نحب الحياة ما استطعنا إليها سبيلا.. أهالي غزة يختارون طريق العودة لا النزوح: لن نترك أرضنا رغم الموت والدمار
يورو نيوز
مرّ يوم آخر في غزة كبحت فيه الهدنة المؤقتة الطائرات الإسرائيلية عن القصف، وسمح الوقت المستقطع بالوقوف على آثار الدمار، حيث اختارت بعض العائلات العودة لتفقد بيوتها. ووسط الركام الهائل، لا يبحث من عادوا عن متاع خلّفوه وراءهم، بقدر الرغبة في البدء من جديد واستعادة حياة طبيعية.
تعد تغريد النجار خبز الصاج على الحطب والشاي ثم تبدأ تحضير ساندويشات من الجبن والفلفل الأحمر الذي تشتهر به غزة لفطور صباحي على أنقاض منزلها المدمر في حي عبسان شرق مدينة غزة، انهارت الجدران وغرق الأثاث تحت الإسمنت. لكن المرأة البالغة 46 عاماً تبدو وكأنها لا تبالي بكل الدمار المحيط بها.
تقول تغريد وهي تغسل كؤوس الشاي: “منذ أعلنوا الهدنة خرجت مشياً من مدرسة الوكالة (وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أونروا) في خان يونس (جنوب) باتجاه منزلي هنا في عبسان. حين وصلت، رأيت المنزل مدمراً تماماً. شعرت بغصة وقهر وبأن 27 عاما أمضيناها في العمل لإنشاء هذا البيت ذهبت، لكنني شعرت أيضا براحة نفسية، شعرت بأن روحي عادت إلي”.
اضطرت تغريد إلى الفرار عندما بدأ الجيش الإسرائيلي قصف قطاع غزة وعاشت خلال الأسابيع الماضية مع أفراد أسرتها التسعة في مدرسة الأونروا التي استحالت مخيماً للنازحين في خان يونس.
وقتل العشرات، وفق ما تقول، من أفراد عائلتها الكبيرة. الجمعة، في الدقائق الأولى من الهدنة، عادت إلى منزلها سيراً على الأقدام.
وتقول تغريد: “لم أتمكّن من تناول الطعام في اليومين الأولين (…). ثم قلت يجب أن نعيش وفكرت أن أبنائي بخير الحمد لله. فالبيت معوّض. نحن من بنيناه وبإمكاننا فعل ذلك مرة ثانية”.
وفي انتظار أن يحدث ذلك، تضيف مبتسمة “لا تضحكوا علينا، نقفز من شباك غرفة ما زالت جدرانها قائمة وننام فيها. قمنا بإنشاء حمام صغير. ننام في أي مكان، نحن تسعة أشخاص”، وتتابع: “بعد التهدئة، سنقيم خيمة هنا وسنعيش فيها لحين إعادة بناء منزلنا. إما نعيش بكرامة أو نموت”.
تقدّم تغريد كوباً من الشاي الساخن لجارها جميل أبو عاذرة الذي يجلس في ضيافتها وهو يقيم أيضاً على أنقاض منزله المدمر مع 15 من أفراد عائلته بينهم أربعة اطفال.
ويقول أبو عاذرة (64 عاماً): “كل منازلنا دمّرت هنا، لكننا فضلنا البقاء رغم البرد والدمار فهذا أفضل من البقاء في المدارس، لم نعد نحتمل”.
ويضيف “حتى الأطفال يريدون البقاء هنا، ينامون في أي مكان، الأطفال حياتهم صعبة جميعهم خائفون ومصدومون، حتى نحن الكبار خائفون لكننا نكذب ونتظاهر بالقوة من أجلهم”.
في الشارع المقابل، يقف بسام أبو طيعمة أمام ركام عمارة كانت تضم أربعة طوابق كان يعيش فيها مع زوجته وأطفاله الثلاثة وأشقائه الأربعة.
ويقول أبو طيعمة مرتدياً سروالاً قصيراً رغم الأمطار ودرجة الحرارة المتدنية: “نعيش هنا نحو أربعين شخصاً، غادرنا مع بدء التصعيد، وعندما عدنا وجدنا البيت مسوى بالأرض. لا أعلم لماذا، لا علاقة لنا بالتنظيمات. جميعنا نعمل بالزراعة وقيادة سيارات أجرة”.
ويتابع بغضب “أتيت مع إعلان التهدئة، وجدت البيت مدمراً، أنام هنا مع زوجتي منذ بدء التهدئة، بعد الحرب سأقوم بإزالة الركام وسأقيم خيمة لنسكن فيها”.
على الجهة الأخرى، يدقّ نعيم طعيمات (46 عاماً) مسامير لتثبيت أعمدة خشبية لهيكل خيمة ينوي المكوث داخلها مع عائلته. ويقول “أجهز خيمة للعيش هنا بعد الحرب. أتيت إلى منزلي ووجدته مهدماً بالكامل، أعيش أنا وزوجتي وأطفالي السبعة ووالدتي في المنزل إضافة إلى إخوتي الأربعة وأبنائهم، كل منهم لديه سبعة أبناء”.
يطرق بمطرقة الكتل الإسمنتية التي تغطي كلّ شيء محاولا شق فتحة للتمكن من دخول المنزل لإخراج بعض الملابس خصوصا جهاز ابنته التي كان يفترض أن تتزوج في الثاني من كانون الأول/ديسمبر.
ويضيف فيما يغطي كفَّي يديه مزيج من الرماد والدماء: “ابنتي نيفين كانت ستتزوج الأسبوع المقبل، دمّر بيتنا وبيت خطيبها، أحاول إخراج جهازها حتى تشعر ببعض الفرح”.
في ظل ضيق الأحوال، تكون البهجة أحياناً مخفية في أمور بسيطة. ويقول عبد الصمد البالغ 12 عاماً: “أحضرنا بطارية ومصابيح ليد كما سنشعل الحطب للتدفئة”.
ويجلس عبد الصمد مع عدد من أصدقائه أمام مدرسة تابعة للأونروا دمرت جزئياً ويرددون بعض الأغاني والأناشيد ويتبادلون القصص والنكات. وترتفع أصوات ضحكاتهم بعدما قال نبيل (8 سنوات) “الحرب مرعبة وسيئة جداً لكن الأمر الوحيد الجيد أن المدرسة دمرت ولن نعود إليها قبل وقت طويل”.