مهازل التطبيع| قناة إسرائيلية تفتتح مكتبين لها في الرباط والدار البيضاء.. وصحفيون مغاربة: جرح اغتيال شيرين أبو عاقلة لم يندمل
دويتش فيله
أصبحت قناة “i24NEWS” التابعة لمجموعة “ألتيس” أول شبكة إخبارية إسرائيلية تستقر في المغرب، حيث افتتح رئيسها التنفيذي فرانك ملول ومالكها باتريك دراهي مكتبين، الأول في الرباط والثاني في الدار البيضاء، في زخم “اتفاق التطبيع” وتوسيع أنشطة الشبكة على المستويين الإقليمي والدولي.
وبهذا الصدد أوضح فرانك ملول أنه حتى قبل الاتفاق الثلاثي (بين المغرب والولايات المتحدة وإسرائيل)، كان هناك تفاعل للمغاربة على الشبكات الاجتماعية مع برامج القناة. كما وعد بتغطية كل القضايا الراهنة بفتح باب الحوار أمام الجميع دون إقصاء لأي وجهة نظر.
ويذكر أنه منذ اتفاق التطبيع، حصلت القناة على رخصة البث في دبي ووقعت عددا من مذكرات التفاهم مع مجموعات إعلامية في الإمارات والبحرين.
وأقيم حفل افتتاح مكاتب القناة في المغرب في موقع شالة التاريخي في الرباط في 30 ماي 2022 بحضور أكثر من 300 شخصية من عالم الثقافة والسياسة والإعلام.
وتشهد العلاقات بين البلدين دينامية استثنائية منذ أن استأنف البلدان علاقاتهما الدبلوماسية عام 2020 في إطار ما يسمى بـ”اتفاقيات إبراهيم”، التي وضعت إطار عمليات التطبيع بين تل أبيب وعدد من الدول العربية بدعم من الإدارة الأمريكية أيام الرئيس السابق دونالد ترامب.
وسبق لإسرائيل والمغرب وأن أقاما علاقات دبلوماسية في أوائل التسعينيات قبل تعليقها من الرباط على خلفية الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وتعرضت اتفاقيات التطبيع، التي شملت الإمارات والبحرين أيضًا، تعرضت لانتقادات من قادة فلسطينيين استنكروا ما أسموه “خيانة” من جانب تلك الدول العربية.
وبادر عدد من الصحفيين تحت وسم ”صحفيون مغاربة ضد التطبيع” إلى إصدار نداء عبروا فيه عن قلقهم من “مسار التطبيع الخطير الذي تنهجه الدولة المغربية، منذ ديسمبر 2020″، خصوصا “الترخيص لقناة إسرائيلية بفتح مكتبين في المغرب، في وقت لم يندمل بعد جرح اغتيال الزميلة الصحافية شيرين أبو عاقلة بدم بارد وأمام أنظار العالم”.
يذكر أن شبكة “i24NEWS” تم إطلاقها من الملياردير باتريك دراهي عام 2013، ذو الجنسية المغربية، الفرنسية، الإسرائيلية والبرتغالية. وتبث القناة برامجها بثلاث لغات (الفرنسية والإنجليزية والعربية). كما وقعت اتفاقيات مع عدد من المجموعات الإعلامية من بينها أبو ظبي للإعلام، مؤسسة دبي للإعلام، مدينة دبي للإعلام، مكتب حكومة دبي الإعلامي، جلف نيوز ميديا، ومجموعة موتيفيت ميديا، وإضافة إلى تل أبيب، تملك الشبكة مكاتب في يافا، دبي، باريس، نيويورك، واشنطن، ولوس أنجيلس.
بوابة إعلامية نحو المغرب وأفريقيا جنوب الصحراء
وشهدت العلاقات الإسرائيلية الأفريقية انتعاشا ملحوظا خلال السنوات الماضية. وجاء استئناف العلاقات مع المغرب ليكمل هذا المشهد الجيوسياسي. ويشهد على ذلك ندوة نظمت في باريس 31 مايو الماضي شارك فيها عبر تقنية الفيديو وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد. ويذكر أن إسرائيل كانت تربطها علاقات تاريخية مع أفريقيا من بينها بلدان كإثيوبيا وكينيا على سبيل المثال لا الحصر. وشهدت تلك العلاقات عهدها الذهبي في الستينيات من القرن الماضي، قبل أن ينقطع حبل الود بعد حرب يونيو 1967، وتقيم إسرائيل اليوم علاقات دبلوماسية مع حوالي 40 دولة أفريقية ولديها حوالي 15 سفارة في عواصم القارة.
اهتمام إسرائيل بالمغرب ليس وليد اليوم وإنما يعود إلى مرحلة ما قبل إعلان قيام دولتها بحكم أن المغرب كان يضم أكبر جالية يهودية في العالم العربي.
ولن ينسى اليهود المغاربة دور الملك محمد الخامس، الذي قاوم سياسة الإبادة العرقية والعنصرية التي سعت النازية، عبر حكومة فيشي الفرنسية، إلى ممارستها ضد اليهود المغاربة، وينحدر ما لا يقل عن مليون إسرائيلي من أصول مغربية، وكان الملك الحسن الثاني أول حاكم عربي يلتقي ناحوم غولدمان، رئيس المؤتمر اليهودي العالمي في عام 1970.
كما لعب الملك الأسبق دورا حيويا في الوساطة في عمليات التطبيع العربية الإسرائيلية. وتعتبر تل أبيب الرباط وسيطا موثوقا مع العالمين العربي والإسلامي، كما أظهرت ذلك زيارة إسحاق رابين للرباط عام 1976 لاستكشاف آفاق السلام مع مصر، وهو ما مهد فيما بعد لزيارة أنور السادات الشهيرة للقدس وبالتالي توقيع أول معاهدة سلام بين بلد عربي والدولة العبرية.
وبرعاية من ملك المغرب محمد السادس باشر المغرب منذ عام 2010 برنامجا لإعادة ترميم وتأهيل التراث اليهودي في المغرب ويشمل الأحياء اليهودية في المدن المغربية العتيقة المعروفة بـ”الملاح” وكذلك تأهيل المعابد وما لا يقل عن 160 مقبرة يهودية عبر ربوع المملكة التي تضم ما لا يقل عن 60 ضريحا يحج إليها آلاف اليهود كل عام.
ويقدر عدد اليهود المقيمين في المغرب حاليا بحوالي 3 آلاف شخص يزداد عددهم بمناسبة الأعياد الدينية وغيرها، وهي أكبر جالية من حيث العدد في شمال أفريقيا، ويعود التواجد اليهودي في المغرب لما لا يقل عن 2000 عام مضت.
وشهد المغرب حتى قبل اتفاقيات التطبيع، مبادرات لإحياء وإعادة تأهيل تراث وثقافة اليهود الضاربة بجذورها في تاريخ البلاد، ومن بين هذه المبادرات تدريس الثقافة اليهودية في مناهج التعليم في المراحل الأساسية، ويعد المغرب من الدول الرائدة المنخرطة في “مشروع علاء الدين” الذي أطلقته منظمة اليونسكو الذي يهدف إلى إقامة جسور بين الثقافات والأديان ومناهضة معاداة السامية. وفي نفس السياق أدخل المغرب في ديباجة دستور 2011 “الرافد العبري” كمحدد من بين محددات أخرى للهوية الثقافية المغربية.
ومن المتوقع إطلاق إذاعة في سبتمبر المقبل خاصة بالعبرية والعربية وربما حتى الأمازيغية تحمل اسم “موزاييك” موجهة لليهود المغاربة، وستركز على التعريف بالتراث اليهودي في المغرب.
وستبدأ التجربة في مدن الرباط والدار البيضاء ومراكش قبل أن تعمم على باقي مدن المملكة، ووفق ما ذكره جاك كنافو وهو رجل أعمال مغربي، عضو في المجلس الأعلى للتعليم والبحث العلمي، فإن الإذاعة ستتخصص في القضايا الاجتماعية والثقافية.
وستبدأ كإذاعة رقمية، قبل أن يتم بثها على موجات ”إف.إم” بعد الحصول على ترخيص من الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري المغربية. ومن المتوقع أن يصل رأسمال هذه المؤسسة الإعلامية إلى حوالي مليون دولار سيكون فيه جاك كنافو المساهم الرئيسي.
على المستوى الاقتصادي وقع البلدان سلسة من التفاهمات من بينها اتفاقا للتعاون التجاري والاقتصادي (فبراير الماضي) خلال زيارة وزيرة الاقتصاد والصناعة الإسرائيلية أورنا باربيفاي إلى المملكة بهدف رفع مستوى التبادل بين البلدين إلى 500 مليون دولار سنويا، بدلا من 130 مليون دولار حاليا.
وفي سياق متصل قام البلدان بتنظيم رحلات جوية مباشرة بينهما. وكانت شركة الطيران الإسرائيلية “إسرائير” دشنت في 25 يوليو/ تموز 2021 أول رحلة تجارية مباشرة بين الدولتين، ونُظمت أول رحلة مباشرة بين تل أبيب والرباط، أقلت دبلوماسيين إسرائيليين في ديسمبر 2020، وُقعت على إثرها اتفاقات ثنائية ركزت على إدارة المياه وإعفاء الدبلوماسيين من التأشيرات والروابط الجوية المباشرة.
ولعل أهم ما أثار اهتمام المراقبين هو توقيع الطرفين اتفاقا دفاعيا، يسمح بمبيعات السلاح وبتعاون عسكري رفيع المستوى. وجاء ذلك خلال زيارة لوزير الدفاع الإسرائيلي بيني جانتس للرباط (24 نوفمبر 2021). وأعلن أن الاتفاق يسمح بالتعاون في المجالات الأمنية والاستخباراتية، وإجراء تدريبات عسكرية مشتركة، وتعد زيارة غانتس الأولى من نوعها لوزير دفاع إسرائيلي للمغرب.