هل يحسم صراع القوى داخل الجمهورية الإسلامية الإيرانية مصير الإتفاق النووي؟
إيران تشهد انتخابات رئاسية حاسمة يونيو المقبل.. والتيار المتشدد يعمل عل عرقلة الاتفاق بحجة أنه إهانة لإيران
لا يمكن للرئيس الحالي حسن روحاني المعتدل نسبيا وبطل الاتفاق الترشح مرة أخرى بعد توليه فترتين في المنصب
قراءة وتحليل – ريهام الحكيم
كلفت العقوبات الإقتصادية التي فرضت على إيران الجمهورية الاسلامية خسائرتقدر بـ 200 مليار دولار على الأقل، وفقا لمسؤولين، لكن نظام الحكم – لا سيما عناصره المتشددة – نجح في البقاء والإستمرار ، بالرغم من سياسة “الضغط القصوى” التي انتهجتها إدارة دونالد ترامب وحالت دون انهياره، رغم أنها جاءت بالتزامن مع تدفق ملايين المتظاهرين الإيرانيين إلى الشوارع في مظاهرات حاشدة لمرات عديدة مطالبين بإصلاحات سياسية و إقتصادية.
من جانبها قررت طهران التخلي عن التزاماتها في الاتفاق النووي منذ قرابة العام ردا على عدم رفع العقوبات الأميركية عنها.
وتدرج التصعيد الإيراني في إدارة الملف النووي بعد وصول الإدارة الأمريكية برئاسة جو بايدن، وأخيراً وبالتحديد بعد الهجوم السيبراني / الإلكتروني الذي تعرضت له منشأة نطنز النووية ، أعلنت إيران خطة لزيادة كمية اليورانيوم المخصب ورفع درجة تخصيبه لتصل إلى 60 % ، بالتزامن مع الوقت الذي تخوض فيه إيران مباحثات في فيينا مع الدول التي لا تزال ملتزمة بالإتفاق، تمهيداً لعودة الولايات المتحدة إليه.
في إطار الجدل والصراع الداخلي ، يتهم التيار المحافظ حكومة حسن روحاني ، الذي يحسب على التيار الإصلاحي، بالتهاون للغاية مع هذا الملف وأعتبروا أن حكومة يقودها المحافظين بأنفسهم يمكن أن تنتزع المزيد من التنازلات من الولايات المتحدة.
أما المرشد الأعلي في الجمهورية الإسلامية علي خامنئي فتُعتبرآراؤه لا تختلف كثيراً عن آراء هذا الفصيل المتشدد.
يقف االتيار الإصلاحي بشكل عام إلى جانب حسن روحاني منذ الانتخابات الرئاسية عامي 2013 و2017، لكن فشل روحاني في تحقيق معظم وعوده الانتخابية – سواء على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي – تسببت في تعرض التيار الإصلاحي لهجمات مكثفة من الأوساط المحافظة والأصولية، بالإضافة إلى خيبة أمل الشارع الإيراني الذي خرج في مظاهرات واسعة أكثر من مرة ضد الأوضاع الاقتصادية المتردية وغلاء المعيشة.
وساهم سوء إدارة الرئيس روحاني للملف الاقتصادي في الداخل لتخلي بعض الإصلاحين عنه.
الإصلاحيون بشكل العام هم من أشد المدافعين عن الاتفاق النووي عام 2015، والذي أعتبر نقطة إنطلاق لإعادة دمج إيران في المجتمع الدولي وعودتها للأسواق العالمية ، واستطاع التيار الإصلاحي التغلب على التيار الأصولي والمحافظ الذي كان ينظر بريبة وشك للاتفاق.
لكن مع انسحاب ترامب من الاتفاق في مايو 2018، أصبح المحافظون في موقع أقوى، وبدا وكأنهم كانوا محقين في موقفهم من التشكك في جدوى الاتفاق.
يصنف البعض في الداخل الإيراني مجموعة ما يسمى “المعتدلون المتشددين” بأنهم “تجار العقوبات”، في إشارة إلى مصالحهم الاقتصادية الراسخة في الحفاظ على اقتصاد سري يجني الأرباح من خلال التهرب من قيود التجارة العالمية.
ويخشى المعسكر الإصلاحي، من أن يغذي وصول حكومة متشددة في طهران في الانتخابات القادمة وجهات نظر متشددة في واشنطن، وكذلك قوى إقليمية مثل إسرائيل والمملكة العربية السعودية، ما قد يعني المزيد من الضغط الاقتصادي على إيران.
كان للإتفاق النووي بالغ الأثر على الانتخابات البرلمانية التي جرت عام 2016. حيث نجح تحالف يضم الإصلاحيين والمعتدلين المؤيدين للرئيس حسن روحاني في إلحاق الهزيمة بالمحافظين الذين كانوا يسيطرون على المجلس منذ عام 2004.
يشعر العديد من الإيرانيين أن إحياء الاتفاق النووي لن يؤدي إلا إلى إطالة أمد معاناتهم من خلال توسيع نطاق القبول الدولي للنظام، إذ ان الكثير من الإيرانيين لا يشعرون بالحماسة حيال أي إجراءات يمكن أن تمنح متنفسا لنظام محاصر إقتصادياً والذي أصبحت شرعيته موضع تساؤل في الداخل والخارج أكثر من أي وقت مضى.
إزداد الاستياء العام في الداخل الإيراني خلال سنوات من العقوبات المشددة التي قادتها الولايات المتحدة والتي تم تكثيفها في عهد دونالد ترامب مما أدى إلى التضخم وارتفاع البطالة واحتجاجات شعبية غير مسبوقة ضد الحكومة والتي بدورها ردت على المطالب الشعبية بمزيد من القمع.
وقد انضم العديد من الإيرانيين المحبطين والمصابين بخيبة أمل إلى مدرسة فكرية تحبذ “تغيير النظام” والتي نادى بها مؤيدو سياسة “الضغط القصوى” لدونالد ترامب، على الرغم من أن الإدارة الأمريكية السابقة لم تؤيد هذه الخطوة رسميا. ولكن النتائج التي أفرزتها سياسة الضغوط القصوى التي اتبعتها إدارة ترامب، أوجدت أوضاعاً داخلية ضاغطة داخل إيران، تجعلها مهيأة لقبول إعادة التفاوض من جديد بشأن الاتفاق النووي.
إقصاء الإصلاحيين من برلمان 2020
أظهرت الانتخابات البرلمانية، التي عُقدت في فبراير 2020، فوز وسيطرة المتشددين، بدءاً من معايير اختيار واستبعاد المرشحين، وأكتملت بإنتخاب عمدة طهران والقائد الأسبق للحرس الثوري الإيراني محمد باقر قاليباف رئيساً للبرلمان – بواقع 230 صوتاً من أصل 290 مقعداً – رئيساً للبرلمان الإيراني الذي يحمل اسم مجلس الشورى الإسلامي.
شهدت تلك الانتخابات الاخيرة إستبعاد أكثر من 80% من مرشحي التيار الإصلاحي، بعد قرار مجلس صيانة الدستور بإستبعادهم ليفتح الباب لسيطرة المحافظين القرار النيابي.
بموجب القرار تم حرمان 90 من أعضاء مجلس الشورى السابق من خوض الانتخابات من قِبل مجلس صيانة الدستور الذي يضم 12 شخصا (نصفهم رجال دين والنصف الآخر من القانونيين)، يعين المرشد الأعلى للثورة الإسلامية نصفهم.
أما الستة الباقين يعينهم رئيس مجلس الشورى بتوصية من رئيس السلطة القضائية بقيادة إبراهيم رئيسي المحسوب على التيار المحافظ، والمجلس مسؤول مباشرة أمام الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي.
وتراوحت أسباب الحرمان المعلنة، ما بين ارتكاب مخالفات مالية والتشكيك في مدى التزامهم الديني حسب الخطابات التي تلقوها من المجلس.
وقالت الأوساط الإصلاحية إن 90 % من مرشحيهم تم حرمانهم من خوض الانتخابات. كان أبرزهم محمود صادقي، المدافع عن الحقوق المدنية.و علي مطهري المقرب من روحاني ونجل آية الله مطهري، أحد منظري الثورة الإيرانية الذي اغتيل عام 1980.
ويعد الرئيس الحالي حسن روحاني ( 2013 /2021) رجل الدين الوحيد الذي خاض الانتخابات الرئاسية الإيرانية. تعهد في بداية حكمه 2013، بإجراء إصلاحات وإطلاق سراح السجناء السياسيين وضمان الحقوق المدنية . شغل في السابق العديد من المناصب البرلمانية، والتي تضمنت منصب نائب رئيس البرلمان وممثل آية الله خامنئي في المجلس الأعلى للأمن القومي.وكان روحاني أحد كبار المفاوضين في المحادثات النووية مع الاتحاد الأوروبي، إبان ولاية خاتمي.
كما ترأس مركز الأبحاث الاستراتيجية في مجلس تشخيص مصلحة النظام، وهو أحد الأجهزة الاستشارية العليا للمرشد الأعلى. يجيد اللغة الإنجليزية والألمانية والفرنسية والروسية والعربية، كما أنه حاصل على درجة الدكتوراه في القانون من جامعة جلاسجو كاليدونيان بإسكتلندا.
نجح روحاني في إلحاق هزيمة بالمرشح المحافظ إبراهيم رئيسي – رئيس السلطة القضائية – في الانتخابات الرئاسية عام 2017.
ولا تزال بعض المشاعر المؤيدة لسياسة ترامب تجاه والتي ظهرت مؤخراً خلال الانتخابات الأمريكية من قبل بعض الأكاديميين الإيرانيين والنشطاء السياسيين وحتى المسؤولين السابقين، بداية من ابنة الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني وحتى مستشار الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، يتم التعبير عنها في إيران من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
ولكن إحياء الاتفاق النووي قد لا يكون كافيا في حد ذاته لإقناع الناخبين الإيرانيين بالتوجه إلى صناديق الاقتراع. ولكي يحدث ذلك فإنهم قد يحتاجون إلى رؤية فوائد اقتصادية فورية بما في ذلك انخفاض تكلفة المعيشة وخاصة في أسعار المواد الغذائية الأساسية.
الاتفاق النووي الإيراني 2015
وافقت إيران عام 2015 على صفقة طويلة الأمد بشأن برنامجها النووي مع مجموعة القوى العالمية الخمس وهي كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والصين وروسيا وألمانيا. وجاء ذلك بعد سنوات من التوتر حول جهود إيران المزعومة لانتاج سلاح نووي.
بموجب الاتفاق، وافقت إيران على الحد من أنشطتها النووية الحساسة والسماح بعمل المفتشين الدوليين في إيران ، مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عنها. كما وافقت إيران على تنفيذ البروتوكول الإضافي لاتفاقية ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتي تسمح للمفتشين بالوصول إلى أي موقع في أي مكان يرونه موضع شك.
ومن أهم بنود الاتفاق النووي عام 2015 :
* تخفيض مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 98 % ( من 10آلاف كيلو جرام إلى 300 كيلو جرام فقط )، وهي كمية لا يجب تجاوزها حتى عام 2031.
* يتم تخفيض مستوى تخصيب المخزون من اليورانيوم ( بدرجة 3.67 %) .
* تقليل عدد أجهزة الطرد المركزي من (20 ألف إلى 5 آلالاف ) حتى عام 2026
* يراقب المفتشون من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، المواقع النووية الإيرانية المعلنة باستمرار، ويتحققون أيضًا من عدم نقل أي مواد انشطارية سراً إلى مكان سري لبناء قنبلة نووية.
* لا يسمح لإيران ببناء مفاعلات نووية إضافية تعمل بالماء الثقيل أو تكدس أي مياه ثقيلة زائدة حتى عام 2031