيشة الأفراد، كان هناك وجه أخر لكارثة الغلاء، تمثلت في صراخات أسر أطفال من المصابين بسوء التمثيل الغذائي، ما يزيد الأزمة.
اعتاد المصريون على الاستغناء عن الوجبات الأساسية واستبدالها بعناصر أقل سعرا وأكثر فقرا كلما زادت الأسعار، إلا أن تلك الأدوات مستحيلة أمام مرضى التمثيل الغذائي “pku” خاصة وأنهم مجبرين على أنواع معينة من الأغذية لأنه ببساطة شديدة إذا لم يلتزموا بها فسيكون الموت مصيرهم.
ويعرف مرض سوء التمثيل الغذائي “بيلَة الفينيل كيتون” بأنه اضطراب وراثي نادر يتسبَّب في تراكُم حمض أميني يُسمَّى الفينيل ألانين في الجسم، وينشأ اضطراب بيلَة الفينيل كيتون نتيجة تغير في جين فينيل ألانين هيدروكسيلاز، حيث يساعد هذا الجين على تكوين الإنزيم اللازم لتكسير الفينيل ألانين. وبدون الإنزيم اللازم لتكسير الفينيل ألانين، يمكن تراكم أحماض خطيرة عندما يتناول المصاب باضطراب بيلَة الفينيل كيتون أطعمة تحتوي على البروتين أو الأسبارتام، وهو مادة تحلية اصطناعية، وقد يؤدي هذا في نهاية المطاف إلى مشكلات صحية خطيرة.
ووفقا لـ Mayo Clinic (مايو كلينك) يجب على المصابين الذين يعانون من بيلَة الفينيل كيتون – سواء أكانوا رضَّعًا، أم أطفالاً أم بالغين – اتباع نظام غذائي يحد من فينيل ألانين طوال حياتهم، ويوجد هذا الحمض غالبًا في الأطعمة التي تحتوي على البروتين.
استغاثة لرئيس الجمهورية أطلقتها صفحات مرضى التمثيل الغذائي عبر وسائل التواصل الاجتماعي من آباء وأمهات، أبنائهم يصرخون من الجوع ويموتون أمامهم يوميا بسبب عدم وجود الأغذية الخالية من البروتين والنشويات، والتي لا يوجد منها في مصر إلا القليل وأغلبها يتم استيرادها من الخارج بالدولار الذي وصل إلى ما يقرب من 31 جنيها مصريا.
https://m.facebook.com/groups/420154792512491/permalink/882898116238154/?mibextid=Nif5oz
يقول أحمد جبر، والد طفلين توأم من مصابي مرض سوء التمثيل الغذائي في تصريحات لـ”درب”: “أقف عاجزًا تمامًا أمام أطفالي وهما يأكلان من طعامنا العادي الذي يحمل لهم السموم وانتظر بين كل لحظة والثانية إصابتهما بنوبات التشنج والاكتئاب والخلل في أجهزة الجسم، أقضي ساعات يوميا وأنا أفكر متى سيبدأ الانهيار فهو قادم لا محالة، خاصة وأني على يقين أن عجزي عن توفير أطعمة الحمية الغذائية لأبنائي المصابين بسوء التمثيل الغذائي سيؤدي حتما إلى موتهم لكن أي ساعة لا أعرف”.
بحسبة بسيطة قدر جبر تكلفة تغذية طفلين مصابين بمرض سوء التمثيل الغذائي بما يزيد عن عشر آلاف جنيه شهريًا، بعدما كان لا يتجاوز الثلاثة آلاف جنيه في منتصف العام الماضي 2022، نتيجة لارتفاع سعر الدولار وانخفاض قيمة الجنيه، حيث يقول “يحتاج الأطفال ما يقرب من 18 علبة لبن تصل تكلفة العلبة الواحدة لـ100 جنيه، و4 كيلو مكرونة تكلفة الكيلو الواحد يزيد عن 300 جنيه حسب النوع، إضافة إلى نوعيات معينة من الخبز بدقيق يصل سعر الكيلو 300 جنيه ونحتاج في الشهر الواحد 15 كيلو، ونضطر في كثير من الأحيان لشراء أغذية معينة شبيه بالطعام العادي لكن بمكونات مختلفة حتى يقتنع الأطفال ويقبلون على الطعام مثل (ناجتس الدجاج) ولكنها ليست مكونة من الدجاج تشبهه في الصورة فقط، إضافة إلى شكولاتة يصل سعرها لـ1000 جنيه في العلبة الواحدة ونضطر لشرائها لأنهم في نهاية المطاف أطفال محرومون من كل ما هو طبيعي، إضافة إلى إجراء تحليل شهري يصل لـ300 جنيه وهي الأرقام التي زادت مع زيادة الدولار ما يقرب من 60%، مضاف عليها رسوم وجمارك تصل إلى سعر الأغذية وتزيد”.
ويؤكد جبر الذي يعمل فني مساعد في أحد مصانع الملابس الجاهزة في العاشر من رمضان والذي تعمل زوجته أخصائية نفسية في إحدى المدارس الخاصة، أن “مرتبه ومرتب زوجته لا يزيد عن 6 آلاف جنيه شهريا، وهو ما اضطره لشراء سيارة ملاكي يدفع أقساطها والعمل عليها فترة مسائية، لكي يستطيع بالكاد الإيفاء بالمتطلبات الأساسية لأبنائه مصابي سوء التمثيل الغذائي وسداد أقساط السيارة وإيجار الشقة، لكن في أغلب الأحيان يعجز عن توفير كل تلك المتطلبات”.
ورغمًا عن إعلان رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي في مطلع العام الحالي عن مبادرة الكشف عن الأمراض الوراثية والجينية، إلا أن مساهمة الدولة في تغذية الأطفال مصابي سوء التمثيل الغذائي لا تتجاوز في الشهر 8 علب ألبان، وكيلو من الأرز والمكرونة والدقيق المخصصين لهذه النوعية من الأمراض.
وعن الدعم الذي تقدمه الدولة لمصابي “pku”، توصف “منى. ح” إحدى الأمهات لطفل يبلغ من العمر ثلاث سنوات ويعاني من المرض، أن “الدولة لا تنظر بعين الرحمة لآباء وأمهات وأطفال يموتون يوميا من الجوع”. وتقول “فقدت طفلة من قبل بسبب عدم قدرتي على الإيفاء بمتطلباتها من التغذية المناسبة، خاصة وأني اكتشفت إصابتها بمرض سوء التمثيل الغذائي بعد فترة طويلة، حيث توجد مشاكل كثيرة مرتبطة بالتشخيص، وكنت أذهب لمطبخ الـ”pku” بمستشفى الدمرداش للأطفال لكي أحصل على وجبة أو اثنين، لكن الوجبات كانت سيئة للغاية، ولا يوجد أي إشراف عليها وكنت أقضي يوم كامل وأنا في يدي طفلتي التي ماتت وعلى كتفي شقيقها أمام المستشفى للحصول في النهاية على وجبة ترفض الحيوانات الضالة أن تأكلها لكني كنت مضطرة لذلك، فكيف يمكن لأسرة بها طفلان مصابان بالمرض أن توفر كيس مكرونة واحد لا يزيد عن 250 جرام وتدفع 300 جنيه، ولا يكفي الطفل سوى يوم واحد.
ومع غياب الإحصاءات الرسمية عن انتشار المرض في مصر، تشير أرقام منظمة الصحة العالمية إلى أن مرض التمثيل الغذائي يصيب طفلا واحدا من بين كل 10 آلاف مولود، حيث يكون الجين المتنحي الذي يحمله الأبوان حتى الدرجة الرابعة هو السبب الرئيسي في الإصابة به.
ويعيش أطفال مرض التمثيل pku معاناة كبيرة مع مرض لا يتطلب علاجا دوائيًا، لكنه يحتاج لرعاية وغذاء صحي، فلا يستطيع هؤلاء الأطفال تناول أي نوع من الطعام ويعتمدون في طعامهم على نظام مصنوع بطريقة معينة وألبان مخصصة لهم، ولذلك قررت نيرمين إيميل والدة طفل مصاب بمرض سوء التغذية أن تتقن طريقة تحضير أطعمة الأطفال المصابين، حتى توفر لطفلها والالاف من الأطفال اغذية صحية تتناسب مع طبيعتهم، فأصبحت قبلة لأغلب الاسر التي تعاني مر المعاناة من غياب الأغذية لأطفالهم.
تقول نرمين لـ”درب”: “قررت أن أحصل على مكونات الأطعمة المناسبة لمرضى سوء التمثيل الغذائي عن طريق علاقتنا بمصريين وعرب بالخارج حيث يتعاطف بعض الأشخاص مع حالنا فيقومون بتوفير المكرونة والأرز والألبان وحتى الشكولاتة التي تخلو من الدهون، ويرسلونها لنا وبالطبع نتكلف أسعار الشحن بالإضافة لأسعار المكونات الأساسية، وهو ما يرفع من أسعار الوجبات على الأسر، لكنني أحاول قدر المستطاع أن اوفر وجبات تتماشى مع الظروف الاقتصادية لأغلب الأهالي، لكن هناك المئات وقد يكون الالاف غير قادرين على الحصول على الوجبات”.
ومن ضمن مطالب أسر أطفال سوء التمثيل الغذائي أن توفر الدولة مخبزا ومطبخا مناسب لأبنائهم في كل محافظة يكون قريبا منهم، ويراعي الحالة النفسية والجسدية لأبنائهم، أو أن ترفع الدولة الجمارك وأسعار الشحن على تلك النوعية من المنتجات حتى تسهل الحصول عليها أو توفير دعم مادي لكل أسرة لديها مصاب بهذا المرض حتى يتمكنوا من توفير الدواء والغذاء لأبنائهم.
محمود أبو الوفا، عامل باليومية يتقاضى ما يقرب من 3000 جنيه شهريًا، أب لطفلة ثلاث سنوات مصابة بمرض سوء التمثيل الغذائي، يقول في تصريحات لـ”درب” أضطر للتغيب عن العمل يومين في الشهر لكي أحصل على 8 علب من اللبن وكيلو دقيق وأرز ومكرونة، وأغلب الأوقات لا يوجد الدقيق أو الأرز، واضطر للذهاب يوم أخر انتظر من الساعة الثامنة صباحا الخامسة مساءا”.
ويضيف “لا أحد يشعر بمعاناة أن يبكي طفلك ليحصل على قطعة خبز تأكلها، أو قطعة شكولاتة في يد طفل آخر، وأنت تقف عاجزا تماما عن إقناع الطفل بأنه مريض وأن ما يرغب به قد يعرضه للموت، وما يزيد من الطين بله أن لا تستطيع توفير بدائل نتيجة لانخفاض الدخل وانهيار قيمة الجنيه، حيث يوجد بدائل لكل ما يشتهيه الطفل بمواصفات بعينها ولكننا ماديا لا نقوى على ذلك”.
حسب أبو الوفا “متطلبات ابنته المصابة في أكل يتناسب مع حالتها بما يقارب الـ 2000 جنيه ما يزيد عن نصف دخله”، أوضح أبو الوفا أن هناك مشكلة أخرى حتى مع توفير العناصر الأساسية من وزارة الصحة وهو عدم معرفة أغلب الأمهات بطريقة طهو الطعام بطريقة صحية.
عدد أبو الوفا مطالبه في أن يكون هناك منافذ في كافة المحافظات لصرف وجبات تكفي الأطفال المصابين شهر على الأقل، وأن يتم تحديد مواعيد بعينها تتناسب مع طبيعة عمل أغلب الآباء، إضافة إلى ضرورة التخلي عن نفقات التحليل الشهري التي تجرى في المعامل المركزية والتي لن تمثل رقمًا كبيرا للحكومة بينما هي عبء على كاهل الأسر، مع ضرورة تعميم تجربة مستشفى الزقازيق التي استطاعت أن توفر الخبز للأطفال المصابين ولكنها بعيدة عن أغلب المحافظات، كما أن البعض يحاول محاربتها للاستمرار في الاتجار بأوجاع الأطفال.