ملاحظات عامة حول تقرير إنجازات تطبيق نظام التأمين الصحي الشامل: هل نسير في الاتجاه السليم أم يتعين علينا إعادة النظر
بقلم / د.علاء غنام – مسئول الحق في الصحة في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية
في السابع من أبريل ٢٠٢٤، صدر تقرير حول إنجازات تطبيق نظام التأمين الصحي الشامل بمصر. تطرق هذا التقرير إلى ما تم تحقيقه من خطوات تنفيذ هذا المشروع الطموح تحقيقًا للقانون الصادر بشأنه في عام ٢٠١٨. وذكر هذا التقرير بالتحديد الآتي:
١. توسيع نطاق تطبيق المنظومة في السنوات الخمس الماضية لتشمل ٦ محافظات هي بورسعيد، الإسماعيلية، الأقصر، وجنوب سيناء، وأسوان، والسويس. وبذلك تم تطبيق المرحلة الأولى من منظومة التغطية الصحية الشاملة.
٢. يشير التقرير إلى تسجيل أكثر من ٥ ملايين مواطن في المحافظات الست ليصبح لديهم الحق في تلقى الرعاية الصحية من خلال ٣٢١ منشأة صحية تابعة لنظام التأمين الصحي الشامل في الست محافظات. وقد تم اعتماد ١٩٦ منشأة طبية منها سواء اعتماد كلي أو مبدئي طبقًا لمعايير الجودة لهيئة الاعتماد والجودة.
٣. أوضح التقرير تقديم أكثر من ٣٧ مليون خدمة طبية للمستفيدين بالنظام، منها ١٥ مليون خدمة في بورسعيد، و١٣ مليون خدمة في الأقصر، و٧ ملايين خدمة في الإسماعيلية، وأكثر من مليون خدمة في جنوب سيناء، و٥١٥ ألف خدمة في أسوان، و٣٠٠ ألف خدمة في السويس.
٤. يشير التقرير أيضًا إلى تقديم ١٦ مليون خدمة طب أسرة في وحدات ومراكز صحة الأسرة التابعة لهيئة الرعاية الصحية في ست محافظات، لأن هذه المنشآت من شأنها تقديم ٨٠٪ من الخدمات الطبية التي يحتاجها المواطن وكون الأسرة هي وحدة الانتفاع تحت مظلة نظام التغطية وليس الفرد.
٥. كما تم إجراء ٥٢٠ ألف عملية تحت مظلة النظام التأميني الجديد. بلغت منها العمليات ذات المهارة ٣٥٪.
٦. تم إجراء أكثر من ٣ مليون فحص طبي شامل للمستفيدين في المحافظات الست التي تساهم في الكشف المبكر عن الأمراض، ويتم الفحص الطبي الشامل، بالمجان، ودوريا.
٧. كما أشار التقرير لمساهمة الهيئة في السياحة العلاجية وزيادة العوائد الدولارية منه بنسبة تجاوزت ٧٠٠٪.
٨. كما أعلن التقرير عن إنشاء أكثر من ٤.٨ مليون ملف طبي موحد بمحافظات تطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل، وإطلاق ٢٥ ألف برنامج تدريبي للقوى البشرية بمنشآت هيئة الرعاية الصحية.
٩. لفت التقرير أيضًا إلى ميكنة ١٠٠٪ من وحدات ومراكز الرعاية الأولية بمحافظات المرحلة الأولى و٨٠٪ من المستشفيات.
١٠. أخيرًا، أشار التقرير إلى أن نسبة رضاء المستفيدين عن جودة الخدمة بالهيئة تجاوزت نسبة ٩١٪.
• • •
منظومة التأمين الصحي الشامل هي نتيجة عقود من الدراسة والعمل لكثير من الحكوميين والخبراء والاقتصاديين وممثلي المجتمع المدني المحلي والدولي. وبالتالي، فمتابعة تنفيذها عن كثب شأن حتمي، ليس فقط من باب المسئولية المجتمعية والوطنية، لكن أيضًا بحكم رغبة الجميع في إنجاحها وتحقيق أهدافها التي طالما حلم بها آلاف المتخصصين واستحقها ملايين المصريين.
ما تم تحقيقه في هذه المنظومة على أرض الواقع هو أمر يدعو للفخر والإشادة. ومن ثم، فعلى التقارير والبيانات الدورية التي تصدر لتوثيق ما تم تحقيقه أن تكون على نفس القدر من الدقة. يجب أن تقدم معلومات دقيقة، يمكن دراستها وتحليلها، يجب أن تقدم التحديات والمشاكل وأوجه النقص وليس فقط النجاحات والإنجازات. هذه البيانات والأرقام يجب أن تشرك المجتمع بأكمله في إيجاد الحلول وليس فقط في الفخر بما تم إنجازه، ليتمكن الخبراء وغير المتخصصين من مناقشتها والتدقيق بها؛ بما أن هذه التقارير مقدمة لأعلى سلطة في الوطن وللمواطنين وأيضًا للخبراء والمتابعين والجهات المانحة.
• • •
أولاً: هيئة الرعاية الصحية هي واحدة من هيئات ثلاث في النظام التأميني الشامل الجديد وهي منوطة بإدارة تقديم الخدمات الطبية التأمينية الجديدة بمنشآتها والإشراف على منشآت تقديم الخدمة سواء كانت وحدات أو مراكز أو مستشفيات آلت إليها بحكم القانون.
وتعد هذه الهيئة هي المسئول الأول عن تطبيق النظام الجديد بشكل عام حيث يعد رئيسها هو أيضًا مساعدًا لوزير الصحة في تطبيق القانون، بالإضافة إلى غيرها من المهام مثل برنامج تكافل وكرامة. يمثل هذا التنوع في الأدوار إشكالية في حد ذاتها تتعلق بحوكمة النظام الجديد خاصة وأن المهام الملقاة على كاهل هيئة الرعاية الصحية هي مهام ضخمة ومتشعبة لا تتحمل هذا التداخل ولا إضافة مهام أخرى على قيادتها.
ثانياً: عند عرض بيانات عن المسجلين بالمنظومة في محافظات المرحلة الأولى، يجب عرض ذلك كأسر وليس كأفراد. تأتي أهمية ذلك باعتبار النظام، كما ذكر التقرير، وحدته هي الأسرة وليس الفرد. فيجب أن يعرض التقرير نسبة التسجيلات الأسرية التي تحققت في كل محافظة من المحافظات الست ونسبتهم لإجمالي السكان. يتعين أيضًا عرض بيانات مفصلة عن الأسرة المسجلة تحدد الآتي:
١. أعداد ونسب من تم نقل تأمينهم من نظام التأمين القديم إلى التأمين الصحي الشامل.
٢. أعداد ونسب المنتفعين بنظم تأمينية أخرى (مثل العاملين بهيئة قناة السويس) وما هو موقفهم التأميني الحالي.
٣. أعداد ونسب الأسر التي تسدد اشتراكها من المنبع من خلال الخصومات على الدخل.
٤. أعداد ونسب الأسر التي تسدد اشتراكها بشكل فردي، ونسب المنتظمين.
٥. يجب أن تتماشي أعداد الملفات الطبية مع أعداد الأسر المسجلة. فإن كانت الملفات فردية فهو أمر يتعارض مع القانون الذي يوضح أن وحدة المنظومة هي الأسرة.
٦. حجم المتأخرات في سداد المستحقات، وعدد من لم يتمكنوا من الحصول على الخدمة بسبب التأخر في السداد وحجم المديونيات.
٧. أعداد ونسب ما تتكفل الدولة بسداد اشتراك التأمين نيابة عنهم وشروط الاستحقاق المطبقة حاليًا، بالإضافة إلى حجم ما تخصصه الدولة في ذلك.
٨. نسبة الإحالة في كل محافظة عند تقديم الخدمة من المستوى الأساسي إلى المستوى الثاني والثالث، وهل نسبة الإحالة تلك تلبي معايير الخدمة والجودة المحددة في نظام طب الأسرة بالمنظمة (وهي لا يجب أن تزيد عن ٣٠٪ من الحالات)؟.
٩. بيانات عن الخدمات المقدمة في وحدات مراكز صحة الأسرة وبالأخص خدمات متابعة الأمراض المزمنة تنظيم الأسرة والتطعيمات وفقًا لمؤشرات متابعة الأداء المتبعة لقياس ذلك.
١٠. بيانات عن صرف الأدوية، ونسبة ما يتم توفيره على مستوى خدمات الصحة الأساسية، ونسبة ما لا يتم توفيره من خلال التأمين الصحي الشامل.
١١. متوسطات الزيارات السنوية في وحدات طب الأسرة لكل أسرة مسجلة.
ثالثاً: فيما يخص المنشآت، يتعين تقديم بيانات أكثر تفصيلًا عن أعداد وحدات طب الأسرة وعدد مستشفيات التي تم اعتمادها في كل محافظة ونسبتها من إجمالي الوحدات والمستشفيات، ليس فقط على مستوى المنشآت التابعة لهيئة الرعاية الصحية ولكن أيضًا من القطاع الخاص والأهلي، مع توضيح ما تم التعاقد معه وحجم الإحالة له. لأن منظومة التأمين الصحي الشامل لا يجب أن تعتمد فقط على المنشآت التابعة لهيئة الرعاية الصحية فقط. فالبيانات المقدمة من هيئة الاعتماد والجودة وهيئة التأمين الشامل هي جزء لا يتجزأ من المعلومات الهامة حول منظومة التأمين الصحي الشامل.
رابعاً: فيما يخص أعضاء الفريق الطبي، يجب توفير معلومات عن حجم نسبة استكمال العمالة الصحية وأطباء الأسرة، متوسط استمرارهم بالعمل في الهيئة، مستوى تدريبهم وتعليمهم المستمر، تقييم مدى رضاهم عن ظروف العمل ومدى تحقيقهم لمؤشرات الأداء واستحقاقهم للحوافز المرتبطة بالأداء.
أخيرًا، يجب تحديد معدلات النقص أو الكفاية في التخصصات المختلفة وفي كل محافظة ليتمكن المعنيين من تحديد الاحتياجات الخاصة بالموارد البشرية ودراسة أفضل الطرق لسد تلك الفجوات.
خامساً: يجب الإعلان بدقة وشفافية عن إجمالي الموارد المالية التي تم تحويلها لهيئة الرعاية من هيئة التأمين الصحي الشامل في كل محافظة، مع تحديد أوجه الصرف والآليات المتخذة للتعاقد بينهم، وأيضًا حجم وطبيعة التعاقدات مع مقدمي الخدمات من القطاع الخاص والأهلي. ويجب تحديد إجمالي مساهمات المواطنين في كل محافظة من الذين سجلوا وتلقوا الخدمة فعليا، والكشف عن إجمالي الإنفاق مقارنة بدخل الهيئة وحجم المدفوعات من الجيب، ونسبة من تتحمل الدولة اشتراكاتهم كالفئات غير قادرة وفقا للقانون في كل محافظة. كما يجب توضيح جميع مصادر دخل المنظومة الأخرى، وتوفير معلومات عن الدور الذي تلعبه السياحة العلاجية في ذلك وإلى أي مدى تؤثر على طبيعة مهام الهيئات المختلفة.
سادسًا: عن الإعلان عن نسب رضاء المنتفعين والتي تم تقديرها بـ٩١٪، يجب الأخذ في الاعتبار أن هذه النسب ليست لها مدلولات علمية يمكن الاعتماد عليها إلا إذا تم توضيح آلية مرجعية وموضوعية، من جهة محايدة، لسؤال العينة المستهدفة (والتي يجب أن تكون عينة من سكان المحافظة وليست فقط عينة ممن تلقوا الخدمة). والأهم من ذلك هو حصر الشكاوى، نوعيتها، متوسط وقت الاستجابة ونسبة الرضاء من الحل. كما يجب أن يشمل ذلك جميع الشكاوى (والتي تشمل الإجراءات والمدفوعات والإحالات) وليس فقط الخدمات المقدمة بمنشآت هيئة الرعاية الصحية.
أخيرًا: ما هي الدروس المستفادة والأخطاء التي يجب تداركها في كل محافظة؟ ما هو تقييم المرحلة الأولى من هذا المشروع وآليات تنفيذه؟ هل نتجه في الاتجاه السليم أم يتعين إعادة النظر في الخطط والإطار الزمني؟ يأتي هذا في الوقت التي تتم فيه النقاشات والحوارات المجتمعية المختلفة في المجالس النيابية وجلسات الحوار الوطني حيث تم اقتراح تعديلات جذرية في خطة المشروع، لا يصح وضعها في عين الاعتبار قبل الإجابة على هذه الأسئلة الهامة.
• • •
هذه أهم الملاحظات والتساؤلات حول تقرير الإنجازات التي أصدرته هيئة الرعاية الصحية، وهي لم تشر إلى الهيئات الأخرى (هيئة التمويل/ وهيئة الاعتماد) رغم مسئولية كل منهما عن جوانب محورية في منظومة التأمين الصحي الشامل وتطبيقه. فحتى تصبح النجاحات التي تم تحقيقها موضع اتفاق ويتم بناء الخطوات التالية بشكل تشاركي يحقق أساسيات الحوكمة، يجب أن يكون المدح أو النقد لأي من آليات التنفيذ مبنيا على معلومات دقيقة تُنشر بشفافية وليس مجرد انطباعات أو أفكار مسبقة يصعب الإتفاق عليها.