“مكانه ليس السجن”.. خالد درارني ضحية جديدة لقمع الصحفيين بالجزائر (حداد على حرية التعبير)
محمود هاشم
أثار حكم محكمة جزائرية أمس الأول، السجن لمدة 3 سنوات مع النفاذ بحق مدير موقع “قصبة تريبون” ومراسل قناة “تي في 5 موند” الفرنسية ومنظمة مراسلون بلا حدود في الجزائر، خالد درارني لإدانته بتهمة “المساس بالوحدة الوطنية”، انتقادات واسعة لأوضاع حرية الإعلام والتعبير في البلاد.
ووُضِع درارني في الحبس المؤقت بسجن القليعة غرب العاصمة في 29 مارس، وفي الثالث من أغسطس، طلبت النيابة خلال المحاكمة إنزال عقوبة الحبس 4 سنوات بحقه.
وبعد صدور الحكم عن محكمة سيدي امحمد بوسط الجزائر العاصمة، قال محاميه نور الدين بن يسعد وهو أيضا رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان “إنه حكم قاس جداً ومفاجيء”، وأضاف أن “التهم لا أسس لها، هذا من ضمن عمله كصحفي”.
في الوقت ذاته، حُكم على المتهمين الآخرين اللذين يحاكمان مع درارني، سمير بلعربي وسليمان حميطوش، وهما ناشطان في الحراك المناهض للسلطات، بالسجن لمدة عامين بينها 4 أشهر مع النفاذ.
ووصف الأمين العام للمنظمة كريستوف ديلوار عبر تويتر الحكم بأنه “اضطهاد قضائي” وقال إن قرار المحكمة الممتثل “للأوامر” إنما “يفطر القلب جراء طبيعته التعسفية والعبثية والعنيفة”.
وحوكم الصحفي الجزائري عن تهم “التحريض على التجمهر غير المسلح والمساس بالوحدة الوطنية”، عقب تغطيته مظاهرة في 7 مارس في العاصمة، للحراك المناهض للسلطة الذي هز الجزائر لمدة عام، قبل أن يتوقف بسبب وباء كورونا.
ولدى متابعته محاكمته من سجنه في القليعة غرب العاصمة، بتقنية التواصل عبر الفيديو مع محكمة سيدي امحمـد بوسط الجزائر العاصمة، بدا درارني هزيلا ورفض كل التهم الموجهة إليه مؤكدا أنه “قام فقط بعمله كصحفي مستقل” ومارس “حقه في الإعلام”.
وسألته المحكمة أيضا عن منشورات عبر موقع فيس بوك ينتقد فيها النظام السياسي وعن نشر نداء لأحزاب سياسية دعت للإضراب العام، بحسب “مراسلون بلا حدود”.
حملات دولية.. وانتقادات لنظام العدالة
واعتبرت “مراسلون بلا حدود”، التي تقود حملة دولية لصالح درارني، الحكم “أمرا مروّعا وصادما”، لافتة إلى أن “أي إدانة بالسجن ستكون دليلا على جنوح السلطة الجزائرية نحو الاستبداد”.
وتابعت “إذا اتبع القضاة لائحة الاتهام غير المنطقية، فسيمثّل الأمر دليلا على أن العدالة والنظام في الجزائر تجاهلا القيم التي تأسس عليها استقلال الجزائر”.
وتوعدت المنظمة بالعمل على كشف حقيقة القمع في الجزائر أمام الرأي العام وتعبئة المنظمات الدولية والحكومات، إذا لم يفرج عن خالد درارني خلال الأسابيع المقبلة.
ووصفت منظمة العفو الدولية، حكم المحكمة بحق درارني بالسجن بأنه استهزاء بالعدالة وإهانة صارخة لحقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في حرية التعبير وحرية الإعلام في الجزائر.
إدانات سياسية.. ومخاوف من “القمع”
ووصف حزب “جبهة القوى الاشتراكية”، بأنه يدخل في “خانة تجريم الفعل السياسي وتكميم الآراء الحرة والمستقلة”، مشيرًا إلى أن مثل هذه الأحكام القضائية ستؤدي إلى تفاقم الأزمة في البلاد.
كما ندد “حزب العمال” اليساري بالحكم، مؤكداً أنه يتقاسم مع الصحفيين “السخط والغضب الذي أصاب الصحفيات والصحفيين ومن خلالهم الجزائريات والجزائريين المتشبثين بالديمقراطية، إثر الإدانة التعسفية غير المفهومة، بالسجن ثلاث سنوات نافذة في حق درارني”، مطالبا بالإفراج عنه.
ووصف رئيس حزب “التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية” محسن بلعباس، إدانة الصحفي الجزائري بأنها “مستوى من مستويات القمع السياسي الذي لا يمكن تحملّه ولا تقبّله”.
عرائض ومطالبات بالإفراج.. ومظاهرات تضامنية بالخارج
كما تزايدت النداءات المطالبة بالإفراج عن الصحفي خلال الأسابيع الأخيرة، على رأسها النقابة الوطنية للصحفيين الجزائريين.
وأسف الأمين العام للنقابة، كمال عمارني، لأنّ “الأمل تحوّل إلى كابوس”، مستنكرا “سابقة خطيرة ومدانة ولا تبشر بخير حول النوايا الحقيقية للسلطة فيما يتعلق بحرية التعبير والصحافة على وجه الخصوص”، ودان العديد من ممثلي المعارضة الحكم “غير المقبول”، منددين بالاعتداء على الحريات.
ودعت “لجنة حماية الصحفيين” ومقرها نيويورك “السلطات الجزائرية إلى إطلاق سراح درارني فورا، خاصة أنه لا يوجد أي دليل على أنه فعل شيئا آخر غير عمله كصحفي”.
وأطلقت مجموعة صحفيين جزائريين عريضة على الانترنت، مفتوحة لكل من يريد توقيعها، جمعت أكثر من 1750 توقيع، الثلاثاء.
وجاء في العريضة “مكان خالد درارني ليس السجن، نحن الموقعين على هذه العريضة، نطالب بالإفراج الفوري عنه وإعادة الاعتبار له”.
ونددت “بالمعاملة التي لا تطاق التي تعرض لها الصحفي خالد درارني” ، مشيرة إلى أن الحكم الصادر، الاثنين، يعدّ “أشد عقوبة سجن تصدر منذ الاستقلال (1962) ضد صحفي بسبب عمله”، ومن المقرر تنظيم تظاهرات عدة في الخارج في الأيام المقبلة للمطالبة بالإفراج عن الصحفي.
حداد صحفي.. والملاحقات في تزايد
وعبرت صحف يومية جزائرية عدة عن غضبها، وتحت عنوان “الرأي العام مصدوم”، تحدثت صحيفة الوطن الناطقة بالفرنسية عن “حكم غير عادل”، واصفةً يوم صدور الحكم بـ”الاثنين الأسود” للصحافة الجزائرية.
ورأت الصحيفة أن قرار المحكمة “سيكون اختبارا قويا للسلطة السياسية والقضائية الحاكمة. فإما أن تبدي إرادة واضحة لفتح عهد جديد، وإما ان تبقي الوضع على حاله السيئ المتميز بالمساس بحرية التعبير” كما جاء في افتتاحية نشرتها مؤخرا.
أما صحيفة “ليبرتيه”، الناطقة أيضا بالفرنسية، وصفت يوم 10 أغسطس بأنه “يوم حداد”، وجاء في افتتاحية الصحيفة “بإدانة خالد درارني بالسجن 3 سنوات، تخلت السلطة مباشرة، وبأشد الطرق وحشية، عن أي التزام بالعدالة والحرية”.
وتزايدت خلال الأشهر الماضية الملاحقات القضائية والإدانات بحق الصحفيين والمدونين والمعارضين السياسيين والناشطين في الحراك.
وتم اتهام بعض الصحفيين بالتحريض على الانقسام في البلد وتهديد المصلحة الوطنية والعمل لصالح “جهات أجنبية”، ويوجد في السجن منذ 24 يونيو الصحفي عبد الكريم زغيلاش مدير إذاعة “ساربكان” التي تبث عبر الإنترنت من قسنطينة بشرق البلاد.
وفي 14 يوليو حُكم بالسجن 15 شهرا على مراسل قناة النهار من معسكر (شمال غرب الجزائر) بتهمة “إهانة هيئة نظامية” عبر منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويقضي الصحفي بلقاسم جير عقوبة السجن 3 أعوام بتهم انتحال صفة والابتزاز، كما جاء في الحكم الصادر بحقه في 28 يونيو.
وتحتل الجزائر المركز 146 (ضمن 180 دولة) في مجال حرية الصحافة بحسب تصنيف منظمة “مراسلون بلا حدود” بعد أن شغلت المرتبة 141 في 2019 والمرتبة 119 في 2015.