من خلف القضبان.. الصحفي محمد سعيد يكشف في رسالة مؤلمة تفاصيل انتظار لا ينتهي بين حبس وتدوير ومحاكمات تطيل أمد المعاناة
كتب – أحمد سلامة
وجه الصحفي محمد سعيد رسالة من داخل محبسه، وصف فيها حالة الحبس الاحتياطي بأنها “انتظار لا ينتهي”، مشيراً إلى أن المحبوسين يعيشون يومياً في ترقب دائم لمصير مجهول، بين قرارات قد تحمل الإفراج أو الإحالة لمحاكمات جديدة.
وأوضح سعيد في رسالته أن “الجميع ينتظرون، لكن ليس هناك ما يدعو للتفاؤل، فبدلاً من تنفيذ توصيات الحوار الوطني بتقييد مدد الحبس الاحتياطي واستبداله بإجراءات أخرى، نجد آلاف القضايا يتم إحالتها للمحاكمة فجأة، ما يعني سنوات جديدة من الحبس”.
وأضاف سعيد أن أيام الحبس كلها متشابهة، حيث يعيش المحبوسون في ترقب بين ساعات النهار والليل، خشية أن ينادى على أسمائهم لنقلهم إلى النيابة أو لتدويرهم على قضية جديدة. وتابع قائلاً: “حتى إذا صدر قرار بإخلاء السبيل، يبدأ انتظار آخر داخل أقسام الشرطة لما يسمى بالإشارة الأمنية التي تحدد المصير”.
وأنهى سعيد رسالته بالقول: “نشعر كأننا مقيدون على قضبان قطار يقترب بسرعة، ننتظر معجزة لإنقاذنا، لكننا ندرك أن المعجزات هنا نادرة”.
وتتواصل معاناة الصحفي محمد سعيد فهمي، الذي أتم ست سنوات خلف القضبان منذ القبض عليه في مايو 2018، وسط مطالبات متصاعدة بالإفراج عنه وعن نحو 20 صحفياً آخرين محتجزين في السجون المصرية.
بدأت رحلة الحبس في 31 مايو 2018، حيث تعرض للاختفاء القسري لمدة تجاوزت 45 يوماً قبل ظهوره على ذمة القضية رقم 441 لسنة 2018 حصر أمن دولة عليا. لاحقاً، صدر قرار بإخلاء سبيله في يوليو 2020، لكنه لم يُنفذ وظل قيد الاحتجاز، ليعاد تدويره في قضايا جديدة شملت القضية رقم 2727 لسنة 2020 نيابة العجوزة، ثم القضية رقم 955 لسنة 2020 أمن دولة عليا، التي ما زال محبوساً على ذمتها حتى الآن.
محمد سعيد، وهو أب لطفلين، يواجه اتهامات متكررة بالانضمام لجماعة أسست على خلاف أحكام القانون، رغم عدم تقديم أدلة واضحة أو إحالته إلى المحاكمة النهائية.. فيما أكدت زوجته أسماء محمد أن طفله الأصغر، الذي وُلد بعد القبض عليه، لم يلتقِ والده سوى مرتين فقط.
الحالة التي يعيشها محمد سعيد فهمي ليست استثناءً؛ إذ تشير تقارير حقوقية إلى وجود 19 صحفياً آخرين على الأقل في السجون المصرية، إما قيد الحبس الاحتياطي أو تنفيذ أحكام صادرة عن محاكم استثنائية، وتباينت فترات احتجازهم بين بضعة أشهر وسنوات طويلة.
تأتي هذه القضية في سياق تراجع حاد لحرية الصحافة في مصر، حيث تحتل البلاد المركز 170 من أصل 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة لعام 2024 الصادر عن منظمة “مراسلون بلا حدود”. هذه الأوضاع المتدهورة تبرز الحاجة الملحة لتحرك حقوقي دولي ومحلي لإطلاق سراح الصحفيين المحتجزين وضمان مناخ عمل آمن للإعلاميين.
وإلى نص الرسالة
الجميع الآن ينتظرون، فبعد” حوار وطني” أوصى بتقييد مدد الحبس الإحتياطي، وإستبداله بإجراءات أخرى، وبعدها مناقشة البرلمان لقانون جديد للإجراءات الجنائية، فجأه ودون مقدمات، عشرات القضايا المحبوس إحتياطياً على ذمتها الالآف تحال للمحاكمه..وبدلاً من أن يستعد هؤلاء للخروج لإنقضاء مدد حبسهم الإحتياطية منذ سنوات، فهم يستعدون لسنوات جديده يحاكمون فيها، وسنوات أخرى أطول بعد الحكم عليهم..
الجميع في البدايه ينتظرون.. يعتقد البعض أن الإنتظار عملية مؤقتة مرتبطة في الأساس بعامل الزمن، وبإعتبار أن كل آت قريب، فإن لم تتحرك نحو ذلك “الآت”فهو قادم نحوك لامحاله.. الأمر هنا مختلف، الإنتظار في السجن بالتأكيد مختلف.
قبل سنوات، وفي” مركز الإحتجاز” لاحظت انتباه وترقباً ملفتاً لزملاء الحجز لنداءات عادةً ما تكون يومية عدا الجمعه. ما بين الساعه الحادية عشر والثانية عشر ظهراً، نداءات على محتجزين معنا، ومع دوران عربة خارج المكان لها صوت مميز لا يعود زملائنا، فهمت بعد ذلك أن هذا النداء يكون للمحتجزين الذين إنقضت مدة حجزهم هنا، ومن ثم سيعرضون للمثول أمام النيابه، وأن تلك العربة ذات الصوت المميز هي عربة الترحيلات..
وعليه تفهمت حالة الحزن التي تنتاب زملاء الحجز بعد الثانية عشر ظهر الخميس، فقد فقدوا فرصة الخروج حتى وإن كانت رحلتهم الى النيابه، خصوصاً وأن اليوم التالي “الجمعة” يوم عطلة رسمية لا تعمل فيه النيابة.. وفي مساء الجمعة يتجدد الأمل، فصباح السبت ربما يحمل جديداً..
الجميع كانوا ينتظرون، فعلى مدار جلسات العرض على النيابة، وبعدها غرف المشورة للنظر في جدوي الحبس الإحتياطي تتكرر عملية الإنتظار لإحتمالية إخلاء السبيل، فعملية الإنتظار ليست مرتبطة بيوم محدد في الأسبوع، فكل الأيام سواء عدا يوم المثول أمام وكيل النيابه كل 15 يوماً، أو قاضي التجديد كل 45 يوماً.
وحتى إن حصلت على إخلاء سبيل، ونُقلت من السجن إلى قسم الشرطة، منتظراً إشارة الموافقة الأمنية للخروج من عدمه، وعليه فأيام الأسبوع كلها تتساوى فيها إحتمالية الشر والخير.. الإنتظار يتوقف على توقيتات معينة في اليوم، فإذا نودي عليك قبل أو بعد الظهر، أو بين المغرب والعشاء، أو بعد منتصف الليل، فالإشارة الأمنية قد جاءت بالموافقة على خروجك وعودتك الى بيتك، أما إذا نودي عليك بعد العصر أو من بعد العشاء حتى منتصف الليل فغالباً سيتم إقتيادك مجدداً ”لمركز إحتجاز”، ومن ثم تدويرك على قضية جديدة.
الجميع الآن ينتظرون، فبعد سنوات من توقف قضاة المشورة عن إخلاء السبيل، وقوائم عفو لاحظ لنا فيها، وحوار وطني، ومناشدات، وتوصيات بغلق ملف الحبس الإحتياطي، فبعد كل هذا قرروا غلق الباب على المحبوسين إحتياطياً، الآن الجميع يخشون كل أيام الأسبوع “عدا الجمعة عطلة النيابة الأسبوعية”، الجميع ينتظرون صباح كل يوم من السابعة حتى العاشرة، فربما يتم النداء عليك للذهاب الى النيابة للتوقيع على قرار إحالتك للمحاكمة..
نسهر الليل حتى العاشرة صباحاً منتظرين مترقبين منتبهين، وبعد الظهر ينام الجميع مجهدون بعدما تأكدوا أنه قد فاتهم اليوم قرار إحالة للمحاكمة يزج بهم في السجن سنين جديدة طويلة..وهكذا الحال كل يوم..
نحن الآن كشخص مقيد على قضبان قطار قادم لامحالة ينتظر معجزات تنقذه لن تحدث، كفأر يقرض القيد، أو أن مازوت القطار ينفذ فجأة، أو في أسوأ الأحوال ينقلب القطار، أو بخطأ غير مقصود يقوم عامل التحويلة بمناورة فينقل القطار القادم الى قضيب آخر، أو بصدفة غير مبررة يشد سائق القطار الفرامل قبل دهسك..
على كل فأنا لازلت منتبهاً مترقباً من المساء حتى التاسعة صباحاً لعلي لا أسمع نداء على إسمي كي أنام وانتظر اليوم التالي.