مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان للسعودية: راجعوا الأحكام ضد النشطاء واحترموا حرية التعبير
حثت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ميشيل باشليه المملكة العربية السعودية على احترام حرية التعبير والتجمع السلمي وعلى مراجعة الأحكام الصادرة بحق نشطاء ورجال دين وصحفيين خلال استعدادها لاستضافة قمة مجموعة العشرين هذا العام.
وفي كلمة إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، دعت باشليه المملكة للإفراج عن ناشطات سعوديات محتجزات لأنهن طالبن ”بإصلاحات في السياسات التمييزية”، بحسب “رويترز”.
وأضافت ”أطالب أيضا بشفافية كاملة في الإجراءات القضائية الجارية وبمحاسبة شاملة فيما يتعلق باغتيال الصحفي جمال خاشقجي المقيم في الولايات المتحدة على أيدي عملاء سعوديين بالقنصلية السعودية في اسطنبول في أكتوبر 2018“.
وفي 25 فبراير الحالي، أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة، حكماً ابتدائياً بالإعدام والسجن لثمانية سعوديين بتهمة التخابر مع إيران.
وقالت المحكمة، في بيان، إنه وفي جلسة علنية بحضور المدعي العام والمدعى عليهم ومحاميهم ووكلائهم وأقاربهم، وممثلين عن حقوق الإنسان، صدر قرار بقتل المدعى عليه السادس تعزيراً، وذلك لثبوت إدانته بخيانته لوطنه ولأمانته المؤتمن عليها من خلال تخابره لصالح شخص من الاستخبارات الإيرانية، وتزويده إياه بمعلومات في غاية السرية، اطلع عليها بحكم عمله، تمس الأمن الوطني للمملكة، ومعلومات عن «سفارتين أجنبيتين»، وأماكن الدخول والخروج من تلك السفارتين والوجود الأمني فيهما.
كما صدر حكم بتعزير بقية المتهمين بالسجن مدداً متفاوتة بلغ مجموعها ثمانية وخمسين عاماً، وذلك لارتباطهم وتعاونهم مع أشخاص مشبوهين يعملون في السفارة الإيرانية، وتقديم بعضهم معلومات لهم تمس الشأن الداخلي للمملكة واقتصادها، وتلقيهم من أولئك الأشخاص مكافآت مالية نظير ما يقدمونه من معلومات، وتم إفهامهم أن لهم حقاً في طلب الاستئناف خلال ثلاثين يوماً من الموعد المحدد لاستلام صك الحكم.
وكشف تقرير جديد أصدرته منظمة العفو الدولية، في 6 فبراير الحالي، عن كيفية استخدام السلطات السعودية للمحكمة الجزائية المتخصصة – برغم كل خطابها الإصلاحي – كسلاح للإسكات الممنهج لأصوات المعارضة. وتطلق المنظمة أيضاً إلى جانب التقرير حملة تدعو إلى الإفراج فوراً، ودون قيد أو شرط، عن جميع المدافعين عن حقوق الإنسان المعتقلين بسبب تعبيرهم السلمي عن آرائهم.
وفي التقرير الذي يحمل عنوان “تكميم الأفواه المعارضة: المحاكمات المسيّسة أمام المحكمة الجزائية المتخصصة في السعودية” توثق المنظمة التأثير المروع لعمليات المقاضاة أمام المحكمة الجزائية المتخصصة للمدافعين عن حقوق الإنسان، والكتّاب، والخبراء الاقتصاديين، والصحفيين، ورجال الدين، ودعاة الإصلاح، والنشطاء السياسيين ومن بينهم الأقلية الشيعية في المملكة العربية السعودية التي عانى أبناؤها محاكمات بالغة الجور أمام المحكمة الجزائية المتخصصة، وصدرت بحقهم أحكام قاسية اشتملت على عقوبة الإعدام بناءً على أنظمة فضفاضة لمكافحة جرائم الإرهاب والجرائم المعلوماتية.
وقد تضمن التقرير التفحص الواسع لوثائق المحكمة، والبيانات الحكومية، والتشريعات الوطنية، علاوة على المقابلات مع النشطاء والمحامين، والأشخاص الذين لهم صلة وثيقة بالحالات الموثقة. وفي 12 ديسمبر/كانون الأول 2019، بعثت منظمة العفو الدولية برسائل إلى السلطات السعودية، وتلقت رداً واحداً من الهيئة الرسمية لحقوق الإنسان لخّص القوانين والإجراءات ذات الصلة، لكنه لم يتناول مباشرة الحالات التي تناولها التقرير.
وقالت هبة مرايف، المديرة الإقليمية للمكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية: “إن الحكومة السعودية تستغل المحكمة الجزائية المتخصصة لإضفاء هالة خاطئة من المشروعية على إساءة استخدامها لنظام جرائم الإرهاب لإسكات صوت معارضيها؛ فكل مرحلة من مراحل العملية القضائية في هذه المحكمة مشوبة بانتهاكات حقوق الإنسان، بدءاً بالحرمان من حق الاستعانة بمحام، مروراً بالاعتقال بمعزل عن العالم الخارجي، وانتهاء بالإدانات المبنية حصراً على ما يسمى “باعترافات” تُنتزع تحت وطأة التعذيب.
“وتُكذّب البحوث التي أجرتها المنظمة الصورة الإصلاحية الجديدة البراقة التي تحاول السعودية خلقها، وتفضح كيفية استخدام الحكومة لمحكمة مثل المحكمة الجزائية المتخصصة كأداة قمع قاسية لأولئك الذي يتمتّعون بالشجاعة الكافية للتعبير عن معارضتهم أو الدفاع عن حقوق الإنسان أو المطالبة بإصلاحات مجدية”. وخطابات الحكومات حول الإصلاحات، التي زادت بعد تعيين ولي العهد محمد بن سلمان، تتعارض بشكل صارخ مع حقيقة وضع حقوق الإنسان في البلاد. وفي حين أجرت السلطات سلسلة من الإصلاحات الإيجابية فيما يتعلق بحقوق المرأة، أطلقت العنان لحملة قمع ضارية على البعض من أبرز المدافعات عن حقوق الإنسان اللواتي ناضلن لسنوات من أجل تحقيق هذه الإصلاحات وكذلك على المواطنين الآخرين الذين يعملون من أجل التغيير.
وقالت المنظمة، في 14 مايو 2019، الذي صادف الذكرى السنوية الأولى لاعتقال العديد من المدافعات البارزات عن حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية، إن النشطاء السعوديين، ومن بينهم العديد من المدافعات عن حقوق الإنسان، عانوا من المحنة الرهيبة المتمثلة في الاحتجاز التعسفي، ولم يتمكنوا من التحدث إلى أحبائهم أو رؤيتهم لأشهر طويلة، وحرموا من سبل التمثيل القانوني. كما أدلت الناشطات بروايات مفصلة، أمام المحكمة، عن تعذيبهن وسوء معاملتهن وتعريضهن للتحرش الجنسي، وكثير منهن يواجهن الآن عقوبة السجن بسبب نشاطهن وتعبيرهن السلميين.
لمشاهدة الرابط اضغط هنا
وقالت لين معلوف، مديرة البحوث ببرنامج الشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية، إن السلطات سجنت بعض من الناشطات في السعودية الأكثر شجاعة، بدلاً من تكريمهن والاعتراف بالخطوات التي كان ينبغي أن تساعد على النهوض بحقوق المرأة في البلاد، ثم واصلتْ اعتقال من لا يزال يجرؤ على الدفاع عن هؤلاء النساء، أو الدفاع عن حقوق المرأة في البلاد، أو حتى التعبير عن أي تشكيك في سياسات السلطات.
ففي 15 مايو/أيار 2018، تم اعتقال كل من لجين الهذلول، وإيمان النفجان، وعزيزة اليوسف، وهن أبرز الناشطات في مجال حقوق المرأة في المملكة العربية السعودية، ويواجهن المحاكمة بسبب عملهن في مجال حقوق الإنسان منذ مارس 2019.
بينما كانت إيمان النفجان وعزيزة اليوسف من بين سبع نساء تم الإفراج عنهن مؤقتًا، ما تزال لجين الهذلول، وعدة ناشطات أخريات، في السجن. ومنذ يوليو/ 2018، تحتجز المدافعتان عن حقوق الإنسان، نسيمة السادة وسمر بدوي، مع عشرات من النشطاء الآخرين، دون توجيه تهمة إليهن. ففي أبريل 2019، صعدت السلطات حملتها القمعية ضد المنتقدين، واحتجزت تعسفيًا ما لا يقل عن 14 صحفياً وكاتباً وأكاديميًا وأفراد عائلات المدافعات عن حقوق المرأة.
في نوفمبر 2018، كشفت منظمة العفو الدولية عن تقارير تفيد بتعرض ما لا يقل عن 10 نشطاء للتعذيب، وسوء المعاملة، والتحرش الجنسي، وقد احتجزوا تعسفياً منذ مايو 2018، وشملت التقارير عدة مدافعات عن حقوق الإنسان. ودعت المنظمة السلطات إلى السماح للمراقبين المستقلين بالوصول إلى النشطاء المحتجزين.
بعد بضعة أشهر من موجة الاعتقالات التي استهدفت الناشطات في مجال حقوق المرأة، صعدت السلطات السعودية من قمعها للمعارضة، كما يتضح من مطالبة النيابة العامة بإعدام رجال دين ونشطاء شيعة يحاكمون أمام محكمة مكافحة الإرهاب بتهم تتعلق بممارسة حقوقهم السلمية في حرية التعبير وتكوين الجمعيات أو الانضمام إليها، وحرية التجمع. ويشمل ذلك رجل الدين البارز الشيخ سلمان العودة، الذي وجهت إليه 37 تهمة، بما في ذلك انتمائه لجماعة الإخوان المسلمين، والدعوة إلى إجراء إصلاحات حكومية.
في أواخر أبريل 2019، نفذت السلطات أيضًا عمليات إعدام جماعية في 37 رجلاً، غالبيتهم من الأقلية الشيعية في السعودية، وتم إعدامهم بعد محاكمات جائرة. وفي الشهر الماضي، وما لا يقل عن 15 من الرجال الذين أعدموا في الشهر الفائت، حكم عليهم بالإعدام استناداً إلى “اعترافات” قالوا إنها انتُزعت تحت وطأة التعذيب، من بينهم شاب أدين بجريمة زُعم أنها وقعت وكان عمره دون 18 عامًا، وفي 2019 وحده، أعدمت السلطات السعودية ما لا يقل عن 110 أشخاص.