هيومن رايتس: الانتخابات التشريعية الأولى في قطر تفضح قانون الجنسية التمييزي.. لا بد من منح جميع القطريين حقوقهم الكاملة
طالبت منظمة هيومن رايتس ووتش، الخميس، قطر بتعديل قانون الجنسية لسنة 2005 ليمنح جميع المواطنين القطريين؛ «أصليين» و«متجنسين»، حقوقهم الكاملة بالمواطنة، وشددت على السلطات القطرية ضرورة أن تفرج فورا عن جميع المحتجزين لمجرد ممارستهم حقهم بالتعبير الحر والتجمع السلمي.
وقالت «هيومن رايتس»، في بيان صحفي، إن القوانين التي أُقرت أواخر يوليو الماضي لتنظيم الانتخابات التشريعية الأولى في قطر ستحرم فعليا آلاف القطريين من الاقتراع أو الترشح، لافتة إلى أن القوانين الجديدة تسلط الضوء على قانون الجنسية القطري «التمييزي».
يمنع النظام الانتخابي الجديد القطريين الذين يصنفهم قانون الجنسية المثير للجدل كـ متجنسين» بدل «أصليين» (القطريون أساساً) من الترشح في الانتخابات وبشكل عام من الاقتراع في انتخابات أكتوبر لثلثي مقاعد «مجلس الشورى».
وأثار القانون الجديد الجدل والنقاشات بين القطريين على مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى بعض التظاهرات الصغيرة بقيادة قبيلة «آل مُرّة» شبه البدوية، إحدى أكبر القبائل القطرية والمتأثرة بقانون الجنسية التمييزي، فيما ردت السلطات القطرية بتوقيف واحتجاز بعض المنتقدين الأكثر جهرا، وعلى الأقل اثنين من الرجال الذين كانوا يقودون المظاهرات.
وقال آدم كوغل، نائب مدير قسم الشرق الأوسط في «هيومن رايتس» في بيان صحفي للمنظمة: «كان يمكن لمحاولة قطر إشراك المواطنين في الحكم أن تكون لحظة يُحتفى بها، لكنها تشوهت بفعل حرمان العديد من القطريين من حقوق المواطنة الكاملة وقمع منتقدي الحرمان التعسفي من الاقتراع. القوانين الجديدة ذكّرت القطريين أنهم ليسوا جميعا متساوين».
ونقلت «هيومن رايتس» عن أفراد من قبيلة «آل مرّة»، خارج قطر، قولهم في 23 أغسطس الماضي، إن القوى الأمنية القطرية كانت قد اعتقلت 15 شخصا على الأقل في الأسبوعين السابقَين، أربعة منهم على الأقل ما يزالون محتجزين – محاميان، وشاعر، ومقدم أخبار في قناة تلفزيونية قطرية.
ووفقا للبيان، القانون رقم 7 لسنة 2021، الذي أقرّه أمير قطر في 29 يوليو مع قانونين آخرى متصلة، سيمنح مجلس الشورى صلاحيات تشريعية. كما سيتمكن المجلس من ممارسة سلطته على السلطة التنفيذية، باستثناء الهيئات التي تضع السياسات الدفاعية، والأمنية، والاقتصادية، والاستثمارية. وستكون ضمن صلاحياته إقالة وزراء، واقتراح قوانين، والموافقة على الميزانية الوطنية أو رفضها.
سيمثل 30 عضوا منتخبين 30 دائرة انتخابية. ويستمر الأمير، الذي كان يعين جميع أعضاء المجلس الـ 45، بتعيين الـ 15 الباقين. في السابق كان القطريون يقترعون في الانتخابات البلدية فقط. كما هو الحال في باقي دول الخليج، الأحزاب السياسية ممنوعة.
ويشار إلى أن معظم الانتقادات لقانون الانتخابات القطري الجديد تطال قانون الجنسية الجديد في البلاد (قانون رقم 6 لسنة 2021)، الذي ينص على أن بإمكان المواطنين البالغين 18 عاما وما فوق الذين «جنسيتهم الأصلية» قطرية أو المتجنسين الذين يمكنهم إثبات أن أجدادهم وُلدوا في قطر الاقتراع في الدائرة الانتخابية التي يقع فيها عنوانه الدائم، أي «محل إقامة القبيلة أو العائلة»، بينما يُمنع جميع المواطنين المجنسين الآخرين من حق الاقتراع. ويمنع جميع المواطنين المُجَنَّسين من الترشح أو التعيّن في هيئات تشريعية.
يسلط قانون الجنسية الجديد الضوء على نظام المواطنة متعدد المستويات في ظل قانون الجنسية القطري لسنة 2005، الذي يعرّف «القطريين أساسا» على أنهم جميع «المتوطنين» في قطر قبل 1930، وأولئك المُثبت أنهم من أصول قطرية بقرار أميري. وبحسب هذا القانون، لا يُسمح للذين استعادوا جنسيتهم بالترشح في الانتخابات أو التعيُّن في أي هيئة تشريعية قبل عشر سنوات.
وينص القانون على أنه «لا يجوز التسوية بين من اكتسب الجنسية القطرية وبين قطري، بالنسبة لحق شغل الوظائف العامة أو العمل عموما، قبل انقضاء خمس سنوات من تاريخ كسبه الجنسية».
ويسهل القانون على الدولة سحب الجنسية من القطريين «المتجنسين». ويخضع أطفال المواطنين المجنسين لهذا الوضع القانوني من الدرجة الثانية، بغض النظر عن مكان ولادتهم، ما يطيل أمد الحرمان من حقوق المواطنة الكاملة عبر الأجيال، بحسب «هيومن رايتس».
وأشارت «هيومن رايتس»، إلى أن قطر لا تنشر أي أرقام حول عدد المواطنين الذين تعتبرهم الدولة «أصليين» أو «متجنسين»، وجوازات السفر القطرية لا تحمل أي إشارة إلى فئة الشخص. وغالبا ما يكتشف القطريون «المتجنسين» وضعهم القانوني عندما يُمنعون من الحصول على بعض الخدمات أو المزايا الحكومية، كما اكتشف البعض عندما حاولوا التسجيل للترشح أو الاقتراع في الانتخابات.
وأفادت «هيومن رايتس» بأن مكتب الاتصال الحكومي القطري رد في 9 سبتمبر الجاري على طلب المنظمة للحصول على معلومات محددة تتعلق بالاعتقالات قائلا إن السلطات استدعت عددا قليلا فقط من الأشخاص خلال فترة تسجيل الناخبين بسبب الخطاب المحرض على الكراهية، والسلوك المسيء عبر الإنترنت تجاه الناخبين، والتحريض على العنف تجاه مسؤولي إنفاذ القانون وغيرهم من الجمهور»، وإن معظم القضايا منئذ «تم حلها ولم يُتَّخَذ أي إجراء آخر».
لم يتضمن الرد القطري معلومات عن أي من الحالات الفردية المحددة التي استفسرت عنها «هيومن رايتس»، بحسب البيان.
وقالت «هيومن رايتس» إنه ينبغي لقطر تعديل قانون الجنسية لسنة 2005 ليمنح جميع المواطنين القطريين، “أصليين” و”متجنسين”، حقوقهم الكاملة بالمواطنة. وعلى السلطات القطرية أن تفرج فورا عن جميع المحتجزين لمجرد ممارستهم حقهم بالتعبير الحر والتجمع السلمي.
قال نائب مدير قسم الشرق الأوسط في «هيومن رايتس»، إنه «مرة جديدة، تُظهر محاولة قطر الناقصة للإصلاح الانتهاكات الأوسع التي يتم التغاضي عنها وتحصل في البلاد دون رقيب».
يذكر أن علاقة بعض أفراد آل مرّة، التي تضم عشائر عدة، بالعائلة الحاكمة في قطر مضطربة منذ عقود. بدأ الأمر في 1996 عندما سحبت قطر تعسفا من عائلات من عشيرة الغفران من آل مرّة، ما ترك بعضهم بدون جنسية حتى اليوم، وحرمهم من حقوق إنسانية أساسية، منها التعليم، والتوظيف، والرعاية الصحية. وقال آخرون، استعادوا الجنسية بعد 2005، إنهم صُنفوا تعسفا متجنسين» بدل مواطنين «أصليين».
في 8 أغسطس الماضي، وبعد أن منحت اللجنة الانتخابية القطريين فترة خمسة أيام للتسجيل للاقتراع، بدأ القطريون الذين لم تُقبَل طلباتهم بالتعبير عن استيائهم على الإنترنت، والعديد فعل ذلك على «تويتر». كان بينهم كثيرون من قبيلة آل مرّة، الذين طالما انتقدوا حرمانهم من حقوق المواطنة الكاملة؛ ومنهم المحامي القطري البارز هزاع أبو شريدة المري، الذي نشر فيديو على يوتيوب تمت مشاركته على نطاق واسع يخاطب فيه الأمير.
وفي اليوم نفسه، أحالت وزارة الداخلية سبعة أشخاص إلى النيابة العامة بتهمة «نشر أخبار غير صحيحة وإثارة النعرات العنصرية والقبلية»، بدون أن تنشر أسماءهم.
في اليوم التالي، نظم أفراد من قبيلة آل مرّة الاعتصام الأول من سلسلة اعتصامات يومية في مختلف الأماكن قرب الدوحة. في 10 أغسطس ، اعتقلت القوى الأمنية أبو شريدة من منزله، وبعد ذلك نُظمت جميع الاعتصامات بالقرب من منزله في منطقة المعيذر بالقرب من الدوحة.
وقال أفراد من آل مرّة على تويتر، وآخرون خارج البلاد، إن القوى الأمنية القطرية اعتقلت على الأقل 14 شخصا بين متظاهرين ومنتقدين آخرين للقانون، منهم المحامي رشيد علي المري؛ وسعيد بن دجران المري، أحد قادة الاحتجاجات؛ وأحمد الشمري، المذيع على قناة «الريان» التلفزيونية القطرية؛ والشاعر جابر النشيرا، الذي أُطلق سراحه لاحقا.
وفي 23 أغسطس، قال أفراد من آل مرّة خارج البلاد، إن ثمانية أشخاص على الأقل أُطلق سراحهم بعد توقيع تعهدات بعدم ذكر احتجازهم في العلن والابتعاد عن مواقع التواصل الاجتماعي.
وتوقفت الاعتصامات غير المسبوقة التي استمرت أربعة أيام بعد أن قال أفراد من آل مرّة إن الأمير وعدهم بالنظر في مطالب المحتجين. وفي 22 أغسطس، غرد شقيق شريد علي المري على تويتر أن رشيد أبو شريدة لا يزالان محتجزين وممنوعين من التواصل مع أفراد العائلة.
وفي 8 سبتمبر، وجهت الداخلية القطرية تحذيرا شديد اللهجة لمن قالت إنهم يثيرون «النعرات الطائفية والقبلية» ويسعون لـ«إحداث الفرقة» في المجتمع القطري، مؤكدة أنها لن تتوانى في تطبيق القانون عليهم.