من أين بدأنا وإلى أين وصلنا (3)| 71 عامًا على حركة يوليو: متى بدأ تجريف مصر؟
كتب – أحمد سلامة
مازالت “حركة الضباط الأحرار” عام 1952، مثارًا للانتقادات تارة ومثارًا للتأييدات تارةً أخرى، في ظل حديث يتجدد مع كل مناسبة حول الأثر المستمر لانتقال السلطة من الملكية إلى الجمهورية.
يرى الكثيرون أن حركة الضباط في 23 يوليو هي سبب أساسي ومباشر من أسباب الأزمات التي لاحقت البلاد على مدار 71 عامًا، بينما يُجادل آخرون بالقول إن تلك الفترة الممتدة على مدى عقود ليس كُلًا واحدًا، وإنما مرت مراحل مختلفة لا يجب وضعها جميعًا على قدم المساواة خاصة مع اختلاف التوجهات المحلية والدولية.
يتناول موقع “درب” في سلسلة تقارير بعض الجوانب التي تتعلق بحركة يوليو، لنعرف من أين بدأنا وإلى أين وصلنا، وكيف يمكن أن نتدارك الأخطاء.
🛑 متى بدأ التجريف؟
يشرح الباحث الاقتصادي إلهامي الميرغني بدايات عملية التجريف التي عانت منها مصر لعقود قائلا “بدأ الحديث عن التوقف عن زراعة القمح والأرز والقطن وقصب السكر والاتجاه لمحاصيل التصدير مثل الفراولة والكانتالوب والزهور العطرية مع الغاء قوانين الزراعة التي تحمي الفلاح المصري، كل ذلك بدأ منذ منتصف السبعينات، حيث بدأت الهجرة إلى النفط، وهاجر ملايين المصريين إلى العراق وليبيا ودول الخليج العربي وفيما قبل حرب العراق وإيران كان يوجد 2 مليون فلاح مصري في العراق”.
ويضيف الميرغني “بدأ الفلاحين في تجريف الأرض الزراعية الخصبة وتحويلها إلى أرض بور، والبناء على الأرض الزراعية. وتدهورت أوضاع الريف المصري وتوسعت الهجرة من الريف إلى المدن، وتدهورت خدمات التعليم والصحة كما تدهورت الزراعة المصرية والريف المصري وأوضاع الفلاحين الذين يرزح الملايين منهم تحت خط الفقر سواء ممن يمكلون أقل من ثلاثة أفدنة أو من عمال الزراعة الذين لا يملكون الأرض”.
ويستكمل “ثم بدأ دخول استثمارات كبرى في شركات زراعية خاصة وأجنبية بعد تدمير وتخريب شركات الزراعة المملوكة للقطاع العام، وجرت محاولات لتحويل القرية المصرية من قرية منتجة تعتمد على نفسها إلى قرية مستهلكة وتغيرت العديد من العادات السائدة في الريف حتى اختفت أفران الخبيز من المنازل وأصبح الاعتماد علي شراء الخبز من الأفران التي غزت الريف المصري. بعد ذلك عاد الفلاح المصري من الدول النفطية ليهدم منزله الريفي الذي يضم الأسرة الممتدة ليشيد عمارات سكنية وأبراج في قلب الريف مع ما يمثله ذلك من إخلال بطبيعة الحياة في الريف التي كانت تحتاج إلى سكن متسع يسمح بتربية الطيور أو الحيوانات”.
يشير الباحث الاقتصادي إلى أن “تطور وتمدين الريف أصبح تمدنًا شكليًا في المظاهر لكن تدهور الأداء بالكامل في كل مناحي الحياة ورغم ذلك حدثت هجرة عكسية للريف في ظل توحش المدن العشوائية، وأصبح الكثيرين من العاملين في المدن يسكنون في الريف للاستفادة بفروق الأسعار بين الريف والمدن حتى أصبح 56% من سكان مصر يعيشون في الريف المصري”.
🛑 وماذا عن الطبقة المتوسطة؟
يستكمل الميرغني حديثه قائلا “كما حدث في الريف المصري والفلاح المصري حدث مع الطبقة الوسطى المصرية من تدهور التعليم والصحة والمرافق العامة في الريف والحضر وتراجع الإنفاق على التعليم ما قبل الجامعي والتعليم الجامعي. وهاجر المصريون وخاصة من الطبقة الوسطى إلى الخليج ولكنهم لم يعودوا كما كانوا أبدا بعضهم التحى واستبدل البدلة بالجلباب القصير والحذاء الذي كان من منجزات الثورة بعد حملة مكافحة الحفاء إلى شبشب جلد مثل أهل الخليج”.
وأردف “انتشر التعليم الخاص والدولي كما انتشرت المستشفيات الخاصة وتآكلت المستشفيات العامة وتدهور التعليم والصحة. تواكب مع ذلك وقف التعيينات بالحكومة منذ تسعينات القرن الماضي وبالتالي فقدت الطبقة الوسطى الاستقرار الذي اكتسبته بعد ثورة يوليو، وأصبح العمل في القطاع الخاص بعقود مؤقتة وبلا حماية اجتماعية وبأجور متدنية”.
ويتابع “انهارت قيم العلم والبحث العلمي أمام قيم الفهلوة والمكسب (واللي تغلب به العب به، وإذا بيت أبوك خرب ميل خدلك قالب، وإذا جالك الطوفان حط عيالك تحت رجليك)، وتحولت مصر من قيم الإنتاج إلى قيم الاستهلاك والسلع المستوردة التي بدأت بالمنطقة الحرة في بورسعيد وشارع الشواربي في القاهرة لتصبح مصر كلها من اسكندرية إلى اسوان ومن مطروح إلى العريش منطقة حرة وشارع شواربي.
ويضيف “تحولنا من عهد الجمعية الاستهلاكية والمجمعات الاستهلاكية والبقال إلى عصر الميني ماركت والسوبر ماركت والهايبر ماركت، وهدمنا دور السينما القديمة لنعرف سينما المول، ونتحول من عهد المساكن الشعبية ومساكن العمال والموظفين الي دار مصر وسكن مصر وجنة والمول والكمبوند”.
واسترسل “وأصبحت الشرائح العليا من الطبقة الوسطي تدور في ساقية رغم ما تحصل عليه من دخل مرتفع ولكنه لا يكفي مصاريف المدارس الدولية وأقساط فلل أكتوبر والتجمع وشاليهات الساحل الشمالي، والشرائح الوسطى فقدت مكانتها وتدهورت أحوالها. أما الشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى من الموظفين والعمال والمهنيين فقد تساقط الملايين منهم إلى أوضاع أقرب للطبقة العاملة وأصبحت معدلات الفقر تقدرها الدولة عام 2020 بحوالي 30% من السكان بينما يقدرها البنك الدولي للإنشاء والتعمير بحوالي 60% من سكان مصر.. هكذا تغيرت اوضاع الاقتصاد والريف والطبقة الوسطي وأصبحت 23 يوليو مجرد ذكرى”.