“هيومن رايتس ووتش” تتهم طرفي النزاع في السودان باستخدام أسلحة متفجرة في مناطق سكنية: تسببت في خسارة أرواح المدنيين وممتلكاتهم
اتهمت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الجيش السوداني وميليشيات الدعم السريع باستخدام أسلحة متفجرة مرارا في مناطق حضرية، تسببت في خسائر في أرواح المدنيين وممتلكاتهم، وألحقت أضرارا بالبنية التحتية الحيوية، وتركت الملايين دون الضروريات الأساسية، داعية مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن يعتمد بسرعة تدابير لردع الانتهاكات والعمل على محاسبة المسؤولين عنها.
ووفقا لبيان للمنظمة، أمس الخميس 4 مايو 2023، استخدم الجيش السوداني وقوات الدعم السريع أسلحة متفجرة ذات آثار واسعة النطاق في مناطق مأهولة بالسكان، بما فيها الدبابات والمدفعية والصواريخ، والذخائر التي ألقتها القوات المسلحة السودانية من الجو، والتي كثيرا ما تؤدي إلى هجمات عشوائية في انتهاك لقوانين الحرب. أجبِر الكثير من المدنيين في الخرطوم وأماكن أخرى على البقاء في منازلهم، حيث عانوا من نقص المياه والكهرباء في ظل حر خانق، وعدم توفر الرعاية الطبية. اضطرت العديد من المستشفيات والمرافق الطبية إلى الإغلاق.
وقال محمد عثمان، باحث السودان في “هيومن رايتس ووتش”، إن القوات السودانية المتحاربة تظهر استهتار امتهورا بأرواح المدنيين عبر استخدام أسلحة غير دقيقة في مناطق حضرية مأهولة بالسكان. الصواريخ والقنابل وأنواع أخرى من الأسلحة المتفجرة تقتل وتجرح المدنيين، وتضر بالبنية التحتية الضرورية للحصول على المياه والرعاية الطبية”.
واندلعت الأعمال القتالية في 15 أبريل 2023، بعد أسابيع من التوتر المتصاعد بين قائد القوات المسلحة السودانية، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع، الفريق أول محمد حمدان دقلو (“حميدتي”)، اللذين قادا معا انقلابا ضد الحكومة الانتقالية في السودان في أكتوبر 2021.
وامتد القتال سريعا إلى مدينتي أم درمان والخرطوم بحري المجاورتين للخرطوم – منطقة حضرية يبلغ عدد سكانها 6.5 مليون – بالإضافة إلى بلدات في الولايات الأخرى، بما فيها الفاشر ونيالا ثم الجنينة في دارفور والأبيض في شمال كردفان.
وبين 15 و30 أبريل، قابلت هيومن رايتس ووتش هاتفيا 23 شخصا، بينهم سكان واختصاصيون طبيون وعمال إغاثة من الخرطوم ونيالا والأبيض، وتحققت أيضا من 10 مقاطع فيديو تُظهر استخدام القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع أسلحة متفجرة في مناطق مأهولة بالسكان في أنحاء الخرطوم الكبرى، وحللت صورا ملتقطة بالأقمار الصناعية وأربعة مقاطع فيديو وثماني صور تظهر هجمات على منشآت الرعاية الصحية ومحطة لمعالجة المياه.
وأسفر القتال في السودان عن سقوط مئات الضحايا المدنيين، حيث أفادت “الأمم المتحدة” في 2 مايو أن 528 شخصا على الأقل قتلوا وجرح 4,599 شخصا.
وقال أطباء لـ”هيومن رايتس ووتش” إن المستشفيات تُسجل فقط من يموتون في المستشفيات أو الذين يتم إحضار جثثهم، ما يعني أن عدد القتلى الموثّق أقل بكثير من العدد الفعلي. فيما لا يبدو أن أي من طرفي النزاع اتخذ تدابير ممكنة لتقليل الإضرار بالمدنيين، سواء بعدم شن هجمات أو نشر قوات حسبما ينص عليه القانون الدولي الإنساني.
وشددت المنظمة على أن القتال أضر بكثير من المنازل والأعيان المدنية الأخرى، وتسببت الهجمات على شبكات المياه في الخرطوم في قطع الشبكة عن مساحات شاسعة من المدينة، وانقطعت المياه عن أجزاء من خرطوم بحري عندما أدى حريق هائل إلى إغلاق محطة معالجة المياه في اليوم الأول من القتال. أفادت إدارة المياه أن القوات منعتهم بشكل متكرر من الوصول إلى المحطة بسبب انعدام الأمن، مما أعاق الإصلاحات.
ودمر القتال ما لا يقل عن 16 مستشفى، بينما اضطرت عشرات المستشفيات الأخرى للإغلاق بسبب نقص الإمدادات والمياه والكهرباء والموظفين. في 18 أبريل، كما أصابت قنبلتان جويتان مستشفى الشعب، أحد أكبر مستشفيات الخرطوم العامة، مما أجبر طاقم المستشفى على إجلاء المرضى. من المعروف أن القوات المسلحة السودانية هي وحدها التي يملك وتُشغّل طائرات القوات الجوية السودانية في الخرطوم.
وقال طبيب في الخرطوم في 28 أبريل إن المستشفيات الكبرى استمرت في العمل بما تبقى لديها من مخزون طبي فقط.
وفي نيالا بدارفور، أسفر القتال العنيف عن إصابة مئات المدنيين بطلقات نارية بشكل رئيسي. وعلى مدى أيام، هاجمت جماعات مسلحة مجهولة الهوية، مرفق التخزين الطبي الرئيسي في المدينة ونهبته ثم أحرقته.
وقال طبيب إن القتال استنفد قدرة مستشفيات المدينة الثلاثة المنهكة مسبقا: “لدينا نقص حاد في الأدوية بما أن الإمدادات الطبية نُهبت وحُرقت. الشوارع غير آمنة، لذا لا يستطيع الأطباء والمرضى التحرك بحرية”.
ومنذ بداية النزاع المسلح، فرّ مئات آلاف السودانيين إلى أجزاء أخرى من السودان أو إلى مصر وتشاد وجنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى المجاورة. قالت امرأة (34 عاما) إنها قررت في نهاية المطاف مغادرة منزلها في الخرطوم بعد أيام من الهجمات المستمرة في الحي الذي تقيم فيه: “إما أن تبقى في المنزل مع القليل من الكهرباء أو الماء أو بدونها وتخاطر بتعرض منزلك للقصف، أو تغامر بالقيادة إلى مكان أكثر أمانا مع المخاطرة بالوقوع في مرمى النيران”.
كما غادر مئات من الدبلوماسيين الأجانب وموظفي الأمم المتحدة ومسؤولي الإغاثة الآخرين السودان برا وجوا. وقالت “هيومن رايتس ووتش” إن الوجود الدولي المحدود سيؤثر على إيصال المساعدات الإنسانية ومراقبة انتهاكات الأطراف المتحاربة.
وتابعت: “لدى القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع سجلات طويلة من الانتهاكات الجسيمة لـلقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان”.
واستكملت: “على الطرفين الالتزام بقوانين الحرب، بما فيه بحظر الهجمات العشوائية، واتخاذ جميع التدابير الممكنة لتقليل الإضرار بالمدنيين والسماح بالحركة الآمنة لهم، ومعاملة كل المحتجزين بشكل إنساني، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين”.
على شركاء السودان الإقليميين والدوليين، و “مجلس السلام والأمن الإفريقي”، ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة اتخاذ تدابير ملموسة لتقليل الإضرار بالمدنيين، بما فيه عبر حظر الأسلحة واستخدام العقوبات محددة الهدف. على “مجلس حقوق الإنسان” التابع للأمم المتحدة، الذي التزم الصمت تجاه النزاع حتى الآن، عقد جلسة خاصة وإنشاء آلية لجمع الأدلة على الجرائم بموجب القانون الدولي والحفاظ عليها من أجل الملاحقات القضائية المحتملة في المستقبل.
أطراف النزاع المسلح غير الدولي في السودان ملزمة بعدم انتهاك القانون الإنساني الدولي، المعروف بقانون الحرب، والموجود في “اتفاقيات جنيف الرابعة عام 1949” والقانون الدولي العرفي. من المبادئ الأساسية لقوانين الحرب أنه يجب على الأطراف التمييز بين المقاتلين والمدنيين في جميع الأوقات. لا يجوز للأطراف مهاجمة المدنيين أو الأعيان المدنية عمدا، ولا يجوز شن هجمات لا تميّز بين المقاتلين أو المدنيين أو يمكن أن تلحق الأذى بالمدنيين بشكل غير متناسب. الأطراف المتحاربة مطالبة باتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتقليل الإضرار بالمدنيين والأعيان المدنية. كما يظل القانون الدولي لحقوق الإنسان منطبقا.
يمكن محاسبة الأفراد الذين يرتكبون انتهاكات جسيمة لقوانين الحرب بقصد إجرامي، أي عمدا أو بتهور، عن جرائم حرب. يمكن مقاضاة القادة الذين علموا أو كان ينبغي أن يعلموا بالانتهاكات التي ارتكبتها قواتهم ولم يمنعوها أو لم يعاقبوا المسؤولين عنها على أساس مسؤولية القيادة.
قال عثمان: “على هيئات الأمم المتحدة والهيئات الأفريقية الضغط على القوات المتحاربة للالتزام بالقانون الدولي وضمان حصول الجميع على المساعدة والرعاية الطبية. للحيلولة دون تفاقم الوضع السيء، يتعين على مجلس الأمن إيقاف جميع عمليات نقل الأسلحة إلى السودان، وضمان الإبلاغ عن الانتهاكات، وإنشاء آلية للمساعدة في تقديم المسؤولين عن الجرائم الخطيرة إلى العدالة”.