هشاشة قتالية| تحليل يرصد تصاعد أزمات العنصر البشري في القوات المسلحة الأمريكية: تراجع الأعداد وتزايد الانتحار والتحرش الجنسي
توظيف مهاجرين لسد العجز ضمن برنامج “منح الجنسية مقابل التجنيد”.. ولجنة مستقلة لمراجعة حالات الانتحار
واحدة بين كل 4 نساء بالجيش الأمريكي أبلغت عن تعرضها لاعتداء جنسي.. وأمر تنفيذي من بايدن لتجريم التحرش تكريما للجندية فانيسا جيلين
“إنترريجونال” للتحليلات الاستراتيجية: الولايات المتحدة تواجه الأزمة بمكافآت تصل إلى 50 ألف دولار ورفع سن التقاعد وإعادة المفصولين
كشفت مؤسسة “إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية”، عن أزمة وصفتها بـ”المحتدمة” داخل القوات المسلحة الأمريكية، تطال العنصر البشري في المقام الأول، تجلَّت في تراجع أعداد الضباط والجنود بسبب جائحة كورونا، فضلا عن وارتفاع معدل الانتحار بين المجندين، وتزايد حالات التحرش الجنسي، وتزايد الاعتماد على تجنيد المهاجرين في إطار برنامج “منح الجنسية مقابل التجنيد”.
وأوضحت المؤسسة في تحليلها للأزمة تحت عنوان “هشاشة قتالية”، أن الولايات المتحدة اتجهت إلى تقديم مكافآت تصل إلى 50 ألف دولار في بعض الوظائف الأكثر خطورةً، بجانب رفع سن التقاعد في بعض الوظائف، لا سيما الطبية منها، وإعادة بعض الموظفين المفصولين إلى العمل، وتشكيل لجنة متخصصة 2022 لمراجعة حالات الانتحار في الجيش الأمريكي، وتجريم التحرش الجنسي.
وأشار التحليل، الذي قدمته الأستاذة في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، الدكتورة رغدة البهي، إلى أنه يمكن الوقوف على أبرز الشواهد والمؤشرات الدالة على أزمات العنصر البشري في القوات المسلحة الأمريكية بالنظر إلى عدد من النقاط.
أول هذه النقاط، بحسب “إنترريجونال”، نقص أعداد المجندين بالقوات الأمريكية، حيث تواجه القوات الجوية الأمريكية نقصاً حادّاً في أعداد الضباط والجنود بسبب جائحة كرونا، وهو الأمر الذي حذر منه رئيس قسم التجنيد الجنرال إد توماس في سلاح الجو؛ حين دق ناقوس الخطر من انتشار الجائحة، مشبهاً انخفاض عدد الطيارين الذين ينضمون إلى الخدمة بانخفاض الإيرادات في الأعمال التجارية؛ إذ يهدد ذلك القدرات التنافسية للقوات المسلحة الأمريكية، ويثير تساؤلات عن مستقبل الجيل القادم من الطيارين.
الشاهد الثاني على أزمات العنصر بالشري في القوات المسلحة الأمريكية هو تصاعد معدلات الانتحار بين العسكريين، حيث أشارت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، في تقريرها الصادر عام 2020، إلى ارتفاع معدل الانتحار بين أفراد الخدمة الفعلية في الجيش الأمريكي بنسبة 41.4% بين عامي 2015 و2020، لا سيما باستخدام الأسلحة النارية أو الشنق، كما ارتفع معدل الانتحار بين أفراد الخدمة الفعلية بنسبة 9.1% في عام 2020 فحسب.
وشهد العام الماضي 17 حالة انتحار في ولاية ألاسكا التي يقدر عدد جنودها بنحو 11500 جندي متمركزين في الولاية، في زيادة واضحة بالمقارنة بعامي 2019 و2020. وهو ما دفع وزير الدفاع لويد أوستن إلى مخاطبة القيادة العليا للبنتاجون لتأكيد أهمية تعزيز الصحة العقلية للجنود، والحيلولة دون حوادث الانتحار، واستحداث آليات لحماية صحتهم العقلية.
وبحسب التحليل، تزايدت أيضا معدلات الاعتداءات الجنسية داخل صفوف الجيش الأمريكي، فتبعاً لوزارة الدفاع الأمريكية، شهدت الأكاديميات العسكرية الأمريكية، خلال العام الدراسي 2020–2021، تزايداً في تقارير الاعتداء الجنسي بنسبة 25%، وتقارير التحرش الجنسي بنسبة 150% بالمقارنة بالعام الدراسي السابق.
وتلقت الأكاديميات العسكرية الأمريكية الثلاث (الأكاديمية العسكرية، والأكاديمية البحرية، وأكاديمية القوات الجوية) 161 تقريراً عن اعتداء جنسي مقارنة بـ129 تقريراً في العام الدراسي السابق، بزيادة قدرها 32 تقريراً. وبلغ إجمالي شكاوى التحرش الجنسي 30 شكوى في عام 2020–2021 بالمقارنة بـ12 تقريراً في العام السابق بزيادة قدرها 18 تقريراً.
تجنيد المهاجرين مقابل الجنسية كان المؤشر الرابع على هذه الأزمة، فمع عزوف الشباب الأمريكي عن الانضمام إلى الجيش، وتبعاً لوكالة أسوشيتد برس، وظفت الولايات المتحدة أكثر من 5 آلاف مهاجر في برنامج “منح الجنسية مقابل التجنيد” في عام 2016 فحسب، ويخدم ما يقدر بنحو 10 آلاف مهاجر حالياً في الجيش الأمريكي والأفرع العسكرية الأخرى على وعد بالحصول على الجنسية الأمريكية، بيد أن بعضهم تعرض مؤخراً لتسريح مفاجئ دون ذكر الأسباب على نحو يهدد مستقبلهم.
الولايات المتحدة تبنت عددا من الآليات لمجابهة أزمات العنصر البشرية أبرزها: تقديم المكافآت المالية الضخمة، حيث قدمت القوات الجوية الأمريكية مكافآت تصل إلى 50 ألف دولار للمجندين الراغبين في القيام بالوظائف الأكثر خطورةً؛ إذ يبلغ إجمالي عدد المجالات الوظيفية التي تقدم مكافآت للمجندين 16 مجالاً وظيفيّاً يتطلب أخطرها على الإطلاق عقداً مدته ست سنوات، وفقا للتحليل.
ولسد العجز البشري، قدمت القوات الجوية 8 آلاف دولار للمجندين الذين يمكن تدريبهم على مهام الشحن والتعبئة في غضون 5 أيام أو أقل، كما وفرت عقوداً لمدة 4 سنوات في بعض المجالات المهنية، مثل تجميع الذخيرة وتعبئتها، وصيانة الطائرات، وإصلاح الإرسال اللا سلكي، بمكافآت تتراوح بين 3–10 آلاف دولار، كما خصصت مكافأة قدرها 40 ألف دولار للمتخصصين بعمليات البقاء والهروب والمقاومة التي تتضمن تدريب الطيارين على كيفية البقاء خلف خطوط العدو.
ورفعت الولايات المتحدة سن التقاعد بين العسكريين، حيث أظهرت دراسة حديثة لمؤسسة راند أن جائحة كورونا وإن جعلت من الصعب على مختلف أفرع القوات المسلحة الأمريكية تجنيد أفراد جدد، فقد تمكن الجيش والبحرية والقوات الجوية من زيادة عدد القوات في صفوفهم في عام 2020 مقارنةً بعام 2019.
وفي عام 2021 فحسب، أكد سلاح الجو أنه حقق معدلات التجنيد المستهدفة لأول مرة منذ 5 سنوات. وترجع تلك الزيادة نسبياً إلى حث أعضاء الخدمة –لا سيما العاملين في المجالات الطبية – على تأخير تقاعدهم أثناء الجائحة، مع الترحيب بعودة الموظفين المفصولين مؤخراً.
وعدَّل الكونجرس قانون تفويض الدفاع الوطني لمطالبة البنتاجون بلجنة مراجعة مستقلة على غرار اللجنة التي حققت في مقتل الجندية فانيسا جيلين – التي كانت تبلغ من العمر 20 عاماً – في فورت هود في عام 2020، وهي اللجنة التي أمر وزير الدفاع بتشكيلها في 22 مارس 2022 لمراجعة حالات الانتحار في الجيش الأمريكي، مع التركيز على 9 قواعد عسكرية يقع 3 منها في ألاسكا فحسب؛ وذلك تحت اسم لجنة المراجعة المستقلة لمنع الانتحار والاستجابة له (SPRIRC).
ووجه أوستن بإصدار مذكرة تحدد أعضاء اللجنة وجدولها الزمني ولائحتها التي ستحدد نهج وزارة الدفاع الشامل خلال 60 يوماً من توقيع المذكرة، على أن تبدأ عملها في موعد أقصاه 14 مايو 2022، وترسل تقريرها الأوَّلي في موعد أقصاه 1 أغسطس 2022 قبل إرسال نتائجها وتوصياتها إلى الكونجرس بحلول 18 فبراير 2023.
وفي أواخر يناير 2022، وقع الرئيس الأمريكي جو بايدن، أمراً تنفيذيّاً يجرم التحرش الجنسي بموجب القانون العسكري، بعد تعديل قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2022، الذي يتضمَّن الميزانية السنوية للبنتاجون؛ بهدف تكريم الجندية فانيسا جيلين، التي قُتلت على يد جندي زميل لها في عام 2020 أثناء وجودها في فورت هود بولاية تكساس؛ ما لفت الانتباه الوطني إلى ويلات العنف الجنسي في الجيش الأمريكي.
وتضمَّن قانون تفويض الدفاع الوطني عدة إجراءات لإصلاح كيفية تعامل الجيش مع حالات التحرش أو الاعتداء الجنسي، وفي هذا الإطار، قال أوستن عبر تويتر: “يجب أن يتمكن جميع الرجال والنساء الذين يرتدون الزي العسكري من خدمة بلادهم دون خوف من العنف أو التحرش”.
وكشف التحليل عن مساهمة جائحة كورونا في تزايد الوفيات بين صفوف الجيش الأمريكي، ومن ثم نقص الخبرات اللازمة في بعض الأفرع الرئيسية، كما أدت إلى ارتفاع معدلات الانتحار من خلال تقويض الرفاه ونشر حالات الاكتئاب.
وأكد أن الثقافة العسكرية الأمريكية أكثر خطورةً من الجائحة؛ إذ لم تتمكن وزارة الدفاع الأمريكية بعدُ من الوقوف على أسباب الاعتداءات الجنسية التي أرجعتها بعض التحليلات إلى الثقافة العسكرية التي يصعب تغييرها على المدى القصير.
ووعد القادة العسكريون مراراً وتكراراً بالإصلاح الجذري لبعض الممارسات الخاطئة دون أن يتمكنوا من الوفاء بتلك الوعود بعد؛ فلا تزال النساء أقلية تشكل 16.5% فقط من القوات المسلحة، ومع ذلك فإن واحدة من كل 4 منهن أبلغت عن تعرضها لاعتداء جنسي، فيما يراه بعض الجنود من الذكور أحد متطلبات الوظيفة التي تحتم على النساء التعامل معها إن أردن العمل في الجيش.