هل انتهى عصر التعليم المجاني؟| خبراء لـ”صالون التحالف”: تسليع التعليم سبب الأزمة.. والمشروع الحالي لتعليم “النخبة”
كمال مغيث: مجانية التعليم ارتبطت بنظم الحكم الوطنية.. وما يحدث في ملف التعليم هو أمر كارثي بكل المقاييس
أحمد يوسف أستاذ البحوث التربوية: “تسليع التعليم” سبب في تفاوت الجودة.. وخلاف طه حسين وإسماعيل القباني عاد من جديد
يوسف: تم تسليم الشعب للقطاع الخاص بلا ضمانات أو رقابة وذلك في كل القطاعات من الاتصالات إلى كهرباء وحتى التعليم
مدير مركز الحق في التعليم:جميع الاتفاقيات التي وقعت عليها مصر تقر مجانية التعليم.. ومخالفة السلطة التنفيذية لذلك “جريمة”
فاتن عدلي خبيرة تطوير التعليم: المصاريف الدراسية شهدت ارتفاعا ملحوظًا خلال العامين الأخيرين.. والخدمات مازالت متدنية
كتبت – آية أنور
شن عدد من خبراء التعليم، هجومًا حادًا على المشروع الحالي لملف التعليم، متهمينه بأنه يعمل على تحويل العملية التعليمية من “خدمة” إلى “سلعة” تقدم نظير مبالغ مجانية وتعصف بمبدأ المجانية التي نصت عليها جميع المواثيق الدولية، وذلك على الرغم من عدم تقديم خدمة جيدة تتمثل في نظم منهجية سليمة ومعلم كفء ومقاعد آدمية، مشددين على أن هناك رغبة تقتصر على منح التعليم لـ”النخبة” والقادرين على السداد.
وقال الدكتور كمال مغيث الخبير في تطوير التعليم، إن مجانية التعليم ارتبطت بنظم الحكم الوطنية التي لها مشروع وطني، فالدول القومية التي تسعى إلى ترسيخ المواطنة هي التي سعت إلى مجانية التعليم، مضيفًا أننا نفتقر حاليًا إلى وجود “منظومة تعليمية” ولكن لدينا مشروع لتعليم “نخبة” فحسب، مشددًا على أن ما يحدث في ملف التعليم هو أمر كارثي بكل المقاييس.
ولفت مغيث إلى أنه قبل ذلك كان التعليم المجاني إما شكل من أشكال التلمذة الصناعية أو التعليم ذو التوجهات الدينية، ولكن مع ظهور الدولة القومية ظهرت مجانية التعليم وإلزامه.
وأضاف مغيث، خلال ندوة صالون التحالف بعنوان “هل انتهى عصر التعليم المجاني”، أن محمد علي لم يكن لديه مشروعا شعبيا للتعليم ولكن كان لديه مشروع وطني يوظف التعليم فيه فكان يتميز بالمجانية بداية من التعليم الابتدائي حتى البعثات التي كان يرسلها إلى فرنسا و إيطاليا وما كان يعيب هذا النظام التعليمي أنه لم يكن تعليما شعبيا ولكنه يهدف إلى إعداد عدد محدود من الأطباء والمهندسين كمان كان يعتبر تعليم يتم في إطار المشروع العسكري لمحمد علي وسعيه للاستيلاء على ما يمكن الاستيلاء عليه من إمبراطورية الرجل العثماني المريض بالإضافة إلى مواجهة الأطماع الأوروبية، فكان التعليم يغلب عليه الطابع العسكري وتسود في المدارس الروح العسكرية.
واستكمل مغيث في عهد الخديو عباس والذي كان المعروف بالرجعية وأنه لا يحمل همة وطموح جده محمد علي أغلقت المدارس، ولم يترك عباس إلا مدرسة واحدة، بينما عاد التعليم مرة أخرى في عصر الخديو إسماعيل والذي كان يهدف إلى جعل مصر قطعة من أوروبا وتحققت مصر الكوزموبليتانية وظهرت مدارس الإرساليات المختلفة وفتحت الكنيسة أول مدرسة ثانوية للبنات، كما كان هناك حركة تطوير في الأزهر وإعادة المدارس العليا مرة أخرى والفصل ما بين نظارة الجهادية ونظارة المعارف، كما ظهرت لائحة رجب التي تسعى إلى مشروع قومي للتعليم في مصر والتي طالبت بوجود مدرسة في كل قرية يصل عددها 5000 نسمة على أن يتم توزيع الناس إلى 3 فئات وفقاً لتدرجهم الاجتماعي على أن تدفع كل فئة ما تطلبه الدولة منهم بحيث تدفع الطبقات الأغنى ما يغطي نفقات أبناء الطبقة الفقيرة، ولكن هذا المشروع الذي بدأ في أواخر عصر الخديو إسماعيل فشل بعد الثورة العرابية والاحتلال الإنجليزي الذي لم يسع إلى تنمية التعليم والاكتفاء بالكتاتيب و التعليم الأزهري.
واستكمل أن التعليم كان أحد أهداف الأحزاب التي ظهرت لمواجهة الإنجليز والتي كانت تهدف إلى تعليم الفقراء وإنشاء المدارس الليلية وإنشاء الجامعة الأهلية لمواجهة النفوذ الإنجليزي.
وأضاف أنه بعد ثورة 1919 نص دستور 1923 لأول مرة على أن يكون التعليم مجانيا في المدارس الأولية والمكاتب العمومية ولكن يظل التعليم الابتدائي بنفقاته، حتى عام 1944 وعندما كان طه حسين مراقب عام الثقافة وفي وزارة الوفد تم توحيد التعليم الابتدائي والتعليم الأولي وجعله بالمجان.
وبعد ثورة يوليو ومع قوانين يوليو الاشتراكية أصبح التعليم مجاني من التعليم الأساسي للتعليم ما بعد الجامعي الذي كان يتسم بكونه تعليم كفء و كان راتب المعلم يزن 22 جرام دهب ومع تفتيت السادات مشروع عبدالناصر تدهور نظام التعليم مرة أخرى وبدأت تظهر الطبقات وظهور المدارس الخاصة، وتم إلغاء تكليف طلاب التربية1998 و تم إلغاء تعيين المعلمين 2014.
من جانبه، انتقد أستاذ البحوث التربوية بالمركز القومي للبحوث التربوية والتنمية، الدكتور أحمد يوسف، الأوضاع التعليمية في مصر، مشددًا على أنه تم تسليم الشعب للقطاع الخاص بلا ضمانات أو رقابة وذلك في كل القطاعات من الاتصالات إلى كهرباء وحتى التعليم.
وأضاف يوسف أن مفهوم مجانية التعليم يتم النظر إليه فقط من زاوية أنه تعليم بلا مقابل، ولكن من خلال النظر لدول العالم نجد أن هناك التعليم يسترد مقابل ما أنفق عليه “آجلاً” من خلال مردود تنموي قوي، أو “عاجلاً” ومقدماً.
وأوضح يوسف، أن النوعين يختلفان من حيث فلسفة التعليم وعلاقة التعليم بالتنمية وموقف الدولة من شعبها وحقوق الإنسان فيها فالنوع الأول يتحمل نفقاته العاجلة كالضرائب ورأس المال المسئول اجتماعياً من تبرعات و أوقاف ولا يُحمّل المواطن أو المتعلم هذا العبء ويكون المسئولين عنه مدركين مدى أهمية التعليم في مردود التنمية القوي في تغطية ما يُنفق عليه أو يزيد، وتكمن ميزته في التعامل مع كل أبناء الشعب بلا تمييز كما يتميز بكونه تعليما حقيقيا غير وهمي يعمل على ضمان المردود التنموي المنشود.
أضاف يوسف أن هناك عدة نداءات بخصوص التعليم أحدهما من اليونسكو والآخر من صندوق النقد الدولي، ويغلب على نداء اليونسكو الطابع الإنساني فدائما ما تدعو الدول إلى تبني التعليم بلا مقابل عاجل كما تحاول خلق قاعدة مشتركة بين سكان الكرة الأرضية وتتسم جميع نداءاتها بالإنسانية، عكس نداءات صندوق البنك الدولي التي تعمل على تسليع التعليم.
وأشار يوسف إلى أن النوع الأول يسود في الدول المتقدمة، بينما النوع الآخر من التعليم الذي يسترد مقابله آجلا لا يثق القائمين عليه في مردوده التنموي وذلك لأنه لا يهتم بعناصره من مناهج ومعلمين وغالبا يكون تعليم شكلي بلا مضمون مليء بثقوب الهدر والفقر التعليمي سواء رسوب أو تسرب يتم تقديمه كهيكل أمام العالم لإظهار مدى الحرص على إشباع حق من حقوق الإنسان.
واستكمل يوسف أن هذا النوع من التعليم هو أحد وصايا وتعليمات البنك الدولي الذي يحول كل شيء إلى سلعة بما فيها التعليم وهو النوع السائد في الدول الفقيرة والمتخلفة مما لا يحقق المواطنة على الصعيد المحلي أو العالمي ولا يحقق مردودا تنمويا حقيقيا مما يعلل استعجال نفقات التعليم من المواطنين.
وأكد يوسف أن ما يحدث في مصر وفقا للإحصائيات والممارسات يندرج تحت النوع الثاني بكل موبقاته خاصة أن الدولة سلمت شعبها للقطاع الخاص بلا ضمانات أو رقابة في كل القطاعات بما فيه قطاع الاتصال والكهرباء والتعليم، فعندما تحول التعليم إلى سلعة أصبح متفاوت الجودة، فيوجد لدينا نمطين من التعليم وهم التعليم الجماهيري أو الحكومي والتعليم النخبوي الذي يوفر جودة أعلى في التعليم تصل إلى المستويات و المعايير العالمية ولكن من يستفاد منه هم أقلية وكأن القضية بين إسماعيل القباني وطه حسين طُرحت من جديد فإسماعيل القباني كان يرى ضرورة تعليم نخبة من الجماهير على عكس طه حسين الذي كان ينادي بتعليم الجماهير فبعد سياسات الانفتاح الاقتصادي كأنما تم بعث رأي إسماعيل القباني من جديد وهو ما يُحقق الآن بالفعل.
و أضاف أننا إذا أردنا تحقيق النوع الأول من التعليم فلابد من وجود إرادة سياسية تضع التعليم على قائمة اهتماماتها ولكن ما يحدث بالفعل في مصر هو نمو اقتصادي مما يجعل التعليم على هامش اهتمامات الدولة يشكل عبء أكثر من كونه دافع للتنمية.
واستكمل بأن علينا البحث عن مصادر تمويل التعليم كالضرائب التصاعدية من خلال الحصول على ضرائب من رجال الأعمال ومن ثم يتحول التعليم من كونه سلعة إلى أن يصبح رسالة لإعداد الأنسان من أجل حياة كريمة، و دعى يوسف الحزب لإطلاق حملة لتأميم التعليم والعلاج لإنقاذ الجماهير الكادحة من أبناء الشعب.
من جهته، شدد مدير مركز الحق في التعليم، عبدالحفيظ طايل، على أن جميع الاتفاقيات التي وقعت عليها مصر تقر بأحقية مجانية التعليم، لافتًا إلى أن مخالفة السلطة التنفيذية لتلك الاتفاقات التي تضمنها التشريع تُعد جريمة.
وقال عبدالحفيظ طايل إن التعليم حق وبالتالي فهو غير قابل للتسليع بينما الخدمات من الممكن أن يتم تسليعها، مضيفًا أن تحويل التعليم من حق لسلعة يحدث في ضوء رؤية سلطة تنفيذية واضحة ومحددة منذ الاحتلال الإنجليزي لمصر وخطابات اللورد كرومر التي كانت تهدف لتعليم أقلية للعمل في الحكومة بينما يجب أن تعمل الفئة الأكبر كخدم وعمال زراعيين وغيرها من المهن التي لا تحتاج لتعليم واستمر هذا الخطاب حتى فترة السبعينيات بأن الدولة لا يجب أن “تُنفق على الكسالى”.
وأشار إلى أن كل الاتفاقيات التي وقعت عليها مصر تقر أن التعليم حق يجب أن يتوفر مجاناً وعندما تخترق السلطة التنفيذية هذا التشريع فإنها ترتكب جريمة، وعندما صدر العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية كان سن الطفولة يصل إلى 12 عاما فبالتالي أصبح التعليم الابتدائي وقتها مجاناً وعندما تم تصعيد سن الطفولة إلى 15 عام فأصبح التعليم الأساسي مجاناً وعند تصعيده مرة أخرى إلى 18 عام أقر الدستور المصري إلزامية ومجانية التعليم حتى سن الـ 18 وبالتالي كل اختراق لهذا يعد انتهاك للقانون ويشكل جريمة.
و ذكر طايل، أن دور المجتمع المدني لا يكمن فقط في طرح البدائل لكن محاولة إلزام الحكومة بالقيام بدورها والالتزام بالقوانين والتشريعات التي أقرت من قبل السلطة التشريعية، مؤكدا على أن الحكومة المصرية تنفذ أوامر البنك الدولي في تحقيق أرباح من التعليم وهو من أعلى (السلع) ربحاً في العالم نظراً لإقبال 100% من التركيبة السكانية عليه.
واستكمل أن المجتمع المدني يحتاج إلى مناخ من الحرية فهو حاليا غير قادر على العمل، فعلى سبيل المثال إذا أراد مركز الحق في التعليم تقديم مشروع لمحو الأمية بأفق مختلف فإنه يحتاج إلى موافقة من الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار ووزارة التربية والتعليم دون وجود حدود دنيا تؤكد أن هذا المشروع سوف يُقبل أو يُرفض وبالتالي تظل السلطة التنفيذية متحكمة فيما يمكن أن يقوم به الأفراد أو المؤسسات.
وأكد أن الحل الأساسي يكمن في وجود قوى اجتماعية ممثلة في الأحزاب والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني المختلفة للدفاع عن حق المصريين في تعليم جيد ومجاني لكل المصريين بغض النظر عن طبقتهم الاجتماعية من خلال الضرائب التصاعدية.
وذكر أن الإشكالية في مصر أن التعليم أصبح أداة للفرز والاستبعاد الاجتماعي وليس للمواطنة أو الدمج الاجتماعي، لافتًا إلى أنه بدون تنظيمات و مؤسسات مجتمعية كالأحزاب والنقابات والجمعيات وبدون البشر كأولياء أمور ومجالس الأمناء والآباء وروابط الأمهات فإذ لم تتخذ كل هذه الجهات أي خطوات فعلية في مواجهة خصخصة التعليم في مصر فستنفد الدولة مشروعها.
وشدد على ضرورة وجود منظمات حقيقية للمعلمين تدافع عن حقوقهم ومصالحهم وإلا سيتم التغول على حقوقهم، مضيفا أنه على جميع الأحزاب طرح برامجهم التعليمية التي تؤكد على أن التعليم حق وليس سلعة من خلال وسائل إعلام الحزب وذلك لرفع وعي الجماهير بأن هناك بدائل لما يحدث في التعليم المصري.
من ناحيتها، قالت الدكتورة فاتن عدلي الخبيرة في تطوير التعليم إن المصاريف والرسوم الدراسية شهدت خلال العامين الماضيين ارتفاعا ملحوظًا، مشددة على أن ذلك كان يجب أن يواكبه تقديم خدمات جيدة للتلاميذ تتمثل في تعليم جيد ومعلم كفء.
وأوضحت فاتن عدلي “المصاريف الدراسية خلال آخر عامين دراسيين ارتفعت بشكل كبير، بلغ في التعليم الابتدائي من الصف الأول حتى الصف الرابع 305 جنيهات والثانوية العامة بلغت 505 جنيهات والتعليم الفني 3000 جنيه بالإضافة إلى رسوم دخول الامتحانات فرسوم الثانوية العامة وصلت إلى 148 جنيهاً وفي حالة الرسوب يدفع الطالب 5000 جنيهاً وفقاً لتصريحات وزير التربية والتعليم بالإضافة إلى رسم مبلغ 14 جنيه لـ 2 طابع مشروعات وشهادة ميلاد ألكترونية تبلغ تكلفتها حوالي 74 جنيهًا”.
وأضافت أنه “وفقا لخطاب الحكومة وبافتراض أننا دولة فقيرة غير قادرين على تقديم تعليم مجاني، وفي حالة دفع أولياء الأمور أموال لتغطية نفقات تعليم أبنائهم فبالتالي لابد أن يتوفر في المقابل تعليم جيد وكرسي ملائم ومعلم كفء وأنشطة تربوية تحد من طاقات الطلاب في مراحل النمو المختلفة، وبالتالي فإن المعلمين يجب أن يكون لهم نسبة في ما يتم جمعه من مصاريف، فوفقا لمنظور العرض والطلب الذي تطرحه الحكومة وأن المجانية ظلم اجتماعي وليس عدل اجتماعي، إذا فشل صاحب القرار في المجانية أو العرض والطلب فالأفضل هو غلق التعليم نظراً لأنه أثبت فشله في إدارة التعليم كسلعة”.
واستكملت، أن التعليم الأزهري أصبح أعلى كفاءة من التعليم العام وذلك في ظل رفع مصاريف التعليم العام ومع وزير يضرب بالهيئات التنظيمية عرض الحائط بالإضافة إلى مجتمع مدني يده مكبله.