“من أم كلثوم إلى داليدا”… نجمات الفن والسينما العربية يسطعن في سماء معهد العالم العربي بباريس
فرانس 24
في إطار أنشطته المعززة للثقافة والفنون العربية، يقيم معهد العالم العربي في باريس معرضًا ضخمًا لتخليد نجمات فنون الموسيقى والسينما والرقص العربيات في القرن العشرين. يأخذنا معرض “النجمات من أم كلثوم إلى داليدا” في جولة داخل أروقة التاريخ الفني للعالم العربي، والتي شهدت بزوغ فنون السينما والموسيقى العربية الحديثة، مسلطًا الضوء على الدور الذي ساهمت به هؤلاء النجمات وللمرة الأولى تجتمع أم كلثوم وأسمهان وفيروز ووردة وتحية كاريوكا وسامية جمال وليلى مراد وصباح وسعاد حسني وفاتن حمامة وأخيرا وليس آخرا هند رستم تحت أضواء التكريم في معرض واحد.
يحتفي “معهد العالم العربي” بسحر هؤلاء النجمات اللائي أثرين العصر الذهبي للموسيقى والسينما العربية، عن طريق إعادة خلق ذلك الجو الساحر والهالة الفنية المضيئة وأجواء الشهرة والافتتان التي رافقتهن على امتداد سنوات طوال من عمر القرن العشرين ولا زالت.
يقدم المعرض حياة هؤلاء النجمات الاستثنائيات وتاريخهن وفنهن ويدعونا إلى اكتشاف تراثهن والكنوز الثقافية الحقيقية التي تركوها للأجيال التي جاءت من بعدهن.
ويرفع معرض “النجمات” الستار عن جوانب مجهولة من حياة أساطير الغناء والسينما العربية، ويركز على ما بذلنه من جهود مضنية في المجتمعات العربية الذكورية ليحظين بما يستحقنه من مكانة خلدت ذكراهن على مدار العصور.
فعلى حد قول جاك لانغ، رئيس معهد العالم العربي، “ما سمح لهؤلاء الفنانات بارتقاء سلم ذلك المقام الذي يكاد يتماس مع القداسة لم يكن شيئًا آخر غير فنهن وموهبتهن وقوة عزيمتهن، لقد كن نساءً متحررات مؤمنات بفنهن فصدحت أعمالهن وعلا صوتهن بترانيم الحرية”. فقد كن نساء من عامة الشعب ومن البورجوازية، يتيمات ومنفيات، مسلمات ومسيحيات ويهوديات، يشهد تاريخهن الفريد على التنوع الاجتماعي والثقافي للعالم العربي.
يكرِّم المعرض هؤلاء النساء المؤثرات اللائي ساعدن في إعادة تشكيل الفنون التي برعن فيها وسمحت لبلدانهن كمصر ولبنان والجزائر بالتألق في سماء العالم العربي. وفي قطيعة مع التقاليد الاجتماعية، أعطت هؤلاء النساء للمرأة مكانة غير مسبوقة في مجالات الصحافة والموسيقى، والرقص والغناء والسينما. وبفضل مواهبهن وجاذبيتهن، قدن جماهيرهن، وغالبيتهم من الذكور، في رحلة الوصول إلى حالة من الوجد خلال حفلاتهن الموسيقية أو جعلوهن يحبسوا أنفاسهم في عروضهن بدور السينما. وإضافة لعبقريتهن الفنية، جسّدت هؤلاء النجمات مُثُل المجتمع العربي ودافع بعضهن بحماس شديد عن مواقفهن السياسية. وكن قادرات على الاستفادة من أحدث التطورات التكنولوجية في عصرهن، منذ ظهور الأسطوانات إلى الراديو والسينما. وعبر الحدود، أسرن قلوب الجمهور العربي من دمشق إلى الدار البيضاء ومن باريس إلى الجزائر.
النسوية في العالم العربي
ويتميز هذا المعرض الذي يقام في باريس عاصمة الأنوار، على مساحة 1000 متر مربع، بمعالجته الجريئة لمسألة النسوية في العالم العربي وحرية المرأة التي لطالما أثارت لغطًا كبيرًا عند مناقشتها وتشنجات من أطراف عديدة داخل المجتمعات العربية لا تريد للمرأة أن تتقدم أو أن تحظى بما تستحقه من مكانة بوصفها نصف المجتمع.
يقدم معرض “النجمات” أبلغ الردود على من يريدون حبس المرأة في قفص من ذهب ولا يملون من إشاعة الأفكار المغلوطة عنها وعن قدرتها في بلوغ أعلى درجات النجاح والقيادة بمجتمعها. فالنجمات هن خير مثال على النسوة اللاتي ناضلن من أجل حقوقهن وانتزعنها من أنياب الأسد بفنهن وسحرهن اللذين أثرا في ملايين الناس.
الفضاء المخصص لرائدات الفن في بداية القرن العشرين
الفضاء المخصص لرائدات الفن في بداية القرن العشرين © فرانس24/حسين عمارة
يسلط هذا المعرض الضوء على ولادة النسوية في العالم العربي في بدايات القرن العشرين ويخصص مساحة كبيرة لرائداتها من أمثال هدى شعراوي وسيزا نبراوي ومي زيادة وعائشة تيمور وملك حفني ناصف (باحثة البادية) في القاهرة العاصمة المصرية الكوزموبوليتانية آنذاك، والنشاط الثقافي والاجتماعي الذي قمن به من أجل نشر أفكارهن بكل الوسائل المتاحة من مجلات، “المرأة المصرية” على سبيل المثال التي كان شعارها “اجتماع – نسوية – فن”، أو جمعيات واتحادات نسائية، مثل “الاتحاد النسائي المصري”، أو الصالونات الأدبية. ثم ينتقل من بعد ذلك للتركيز على رائدات الفنون اللاتي سبقن النجمات ومهدن لهن الطريق نحو الشهرة والمجد، ولكن أسدلت عليهن ستائر النسيان، ونذكر في هذا السياق منيرة المهدية وبديعة مصابني وآسيا داغر وعزيزة أمير. وهن الفنانات اللاتي نجحن في تحدي الهيمنة الذكورية على المشهد الموسيقي وصناعة الترفيه واستطعن ترسيخ أقدامهن في قطاعات تسجيل الأسطوانات الموسيقية والسينما الناشئة.
السينما المصرية “نيلوود”
يكمل المعرض مسيرته بتخصيص الكثير من الفضاءات لنجمات الفن الحديث، اللاتي لا زالت ذكراهن ماثلة في أذهاننا وصورهن مطبوعة في مخيلتنا، عبر أعمالهن في السينما المصرية، “هوليوود على ضفاف النيل”، وأفلامهن الغنائية لنعيد اكتشاف ليلى مراد وسعاد حسني، سندريلا السينما المصرية، وتحية كاريوكا، أسطورة الرقص الشرقي التي قدمت أكثر من 120 فيلما، وسامية جمال وهند رستم وداليدا وفاتن حمامة، سيدة الشاشة العربية، ووردة الجزائرية. ويبرز معرض “النجمات” دور هؤلاء الفنانات في الدفاع عن قضايا أوطانهن والنضال من أجل الاستقلال عن الاستعمار والدفاع عن القومية العربية.
فقد كانت السينما المصرية في ذلك العصر في ذروة مجدها، فهي أكبر رابع سينما في العالم وكان إنتاجها يهيمن على الساحة العربية من المحيط إلى الخليج. وكانت تنتج سنويا عددًا كبيرًا من الأفلام يتراوح عددها بين 50 و60 فيلما. وكانت الأفلام الغنائية حجر زاوية هذه الصناعة التي لاقت نجاحًا شعبيًا لا نظير له وذلك بفضل “استوديو مصر” الذي أسسه طلعت باشا حرب عام 1935 على مثال مدينة السينما الأمريكية هوليوود. وفي خلال 35 عاما فقط، كانت السينما المصرية قد أنتجت ما لا يقل عن 225 فيلما غنائيا كانت بوابة هؤلاء النجمات الأسطوريات إلى قلوب الجماهير وعشاق الفن السابع، كما لعبت دورًا مهمًا في ولادة ظاهرة النجومية التي رافقتها وساندتها المجلات المصورة وملصقات الأفلام المرسومة الملونة.
أصداء معاصرة
في المحطة الأخيرة من المعرض، يدلي فنانو اليوم بآرائهم الفنية في هؤلاء النجمات العظيمات اللائي كن مصدر إلهام عميق لهؤلاء الفنانين الذين نهلوا من نبع فنهن العذب والذين يعتبرون أنفسهم استكمالا لمسيرة هؤلاء الفنانات. فنجد عددًا من الأعمال الفنية الجذابة، عروض تصويرية مركبة وأفلام تسجيلية ومقاطع فيديو، التي انبثقت من ذلك التراث الغنائي الموسيقي الفريد.
ورافق كل تلك الجولات الفنية غير المسبوقة عرض يدغدغ المشاعر لعشاق هؤلاء النجمات وذلك عند رؤية متعلقاتهن الشخصية، ومن بين تلك الأشياء نجد بعض المتعلقات للفنانتين وردة وهند رستم، وأجمل فساتين الفنانة صباح، ومنضدة تزين الفنانة ليلى مراد إضافةً إلى صور فوتوغرافية لم تعرض قط للفنانة داليدا وهي في بداية مسيرتها.