وثائق بريطانية: إسرائيل خططت لنقل مياه نهر النيل قبل 35 عاما لحل أزمتها المائية.. والسادات قدم عرضا مماثلا في 1974
بي بي سي
بعد عقدين من احتلالها الأراضي الفلسطينية، وضعت إسرائيل نهر النيل ضمن خطة شاملة لحل مشكلتها المائية التي وصلت إلى ما اعتبرته حينها نقطة تحول، حسبما تكشف وثائق بريطانية.
في حرب عام 1967، احتلت إسرائيل الضفة الغربية بما فيها شرق القدس، وقطاع غزة. وأصبحت باعتبارها سلطة احتلال مسؤولة عن توفير المياه لسكان غزة، الذين لا يزال 90% منهم يعانون حتى الآن، كما قالت الأمم المتحدة منذ شهور، أزمة في المياه الصالحة للشرب.
وفي عام 2005، اضطرت إلى الانسحاب من القطاع، وأخلت 21 مستوطنة يهودية فيه، غير أن الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية والكثير من دول العالم يصرون على اعتبار القطاع محتلا.
ومنذ الاحتلال، اُدرجت مسألة المياه في الشرق الأوسط على قائمة اهتمامات بريطانيا التي ساهمت في عدد كبير من الفعاليات الدولية والإقليمية للبحث عن حلول.
وفي عام 1987، أرسلت وزارة الخارجية البريطانية الدبلوماسي جريك شابلاند، ممثلها في المباحثات المتعددة الأطراف بشأن المياه في عملية السلام، إلى كلية الدراسات الشرقية والأفريقية “سواس” في جامعة لندن للتعمق في دراسة الملف.
في شهر مايو عام 1988، نظم شابلاند ندوة مغلقة لبحث وضع المياه في الشرق الأوسط. وكُشف خلالها، صراحة لأول مرة، عن خطط إسرائيلية لحل مشكلة المياه سواء في “أراضيها” أم في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وعرض يوشوا شوارز، المسؤول عن التخطيط المائي الإسرائيلي في القرن الحادي والعشرين ومدير إدارة التخطيط الشامل في المؤسسة الإسرائيلية للمياه “تاهال”، وضع البلاد المائي، وقال:
• كمية المياه المتاحة لدولة إسرائيل من كل المصادر أقل من الطلب، لذلك فإنه من الضروري توسيع قاعدة الموارد المائية.
• شبكة إمدادات المياه في إسرائيل تصل حاليا إلى نقطة تحول. فبعد فترة طويلة من التنمية التي استهدفت دعم نمو الاقتصاد، والتوزيع المخطط للسكان، حان الوقت كي يُوجه المجهود الرئيسي إلى صيانة شبكات الإمدادات والموارد المائية الحالية وحماية جودة مياه الشرب التي نحتاج إليها.
• في السنوات الأخيرة، تقلصت بدرجة خطيرة الاحتياطات الفاعلة ومخزون المياه الجوفية، ووصلت مستويات الحفر بحثا عن المياه إلى أعماق غير مسبوقة. وهذا سيؤدي إلى انخفاض حاد في إمدادات المياه في السنوات القادمة.
• الاستغلال الخارج عن السيطرة للمياه الجوفية في يهودا والسامرا (الضفة الغربية) يمكن أن يؤدي إلى تدمير الموارد الحيوية لإمدادات المياه.
• أي اتفاق (مع الفلسطينيين) في يهودا والسامرا يجب أن يتضمن حكم وسيطرة حكومة إسرائيل المستمرين على الموارد المائية وإدارتها وتنميتها.
وأفردت دراسة المسؤول الإسرائيلي قسما خاصا عن “إمدادات المياه إلى سكان قطاع غزة”، المحاط بعدد كبير من المستوطنات التي تحتاج إلى المياه للأغراض الحياتية والزراعية، وقالت:
• مصدر المياه لقطاع غزة هو مياه جوفية رملية ورملية حجرية، وهو امتداد لمسار المياه السطحية الساحلية في جنوب إسرائيل.
• تُستغل هذه المياه بمعدل يبلغ ضعف تقديرات كميات المياه المتجددة.
• مستوى ملوحة المياه الجوفية الحالي سيفرض الحد من استخراج المياه. وبالتالي، فإنه ربما ينبغي التخلي عن جزء كبير من زراعات المحاصيل الحمضية في المنطقة، بل ربما يُتوقع ظهور صعوبات في إمدادات المياه الصالحة للشرب.
• في الوقت نفسه، وُضعت خطط لتوفير ما بين 25 و40 مليون متر مكعب من مياه الشرب التي تُزوّد بها غزة من الشبكة الوطنية (الإسرائيلية) مقابل مياه تُنقل من نهر اليرموك إلى إسرائيل. ولكن هذه الخطة وضعت في الدرج مع تعليق المفاوضات السياسية.
في هذا السياق، تحدثت الخطة الإسرائيلية عن مياه النيل خيارا لحل مشكلة غزة المائية، وتخفيف العبء عن شبكة المياه الإسرائيلية، وقالت “بسبب المشكلات الهيدرولكية (المائية) الحادة في غزة، سوف يتم العثور على وسيلة لتوفير المياه من مصادر خارج قاعدة موار المياه الإسرائيلية، مثل نهر النيل من سيناء، أو تحلية مياه البحر”، وتتضمن الخطة ضرورة إبرام “معاهدة إقليمية شاملة تدعمها الدول المجاورة والقوى العظمى”.
وفي إطار مشروع “استيراد المياه من مصادر المياه البعيدة” إلى إسرائيل، كشف المسؤول الإسرائيلي عن “إعداد خطط هندسية في مناسبات مختلفة لنقل المياه الفائضة من النيل أو من نهر الليطاني (اللبناني) إلى إسرائيل”.
وقال “أثبتت الخطط الجدوى الاقتصادية لبيع المياه من جانب الدول المجاورة وشراء إسرائيل لها بالمال أو المقابل الاقتصادي مثل الكهرباء”، وضرب شوارز أمثلة بتعاون مماثل في مناطق أخرى. وقال إن “الترتيبات المماثلة عادية بين الدول المتجاورة مثلما هو الحال بين هونغ كونغ والصين، وماليزيا وسنغافورة”.
واعترف مسؤول التخطيط المائي الإسرائيلي بأن تعاونا مماثلا في الشرق الأوسط يحتاج إلى توفر بيئة سياسية مواتية، وقال “الخلفية السياسية الملائمة لهذه الأمور ما تزال ناقصة، لذلك ما تزال كل هذه المشروعات الهندسية الرائعة خططا في الأدراج”.
وختم شوارز دراسته، التي جاءت في 27 صفحة، بالتأكيد مجددا على أنه “في السنوات الأخيرة تقلصت بدرجة خطيرة الاحتياطات الفاعلة ومخزون المياه الجوفية (في إسرائيل)، ووصلت مستويات الحفر بحثا عن المياه إلى أعماق غير مسبوقة”، وحذر من أن “هذا الموقف يؤدي إلى انخفاض حاد في إمداد المياه في السنوات القادمة”.
وفي تقييمها للدراسة الإسرائيلية، استطلعت الإدارة رأي الدكتور جيمس بيتش، رئيس قسم الجغرافيا في جامعة سالفورد، وفي تقييمه، قال بيتش:
• تعاني غزة أصعب مشكلات موارد المياه مقارنة بالضفة الغربية ومرتفعات الجولان المحتلتين.
• غزة مكتظة بالسكان (بما فيهم سكان المستوطنات اليهودية الـ 21) وتعتمد على إسرائيل في إمدادات المياه وفي معالجتها.
• شعب غزة يصبح أكثر اندماجا في الحياة الإسرائيلية بدرجة أكبر من الضفة الغربية. وهذا يثير، في المستقبل، توقعات بمعدل أعلى لاستهلاك المياه للفرد من أقاربهم في الضفة الغربية.
• غزة لديها (مشكلة) تتعلق بإمدادات مائية محلية غير كافية بشكل ميؤوس من حلها.
ورغم صعوبة مشكلة غزة المائية، فإنه استبعد جدوى خيار النيل كبديل، وقال “إمكانية تزويد غزة بمياه النيل، الذي تثيره ورقة شوارز، حل ليس له فرصة للنجاح”.
ووصفت إدارة الشرق الأوسط الدراسة الإسرائيلية بأنها “أكثر المواد التي تلقيناها عن الموضوع قيمة خلال السنوات الأربع الماضية وربما أكثرها على الإطلاق”.
وفي تقرير إلى الإدارات المعنية في الخارجية البريطانية، أوصت إدارة الشرق الأوسط بإخفاء اسم الدكتور بيتش إذا نوقش الأمر مع الإسرائيليين، وقالت “لا شك أن الدكتور بيتش مهتم بألا تتضرر علاقاته التي من الواضح أنها وثيقة مع السلطات المعنية في إسرائيل”.
بعد حوالي 4 سنوات، طرحت جامعة نيوكاسل مشروعا، أرسلت نسخة منه إلى الخارجية البريطانية، بشأن إدارة الموراد المائية في الأراضي الفلسطينية.
ولما عُرض المشروع، الذي طُرح في شهر فبراير عام 1992، على القنصلية البريطانية في القدس، ردت قائلة “نرحب من حيث المبدأ بفكرة أنه ينبغي علينا دعم تنمية القدرات الفلسطينية في قطاع المياه”، ونبهت إلى أن المياه “ستكون عنصرا رئيسيا في اتفاق بشأن ترتيبات حكم ذاتي للفلسطينيين في عملية السلام”.
لم تتوقع القنصلية تراجع إسرائيل عن سياستها الرامية إلى السيطرة على المياه في الأراضي الفلسطينية، غير أنها قالت إنه “من الصعب تصور أي حزمة من التدابير الفعالة التي تستبعد تماما الفلسطينيين من أن يكون لهم كلمة ما في السيطرة على الموارد المائية واستخدامها في الضفة الغربية وغزة”.
بعد أقل من شهر، شاركت الخارجية في حلقة نقاش بحثية مغلقة تحت عنوان “المياه في الشرق الأوسط: صراع أم تعاون”، وطُرحت رؤية إسرائيل بشأن البدائل المتاحة لأزمة المياه في إسرائيل والأراضي التي تحتلها.
وعرض هيليل أشعيا شوفال، مؤسس أول برنامج إسرائيلي لحماية البيئة، بدائل منها توفير المياه من نهر النيل. وقال “هذا سيكون، كحل مؤقت، أرخص من إنشاء محطات تحلية، وأكد أن “هناك مؤشرات على أن المصريين سيوافقون على تزويد غزة بالمياه”.
بعد ثلاثة أشهر، تلقت القنصلية البريطانية في القدس دراسة أجرها فريق هولندي متخصص لمصلحة الحكومة الهولندية عن “مسألة المياه في قطاغ غزة”، وحسب برقية للقنصلية إلى لندن، فإن من بين أهم نتائج الدراسة، التي قالت القنصلية إنها عُرضت على الأمم المتحدة في شهر يونيو عام 1992:
• ندرة المياه في غزة أخطر مما تحدثت عنه التقارير سابقا.
• ملوحة المياه الجوفية في القطاع تزيد باطراد خلال السنوات الأخيرة .
• مستويات النترات (في المياه) عموما تجاوزت مستويات منظمة الصحة العالمية لمياه الشرب.
• هناك إفراط في استغلال المياه الجوفية السطحية في غزة بمعدل 35 مليون متر مكعب سنويا .
وعرضت الدراسة المقترحات التالية: توفير المياه النقية من مصر، تحلية المياه الجوفية المالحة أو مياه البحر، التخلي عن زراعة المحاصيل التي تحتاج إلى قدر كبير من المياه مثل الحمضيات لحماية جودة المياه الجوفية.
وتكشف الوثائق أن اهتمام مسؤولي المياه الإسرائيليين بالتعاون مع إثيوبيا، منبع النيل، بشأن المياه يعود إلى العقد الأول بعد إعلان “دولة إسرائيل”.
وأبلغت السفارة البريطانية في أديس أبابا لندن بزيارة قام بها أي. هودوفيتز، مسؤول التخطيط في مؤسسة “تاهال” الإسرائيلية للمياه إلى أثيوبيا في أوائل شهر أغسطس عام 1959، وحسب السفارة، فإن أحد أهداف الزيارة هو “إقامة فرع للمؤسسة في إثيوبيا”.
ووفق معلومات السفارة، فإن الفرع الجديد سوف يشارك في “مشروعات لإمدادات المياه، إضافة إلى الري والصرف، وتنقية المياه، وأشغال الكهرباء المائية”.
وبعد 21 عاما، لفت انتباه البريطانيين غض إثيوبيا الطرف عن عرض الرئيس الأسبق محمد أنور السادات نقل مياه النيل إلى إسرائيل عام 1974 ضمن مشروعه لـ”التسوية مع إسرائيل”.
ففي شهر يونيو عام 1980، قدمت أديس أبابا إلى منظمة الوحدة الأفريقية (الاتحاد الأفريقي الآن) شكوى ضد مصر لعدم إبلاغها دول حوض النيل بمشروع السادات لنقل مياه النيل، عبر 6 أنابيب، إلى سيناء في سياق خطة طموحة لتنمية شبه الجزيرة التي تشكل 6 في المئة من مساحة مصر الإجمالية.
وفي تقييمها لوجاهة الشكوى، أشارت السفارة البريطانية بالقاهرة، في برقية سرية إلى لندن، إلى أن الموقف المصري قانوني ولم يخالف الاتفاقات التي تنظم استخدام مياه النيل.
وقالت “من المفاجىء المدهش إلى حد ما إنها (الشكوى الإثيوبية) لم تتضمن أي إشارة إلى عرض الرئيس السادات العام الماضي نقل مياه النيل عن طريق الأنابيب إلى القدس”.
مرت 14 عاما بعد الشكوى الإثيوبية، ليبشر الرئيس الإسرائيلي الراحل شمعون بيريز بتعاون إقليمي بشأن موارد المياه في الشرق الأوسط.
وفي كتابه “الشرق الأوسط الجديد”، اعتبر المياه في الشرق الأوسط ملكا للمنطقة كلها. واقترح “إقامة نظام إقليمي”، وتنبأ بأنه “من خلال هذا النظام فقط، يمكن التخطيط وتنفيذ مشاريع تنمية المياه وتوزيع المياه على أساس اقتصادي بأسلوب عادل ومؤتمن”.
وفي التطبيق، قال بيريز إن “الحل الأفضل يكمن في مد خطوط أنابيب لنقل المياه من بلد لآخر، ومثل هذه الخطوط التي قد تنقل المياه والنفط والغاز يجب أن تقام بموجب سياسة اقتصادية رشيدة ولا تقوم على المخاوف الاستراتيجية القديمة”.