هل أصبح إطلاق سراح مئات المحبوسين احتياطيا وجوبيا؟.. شهادات لقانونيين وحقوقيين (حول بطلان جلسات التجديد الأخيرة)
محامون وحقوقيون: تجديد حبس المتهمين دون حضورهم باطل واستمرار حبسهم احتجاز بدون وجه حق
كتب- حسين حسنين
“كل محتجز في السجون تحت مسمي الحبس الاحتياطي جري تجديد حبسه بعد تمام وانقضاء مدة الحبس السابقة ولو بيوم واحد أي بعد سقوط أمر الحبس السابق، وكل محتجز جري تجديد حبسه دون سماع أقواله، وكل محتجز جاوزت مدة حبسه الحد الأقصى المسموح به قانونا، هو محتجز خارج إطار القانون”. هكذا جاء تعليق الدكتور نور فرحات أستاذ فلسفة القانون بجامعة الزقازيق، على مئات من قرارات تجديد الحبس التي صدرت خلال الأيام الأخيرة، ورقيا، دون عرض المتهمين على النيابة وبعد المواعيد الرسمية لتجديد حبس عدد كبير منهم، للحد الذي تم فيه تجديد حبس عدد من المتهمين 90 يوما في جلستين متتاليتين خلال يومين، دون حضورهم أو سماع مرافعة محاميهم.
صباح الاثنين 9 مارس الماضي، بدأت وزارة الداخلية سلسلة من الإجراءات تحت بند مواجهة فيروس كورونا المستجد، كان أبرزها تعليق الزيارات في السجون وأماكن الاحتجاز، وترافق معها ما يشبه إغلاق تام للسجون، ترافق معه تعذر نقل المتهمين للمحاكم والنيابات، وتحول المصطلح الذي كان يترافق مع التظاهرات أو الطوارئ الأمنية والذي يشير لوجود موانع تحول بين الداخلية وقدرتها على تأمين نقل المتهمين إلى مصطلح ثابت في كل القضايا “تأجيل نظر القضايا لتعذر نقل المتهمين”
التأجيلات المتكررة، بما يجاوز مواعيد الحبس الاحتياطي التي نظمها القانون، فتحت الباب لمناقشة قانونية حول مدى قانونية استمرار حبس مئات المتهمين، وقرارات التجديد لهم والتي اعتبرها حقوقيون وقانونين قرارات باطلة ومخالفة للقانون.
فخلال الأيام الماضية – طبقا لما كشفه المحامون – صدرت قرارات بتجديد حبس ما يزيد عن 1260 متهما في عدة قضايا، مشيرين إلى أن جميع القرارات صدرت بالتجديد 45 يوما وجميعها تم دون حضور المتهمين. وفيما قال المحامي إسلام سلامة، إن جنايات إرهاب القاهرة شهدت في جلستها يوم 6 مايو تجديد حبس 700 متهم، فإن جلسات يوم 5 مايو شهدت تجديد حبس 560 متهما أخرين، بحسب ما قاله المحامي الحقوقي رمضان محمد.
ومن بين الذين تقرر تجديد حبسهم، الصحفيين خالد داود وهشام فؤاد وحسام مؤنس وسولافة مجدي وحسام الصياد وإسراء عبد الفتاح، والمحامي محمد الباقر وزياد العليمي وعلاء عبد الفتاح وماهينور المصري وعبد الناصر إسماعيل وأحمد شاكر، وغيرهم.
وأكد محامون ممن يشاركون في تقديم الدعم القانوني لبعض المعتقلين، إن المحكمة لم تسمح لهم خلال هذه الجلسات، 4 و5 و6 مايو، بإثبات التجديد دون حضور المتهمين أو تقديم الدفوع والطلبات.
حقوقيون وفقهاء يعلقون
يقول المحامي الحقوقي محمد الحلو، مدير الوحدة القانونية بالمفوضية المصرية للحقوق والحريات، إن “تجديد حبس المتهم دون حضورهم أمام القاضي، باطل بطلانا مطلقا”.
وأضاف الحلو، في تصريحات لـ”درب”، أن المشرع “منح الحق للقاضي تجديد حبس المتهم ولكن شريطة أن يحضر أمامه ويبدي دفاعه، ولكن حال التجديد دون ذلك، ينتقص من حق المتهم القانوني والدستوري.
وأشار الحلو، إلى أن “الهرم التشريعي” يعطي الأولوية للدستور والقانون، أي أن حال صدور قرار إداري من أي جهة حكومية بتجديد حبس المتهمين دون نقلهم من محبسهم بسبب إجراءات مواجهة كورونا، فإن القرار وقتها يكون باطلا لأنه يتعارض مع حق قانوني ودستوري واضح وثابت.
نفس الرأي تبناه الدكتور نور فرحات، أستاذ فلسفة القانون بجامعة الزقازيق، واصفا وقائع تجديد حبس المتهمين دون حضورهم من محبسهم، بأنها “احتجاز خارج إطار القانون”، مشددا على أنها جريمة لا تسقط بالتقادم.
وأضاف فرحات لـ”درب”، أن سقوط أمر الحبس في هذه الحالة أمر أكيد، وأن استمرار حبس المتهم في هذه الحالة “بدون وجه حق وما يترتب على ذلك من أثار سواء في الحال أو المستقبل.
مواد قانونية ودستورية
ما قاله المحامون تدعهمه مواد القانون والدستور، ينظم الدستور المصري وقانون الإجراءات الجنائية، مسألة الحبس الاحتياطي في مصر والإطار الخاص بها، حيث تنص المادة 54 من الدستور المصري على في البند الأول مناه على أن “الحرية الشخصية حق طبيعي، وهي مصونة لا تُمس، وفيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد، أو تفتيشه، أو حبسه، أو تقييد حريته بأي قيد إلا بأمر قضائي مسبب يستلزمه التحقيق”.
فيما يتحدث البند الثاني من المادة نفسها عن الحبس الاحتياطي “وينظم القانون أحكام الحبس الاحتياطي، ومدته، وأسبابه، وحالات استحقاق التعويض الذي تلتزم الدولة بأدائه عن الحبس الاحتياطي، أو عن تنفيذ عقوبة صدر حكم بات بإلغاء الحكم المنفذة بموجبه، وفى جميع الأحوال لا يجوز محاكمة المتهم في الجرائم التي يجوز الحبس فيها إلا بحضور محام موكل أو مٌنتدب”.
بينما يحمي قانون الإجراءات الجنائية المتهمين من تجديد حبسهم احتياطيا دون حضورهم، ويلزم القاضي السماع لأقوال المتهم ودفاعه قبل إصدار قرار استمرار حبسه.
وينص قانون الإجراءات رقم 150 لسنة 1950 والمعدلة بالقانون 145 لسنة 2006، في المادة رقم 136 بأنه “يجب على قاضي التحقيق قبل أن يصدر أمراً بالحبس أن يسمع أقوال النيابة العامة ودفاع المتهم”.
فيما تكمل المادة 142 من القانون نفسه وضع إطار الحبس الاحتياطي والتي تنص على “ينتهي الحبس الاحتياطي بمضي خمسة عشر يوماً على حبس المتهم، ومع ذلك يجوز لقاضي التحقيق، قبل انقضاء تلك المدة، وبعد سماع أقوال النيابة العامة والمتهم، أن يصدر أمراً بمد الحبس مدداً مماثلة بحيث لا تزيد مدة الحبس في مجموعه على خمسة وأربعين يوماً”.
شكاوى لأعلى سلطة قضائية ونيابية
من جانبه، قال المحامي الحقوقي خالد علي، إنه تقدم صباح الخميس، بطلب لمجلس القضاء الأعلى حمل رقم ٤٦٢، وبلاغ للنائب العام حمل رقم ٢٠٨٢٣ عرائض نائب عام، بصفته الدفاع الحاضر عن الدكتور حازم حسنى، أستاذ العلوم السياسية وخالد داوود رئيس حزب الدستور السابق.
وأضاف خالد علي، أن الدائرة الثانية جنايات بمعهد الأمناء نظرت الثلاثاء 5 مايو أمر حبسهما، وقررت تجديد حبسهما ٤٥ يوماً، بدون إحضارهم من محبسهم، وبدون سماع دفاعهم.
وتابع: “وفي اليوم التالي، الأربعاء 6 مايو تم عرض قضيتهم مرة أخرى على ذات الدائرة والتي نظرتها وقررت استمرار حبسهم ٤٥ يوماً دون إحضارهم من محبسهم أو سماع دفاعهم”.
وأشار خالد عليـ إلى أن ما حدث يعني نظر قضيتهما مرتين أمام ذات الدائرة خلال ٤٨ ساعة فقط، وإصدار قرارين باستمرار حبسهما ٩٠ يوماً، كل قرار منهم بـ ٤٥ يومًا”.
وطالب خالد علي ببطلان هذه الجلسات وسقوط أمر الحبس وإخلاء سبيلهما على النحو الموضح بالطلب والشكوى، وأن أي قرارات بتجديد الحبس دون حضور المتهم ودفاعه عن نفسه وسماع أقواله، هي قرارات باطلة.
وتابع خالد: “لا يجوز التذرع بمرض كورونا وتجريد المحبوسين احتياطيا من كل حقوق الدفاع عبر حرمانهم من زيارات الأهل أو التواصل مع المحامين، وحرمانهم من حق الاتصال التليفوني بهم، بل وحرمانهم مقابلة القضاة، من خلال عدم نقلهم من السجون، ومنعهم من حضور جلسات النظر في أمر تجديد حبسهم”.
وأضاف علي “إذا كان القانون يتيح أن يكون تجديد الحبس في الجنايات كل ٤٥ يوماً، فإن تجاوز هذه المدة دون إحضار المتهم من محبسه وعرضه على القاضي يجعلنا ننحاز للقول بأن ذلك يؤدى إلى سقوط أمر الحبس الاحتياطي، ولا يصحح هذا البطلان قيام المحكمة بتأجيل نظر أمر الحبس لأنها مع هذا التأجيل تأمر باستمرار حبسه احتياطياً، وهو ما يعنى أن المتهم تم حبسه لمدد تجاوزت الـ٤٥ يوماً دون أن يعرض على المحكمة ودون سماع دفاعه أو دفاع محاميه”.
تقارير حقوقية: باطل!
فيما نددت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، بتجديد حبس المحبوسين احتياطيا دون حضور ودون دفاع، ومنع السجناء والمحبوسين احتياطيا من زيارة ذويهم ومحاميهم بالسجون، وقالت إن وباء فيروس كورونا المستجد “تحول إلى أداة أو وسيلة إضافية لزيادة التنكيل بالسجناء عموما، والمحبوسين احتياطيا من سجناء الرأي بوجه خاص”.
وطالبت الشبكة في ورقة قانونية، بإخلاء سبيل المحبوسين احتياطيا لاسيما في قضايا الرأي والجرائم غير الخطيرة، والتوقف عن إهدار حقوق المتهم بما يسمى «التعذرات الأمنية»، وفتح الزيارات للسجناء مع اتخاذ أي اجراءات وقائية تقرها وزارة الصحة أو نقابة الاطباء.
وأشارت إلى أنه في قراره الصادر في 24مارس الماضي، لم يشير رئيس الوزراء مصطفى مدبولي إلى تعليق العمل في المحاكم والنيابات، إلا أن وزير العدل عمر مروان، وبعض رؤساء المحاكم «استبقوا هذا القرار، بتعليق العمل في كافة المحاكم والجلسات، وتأجيلها دون حضور أطراف القضايا»، منذ 16مارس، تحوطا لأي تداعيات محتملة لفيروس كورونا المستجد.
وأضافت أن وزارة الداخلية أيضا كانت قد قررت تعليق الزيارات بجميع السجون لمدة عشرة أيام اعتباراً من الثلاثاء الموافق 10 مارس الماضي، حرصاً على الصحة العامة وسلامة النزلاء، لكن “القبض على المواطنين لم يتوقف، وتجديد حبس المحبوسين لم يتوقف، لكنه تجديد على الورق”.
وأوضحت الشبكة أن تجديد الحبس يجرى الآن «دون حضور المتهمين، دون حضور محاميهم، دون تقديم دفاع» ليصبح الوضع؛ منع السجناء والمحبوسين احتياطيا من زيارة ذويهم ومحاميهم بالسجون، وتجديد حبس المحبوسين احتياطيا دون حضور ودون دفاع، وتساءلت مستنكرة «فهل يجوز ذلك؟”.
ولفتت ورقة الشبكة إلى قول رئيس مجلس الشعب الأسبق والفقيه القانوني فتحي سرور، «إن الحبس الاحتياطي إجراء بالغ المساس بالحرية الشخصية، وقد كان له ماضِ ملوث شهد إساءة استخدامه في كثير من الدول، خاصةً النظم التسلطية التي تتفوق فيها حقوق السلطة على حقوق الفرد، فبمقتضى هذا الإجراء يُودع المتهم في السجن خلال فترة التحقيق كلها أو بعضها، ويتعرض لانتهاك كرامته الإنسانية التي يتمتع بها إبان كان طليق السراح، وهو ما يحتم التدقيق في مراعاة درجة التناسب بين آلام الحبس الاحتياطي ومصلحة المجتمع”.
وشددت الشبكة على أن الحبس الاحتياطي يعد «إجراء بغيض» ويتعارض مع مبدأ «المتهم برئ حتى تثبت إدانته»، ولهذا اهتمت التشريعات الدولية والمحلية بتقييد الحبس الاحتياطي وحدد له مبررات وشروط ومدد يجب مراعاتها وإلا يسقط، مما يوجب الافراج عن المحبوس احتياطيا.
وتساءلت الشبكة مستنكرة: «ما هي الظروف أو القوة القاهرة التي تمنع مؤسسات الدولة من ممارسة عملها؟»، واستطردت: “هي باختصار: الأفعال الناتجة عن فعل الطبيعة كالزلازل والفيضانات والأعاصير والأوبئة المرضية المعدية، أو التي تنشأ عن فعل الإنسان كالحروب والثورات”.
وأشارت الشبكة العربية إلى أن السلطات المصرية استندت لهذه القوة القاهرة (وباء كورونا) لفرض مزيد من التنكيل بالسجناء والمحبوسين احتياطيا، ولا سيما سجناء الرأي، عبر حرمانهم من الزيارة وكذلك من ابداء دفاعهم خلال جلسات تجديد الحبس أو المحاكمة، بدلا من إجراء آخر، يعد مطروح طيلة الوقت، وهو الإفراج عنهم، أو الافراج عنهم بتدابير احترازية.
من جانبه أطلق دكتور نور فرحات نداءً عاجلا لرجال القانون أن يدافعوا عن قانونهم كما يدافع الجنود عن أسوار مدينتهم، قائلا “عليكم الكفاح من أجل القانون، ونقول شهادتنا وقد أمضينا عمرنا في تعلم القانون وتعليمه وممارسته في مصر والعالم الخارجي”.
وتابع: “كل محتجز في السجون تحت مسمي الحبس الاحتياطي جري تجديد حبسه بعد تمام وانقضاء مدة الحبس السابقة ولو بيوم واحد أي بعد سقوط أمر الحبس السابق، وكل محتجز جري تجديد حبسه دون سماع أقواله، وكل محتجز جاوزت مدة حبسه الحد الأقصى المسموح به قانونا، هو محتجز خارج إطار القانون”.